سورة القمر (54): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة القمر بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة القمر مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة القمر

سُورَةُ القَمَرِ
الصفحة 528 (آيات من 1 إلى 6)

الاستماع إلى سورة القمر

تفسير سورة القمر (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Iqtarabati alssaAAatu wainshaqqa alqamaru

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1(من عادة القرآن أن ينتهز الفرصة لإِعادة الموعظة والتذكير حين يتضاءل تعلق النفوس بالدنيا ، وتُفكّر فيما بعد الموت وتُعير آذانها لداعي الهدى . فتتهيأ لقبول الحق في مظانّ ذلك على تفاوت في استعدادها وكم كان مثل هذا الانتهاز سبباً في إيمان قلوب قاسية ، فإذا أظهر الله الآيات على يد رسوله صلى الله عليه وسلم لتأييد صدقه شفع ذلك بإعادة التذكير كما قال تعالى : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً } [ الإسراء : 59 ] .وجمهورُ المفسرين على أن هذه الآية نزلت شاهدة على المشركين بظهور آية كبرى ومعجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وهي معجزة انشقاق القمر . ففي «صحيح البخاري» و «جامع الترمذي» عن أنس بن مالك قال : «سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر» . زاد الترمذي عنه «فانشق القمر بمكة فِرقتين ، فنزلت : { اقتربت الساعة وانشق القمر } إلى قوله : { سحر مستمر } [ القمر : 2 ] .وفي رواية الترمذي عن ابن مسعود قال : «بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنَى فانشق القمر .وظاهره أن ذلك في موسم الحج . وفي «سيرة الحلبي» كان ذلك ليلة أربع عشرة ( أي في آخر ليالي منى ليلة النفْر ( . وفيها «اجتمع المشركون بمنى وفيهم الوليد بن المغيرة ، وأبو جهل ، والعاصي بن وائل ، والعاصي بن هشام ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن عبد المطلب ، وزمعة بن الأسود ، والنضر بن الحارث فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم إن كنتَ صادقاً فشُقّ لنا القمر فرقتين فانشق القمر» .والعمدة في هذا التأويل على حديث عبد الله بن مسعود في «الصحيح» قال : " انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بِمنى فانشق فرقتين فرقةً فوق الجَبل وفرقة دونه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا اشهَدوا " . زاد في رواية الترمذي عنه «يعني { اقتربت الساعة وانشق القمر } . قلت : وعن ابن عباس نصفٌ على أبي قُبيس ونصفٌ على قُعَيْقِعَان .وروي مثله عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وحذيفةَ بن اليمان وأنس بن مالك وجبير بن مطعم ، وهؤلاء لم يشهدوا انشقاق القمر لأن من عدا علياً وابن عباس وابنَ عمر لم يكونوا بمكة ولم يسلموا إلا بعد الهجرة ولكنهم ما تكلموا إلا عن يقين .وكثرة رواة هذا الخبر تدل على أنه كان خبراً مستفيضاً . وقال في «شرح المواقف» : هو متواتر . وفي عبارته تسامح لعدم توفر شرط التواتر . ومراده : أنه مستفيض .وظاهر بعض الروايات لحديث ابن مسعود عند الترمذي أن الآية نزلت قبل حصول انشقاق القمر الواقع بمكة لمّا سأل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم آية أو سألوه انشقاق القمر فأراهم انشقاق القمر وإنما هو انشقاق يحصل عند حلول الساعة .