سورة الممتحنة (60): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الممتحنة بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الممتحنة مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الممتحنة

سُورَةُ المُمۡتَحنَةِ
الصفحة 549 (آيات من 1 إلى 5)

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا۟ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَٰدًا فِى سَبِيلِى وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِى ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا۟ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوٓا۟ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِٱلسُّوٓءِ وَوَدُّوا۟ لَوْ تَكْفُرُونَ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُكُمْ ۚ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِىٓ إِبْرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذْ قَالُوا۟ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُا۟ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَحْدَهُۥٓ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
549

الاستماع إلى سورة الممتحنة

تفسير سورة الممتحنة (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Ya ayyuha allatheena amanoo la tattakhithoo AAaduwwee waAAaduwwakum awliyaa tulqoona ilayhim bialmawaddati waqad kafaroo bima jaakum mina alhaqqi yukhrijoona alrrasoola waiyyakum an tuminoo biAllahi rabbikum in kuntum kharajtum jihadan fee sabeelee waibtighaa mardatee tusirroona ilayhim bialmawaddati waana aAAlamu bima akhfaytum wama aAAlantum waman yafAAalhu minkum faqad dalla sawaa alssabeeli

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)اتفق المفسرون وثبت في «صحيح الأحاديث» أن هذه الآية نزلت في قضية الكتاب الذي كتب به حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العُزّى من قريش . وكان حاطب من المهاجرين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل بدر .وحاصل القصة مأخوذة مما في «صحيح الآثار» ومشهور السيرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد تجهّز قاصداً مكة . قيل لأجل العمرة عام الحديبية ، وهو الأصح ، وقيل لأجل فتح مكة وهو لا يستقيم ، فقدمتْ أيامئذٍ من مكة إلى المدينة امرأة تسمّى سارة مولاةٌ لأبي عَمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف وكانت على دين الشرك فقَالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة وقد ذهب الموالي ( تعني من قُتل من مواليها يوم بدر ) . وقد اشتدت بي الحاجة فقدمتُ عليكم لتعطوني وتكسوني فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها ، فكسوها وأعطوها وحملوها ، وجاءها حاطب بن أبي بلتعة فأعطاها كتاباً لتبلغه إلى من كتب إليهم من أهل مكة يخبرهم بعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج إليهم ، وآجرها على إبلاغه فخرجت ، وأوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فبعث عليّاً والزبير والمقدادَ وأبا مرثد الغَنوي ، وكانوا فرساناً . وقال : انطلقوا حتى تأتوا رَوضة خَاخخٍ ، فإنّ بها ظعينة ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلّوا سبيلها . فخرجوا تتعادى بهم خيلهم حتى بلغوا روضة خاخ فإذا هم بالمرأة . فقالوا : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي كتاب ، فقالوا : لتخرجنَّ الكتاب أو لَنُلْقِيّنَ الثّياب ( يعنون أنهم يجردونها ) فأخرجته من عقاصها ، وفي رواية من حُجْزتها .فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا حاطب ما هذا؟ قال : لا تعجل عليَّ يا رسول الله . فإني كنت امرأ ملصقاً في قريش وكان لمن كان معك من المهاجرين قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمُون بها قرابتي ( يريد أمه وإخوته ) ، ولم أفعله كُفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضىً بالكفر بعد الإِسلام . فقال النبي صلى الله عليه وسلم صَدقَ . فقال عمر : دعني يا رسول الله أضربْ عنق هذا المنافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنه قد شهد بدراً وما يُدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وقال : لا تقولوا لحاطب إلاّ خيراً فأنزل الله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } الآيات .والظاهر أن المرأة جاءت متجسسة إذ ورد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمِّن يوم الفتح أربعةً منهم هذه المرأة لكن هذا يعارضه ما جاء في رواية القصة من قول النبي صلى الله عليه وسلم" خذوا منها الكتاب وخَلُّوا سبيلها "وقد وجه الخطاب بالنهي إلى جميع المؤمنين تحذيراً من إتيان مثل فعل حاطب .والعدوّ : ذو العداوة ، وهو فعول بمعنى فاعل من : عدا يعدو ، مثل عفوّ . وأصله مصدر على وزن فعول مثل قَبول ونحوه من مصادر قليلة . ولكونه على زنة المصادر عومل معاملة المصدر فاستوى في الوصف به المذكر والمؤنث والواحد والمثنى والجمع . قال تعالى : { فإنهم عدو لي } [ الشعراء : 77 ] ، وتقدم عند قوله تعالى : { فإن كان من قوم عدو لكم } في سورة [ النساء : 92 ] .