سورة النساء: الآية 143 - مذبذبين بين ذلك لا إلى...

تفسير الآية 143, سورة النساء

مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلًا

الترجمة الإنجليزية

Muthabthabeena bayna thalika la ila haolai wala ila haolai waman yudlili Allahu falan tajida lahu sabeelan

تفسير الآية 143

إنَّ مِن شأن هؤلاء المنافقين التردد والحَيْرة والاضطراب، لا يستقرون على حال، فلا هم مع المؤمنين ولا هم مع الكافرين. ومن يصرف الله قلبه عن الإيمان به والاستمساك بهديه، فلن تجد له طريقًا إلى الهداية واليقين.

«مذبذبين» مترددين «بين ذلك» الكفر والإيمان «لا» منسوبين «إلى هؤلاء» أي الكفار «ولا إلى هؤلاء» أي المؤمنين «ومن يضللـ» ـه «الله فلن تجد له سبيلا» طريقا إلى الهدى.

مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ أي: مترددين بين فريق المؤمنين وفريق الكافرين. فلا من المؤمنين ظاهرا وباطنا، ولا من الكافرين ظاهرا وباطنا. أعطوا باطنهم للكافرين وظاهرهم للمؤمنين، وهذا أعظم ضلال يقدر. ولهذا قال: وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا أي: لن تجد طريقا لهدايته ولا وسيلة لترك غوايته، لأنه انغلق عنه باب الرحمة، وصار بدله كل نقمة. فهذه الأوصاف المذمومة تدل بتنبيهها على أن المؤمنين متصفون بضدها، من الصدق ظاهرا وباطنا، والإخلاص، وأنهم لا يجهل ما عندهم، ونشاطهم في صلاتهم وعباداتهم، وكثرة ذكرهم لله تعالى. وأنهم قد هداهم الله ووفقهم للصراط المستقيم. فليعرض العاقل نفسه على هذين الأمرين وليختر أيهما أولى به، وبالله المستعان.