وروي هذا عن الحسن وعطاء وهو المعبر عنه بالخسوف في سورة القيامة ( 7 ، 8 ( { فإذا برق البصر وخسف القمر } الآية .وهذا لا ينافي وقوع انشقاق القمر الذي سأله المشركون ولكنه غير المراد في هذه الآية لكنه مؤوّل بما في روايته عند غير الترمذي .ولحديث أنس بن مالك أن الآية نزلت بعد انشقاق القمر .وعلى جميع تلك الروايات فانشقاق القمر الذي هو معجزة حصل في الدنيا . وفي البخاري عن ابن مسعود أنه قال : «خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقَمر والدخان . وعن الحسن وعطاء أن انشقاق القمر يكون عند القيامة واختاره القشيري ، وروي عن البلخي . وقال الماوردي : هو قول الجمهور ، ولا يعرف ذلك للجمهور .وخبر انشقاق القمر معدود في مباحث المعجزات من كتب «السيرة» و«دلائل النبوة» .وليس لفظ هذه الآية صريحاً في وقوعه ولكن ظاهر الآية يقتضيه كما في «الشفاء» .فإن كان نزول هذه الآية واقعاً بعد حصول الانشقاق كما اقتضاه حديث ابن مسعود في «جامع الترمذي» فتصدير السورة ب { اقتربت الساعة } للاهتمام بالموعظة كما قدمناه آنفاً إذ قد تقرر المقصود من تصديق المعجزة .فجعلت تلك المعجزة وسيلة للتذكير باقتراب الساعة على طريقة الإِدماج بمناسبة أن القمر كائن من الكائنات السماوية ذات النظام المساير لنظام الجو الأرضي فلما حدث تغير في نظامه لم يكن مألوفاً ناسب تنبيه الناس للاعتبار بإمكان اضمحلال هذا العالم ، وكان فعل الماضي مستعملاً في حقيقته . وروي أن حذيفة بن اليمان قرأ { وقد انشق القمر } .وإن كان نزولها قبل حصول الانشقاق كما اقتضاه حديث أنس بن مالك فهو إنذار باقتراب الساعة وانشقاق القمر الذي هو من أشراط الساعة ومع الإِيماء إلى أن الانشقاق سيكون معجزة لما يسأله المشركون . ويرجح هذا المحمل قوله تعالى عقبه : { وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } [ القمر : 2 ] كما سيأتي هنالك .وإذ قد حمل معظم السلف من المفسرين ومن خلفهم هذه الآية على أن انشقاق القمر حصل قبل نزولها أو بقرب نزولها فبنا أن نبين إمكان حصول هذا الانشقاق مسايرين للاحتمالات الناشئة عن روايات الخبر عن الانشقاق إبطالاً لجحد الملحدين ، وتقريباً لفهم المصدقين .فيجوز أن يكون قد حدث خسف عظيم في كرة القمر أحدث في وجهه هوة لاحت للناظرين في صورة شقه إلى نصفين بينهما سواد حتى يخيل أنه منشق إلى قمرين ، فالتعبير عنه بالانشقاق مطابق للواقع لأن الهوة انشقاق وموافق لمرأى الناس لأنهم رأوه كأنه مشقوق .ويجوز أن يكون قد حصل في الأفق بين سمت القمر وسمت الشمس مرور جسم سماوي من نحو بعض المذنبات حجب ضوء الشمس عن وجه القمر بمقدار ظل ذلك الجسم على نحو ما يسمى بالخسوف الجُزئيّ ، وليس في لفظ أحاديث أنس بن مالك عند مسلم والترمذي ، وابن مسعود وابن عباس عند البخاري ما يناكد هذا .ومن الممكن أن يكون هذا الانشقاق حدثاً مركباً من خسوف نصفي في القمر على عادة الخسوف فحجب نصف القمر ، والقمر على سمت أحد الجبلين وقد حصل في الجو ساعتئذٍ سحاب مائي انعكس في بريق مائه صورة القمر مخسُوفاً بحيث يخاله الناظر نصفاً آخر من القمر دون كسوف طالعاً على جهة ذلك الجبل ، وهذا من غرائب حوادث الجوّ . وقد عُرفت حوادث من هذا القبيل بالنسبة لأشعة الشمس ، ويجوز أن يحدث مثلها بالنسبة لضوء القمر على أنه نادر جداً وقد ذكرنا ذلك عند قوله تعالى : { وإذ نتقنا الجبل فوقهم } في سورة الأعراف ( 171 ( .