تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة المنافقون بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة المنافقون مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.
معلومات عن سورة المنافقون
نوع سورة المنافقون: مدنية
عدد الآيات في سورة المنافقون: 11
ترتيب سورة المنافقون في القرآن الكريم: 63
ترتيب نزول الوحي: 104
اسم السورة باللغة الإنجليزية: The Hypocrites
أرقام الصفحات في القرآن الكريم: من الصفحة 554 إلى 555
مقدمة وتمهيد1- سورة «المنافقون» من السور المدنية الخالصة، وعدد آياتها إحدى عشرة آية، وكان نزولها بعد سورة «الحج» ، وقبل سورة «المجادلة» .وقد عرفت بهذا الاسم منذ عهد النبوة، فقد جاء في حديث زيد بن أرقم- الذي سنذكره خلال تفسيرنا لها- أنه قال: «فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين» .وقال الآلوسى: أخرج سعيد بن منصور، والطبراني في الأوسط- بسند حسن- عن أبى هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بسورة الجمعة، فيحرض بها المؤمنين ويقرأ في الركعة الثانية بسورة المنافقين، فيقرع بها المنافقين.2- والمحققون من العلماء على أن هذه السورة، نزلت في غزوة بنى المصطلق، وقد جاء ذلك في بعض الروايات التي وردت في سبب نزول بعض آياتها، والتي سنذكرها خلال تفسيرنا لها- بإذن الله- وكانت هذه الغزوة في السنة الخامسة من الهجرة.وذكر بعضهم أنها نزلت في غزوة «تبوك» ، ومما يشهد لضعف هذا القول، أن المنافقين في هذا الوقت- وهو السنة التاسعة من الهجرة، كانوا قد زالت دولتهم، وضعف شأنهم، وما كان لواحد منهم أن يقول: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ.3- وسميت هذه السورة بسورة «المنافقون» ، لأنها فضحتهم، ووصفتهم بما هم أهله من صفات ذميمة، ومن طباع قبيحة، ومن مسالك سيئة ... ويكاد حديثها يكون مقصورا عليهم، وعلى أكاذيبهم ودسائسهم.وحديث القرآن عن النفاق والمنافقين، قد ورد في كثير من السور المدنية، ففي سورة البقرة نجد حديثا مستفيضا عنهم، يبدأ بقوله- تعالى-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.وفي سورة آل عمران نجد توبيخا من الله- تعالى- لهم، كما في قوله- عز وجل-:الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا، لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا، قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.مقدمة وتمهيد1- سورة «المنافقون» من السور المدنية الخالصة، وعدد آياتها إحدى عشرة آية، وكان نزولها بعد سورة «الحج» ، وقبل سورة «المجادلة» .وقد عرفت بهذا الاسم منذ عهد النبوة، فقد جاء في حديث زيد بن أرقم- الذي سنذكره خلال تفسيرنا لها- أنه قال: «فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين» .وقال الآلوسى: أخرج سعيد بن منصور، والطبراني في الأوسط- بسند حسن- عن أبى هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بسورة الجمعة، فيحرض بها المؤمنين ويقرأ في الركعة الثانية بسورة المنافقين، فيقرع بها المنافقين.2- والمحققون من العلماء على أن هذه السورة، نزلت في غزوة بنى المصطلق، وقد جاء ذلك في بعض الروايات التي وردت في سبب نزول بعض آياتها، والتي سنذكرها خلال تفسيرنا لها- بإذن الله- وكانت هذه الغزوة في السنة الخامسة من الهجرة.وذكر بعضهم أنها نزلت في غزوة «تبوك» ، ومما يشهد لضعف هذا القول، أن المنافقين في هذا الوقت- وهو السنة التاسعة من الهجرة، كانوا قد زالت دولتهم، وضعف شأنهم، وما كان لواحد منهم أن يقول: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ.3- وسميت هذه السورة بسورة «المنافقون» ، لأنها فضحتهم، ووصفتهم بما هم أهله من صفات ذميمة، ومن طباع قبيحة، ومن مسالك سيئة ... ويكاد حديثها يكون مقصورا عليهم، وعلى أكاذيبهم ودسائسهم.