وقوله : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) يعني : المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر ، فلا هم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا ، ولا مع الكافرين ظاهرا وباطنا ، بل ظواهرهم مع المؤمنين ، وبواطنهم مع الكافرين . ومنهم من يعتريه الشك ، فتارة يميل إلى هؤلاء ، وتارة يميل إلى أولئك ( كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ) الآية [ البقرة : 20 ] .قال مجاهد : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) يعني : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ( ولا إلى هؤلاء ) يعني : اليهود .وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة ، ولا تدري أيتهما تتبع " .تفرد به مسلم . وقد رواه عن محمد بن المثنى مرة أخرى ، عن عبد الوهاب ، فوقف به على ابن عمر ، ولم يرفعه ، قال : حدثنا به عبد الوهاب مرتين كذلك .قلت : وقد رواه الإمام أحمد ، عن إسحاق بن يوسف بن عبيد الله ، به مرفوعا . وكذا رواه إسماعيل بن عياش وعلي بن عاصم ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا . وكذا رواه عثمان بن محمد بن أبي شيبة ، عن عبدة ، عن عبد الله ، به مرفوعا . ورواه حماد بن سلمة ، عن عبيد الله - أو عبد الله بن عمر - عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا . ورواه أيضا صخر بن جويرية ، عن نافع عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله .وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا الهذيل بن بلال ، عن ابن عبيد ، عن أبيه : أنه جلس ذات يوم بمكة وعبد الله بن عمر معه ، فقال أبي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين الربيضين من الغنم ، إن أتت هؤلاء نطحتها ، وإن أتت هؤلاء نطحتها " فقال له ابن عمر : كذبت . فأثنى القوم على أبي خيرا - أو معروفا - فقال ابن عمر : لا أظن صاحبكم إلا كما تقولون ، ولكني شاهد نبي الله إذ قال : كالشاة بين الغنمين . فقال : هو سواء . فقال : هكذا سمعته .وقال أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا المسعودي ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : بينما عبيد بن عمير يقص ، وعنده عبد الله بن عمر ، فقال عبيد بن عمير : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المنافق كالشاة بين ربيضين ، إذا أتت هؤلاء نطحتها ، وإذا أتت هؤلاء نطحتها " . فقال ابن عمر : ليس كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كشاة بين غنمين " . قال : فاحتفظ الشيخ وغضب ، فلما رأى ذلك ابن عمر قال : أما إني لو لم أسمعه لم أردد ذلك عليك .طريق أخرى : عن ابن عمر ، قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن عثمان بن بودويه ، عن يعفر بن زوذى قال : سمعت عبيد بن عمير وهو يقص يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين " . فقال ابن عمر : ويلكم . لا تكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . إنما قال صلى الله عليه وسلم : " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين " .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفر انتهوا إلى واد ، فدفع أحدهم فعبر ، ثم وقع الآخر حتى إذا أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي : ويلك . أين تذهب ؟ إلى الهلكة ؟ ارجع عودك على بدئك ، وناداه الذي عبر : هلم إلى النجاة . فجعل ينظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة ، قال : فجاءه سيل فأغرقه ، فالذي عبر المؤمن ، والذي غرق المنافق : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) والذي مكث الكافر وقال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا شعبة عن قتادة : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) يقول : ليسوا بمؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرحين بالشرك . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب مثلا للمؤمن وللمنافق وللكافر ، كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر ، فوقع المؤمن فقطع ، ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر : أن هلم إلي ، فإني أخشى عليك . وناداه المؤمن : أن هلم إلي ، فإني عندي وعندي ; يحصى له ما عنده . فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى أذى فغرقه . وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة ، حتى أتى عليه الموت وهو كذلك . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين ، رأت غنما على نشز فأتتها وشامتها فلم تعرف ، ثم رأت غنما على نشز فأتتها وشامتها فلم تعرف " .ولهذا قال تعالى : ( ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) أي : ومن صرفه عن طريق الهدى ( فلن تجد له وليا مرشدا ) فإنه : ( من يضلل الله فلا هادي له ) والمنافقون الذين أضلهم عن سبيل النجاة فلا هادي لهم ، ولا منقذ لهم مما هم فيه ، فإنه تعالى لا معقب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

وقوله: مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ حال من فاعل يراءون واسم الإِشارة " ذلك " مشار به إلى الإِيمان والكفر المدلول عليه بذكر المؤمنين والكافرين.قال القرطبى: المذبذب: المتردد بين أمرين. والذبذبة: الاضطراب. يقال: ذبذبته فتذبذب. ومنه قول النابغة - فى مدح النعمان بل المنذر -ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذبأى: يضطرب وقال ابن جنى: المذبذب: المهتز القلق الذى لا يثبت ولا يتمهل. فهؤلاء المنافقون مترددون بين المؤمنين والمشركين. لا مخلصين للإِيمان ولا مصرحين بالكفر. وفى صحيح مسلم من حيث ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم: " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين - أى المترددة بين قطيعين - تعير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى ".وقوله لاَ إِلَىٰ هَٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَٰؤُلاۤءِ فى محل نصب على أنه حال من ضمير مُّذَبْذَبِينَ أو على أنه بيان وتفسير له.وقوله: وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً أى: ومن يضلله الله - تعالى - عن طريق الحق، بسبب إيثاره الغواية على الهداية. فلن تجد له سبيلا يوصله إلى الصراط المسقيم.

( مذبذبين بين ذلك ) أي : مترددين متحيرين بين الكفر والإيمان ، ( لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) أي : ليسوا من المؤمنين فيجب لهم ما يجب للمؤمنين ، وليسوا من الكفار فيؤخذ منهم ما يؤخذ من الكفار ، ( ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) أي : طريقا إلى الهدى .أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، قال أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، أنا محمد بن المثنى ، أنا عبد الوهاب ، يعني الثقفي أنا عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة " .

قوله تعالى : مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاالمذبذب : المتردد بين أمرين ؛ والذبذبة الاضطراب . يقال : ذبذبته فتذبذب ؛ ومنه قول النابغة :ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذبآخر :خيال لأم السلسبيل ودونها مسيرة شهر للبريد المذبذبكذا روي بكسر الذال الثانية .قال ابن جني : أي المهتز القلق الذي لا يثبت ولا يتمهل . فهؤلاء المنافقون مترددون بين المؤمنين والمشركين ، لا مخلصين الإيمان ولا مصرحين بالكفر . وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى وفي رواية ( تكر ) بدل ( تعير ) . وقرأ الجمهور " مذبذبين " بضم الميم وفتح الذالين . وقرأ ابن عباس بكسر الذال الثانية . وفي حرف أبي " متذبذبين " . ويجوز الإدغام على هذه القراءة " مذبذبين " بتشديد الذال الأولى وكسر الثانية . وعن الحسن " مذبذبين " بفتح الميم والذالين .

القول في تأويل قوله : مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا (143)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " مذبذبين "، مردّدين.* * *وأصل " التذبذب "، التحرك والاضطراب، كما قال النابغة:أَلم تَرَ أَنَّ الله أَعْطَاكَ سُورَةًتَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ (23)* * *وإنما عنى الله بذلك: أن المنافقين متحيِّرون في دينهم، لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحة، فهم لا مع المؤمنين على بصيرة، ولا مع المشركين على جهالة، ولكنهم حيارَى بين ذلك، فمثلهم المثلُ الذي ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:-10728- حدثنا به محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَثَلُ المنافق كمثل الشَّاة العائرة بين الغنمين، تَعِير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، لا تدري أيَّهُما تَتْبع!10729- وحدثنا به محمد بن المثنى مرة أخرى، عن عبد الوهاب، فَوقفه على ابن عمر، ولم يرفعه قال، حدثنا عبد الوهاب مرتين كذلك. (24)10730- حدثني عمران بن بكار قال، حدثنا أبو روح قال، حدثنا ابن عياش قال، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله. (25)* * *وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:10731- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء "، يقول: ليسوا بمشركين فيظهروا الشرك، وليسوا بمؤمنين.10732- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء "، يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين، ولا مشركين مصرِّحين بالشرك. قال: وذُكر لنا أن نبيّ الله عليه السلام كان يضرب مَثَلا للمؤمن والمنافق والكافر، كمثل رَهْط ثلاثة دَفعوا إلى نهر، فوقع المؤمن فقَطع، ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر: أن هلم إليَّ، فإنيّ أخشى عليك! وناداه المؤمن: أن هلم إليّ، فإن عندي وعندي! يحصي له ما عنده. فما زال المنافق يتردَّد بينهما حتى أتى عليه آذيٌّ فغرَّقه. (26) وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة، حتى أتى عليه الموت وهو كذلك. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: مثل المنافق كمثل ثاغِيَة بين غنمين، (27) رأت غَنمًا على نَشَزٍ فأتتها فلم تعرف، (28) ثم رأت غنمًا على نَشَزٍ فأتتها وشامَّتها فلم تعرف. (29)10733- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " مذبذبين "، قال: المنافقون.10734- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء "، يقول: لا إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا إلى هؤلاء اليهود.10735- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قوله: " مذبذبين بين ذلك "، قال: لم يخلصوا الإيمان فيكونوا مع المؤمنين، وليسوا مع أهل الشرك.10736- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " مذبذبين بين ذلك "، بين الإسلام والكفر=" لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ".* * *وأما قوله: " ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "، فإنه يعني: من يخذُله الله عن طريق الرشاد، وذلك هو الإسلام الذي دعا الله إليه عباده. يقول: من يخذله الله عنه فلم يوفقه له=" فلن تجد له "، يا محمد=" سبيلا "، يعني: طريقًا يسلُكه إلى الحق غيره. وأيّ سبيل يكون له إلى الحق غير الإسلام؟ وقد أخبر الله جل ثناؤه: أنه من يبتغ غيره دينًا فلن يُقبل منه، ومن أضله الله عنه فقد غَوَى فلا هادي له غيره. (30)-------------الهوامش:(23) مضى البيت وتخريجه وشرحه ، في 1 : 105.(24) الأثران: 10728 ، 10729 - إسناده صحيح."عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي" ثقة. مضى مرارًا كثيرة."عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم" ثقة ، مضى مرارًا.وهذا الأثر رواه مسلم 17 : 128 ، من طريق محمد بن المثنى ، عن عبد الوهاب الثقفي ، بلفظه ، إلا أنه لم يذكر فيه: "لا تدري أيهما تتبع".ورواه أيضًا من طريق محمد بن عبد الله بن نمير ، عن أبيه ، عن عبيد الله.ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة ، عن عبد الله.ورواه أحمد في المسند: 5079 ، من طريق إسحاق بن يوسف ، عن عبيد الله ، مع اختلاف يسير في لفظه.ورواه أيضًا في المسند: 5790 ، من طريق محمد بن عبيد ، عن عبيد الله ، بمثل لفظ أبي جعفر.ورواه بمعناه في المسند ، الآثار رقم: 472 ، 5359 ، 5546 ، 5610.واستوفى تخريجه أخي السيد أحمد في شرح المسند ، وزاد في تخريجه الحافظ ابن كثير في تفسيره 2 : 611 ، فراجعه هناك.وكان في المطبوعة: "لا تدري أيتهما تتبع" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لرواية أحمد في المسند."الشاة العائرة": هي المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع. من قولهم: "عار الفرس والكلب وغيرهما يعير عيارًا" ، ذهب كأنه منفلت من صاحبه ، فهو يتردد هنا وهنا.وقوله: "تعير إلى هذه مرة" ، أي: تذهب في ترددها إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة.(25) الأثر: 10730 - مكرر الأثرين السالفين."عمران بن بكار الكلاعي" شيخ الطبري ، ثقة ، مضى برقم: 2071 ، وروى عنه الطبري في مواضع كثيرة سالفة.و"أبو روح" هو: "الربيع بن روح الحمصي" ، أبو روح الحضرمي ثقة. مضى برقم: 8164.و"ابن عياش": هو: "إسماعيل بن عياش الحمصي" ، مضى برقم 5445 ، 8164. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "ابن عباس" ، وهو خطأ.وطريق ابن عياش ، عن عبيد الله ، مرفوعًا ، أشار إليها الحافظ ابن كثير في تفسيره 2 : 611.(26) في المطبوعة: "حتى أتى عليه الماء فغرقه" ، وفي المخطوطة: "حتى أتى عليه أذى يغرقه" ، وصواب ذلك كله ما أثبت."الآذى": الموج الشديد. وقال ابن شميل: "آذى الماء" ، الأطباق التي تراها ترفعها من متنه الريح ، دون الموج.(27) "الثاغية": الشاة."ثغت الشاة تثغو ثغاء": صاحت.(28) "النشز": المتن المرتفع من الأرض أو الوادي ، كأنه رابية.(29) "شامتها": دنت إليها وشمتها لتعرف أهي أخواتها أم غيرها. ومنه قيل"شاممت فلانًا" إذا قاربته ، ابتغاء أن تعرف ما عنده بالاختبار والكشف. وهو"مفاعلة" من"الشم".(30) انظر تفسير: "الضلال" ، و"السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.