ويؤيد هذا ما أخرجه الطبراني وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : كسف القمر على عهد رسول الله فقالوا : سحر القمر فنزلت اقتربت الساعة } الآية فسماه ابن عباس كسوفاً تقريباً لنوعه .وهذا الوجه لا ينافي كون الانشقاق معجزة لأن حصوله في وقت سؤالهم من النبي صلى الله عليه وسلم آيةً وإلهام الله إياهم أن يسألوا ذلك في حين تقدير الله كاف في كونه آيةً صدق . أو لأن الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتحدّاهم به قبلَ حصوله دليل على أنه مرسل من الله إذ لا قبل للرسول صلى الله عليه وسلم بمعرفة أوقات ظواهر التغيرات للكواكب . وبهذا الوجه يظهر اختصاص ظهور ذلك بمكة دون غيرها من العالم ، وإما على الوجه الأول فإنما لم يَشعُر به غيرُ أهل مكة من أهل الأرض لأنهم لم يكونوا متأهبين إليه إذ كان ذلك ليلاً وهو وقت غفلة أو نوم ولأن القمر ليس ظهوره في حد واحد لأهل الأرض فإن مواقيت طلوعه تختلف باختلاف البلدان في ساعات الليل والنهار وفي مسامتة السماء .قال ابن كيسان : هو على التقديم والتأخير . وتقديره : انشق القمر واقتربت الساعة ، أي لأن الأصل في ترتيب الأخبار أن يجري على ترتيبها في الوقوع وإن كان العطف بالواو لا يقتضي ترتيباً في الوقوع .{ وانشق } مطاوع شقه ، والشق : فرج وتفرّق بين أديم جسم مَّا بحيث لا تنفصل قطعة مجموع ذلك الجسم عن البقية ، ويُسمى أيضاً تصدعاً كما يقع في عُود أو جدار .فإطلاق الانشقاق على حدوث هوة في سطح القمر إطلاق حقيقي وإطلاقه على انطماس بعض ضوئه استعارة ، وإطلاقه على تفرقة نصفين مجاز مرسل .والاقتراب أصله صيغة مطاوعة ، أي قبول فعل الفاعل ، وهو هنا للمبالغة في القرب فإن حمل على حقيقة القرب فهو قرب اعتباري ، أي قرب حلول الساعة فيما يأتي من الزمان قرباً نسبياً بالنسبة لما مضى من الزمان ابتداء من خلق السماء والأرض على نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم" بعثت أنا والساعةَ كهاتين " وأشار بسبابته والوسطى فإن تحديد المدة من وقت خلق العالم أو من وقت خلق الإِنسان أمر لا قبل للناس به وما يوجد في كتب اليهود مبنى على الحدس والتوهمات ، قال ابن عطية : «وكل ما يروى من التحديد في عُمر الدنيا فضعيف واهن» اه .وفائدة هذا الاعتبار أن يقبل الناس على نبذ الشرك وعلى الاستكثار من الأعمال الصالحات واجتناب الآثام لقرب يوم الجزاء .والساعة : علم بالغلبة على وقت فناء هذا العالم . ويجوز أن يراد بالساعة ساعة معهودة أنذروا بها في آيات كثيرة وهي ساعة استئصال المشركين بسيوف المسلمين .وإن حمل القرب على المجاز ، أي الدلالة على الإمكان ، فالمعنى : اتضح للناس ما كانوا يجدونه محالاً من فناء العالم فإن لحصول المُثُل والنظائر إقناعاً بإمكان أمثالها التي هي أقوى منها .وعطفُ { وانشق القمر } عطفُ جملة على جملة .والخبر مستعمل في لازم معناه وهو الموعظة إن كانت الآية نزلت بعد انشقاق القمر كما تقدم لأن علمهم بذلك حاصل فليسوا بحاجة إلى إفادتهم حكم هذا الخبر وإنما هم بحاجة إلى التذكير بأن من أمارات حلول الساعة أن يقع خسف في القمر بما تكررت موعظتهم به كقوله تعالى : { فإذا برق البصر وخسف القمر } [ القيامة : 7 ، 8 ] الآية إذ ما يأمنهم أن يكون ما وقع من انشقاق القمر أمارة على اقتراب الساعة فما الانشقاق إلا نوع من الخسف فإن أشراط الساعة وعلاماتها غير محدودة الأزمنة في القرب والبعد من مشروطها .