والمعنى : لا تتخذوا أعدائي وأعداءكم أولياء . والمراد العداوة في الدين فإن المؤمنين لم يبدأوهم بالعداوة وإنما أبدى المشركون عداوة المؤمنين انتصاراً لشركهم فعدُّوا من خرجوا عن الشرك أعداء لهم . وقد كان مشركو العرب متفاوتين في مناواة المسلمين فإن خزاعة كانوا مشركين وكانوا موالين النبي . فمعنى إضافة عدوّ إلى ياء التكلم على تقدير : عدوّ ديني ، أو رسولي .والاتخاذ : افتعال من الأخذ صيغ الافتعال للمبالغة في الأخذ المجازي فأطلق على التلبس والملازمة . وقد تقدم في قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم } في سورة [ النساء : 71 ] . ولذلك لزمه ذكر حال بعد مفعوله لتدل على تعيين جانب المعاملة من خير أو شر . فعومل هذا الفعل معاملة صيَّر . واعتبرت الحال التي بعده بمنزلة المفعول الثاني للزوم ذكرها وهل المفعول الثاني من باب ظن وأخواته إلا حال في المعنى ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { أتتخذ أصناماً إلهة } في سورة [ الأنعام : 74 ] .وجملة تلقون إليهم بالمودة } في موضع الحال من ضمير { لا تتخذوا } ، أو في موضع الصفة ل { أولياء } أو بيان لمعنى اتخاذهم أولياء .ويجوز أن تكون جملة في موضع الحال من ضمير { لا تتخذوا } لأن جعلها حالاً يتوصل منه إلى التعجيب من إلقائهم إليهم بالمودة .والإِلقاء حقيقته رمي ما في اليد على الأرض . واستعير لإيقاع الشيء بدون تدبر في موقعه ، أي تصرفون إليهم مودتكم بغير تأمل . قال تعالى : { فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون } في سورة [ النحل : 86 ] .والباء في بالمودة } لتأكيد اتصال الفعل بمفعوله . وأصل الكلام : تلقون إليهم المودة ، كقوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [ البقرة : 195 ] وقوله : { وامسحوا برؤوسكم } [ المائدة : 6 ] وذلك تصوير لقوة مودتهم لهم .وزيد في تصوير هذه الحالة بجملة الحال التي بعدها وهي { وقد كفروا بما جاءكم من الحق } وهي حال من ضمير { إليهم } أو من { عدوي } .«وما جاءكم من الحق» هو القرآن والدين فذكر بطريق الموصولية ليشمل كل ما أتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه الإِيجاز مع ما في الصلة من الإِيذان بتشنيع كفرهم بأنه كفر بما ليس من شأنه أن يكفر به طلاب الهدي فإن الحق محبوب مرغوب .وتعدية جاء إلى ضمير المخاطبين وهم الذين آمنوا لأنهم الذين انتفعوا بذلك الحق وتقبلوه فكأنه جاء إليهم لا إلى غيرهم وإلاّ فإنه جاء لدعوة الذين آمنوا والمشركين فقبله الذين آمنوا ونبذه المشركون .وفيه إيماء إلى أن كفر الكافرين به ناشىء عن حسدهم الذين آمنوا قبلهم .وفي ذلك أيضاً إلهاب لقلوب المؤمنين ليحذروا من موالاة المشركين .وجملة { يخرجون الرسول وإياكم } حال من ضمير { كفروا } ، أي لم يكتفوا بكفرهم بما جاء من الحق فتلبسوا معه بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراجكم من بلدكم لأنْ تؤمنوا بالله ربكم ، أي هو اعتداء حملهم عليه أنكم آمنتم بالله ربكم . وأن ذلك لا عذر لهم فيه لأن إيمانكم لا يضيرهم . ولذلك أجري على اسم الجلالة وصف ربِّكم على حدّ قوله تعالى : { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد } [ الكافرون : 1 3 ] ثم قال : { لكم دينكم ولي دين } [ الكافرون : 6 ] .وحكيت هذه الحالة بصيغة المضارع لتصوير الحالة لأن الجملة لما وقعت حالاً من ضمير { وقد كفروا } كان إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في تلك الحالة عملاً فظيعاً ، فأريد استحضار صورة ذلك الإِخراج العظيم فظاعة اعتلالهم له .والإِخراج أريد به : الحمل على الخروج بإتيان أسباب الخروج من تضييق على المسلمين وأذى لهم .وأسند الإِخراج إلى ضمير العدوّ كلهم لأن جميعهم كانوا راضين بما يصدر من بعضهم من أذى المسلمين . وربما أغْرَوا به سفهاءهم ، ولذلك فالإِخراج مجاز في أسبابه ، وإسناده إلى المشركين إسناد حقيقي .وهذه الصفات بمجموعها لا تنطبق إلا على المشركين من أهل مكة ومجموعها هو علة النهي عن موادتهم .وجيء بصيغة المضارع في قوله تعالى : { أن تؤمنوا } ، لإِفادة استمرار إيمان المؤمنين وفيه إيماء إلى الثناء على المؤمنين بثباتهم على دينهم ، وأنهم لم يصدهم عنه ما سبَّب لهم الخروج من بلادهم .وقوله : { إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي } شرط ذُيّل به النهي من قوله : { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } . وهذا مقام يستعمل في مثله الشرطُ بمنزلة التتميم لما قبله دون قصد تعليق ما قبله بمضمون فعل الشرط ، أي لا يقصد أنه إذا انتفى فعل الشرط انتفى ما عُلق عَليه كما هو الشأن في الشروط بل يقصد تأكيد الكلام الذي قبله بمضمون فعل الشرط فيكون كالتعليل لِما قبله ، وإنما يؤتى به في صورة الشرط مع ثقة المتكلم بحصول مضمون فعل الشرط بحيث لا يُتوقع من السامع أن يحصل منه غيرُ مضمون فعل الشرط فتكون صيغة الشرط مراداً بها التحذير بطريق المجاز المرسل في المركَّب لأن معنى الشرط يلزمه التردد غالباً . ولهذا يؤتى بمثل هذا الشرط إذا كان المتكلم واثقاً بحصول مضمونه متحققاً صحة ما يقوله قبل الشرط .كما ذكر في «الكشاف» في قوله تعالى : { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا إن كنا أول المؤمنين } في سورة [ الشعراء : 51 ] ، في قراءة من قرأ إن كنا أول المؤمنين بكسر همزة ( إنْ ) وهي قراءة شاذة فتكون ( إن ) شرطية مع أنهم متحققون أنهم أول المؤمنين فطمعوا في مغفرة خطاياهم لتحققهم أنهم أول المؤمنين ، فيكون الشرط في مثله بمنزلة التعليل وتكون أداة الشرط مثل ( إذْ ) أو لام التعليل .