وحديث القرآن عن النفاق والمنافقين، قد ورد في كثير من السور المدنية، ففي سورة البقرة نجد حديثا مستفيضا عنهم، يبدأ بقوله- تعالى-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.وفي سورة آل عمران نجد توبيخا من الله- تعالى- لهم، كما في قوله- عز وجل-:الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا، لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا، قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.افتتح الله - تعالى - السورة الكريمة ، بالحديث عن صفة من أبرز الصفات الذميمة للمنافقين ، ألا وهى صفة الكذب والخداع ، فقال - تعالى - ( إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله . . . ) .( إِذَا ) هنا ظرف للزمان الماضى ، بقرينة كون جملتيها ماضيتين ، وجواب " إذا " قوله ( قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله . . ) والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - .و ( المنافقون ) جمع منافق ، وهو من يظهر الإسلام ويخفى الكفر ، أو من يظهر خلاف ما يبطن من أقوال وأفعال .أى : إذا حضر المنافقون إلى مجلسك - أيها الرسول الكريم -قالوا لك على سبيل الكذب والمخادعة والمداهنة . . . نشهد أنك رسول من عند الله - تعالى - ، وأنك صادق فيما تبلغه عن ربك .وعبروا عن التظاهر بتصديقهم له - صلى الله عليه وسلم - بقوله ( نَشْهَدُ ) - المأخوذ من الشهادة التى هى إخبار عن أمر مقطوع به - وأكدوا هذه الشهادة بإن واللام ، للإيهام بأن شهادتهم صادقة ، وأنهم لا يقصدون بها إلا وجه الحق ، وأن ما على ألسنتهم يوافق ما فى قلوبهم .قال الشوكانى : أكدوا شهادتهم بإنّ واللام ، للإشعار بأنها صادرة من صميم قلوبهم ، مع خلوص نياتهم ، والمراد بالمنافقين ، عبد الله بن أبىّ وأتباعه .ومعنى نشهد : نحلف ، فهو يجرى مجرى القسم ، ولذا يتلقى بما يتلقى به القسم .ومثل نشهد : نعلم ، فإنه يجرى مجرى القسم كما فى قول الشاعر :ولقد علمت لتأتين منيتى ... إن المنايا لا تطيش سهامهاوقوله : ( والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ ) معطوفة على قوله : ( قَالُواْ نَشْهَدُ ) .أى : إذا حضر المنافقون إليك - أيها الرسول الكريم - قالوا كذبا وخداعا : نشهد إنك لرسول الله ، والله - تعالى - ( يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ) حقا سواء شهدوا بذلك أم لم يشهدوا ، فأنت لست فى حاجة إلى هذه الشهادة التى تخالف بواطنهم .( والله ) - تعالى - ( يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ ) فى قولهم : نشهد إنك لرسول الله ، لأن قولهم هذا يباين ما أخفته قلوبهم المريضة ، من كفر ونفاق وعداوة لك وللحق الذى جئت به .والإيمان الحق لا يتم إلا إذا كان ما ينطق به اللسان ، يوافق ويواطىء ، ما أمضره القلب ، وهؤلاء قد قالوا بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم ، فثبت كذبهم فى قولهم : نشهد إنك لرسول الله . .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أى : فائدة فى قوله - تعالى - : ( والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ) ؟ قلت : لو قال : قالوا نشهد إنك لرسول الله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ، لكان يوهم أن قولهم هذا كذب ، فوسط بينهما قوله : ( والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ) ليميط هذا الإيهام .وجىء بالفعل ( يَشْهَدُ ) فى الإخبار عن كذبهم فيما قالوه ، للمشاكلة ، حتى يكون إبطال خبرهم مساويا لإخبارهم ولما نطقوا به .