ثم جاء بحال تعبر عن جامع نفاقهم وهي قوله : { مُذبذبينَ بينَ ذلك } وهو حال من ضمير { يُراءون } .والمذَبْذَب اسن مفعول من الذّبْذَبة . يقال : ذبذبه فتذبذب . والذبذبة : شدّة الاضطراب من خوف أو خجل ، قيل : إن الذبذبة مشتقّة من تكرير ذَبّ إذا طَرد ، لأنّ المطرود يعجّل ويضطرب ، فهو من الأفعال التي أفادت كثرة المصدر بالتكرير ، مثل زلزل ولَمْلَم بالمكان وصلصل وكبكب ، وفيه لغة بدالين مهملتين ، وهي التي تجري في عاميتنا اليوم ، يقولون : رجل مدبدب ، أي يفعل الأشياء على غير صواب ولا توفيق . فقيل : إنّها مشتقّة من الدْبَّة بضمّ الدال وتشديد الباء الموحدة أي الطريقة بمعنى أنّه يَسلك مرّة هذا الطريق ومرّة هذا الطريق .والإشارة بقوله : { بين ذلك } إلى ما استفيد من قوله : { يُراءون الناس } لأنّ الذي يقصد من فعله إرضاء الناس لا يلبث أن يصير مذبذباً ، إذ يجد في النماس أصنافاً متبايَنة المقاصد والشهوات . ويجوز جعل الإشارة راجعة إلى شيء غير مذكور ، ولكن إلى ما من شأنه أن يشار إليه ، أي مذبذبين بين طرفين كالإيمان والكفر .وجملة { لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } صفة ل { مذبذبين } لقصد الكشف عن معناه لما فيه من خفاء الاستعارة ، أو هي بيان لقوله : { مذبذبين بين ذلك } . و { هؤلاء } أحدهما إشارة إلى المؤمنين ، والآخر إشارة إلى الكافرين من غير تعيين ، إذ ليس في المقام إلاّ فريقان فأيّها جعلته مشاراً إليه بأحد اسمي الإشارة صحّ ذلك ، ونظيره قوله تعالى «فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه» .والتقدير لا هُم إلى المسلمين ولا هُم إلى الكافرين . و ( إلى ) متعلّقة بمحذوف دلّ عليه معنى الانتهاء ، أي لا ذاهبين إلى هذا الفريق ولا إلى الفريق الآخر ، والذهاب الذي دلّت عليه ( إلى ) ذهاب مجازي وهو الانتماء والانتساب ، أي هُم أضاعوا النسبتين فلا هم مسلمون ولا هم كافرون ثابتون ، والعرب تأتي بمثل هذا التركيب المشتمل على ( لا ) النافية مكرّرةً في غرضين : تارة يقصدون به إضاعة الأمرين ، كقول إحدى نساء حديث أمّ زرع «لا سَهْلٌ فيُرْتقَى ولا سمين فيُنْتَقَل» وقوله تعالى :{ فَلاَ صَدَّقَ ولا صلّى } [ القيامة : 31 ] { لا ذلول تثير الأرض وَلا تسْقي الحرث } [ البقرة : 71 ] . وتارة يقصدون به إثبات حالة وسَط بين حالين ، كقوله تعالى : { لا شرقيةٍ ولا غريبةٍ } [ النور : 35 ] { لا فارض ولا بكر } [ المائدة : 68 ] ، وقول زهير :فلاَ هُو أخفاها ولم يَتَقَدّمِ ... وعلى الاستعمالين فمعنى الآية خفي ، إذ ليس المراد إثبات حالة وسط للمنافقين بين الإيمان والكفر ، لأنّه لا طائل تحت معناه ، فتعيّن أنّه من الاستعمال الأول ، أي ليسوا من المؤمنين ولا من الكافرين . وهم في التحقيق . ، إلى الكافرين . كما دَلّ عليه آيات كثيرة . كقوله : { الذين يتُخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } [ النساء : 139 ] وقوله : { وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين } [ النساء : 141 ] . فتعيّن أنّ المعنى أنهم أضاعوا الإيمان والانتماء إلى المسلمين ، وأضاعوا الكفر بمفارقة نصرة أهله ، أي كانوا بحالة اضطراب وهو معنى التذبذب . والمقصود من هذا تحقيرهم وتنفير الفريقين من صحبتِهم لينبذهم الفريقان .وقوله : { فلن تجد له سبيلاً } الخطاب لغير مُعّين ، والمعنى : لم تجد له سيبلاً إلى الهدى بقرينة مقابلته بقوله : { ومن يضلل الله } .
الآية 143 - سورة النساء: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ۚ ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا...)