وقد يَأتِي بمثل هذا الشرط مَن يُظهر وجوب العمل على مقتضى ما حصل من فعل الشرط وأن لا يخالَف مقتضاه كقوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } [ الأنفال : 41 ] إلى قوله : { إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا } [ الأنفال : 41 ] ، أي فإيمانكم ويقينكم مما أنزلنا يوجبان أن ترضوا بصرف الغنيمة للأصناف المعيّنة من عند الله . ومنه كثير في القرآن إذا تتبعتَ مواقعه .ويغلب أن يكون فعل الشرط في مثله فعل كون إيذاناً بأن الشرط محقق الحصول .وما وقع في هذه السورة من هذا القبيل فالمقصود استقرار النهي عن اتخاذ عدوّ الله أولياء وعقب بفرض شرطه موثوق بأن الذين نهوا متلبسون بمضمون فعل الشرط بلا ريب ، فكان ذكر الشرط مما يزيد تأكيد الانكفاف .ولذلك يجَاء بمثل هذا الشرط في آخر الكلام إذ هو يشبه التتميم والتذييل ، وهذا من دقائق الاستعمال في الكلام البليغ .قال في «الكشاف» في قوله تعالى : { إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها } في سورة [ الفرقان : 42 ] و ( لولا ) في مثل هذا الكلام جارٍ من حيث المعنى لا من حيث الصنعة مَجرى التقييد للحكم المطلق . وقال هنا إن كنتم خرجتم } متعلق ب { لا تتخذوا } وقول النحويين في مثله على أنه شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه . اه . يعني أن فرقاً بين كلام النحويين وبين ما اختاره هُو مِنْ جَعْله متعلقاً ب { لا تتخذوا } فإنه جعل جواب الشرط غير منوي . قلت : فينبغي أن يعد كلامه من فروق استعمال الشروط مثل فروق الخبر وفروق الحال المبوب لكليهما في كتاب «دلائل الإِعجاز» . وكلام النحاة جرى على غالب أحوال الشروط التي تتأخر عن جوابها نحو : اقبَل شفاعة فلان إنْ شَفِع عندك ، وينبغي أن يتطلب لتقديم ما يدل على الجواب المحذوف إذَا حذف نكتة في غير ما جرى على استعمال الشرط بمنزلة التذييل والتتميم .وأداة الشرط في مثله تشبه { إنْ } الوصلية و ( لو ) الوصلية ، ولذلك قال في «الكشاف» هنا : إن جملة { إن كنتم خرجتم } متعلقة ب { لا تتخذوا } يعني تعلقَ الحال بعاملها ، أي والحال حالُ خروجكم في سبيل الله وابتغائكم مَرضاتَه بناء على أن شرط { إن } . و ( لو ) الوصليّتين يعتبر حالاً . ولا يعكر عليه أن شرطهما يقترن بواو الحال لأن ابن جنّي والزمخشري سوّغا خلوَّ الحال في مثله عن الواو والاستعمال يشهد لهما .والمعنى : لا يقع منكم اتخاذ عدوي وعدوكم أولياء ومودّتهم ، مع أنهم كفروا بما جاءكم من الحق ، وأخرجوكم لأجل إيمانكم . إن كنتم خرجتم من بلادكم جهاداً في سبيلي وابتغاءَ مرضاتي ، فكيف تُوالون من أخرجوكم وكان إخراجهم إياكم لأجلي وأنا ربكم .والمراد بالخروج في قوله : { إن كنتم خرجتم } الخروج من مكة مهاجَرة إلى المدينة . فالخطاب خاص بالمهاجرين على طريقة تخصيص العموم في قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } روعي في هذا التخصيص قرينة سبب نزول الآية على حادث حاطب بن أبي بلتعة .و { جهاداً } ، و { ابتغاءَ مرضاتي } مصدران منصوبان على المفعول لأجله .{ مَرْضَاتِى تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ } .يجوز أن تكون الجملة بياناً لجملة { تلقون إليهم بالمودة } ، أو بدل اشتمال منها فإن الإسرار إليهم بالمودة مما اشتمل عليه الإِلقاء إليهم بالمودة . والخبر مستعمل في التوبيخ والتعجيب ، فالتوبيخ مستفاد من إيقاع الخبر عقب النهي المتقدم ، والتعجيب مستفاد من تعقيبه بجملة { وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم } ، أي كيف تظنون أن إسراركم إليهم يخفى علينا ولا نطلع عليه رسولنا .والإِسرار : التحدث والإِخبار سراً .ومفعول { تسرون } يجوز أن يكون محذوفاً يدل عليه السياق ، أي تخبرونهم أحوال المسلمين سراً .وجيء بصيغة المضارع لتصوير حالة الإِسرار إليه تفظيعاً لها .والباء في { بالمودة } للسببية ، أي تخبرونهم سراً بسبب المودة أي بسبب طلب المودة لهم كما هو في قضية كتاب حاطب .ويجوز أن يكون { بالمودة } في محل المفعول لفعل { تسرون } والباءُ زائدةً لتأكيد المفعولية كالباء في قوله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } [ المائدة : 6 ] .وجملةُ { وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم } في موضع الحال من ضمير { تسرون } أو مُعترضةٌ ، والواو اعتراضية .وهذا مناط التعجيب من فعل المعرَّض به وهو حَاطب بن أبي بلتعة . وتقديم الإِخفاء لأنه المناسب لقوله : { وأنا أعلم } . ولموافقته للقصة .و { أعلم } اسم تفضيل والمفضل عليه معلوم من قوله : { تسرون إليهم } فالتقدير : أعلم منهم ومنكم بما أخفيتم وما أعلنتم .والباء متعلقة باسم التفضيل وهي بمعنى المصاحبة .{ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ } .عطف على جملة النهي في قوله تعالى : { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } ، عُطف على النهي التوعدُ على عدم الانتهاء بأن من لم ينته عما نُهي عنه هو ضالّ عن الهُدَى .وضمير الغيبة في { يفعله } عائد إلى الاتخاذ المفهوم من فعل { لا تتخذوا عدوي } أي ومن يفعل ذلك بعد هذا النهي والتحذير فهو قد ضلّ عن سواء السبيل .و { سواء السبيل } مستعار لأعمال الصلاح والهُدَى لشبهها بالطريق المستوي الذي يَبلُغ من سلكه إلى بغيته ويقع من انحرف عنه في هلكة . والمراد به هنا ضلّ عن الإِسلام وضلّ عن الرشد .و { مَن } شرطية الفعل بعدها مستقبل وهو وعيد للذين يفعلون مثل ما فعل حاطب بعد أن بلغهم النهي والتحذير والتوبيخ والتفظيع لعمله .