الترجمة الإنجليزية

Wain yaraw ayatan yuAAridoo wayaqooloo sihrun mustamirrun

وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2(يجوز أن يكون تذييلاً للإِخبار بانشقاق القمر فيكون المراد ب { آية } في قوله : { وإن يروا آية } القمرَ . فقد جاء في بعض الآثار : أن المشركين لما رأوا انشقاق القمر قالوا : «هذا سحر محمد بن أبي كبشة» وفي رواية قالوا : «قد سَحَر محمد القمر» ، ويجوز أن يكون كلاماً مستأنفاً من ذكر أحوال تكذيبهم ومكابرتهم وعلى كلا الوجهين فإن وقوع { آية } ، وهو نكرة في سياق الشرط يفيد العموم .وجيء بهذا الخبر في صورة الشرط للدلالة على أن هذا ديدنهم ودأبهم .وضمير { يروا } عائد إلى غير مذكور في الكلام دال عليه المقام وهم المشركون ، كما جاء في مواضع كثيرة من القرآن ، مع أن قصة انشقاق القمر وطعنهم فيها مشهور يومئذٍ معروفة أصحابه ، فهم مستمرون عليه كلما رأوا آية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلمووصف { مستمر } يجوز أن يكون مشتقاً من فعل مَرّ الذي هو مجاز في الزوال والسين والتاء للتقوية في الفعل ، أي لا يبقى القمر منشقاً . ويجوز أن يكون مشتقاً من المِرة بكسر الميم ، أي القوة ، والسين والتاء للطلب ، أي طلب لفعله مِرّة ، أي قوة ، أي تمكناً . والمعنى : هذا سحر معروف متكرر ، أي معهود منه مثله .

الترجمة الإنجليزية

Wakaththaboo waittabaAAoo ahwaahum wakullu amrin mustaqirrun

وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3({ وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } .هذا إخبار عن حالهم فيما مضى بعد أن أخبر عن حالهم في المستقبل بالشرط الذي في قوله : { وإن يروا آية يعرضوا } [ القمر : 2 ] . ومقابلة ذلك بهذا فيه شبه احتباك كأنه قيل : وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا : سحر ، وقد رأوا الآيات وأعرضوا وقالوا : سحر مستمر ، وكذبوا واتبعوا أهوائهم وسيكذبون ويتبعون أهواءهم .وعَطْف { واتبعوا أهواءهم } عطفُ العلة على المعلول لأن تكذيبهم لا دافع لهم إليه إلا اتباعُ ما تهواه أنفسهم من بقاء حالهم على ما ألفوه وعهدوه واشتهر دوامه .وجمع الأهواء دون أن يقول واتبعوا الهوى كما قال : { إن يتبعون إلا الظن } [ الأنعام : 116 ] ، حيث إن الهوى اسم جنس يصدق بالواحد والمتعدد ، فعدل عن الإِفراد إلى الجمع لمزاوجة ضمير الجمع المضاف إليه ، وللإِشارة إلى أن لهم أصنافاً متعددة من الأهواء : من حب الرئاسة ، ومن حسد المؤمنين على ما آتاهم الله ، ومن حب اتباع ملة آبائهم ، ومن محبة أصنامهم ، وإلففٍ لعوائدهم ، وحفاظ على أنفتهم .{ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرّ } .هذا تذييل للكلام السابق من قوله : { وإن يروا آية يعرضوا } إلى قوله : { أهواءهم } [ القمر : 2 ، 3 ] ، فهو اعتراض بين جملة { وكذبوا } وجملة { ولقد جاءهم من الأنباء } [ القمر : 4 ] ، والواو اعتراضية وهو جار مجرى المثل .و { كل } من أسماء العموم . وأمر : اسم يدل على جنس عاللٍ ومثله شيء ، وموجود ، وكائن ، ويتخصص بالوصف كقوله تعالى : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به } [ النساء : 83 ] وقد يتخصص بالعقل أو العادة كما تخصّص شيء في قوله تعالى عن ريح عَاد { تدمّر كل شيء } [ الأحقاف : 25 ] أي من الأشياء القابلة للتدمير . وهو هنا يعم الأمور ذوات التأثير ، أي تتحقق آثار مواهِيها وتظهر خصائصها ولو اعترضتها عوارض تعطل حصول آثارها حيناً كعوارضَ مانعة من ظهور خصائصها ، أو مدافعات يراد منها إزالة نتائجها فإن المؤثرات لا تلبث أن تتغلب على تلك الموانع والمدافعات في فُرصصِ تَمكنها من ظهور الآثار والخصائص .والكلام تمثيل شبهت حالة تردد آثار الماهية بين ظهور وخفاء إلى إبان التمكن من ظهور آثارها بحالة سير السائر إلى المكان المطلوب في مختِلف الطرق بين بُعد وقرب إلى أن يستقر في المكان المطلوب . وهي تمثيلية مكنية لأن التركيب الذي يدل على الحالة المشبه بها حُذِف ورمز إليه بذكر شيء من روادف معناه وهو وصف مستقر .ومن هذا المعنى قوله تعالى : { لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون } [ الأنعام : 67 ] وقد أخذه الكميّت بن زيد في قوله :فالآن صِرت إلى أميةَ والأمورُ إلى مصائرفالمراد بالاستقرار الذي في قوله : { مستقر } الاستقرار في الدنيا .وفي هذا تعريض بالإِيماء إيماء إلى أن أمر دعوة محمد صلى الله عليه وسلم سيرسخ ويستقر بعد تقلقله .ومستقِر : بكسر القاف اسم فاعل من استقر ، أي قَرّ ، والسين والتاء للمبالغة مثل السين والتاء في استجاب .وقرأ الجمهور برفع الراء من { مستقر } . وقرأه أبو جعفر بخفض الراء على جعل { كل أمر } عطفاً على { الساعة } [ القمر : 1 ] . والتقدير : واقترب كل أمر . وجَعل { مستقر } صِفة { أمر } .والمعنى : أن إعراضهم عن الآيات وافتراءهم عليها بأنها سحر ونحوه وتكذيبهم الصادق وتمالؤهم على ذلك لا يوهن وقعها في النفوس ولا يعوق إنتاجها . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم صائر إلى مصير أمثاله الحق من الانتصار والتمام واقتناع الناس به وتزايد أتباعه ، وأن اتباعهم أهواءهم واختلاق معاذيرهم صائر إلى مصير أمثاله الباطلة من الانخذال والافتضاح وانتقاص الأَتباع .وقد تضمن هذا التذييل بإجماله تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وتهديداً للمشركين واستدعاء لنظر المترددين .