Ittakhathoo aymanahum junnatan fasaddoo AAan sabeeli Allahi innahum saa ma kanoo yaAAmaloona
ثم بين- سبحانه- جانبا من الوسائل التي كانوا يستعملونها لكي يصدقهم من يسمعهم فقال- تعالى-: اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً..والأيمان: - بفتح الهمزة- جمع يمين، والجنّة- بضم الجيم- ما يستتر به المقاتل ليتقى ضربات السيوف والرماح والنبال..أى: أن هؤلاء المنافقين إذا ظهر كذبهم، أو إذا جوبهوا بما يدل على كفرهم ونفاقهم، أقسموا، بالأيمان المغلظة بأنهم ما قالوا أو فعلوا ما يسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى المؤمنين..فهم يستترون بالحلف الكاذب، حتى لا يصيبهم أذى من المؤمنين، كما يستتر المقاتل بترسه من الضربات.وقد حكى القرآن كثيرا من أيمانهم الكاذبة، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ، وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ .وقوله- سبحانه-: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ... .وقوله- عز وجل-: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ .قال الآلوسى: قال قتادة: كلما ظهر شيء منهم يوجب مؤاخذتهم، حلفوا كاذبين، عصمة لأموالهم ودمائهم.. .والفاء في قوله- تعالى-: فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... للتفريع على ما تقدم.أى: اتخذوا أيمانهم الفاجرة ذريعة أمام المؤمنين لكي يصدقوهم، فتمكنوا عن طريق هذه الأيمان الكاذبة، من صد بعض الناس عن الصراط المستقيم، ومن تشكيكهم في صحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.فهم قد جمعوا بين رذيلتين كبيرتين: إحداهما: تعمّد الأيمان الكاذبة، والثانية: إعراضهم عن الحق، ومحاولتهم صرف غيرهم عنه.وقوله- سبحانه-: إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ تذييل قصد به بيان قبح أحوالهم، وسوء عاقبتهم.و «ساء» : فعل ماض بمعنى بئس في إفادة الذم، و «ما» موصولة والعائد محذوف.أى: إن هؤلاء المنافقين بئس ما كانوا يقولونه من أقوال كاذبة، وساء ما كانوا يفعلونه من أفعال قبيحة، سيكونون بسببها يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار.
واسم الإشارة في قوله- تعالى- بعد ذلك: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا يعود إلى ما تقدم ذكره من الكذب، ومن الصد عن سبيل الله، ومن قبح الأقوال والأفعال.أى: ذلك الذي ذكر من حالهم الذي دأبوا عليه من الكذب والخداع والصد عن سبيل الله ... سببه أنهم آمَنُوا أى: نطقوا بكلمة الإسلام بألسنتهم دون أن يستقر الإيمان في قلوبهم، ثم كفروا، أى: ثم ارتكسوا في الكفر واستمروا عليه، وظهر منهم ما يدل على رسوخهم فيه ظهورا جليا، كقولهم: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ ... وكقولهم للمجاهدين:لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ....فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ أى: فختم الله- تعالى- عليها بالكفر نتيجة إصرارهم عليه، فصاروا، بحيث لا يصل إليها الإيمان.فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ أى: فهم لا يدركون حقيقة الإيمان أصلا، ولا يشعرون به، ولا يفهمون حقائقه لانطماس بصائرهم.وقوله: ذلِكَ مبتدأ، وقوله بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ... خبر: والباء للسببية.وثُمَّ للتراخي النسبي، لأن إبطان الكفر مع إظهار الإيمان أعظم من الكفر الصريح، وأشد ضررا وقبحا.قال صاحب الكشاف: فان قلت: المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم، فما معنى قوله: آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا؟.قلت: فيه ثلاثة أوجه: أحدها: آمنوا: أى نطقوا بكلمة الشهادة، وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام، ثم كفروا. أى: ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع الله عليه المؤمنين من قولهم: إن كان ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم حقا فنحن حمير..والثاني: آمنوا، أى: نطقوا بالإيمان عند المؤمنين، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام، كقوله- تعالى-: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ.الثالث: أن يراد أهل الردة منهم.. .