الترجمة الإنجليزية

In yathqafookum yakoonoo lakam aAAdaan wayabsutoo ilaykum aydiyahum waalsinatahum bialssooi wawaddoo law takfuroona

إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)تفيد هذه الجملة معنى التعليل لمفاد قوله تعالى : { فقد ضل سواء السبيل } [ الممتحنة : 1 ] باعتبار بعض ما أفادته الجملة ، وهو الضلال عن الرشد ، فإنه قد يخفى ويظنّ أن في تطلب مودّة العدوِّ فائدة ، كما هو حال المنافقين المحكي في قوله تعالى : { الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين } [ النساء : 141 ] ، فقد يُظن أن موالاتهم من الدهاء والحزم رَجاء نفعهم إن دالت لهم الدولة ، فبيّن الله لهم خطأ هذا الظنّ ، وأنهم إن استفادوا من مودتهم إياهم إطلاعاً على قوتهم فتأهبوا لهم وظفِروا بهم لم يكونوا ليرقبوا فيهم إلاَّ ولا ذِمّةً ، وأنهم لو أخذوهم وتمكنوا منهم لكانوا أعداء لهم لأن الذي أضمر العداوة زمناً يعسر أن ينقلب ودوداً ، وذلك لشدة الحنق على ما لَقُوا من المسلمين من إبطال دين الشرك وتحقير أهله وأصنامهم .وفعل { يكونوا } مشعر بأن عداوتهم قديمة وأنها تستمر .والبسط : مستعار للإِكثار لما شاع من تشبيه الكثير بالواسع والطويل ، وتشبيه ضده وهو القبض بضد ذلك ، فبسط اليد الإِكثار من عملها .والمراد به هنا : عمل اليد الذي يضرّ مثل الضرب والتقييد والطعن ، وعمل اللسان الذي يؤذي مثل الشتم والتهكم . ودلّ على ذلك قوله : { بالسوء } ، فهو متعلق ب { يبسطوا } الذي مفعوله { أيديهم وألسنتهم } .وجملة { وودوا لو تكفرون } حال من ضمير { يكونوا } ، والواو واو الحال ، أي وهم قد وَدُّوا مِن الآن أن تَكفروا فكيف لو يأسرونكم أَليس أهم شيء عندهم حينئذٍ أن يردُّوكم كفاراً ، فجملة الحال دليل على معطوففٍ مقدّر على جواب الشرط كأنه قيل : إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء إلى آخره ، ويردوكم كفاراً ، وليست جملة { وودوا لو تكفرون } معطوفة على جملة الجواب ، لأن مَحبتهم أن يَكفر المسلمون محبة غير مقيدة بالشرط ، ولذلك وقع فعل { وَدُّوا } ماضياً ولم يقع مضارعاً مثل الأفعال الثلاثة قبله { يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا } ليُعلم أنه ليس معطوفاً على جواب الشرط .وهذا الوجه أحسن مما في كتاب «الإِيضاح» للقزويني في بحث تقييد المسند بالشرط ، إذّ استظهر أن يكون { وودوا لو تكفرون } عطفاً على جملة { إن يثقفوكم } .ونَظّره بجملة { ثم لا يُنصرون من قوله تعالى : { وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون } في آل عمران ( 111 ) . فإن المعطوف ب ( ثُم ) فيها عطفٌ على مجموع الشرط وفعله وجوابه لا على جملة فعل الشرط .ولو } هنا مصدرية ففعل { تكفرون } مؤول بمصدر ، أي ودُّوا كفركم .

الترجمة الإنجليزية

Lan tanfaAAakum arhamukum wala awladukum yawma alqiyamati yafsilu baynakum waAllahu bima taAAmaloona baseerun

لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)تخلص من تبيين سوء عاقبة موالاة أعداء الدّين في الحياة الدنيا ، إلى بيان سوء عاقبة تلك الموالاة في الآخرة ، ومناسبة حسن التخلص قوله : { وودوا لو تكفرون } [ الممتحنة : 2 ] الدالّ على معنى : أن ودادَتهم كفركم من قبل أن يثقفوكم تنقلب إلى أن يكرهوكم على الكفر حين يثقفونكم ، فلا تنفعكم ذوو أرحامكم مثل الأمهات والإِخوة الأشقاء ، وللأمّ ، ولا أولادكم ، ولا تدفع عنكم عذاب الآخرة إن كانوا قد نفعوكم في الدنيا بصلة ذوي الأرحام ونصرة الأولاد .فجملة { لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم } إلى آخرها مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن سؤال مفروض ممن يسمع جملة { ودُّوا لو تكفرون } [ الممتحنة : 2 ] ، أي من حق ذلك أن يُسأل عن آثارِه لخطر أمرها .وإذا كان ناشئاً عن كلام جرى مجرى التعليل لجملة { فقد ضل سواء السبيل } [ الممتحنة : 1 ] ، فهو أيضاً مفيد تعليلاً ثانياً بحسب المعنى ، ولولا إرادة الاستئناف البياني لجاءت هذه الجملة معطوفة بالواو على التي قبلها ، وزاد ذلك حسناً أن ما صدر من حاطب ابن أبي بلتعة مما عُدّ عليه هو موالاةٌ للعدوّ ، وأنه اعتذر بأنه أراد أن يتخذ عند المشركين يداً يحمون بها قرابته ( أي أمه وإخوته ) . ولذلك ابتدىء في نفي النفع بذكر الأرحام لموافقة قصة حاطب لأن الأم ذات رحم والإِخوة أبناؤها هم إخوته من رحمه .وأما عطف { ولا أولادكم } فتتميم لشمول النهي قوماً لهم أبناء في مكة .والمراد بالأرحام : ذوو الأرحام على حذف مضاف لظهور القرينة .و { يوم القيامة } ظرف يتنازعه كلٌ من فعل { لن تنفعكم } ، وفعل { يفصل بينكم } . إذ لا يلزم تقدم العاملين على المعمول المتنازع فيه إذا كان ظرفاً لأن الظروف تتقدم على عواملها وأن أبيت هذا التنازع فقل هو ظرف { تنفعكم } واجعل ل { يفصل بينكم } ظرفاً محذوفاً دلّ عليه المذكور .والفصل هنا : التفريق ، وليس المراد به القضاءَ . والمعنى : يوم القيامة يفرق بينكم وبين ذوي أرحامكم وأولادكم فريق في الجنة وفريق في السعير ، قال تعالى : { يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه } [ عبس : 34 37 ] .والمعنى : أنهم لا ينفعونكم يوم القيامة فما لكم ترفضون حقّ الله مراعاةً لهم وهم يفرّون منكم يوم اشتداد الهول ، خَطَّأ رأيهم في موالاة الكفار أولاً بما يرجع إلى حال مَن والوه . ثم خَطّاه ثانياً بما يرجع إلى حال من استعملوا الموالاة لأجلهم ، وهو تقسيم حاصر إشارة إلى أن ما أقدم عليه حاطب مِن أي جهة نظر إليه يكون خطأ وباطلاً .وقرأ الجمهور { يفصل بينكم } ببناء { يُفصَل } للمجهول مخففاً . وقرأه عاصم ويعقوب { يُفصِل } بالبناء الفاعل ، وفاعله ضمير عائد إلى الله لعلمه من المقام ، وقرأه حمزة والكسائي وخلف { يفصِّل } مشدد الصاد مكسورة مبنياً للفاعل مبالغةً في الفصل ، والفاعل ضمير يعود إلى الله المعلوم من المقام .وقرأه ابن عامر { يُفصَّل } بضم التحتية وتشديد الصاد مفتوحة مبنياً للنائب من فَصَّل المشدّد .وجملة { والله بما تعملون بصير } وعيد ووعد .

الترجمة الإنجليزية

Qad kanat lakum oswatun hasanatun fee ibraheema waallatheena maAAahu ith qaloo liqawmihim inna buraao minkum wamimma taAAbudoona min dooni Allahi kafarna bikum wabada baynana wabaynakumu alAAadawatu waalbaghdao abadan hatta tuminoo biAllahi wahdahu illa qawla ibraheema liabeehi laastaghfiranna laka wama amliku laka mina Allahi min shayin rabbana AAalayka tawakkalna wailayka anabna wailayka almaseeru

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4){ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فى إبراهيم والذين مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا } .صدر هذه الآية يفيد تأكيداً لمضمون جملة { إن يثقفوكم } [ الممتحنة : 2 ] وجملة { لن تنفعكم أرحامكم } [ الممتحنة : 3 ] ، لأنها بما تضمنته من أن الموجه إليهم التوبيخ خالفوا الأسوةَ الحسنة تقوي إثبات الخطأ المستوجب للتوبيخ .ذلك أنه بعد الفراغ من بيان خطأ من يوالي عدوَّ الله بما يجرّ إلى أصحابه من مضارّ في الدنيا وفي الآخرة تحذيراً لهم من ذلك ، انتقل إلى تمثيل الحالة الصالحة بمثال من فعل أهل الإِيمان الصادق والاستقامة القويمة وناهيك بها أسوة .وافتتاح الكلام بكلمتي { قد كانت } لتأكيد الخبر ، فإن { قد } مع فعل الكون يراد بهما التعريض بالإِنكار على المخاطب ولومه في الإِعراض عن العمل بما تضمنه الخبر كقول عُمر لابن عباس يوم طَعَنه غلامُ المغيرة : «قد كنتَ أنتَ وأبوك تُحبان أن يكثر هؤلاء الأعلاجُ بالمدينة» ، ومنه قوله تعالى : { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك } [ ق : 22 ] توبيخاً على ما كان منهم في الدنيا من إنكار للبعث ، وقوله تعالى : { وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } [ القلم : 43 ] وقوله : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } [ الأحزاب : 21 ] .ويتعلق { لكم } بفعل «كان» ، أو هو ظرف مستَقِرّ وقع موقع الحال من { أسوة حسنة } .وإبراهيم عليه السلام مَثَل في اليقين بالله والغضب به ، عَرف ذلك العرب واليهود والنصارى من الأمم ، وشاع بين الأمم المجاورة من الكنعانيين والأَراميين ، ولعله بلغ إلى الهند . وقد قيل : إن اسم ( بَرهما ) معبودِ البراهة من الهنود مُحرف عن ( اسم إبراهيم ) وهو احتمال .وعُطف { والذين معه } ليتم التمثيل لحال المسلمين مع رسولهم صلى الله عليه وسلم بحال إبراهيم عليه السلام والذين معه ، أي أن يكون المسلمون تابعين لرضى رسولهم صلى الله عليه وسلم كما كان الذين مع إبراهيم عليه السلام .والمراد ب { الذين معه } الذين آمنوا به واتبعوا هديه وهم زوجه سَارَةُ وابن أخيه لوطٌ ولم يكن لإِبراهيم أبناء ، فضمير { إذ قالوا } عائد إلى إبراهيم والذين معه فهم ثلاثة .و { إذْ } ظرف زمان بمعنى حينَ ، أي الأسوة فيه وفيهم في ذلك الزمن .والمراد بالزمن : الأحوال الكائنة فيه ، وهو ما تبينه الجملة المضاف إليها الظرف وهي جملة { قالوا لقومهم إنا برءآء منكم } الخ .والإِسوة بكسر الهمزة وضمها : القُدوة التي يقتدَى بها في فعل ما . فوصفت في الآية ب { حسنة } وصفاً للمدح لأن كونها حسنة قد علم من سياق ما قبله وما بعده .وقرأ الجمهور { إسوة } بكسر الهمزة ، وقرأه عاصم بضمها . وتقدمت في قوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } في سورة [ الأحزاب : 21 ] .وحرف في } مستعار لقوة الملابسة إذ جعل تلبس إبراهيم والذين معه بكونهم أسوة حسنة ، بمنزلة تلبس الظرف بالمظروف في شدة التمكن من الوصف .ولذلك كان المعنى : قد كانَ لكم إبراهيمُ والذين معه أسوةً في حين قولهم لقومهم . فليس قوله : { إسوة حسنة في إبراهيم } من قبيل التجريد مثل قول أبي خالد العتابي .وفي الرَّحمان للضعفاء كافلأن الأسوة هنا هي قول إبراهيم والذين معه لا أنفسهم .و { برءآء } بهمزتين بوزن فُعَلاء جَمْع بريء مثل كَريم وكُرماء .وبريء فعيل بمعنى فاعل من بَرِىء من شيء إذا خَلاَ منه سواءً بعد ملابسته أو بدون ملابسة .والمراد هنا التبرؤ من مخالطتهم وملابستهم . . وعطف عليه { ومما تعبدون من دون الله } أي من الأصنام التي تعبدونها من دون الله والمراد بُرَءآء من عبادتها .وجملة { كفرنا بكم } وما عطف عليها بيان لمعنى جملة { إنا برءآء } .وضمير { بكم } عائد إلى مجموع المخاطبين من قومهم مع ما يعبدونه من دون الله ، ويفسَّر الكفرُ بما يناسب المعطوف عليه والمعطوف ، أي كفرنا بجميعكم فكفرهم بالقوم غير كفرهم بما يعبده قومهم .وعُطف عليه { وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً } وبدا معناه : ظهر ونشأ ، أي أحدثنا معكم العداوة ظاهرةً لا مواربة فيها ، أي ليست عداوة في القلب خاصة بل هي عداوة واضحة علانية بالقول والقلب . وهو أقصى ما يستطيعه أمثالهم من درجات تغيير المنكر وهو التغيير باللسان إذ ليسوا بمستطيعين تغيير ما عليه قومهم باليَد لقلتهم وضعفهم بين قومهم .و { العداوة } المعاملة بالسوء والاعتداءِ .و { البغضاء } : نفرة النفس ، والكراهيةُ وقد تطلق إحداهما في موضع الأخرى إذا افترقتا ، فذِكرهما معاً هنا مقصود به حصول الحالتين في أنفسهم : حالة المعاملة بالعدوان ، وحالة النفرة والكراهية ، أي نُسِيءُ معاملتكم ونُضمر لكم الكراهية حتى تؤمنوا بالله وحده دون إشراك .والمراد بقولهم هذا لقومهم أنهم قالوه مقال الصادق في قوله ، فالائتساء بهم في ذلك القول والعمل بما يترجم عليه القول مما في النفوس ، فالمؤتَسَى به أنهم كاشفوا قومهم بالمنافرة ، وصرحوا لهم بالبغضاء لأجل كفرهم بالله ولم يصانعوهم ويغضُّوا عن كفرهم لاكتساب مودتهم كما فعل الموبخ بهذه الآية .{ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم لاَِبِيهِ لاََسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن } .الأظهر أن هذه الجملة معترضة بين جمل حكاية مقال إبراهيم والذين معه وجملة { لقد كان لكم فيهم إسوة حسنة } [ الممتحنة : 6 ] ، والاستثناء منقطع إذ ليس هذا القول من جنس قولهم : { إنا برءآء منكم } الخ ، فإن قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك رفقٌ بأبيه وهو يغاير التبرُّؤ منه ، فكان الاستثناء في معنى الاستدراك عن قوله : { إذ قالوا لقومهم إنا برءآء منكم } الشامل لمقالة إبراهيم معهم لاختلاف جنسي القولين .قال في «الكشاف» في قوله تعالى : { قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط } في سورة [ الحجر : 58 ، 59 ] . أنه استثناء منقطع من قوم } لأن القوم موصوفون بالإِجرام فاختلَف لذلك الجنسان ا ه .فجعل اختلاف جنسي المستثنى والمستثنى منه موجباً اعتبار الاستثناء منقطعاً . وفائدة الاستدراك هنا التعريض بخطأ حاطب ابن أبي بلتعة ، أي إن كنتم معتذرين فليكن عذركم في مواصلة أعداء الله بأن تَوَدُّوا لهم مغفرةَ كفرهم باستدعاء سبب المغفرة وهو أن يهديهم الله إلى الدين الحق كما قال إبراهيم لأبيه { لأستغفرن لك } ، ولا يكون ذلك بمصانعة لا يفهمون منها أنهم منكم بمحلّ المودة والعناية فيزدادوا تعنتاً في كفرهم .وحكاية قول إبراهيم لأبيه { وما أملك لك من الله من شيء } إكمال لجملة ما قاله إبراهيم لأبيه وإن كان المقصود من الاستثناء مجرد وعده بالاستغفار له فبني عليه ما هو من بقية كلامه لما فيه من الدلالة على أن الاستغفار له قد لا يقبله الله .والواو في { وما أملك لك من الله من شيء } يجوز أن تكون للحال أو للعطف . والمعنى متقارب ، ومعنى الحال أوضح وهو تذييل .ومعنى الملك في قوله : { وما أملك } القدرة ، وتقدم في قوله تعالى : { قل فمن يملك من الله شيئاً } في سورة [ العقود : 17 ] .ومن شيء } عامّ للمغفرة المسؤولة وغيرها مما يريده الله به .{ ه4س60ش4ن45/ن51-->شَىْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ } .الأظهر أن يكون هذا من كلام إبراهيم وقومه وجملة { إلا قول إبراهيم } إلى آخرها معترضة بين أجزاء القول فهو مما أمر المسلمون أن يأتسوا به ، وبه يكون الكلام شديد الاتصال مع قوله : { لقد كان لكم فيهم إسوة حسنة } [ الممتحنة : 6 ] .ويحتمل أن يكون تعليماً للمؤمنين أن يقولوا هذا الكلام ويستحضروا معانيه ليجري عملهم بمقتضاه فهو على تقدير أمر بقول محذوف والمقصود من القول العمل بالقول فإن الكلام يجدد المعنى في نفس المتكلم به ويذكر السامع من غفلته . وهذا تتميم لما أوصاهم به من مقاطعة الكفار بعد التحريض على الائتساء بإبراهيم ومن معه .فعلى المعنى الأول يكون حكاية لما قاله إبراهيم وقومه بما يفيد حاصل معانيه فقد يكون هو معنى ما حكاه الله عن إبراهيم من قوله : { الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفينِ والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } [ الشعراء : 78 82 ] .فإن التوكل على الله في أمور الحياة بسؤاله النجاح في ما يصلح أعمال العبد في مساعيه وأعظمه النجاحُ في دينه وما فيه قوام عيشه ثم ما فيه دفع الضرّ . وقد جمعها قول إبراهيم هناك { فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين } . وهذا جمعه قوله هنا { عليك توكلنا } { والذي يميتني ثم يحيين } جمعه قوله : { وإليك المصير } فإن المصير مَصيراننِ مصيرٌ بعد الحياة ومصير بعد البعث .وقوله : { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي } فإن وسيلة الطمع هي التوبة وقد تضمنها قوله : { وإليك أنبنا } .وعلى المعنى الثاني هو تعليم للمؤمنين أن يَصرفوا توجههم إلى الله بإرضائه ولا يلتفتوا إلى ما لا يرضاه وإن حسبوا أنهم ينتفعون به فإن رضى الله مقدم على ما دونه .والقول في معنى التوكل تقدم عند قوله تعالى : { فإذا عزمت فتوكل على الله } في سورة [ آل عمران : 159 ] .والإِنابة : التوبة ، وتقدمت عند قوله تعالى : { إن إبراهيم لحليم أواه منيب } في سورة [ هود : 75 ] ، وعند قوله : { منيبين إليه } في سورة [ الروم : 31 ] .وتقديم المجرور على هذه الأفعال لإِفادة القصر ، وهو قصر بعضه ادعائي وبعضه حقيقي كما تصرف إليه القرينة .وإعادة النداء بقولهم : ربنا } إظهار للتضرع مع كل دعوة من الدعوات الثلاث .

الترجمة الإنجليزية

Rabbana la tajAAalna fitnatan lillatheena kafaroo waighfir lana rabbana innaka anta alAAazeezu alhakeemu

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5){ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ واغفر لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم } .الفتنة : اضطراب الحال وفساده ، وهي اسم مصدر فتجيء بمعنى المصدر كقوله تعالى : { والفتنة أشد من القتل } [ البقرة : 191 ] وتجيء وصفاً للمفتون والفاتن .ومعنى جَعلهم فتنة للذين كفروا : جعلهم مفتونين يفتنُهم الذين كفروا ، فيصدق ذلك بأن يتسلط عليهم الذين كفروا فيفتنون كما قال تعالى : { إن الذين فتنوا المؤمنين } [ البروج : 10 ] الخ . ويصدق أيضاً بأن تختل أمور دينهم بسبب الذين كفروا ، أي بمحبتهم والتقرب منهم كقوله تعالى حكاية عن دعاء موسى { إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء } [ الأعراف : 155 ] .وعلى الوجهين فالفتنة من إطلاق المصدر على اسم المفعول . وتقدم في قوله تعالى : { ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين } في سورة [ يونس : 85 ] .واللام في للذين كفروا } على الوجهين للملك ، أي مفتونين مسخرين لهم .ويجوز عندي أن تكون { فتنة } مصدراً بمعنى اسم الفاعل ، أي لا تجعلنا فاتنين ، أي سبب فتنة للذين كفروا ، فيكونَ كناية عن معنى لا تغلِّب الذين كفروا علينا واصرف عنا ما يكون به اختلال أمرنا وسوءِ الأحوال كيلا يكون شيء من ذلك فاتناً الذين كفروا ، أي مقوياً فتنتهم فيُفْتَتَنُوا في دينهم ، أي يزدادوا كفراً وهو فتنة في الدين ، أي فيظنوا أنا على الباطل وأنهم على الحق ، وقد تطلق الفتنة على ما يفضي إلى غرور في الدين كما في قوله تعالى : { بل هي فتنة } في سورة [ الزمر : 49 ] وقوله : { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } في سورة [ الأنبياء : 111 ] .واللام على هذا الوجه لام التبليغ وهذه معان جمّة أفادتها الآية .كَفَرُواْ واغفر لَنَا } .أعقبوا دعواتهم التي تعود إلى إصلاح دينهم في الحياة الدنيا بطلب ما يصلح أمورهم في الحياة الآخرة وما يوجب رضى الله عنهم في الدنيا فإن رضاهُ يفضي إلى عنايته بهم بتسيير أمورهم في الحياتين . وللإِشعار بالمغايرة بين الدعوتين عطفت هذه الواو ولم تعطف التي قبلها .{ رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز } .تعليل للدعوات كلها فإن التوكل والإِنابة والمصير تناسب صفة { العزيز } إذ مثله يعامِل بمثل ذلك ، وطلبَ أن لا يجعلهم فتنة باختلاف معانيه يناسب صفة { الحكيم } ، وكذلك طلب المغفرة لأنهم لما ابتهلوا إليه أن لا يَجعلهم فتنة الكافرين وأن يغفر لهم رأوا أن حكمته تناسبها إجابة دعائهم لما فيه من صلاحهم وقد جاؤوا سائلينه .
549