الترجمة الإنجليزية

Walaqad jaahum mina alanbai ma feehi muzdajarun

وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4(عطف على جملة { وكذبوا واتبعوا أهواءهم } [ القمر : 3 ] أي جاءهم في القرآن من أنباء الأمم ما فيه مزدجر لهؤلاء ، أو أريد بالأنباء الحجج الواردة في القرآن ، أي جاءهم ما هو أشد في الحجة من انشقاق القمر . و { من الأنباء } بيان ما فيه مزدجر قدم على المبين و { من } بيانية .والمُزدجر : مصدر ميمي ، وهو مصاغ بصيغة اسم المفعول الذي فعله زائد على ثلاثة أحرف . ازدجره بمعنى زجره ، ومادة الافتعال فيه للمبالغة . والدال بدل من تاء الافتعال التي تبدل بعد الزاي إلاّ مثل ازْداد ، أي ما فيه مانع لهم من ارتكاب ما ارتكبوه . والمعنى : ما هو زاجر لهم فجعل الازدجار مظروفاً فيه مجازاً للمبالغة في ملازمته له على طريقة التجريد كقوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } [ الأحزاب : 21 ] أي هو أسوة .

الترجمة الإنجليزية

Hikmatun balighatun fama tughnee alnnuthuru

حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5(و { حكمة بالغة } بدل من { مَا } ، أي جاءهم حكمةٌ بالغة .والحكمة : إتقان الفهم وإصابة العقل . والمراد هنا الكلام الذي تضمن الحكمة ويفيد سامعه حكمة ، فوصْفُ الكلام بالحكمة مجاز عقلي كثير الاستعمال ، وتقدم في سورة البقرة ( 269 ( ، { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } والبالغة : الواصلة ، أي واصلة إلى المقصود مفيدة لصاحبها .وفرع عليه قوله : { فما تغن النذر } ، أي جاءهم ما فيه مزدجر فلم يُغن ذلك ، أي لم يحصل فيه الإقلاع عن ضلالهم .و { ما } تحتمل النفي ، أي لا تغني عنهم النذر بعد ذلك . وهذا تمهيد لقوله : { فتول عنهم } [ القمر : 6 ] ، فالمضارع للحال والاستقبال ، أي ما هي مغنية ، ويفيد بالفحوى أن تلك الأنباء لم تغن عنهم فيما مضى بطريق الأحرى ، لأنه إذا كان ما جاءهم من الأنباء لا يغني عنهم من الانزجار شيئاً في الحال والاستقبال فهو لم يغن عنهم فيما مضى إذ لو أغنى عنهم لارتفع اللوم عليهم .ويحتمل أن تكون { مَا } استفهامية للإِنكار ، أي ماذا تفيد النذر في أمثالهم المكابرين المصرين ، أي لا غناء لهم في تلك الأنباء ، ف { ما } على هذا في محل نصب على المفعول المطلق ل { تغن } ، وحذف ما أضيفت إليه { ما } . والتقدير : فأي غناء تغني النذر وهو المخبر بما يسوء ، فإن الأنباء تتضمن إرسال الرسل من الله منذرين لقومهم فما أغنوهم ولم ينتفعوا بهم ولأن الأنباء فيها الموعظة والتحذير من مثل صنيعهم فيكون المراد ب { النذر } آيات القرآن ، جعلت كل آية كالنذير : وجمعت على نُذُر ، ويجوز أن يكون جمع نذير بمعنى الإِنذار اسم مصدر ، وتقدم عند قوله تعالى : { هذا نذير من النذر الأولى } في آخر سورة النجم ( 56 ( .

الترجمة الإنجليزية

Fatawalla AAanhum yawma yadAAu alddaAAi ila shayin nukurin

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } .تفريع على { فما تغن النذر } [ القمر : 5 ] ، أي أعرِضْ عن مجادلتهم فإنهم لا تفيدهم النذر كقوله : { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا } [ النجم : 29 ] ، أي أنك قد بلّغت فما أنت بمسؤول عن استجابتهم كما قال تعالى : { فتول عنهم فما أنت بملوم } [ الذاريات : 54 ] . وهذا تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وتطمين له بأنه ما قَصر في أداء الرسالة . ولا تعلّق لهذه الآية بأحكام قتالهم إذ لم يكن السياق له ولا حدثت دواعيه يومئذٍ فلا وجه للقول بأنها منسوخة .{ يَوْمَ يَدْعُو الداع إلى شَىْءٍ نُّكُرٍ * خُشَّعاً أبصارهم يَخْرُجُونَ مِنَ الاجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ } .استئناف بياني لأن الأمر بالتولّي مؤذن بغضب ووعيد فمن شأنه أن يثير في نفس السامع تساؤلاً عن مجمل هذا الوعيد . وهذا الاستئناف وقع معترضاً بين جملة { ولقد جاءهم من الأنباء } [ القمر : 4 ] وجملة { كذبت قبلهم قوم نوح } [ القمر : 9 ] .وإذ قد كان المتوعد به شيئاً يحصل يوم القيامة قدم الظرف على عامله وهو { يقول الكافرون هذا يوم عسر } ليحصل بتقديمه إجمال يفصّله بعض التفصيل ما يُذكر بعده ، فإذا سمع السامع هذا الظرف علم أنه ظرف لأهوال تذكر بعده هي تفصيل ما أجمله قوله : { فتول عنهم } من الوعيد بحيث لا يحسن وقع شيء مما في هذه الجملة هذا الموقع غير هذا الظرف ، ولولا تقديمه لجاء الكلام غير موثوق العرى ، وانظر كيف جمع فيما بعد قوله : { يوم يدع الداع } كثيراً من الأهوال آخذٌ بعضها بحجز بعض بحسن اتصال ينقل كل منها ذهن السامع إلى الذي بعده من غير شعور بأنه يُعدّد له أشياءَ .وقد عُدّ سبعة من مظاهر الأهوال :أولها : دعاء الداعي فإنه مؤذن بأنهم محضرون إلى الحساب ، لأن مفعول { يدع } محذوف بتقدير : يدعوهم الداعي لدلالة ضمير { عنهم } على تقدير المحذوف .الثاني : أنه يدعو إلى شيء عظيم لأن ما في لفظ { شيء } من الإِبهام يُشعر بأنه مهول ، وما في تنكيره من التعظيم يجسم ذلك الهول .وثالثها : وصف شيء بأنه { نكر } ، أي موصوف بأنه تنكره النفوس وتكرهه .والنكُر بضمتين : صفة ، وهذا الوزن قليل في الصفات ، ومنه قولهم : روضة أُنُف ، أي جديدة لم ترعها الماشية ، ورجل شُلُل ، أي خفيف سريع في الحاجات ، ورجل سُجُح بجيم قبل الحاء ، أي سمح ، وناقة أُجُد : قوية موثقة فَقار الظهر ، ويجوز إسكان عين الكلمة فيها للتخفيف وبه قرأ ابن كثير هنا .
528