ثم رسم- سبحانه- لهم بعد ذلك صورة تجعل كل عاقل يستهزئ بهم، ويحتقرهم، ويسمو بنفسه عن الاقتراب منهم. فقال- تعالى-: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ. وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ.قال القرطبي: قال ابن عباس: كان عبد الله بن أبى، وسيما جسيما صحيحا صبيحا، ذلق اللسان، فإذا قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته.وقال الكلبي: المراد ابن أبى، وجد بن قيس، ومعتب بن قشير، كانت لهم أجسام ومنظر، وفصاحة ...وخُشُبٌ- بضم الخاء والشين- جمع خشبة- بفتحهما- كثمرة وثمر.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: كأنهم خشب- بضم الخاء وسكون الشين- كبدنة وبدن.أى: وإذا رأيت- أيها الرسول الكريم- هؤلاء المنافقين، أعجبتك أجسامهم، لكمالها وحسن تناسقها، وإن يقولوا قولا حسبت أنه صدق، لفصاحته، وأحببت الاستماع إليه لحلاوته.وعدى الفعل «تسمع» باللام، لتضمنه معنى تصغ لقولهم.وجملة: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ مستأنفة، أو خبر لمبتدأ محذوف.أى: كأنهم وهم جالسون في مجلسك، مستندين على الجدران، وقد خلت قلوبهم من الخير والإيمان، كأنهم بهذه الحالة، مجموعة من الأخشاب الطويلة العريضة، التي استندت إلى الحوائط، دون أن يكون فيها حسن، أو نفع، أو عقل.فهم أجسام تعجب، وأقوال تغرى بالسماع إليها، ولكنهم قد خلت قلوبهم من كل خير، وامتلأت نفوسهم بكل الصفات الذميمة. فهم كما قال القائل:لا بأس بالقوم من طول ومن غلظ ... جسم البغال وأحلام العصافيروشبههم- سبحانه- بالخشب المسندة على سبيل الذم لهم، أى: كأنهم في عدم الانتفاع بهم، وخلوهم من الفائدة كالأخشاب المسندة إلى الحوائط الخالية من أية فائدة.ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال: فإن قلت: ما معنى كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ قلت: شبهوا في استنادهم- وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير بالخشب المسندة إلى الحوائط لأن الخشب إذا انتفع به، كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به، أسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع.ويجوز أن يراد بالخشب المسندة الأصنام المنحوتة من الخشب، المسندة إلى الحيطان، وشبهوا بها في حسن صورهم، وقلة جدواهم، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل من يخاطب.. .فأنت ترى القرآن الكريم وصفهم بتلك الصفة البديعة في التنفير منهم وعدم الاغترار بمظهرهم لأنهم كما قال القائل:لا تخدعنك اللحى ولا الصور ... تسعة أعشار من ترى بقرتراهم كالسحاب منتشرا ... وليس فيه لطالب مطرفي شجر السرو منهم شبه ... له رواء وماله ثمرثم وصفهم- سبحانه- بعد ذلك بالجبن والخور فقال: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ....والصيحة: المرة من الصياح، والمراد بها ما ينذر ويخيف أى: يظنون لجبن قلوبهم ولسوء نواياهم، وخبث نفوسهم- أن كل صوت ينادى به المنادى، لنشدان ضالة، أو انفلات دابة ... إنما هو واقع عليهم ضار بهم مهلك لهم..قال الآلوسى: قوله: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ أى: واقعة عليهم، ضارة لهم، لجبنهم وهلعهم.وقيل: كانوا على وجل من أن ينزل الله- تعالى- فيهم ما يهتك أستارهم، ويبيح دماءهم وأموالهم.والوقف على «عليهم» الواقع مفعولا ثانيا ل «يحسبون» وهو وقف تام.وقوله- تعالى-: هُمُ الْعَدُوُّ استئناف. أى: هم الكاملون في العداوة، والراسخون فيها، فإن أعدى الأعداء، العدو المداجى.فَاحْذَرْهُمْ لكونهم أعدى الأعداء، ولا تغترن بظواهرهم..وقوله- سبحانه-: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ دعاء عليهم بالطرد من رحمة الله- تعالى-، وتعجيب لكل مخاطب من أحوالهم التي بلغت النهاية في السوء والقبح.عن ابن عباس أن معنى قاتَلَهُمُ اللَّهُ طردهم من رحمته ولعنهم، وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن.. .وأَنَّى بمعنى كيف، ويُؤْفَكُونَ بمعنى يصرفون، من الأفك- بفتح الهمزة والفاء- بمعنى الانصراف عن الشيء.أى: لعن الله- تعالى- هؤلاء المنافقين، وطردهم من رحمته، لأنهم بسيب مسالكهم الخبيثة، وأفعالهم القبيحة، وصفاتهم السيئة ... صاروا محل مقت العقلاء، وعجبهم، إذ كيف ينصرفون عن الحق الواضح إلى الباطل الفاضح، وكيف يتركون النور الساطع، ويدخلون في الظلام الدامس؟!! وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة: قد فضحت المنافقين، وحذرت من شرورهم، ووصفتهم بالصفات التي تخزيهم، وتكشف عن دخائلهم المريضة.ثم وصفهم- سبحانه- بصفات أخرى، لا تقل في قبحها وبشاعتها عن سابقتها فقال- تعالى-: