سورة النساء (4): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة النساء بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة النساء مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة النساء

سُورَةُ النِّسَاءِ
الصفحة 101 (آيات من 141 إلى 147)

ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓا۟ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓا۟ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا إِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوٓا۟ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُوا۟ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلًا يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا۟ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا مُّبِينًا إِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلْأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ وَأَصْلَحُوا۟ وَٱعْتَصَمُوا۟ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُوا۟ دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُو۟لَٰٓئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا
101

الاستماع إلى سورة النساء

تفسير سورة النساء (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Allatheena yatarabbasoona bikum fain kana lakum fathun mina Allahi qaloo alam nakun maAAakum wain kana lilkafireena naseebun qaloo alam nastahwith AAalaykum wanamnaAAkum mina almumineena faAllahu yahkumu baynakum yawma alqiyamati walan yajAAala Allahu lilkafireena AAala almumineena sabeelan

ثم ذكر - سبحانه - بعد ذلك سمة أخرى من أبرز سمات المنافقين. وهى أنهم كانوا يلقون المسلمين بوجه ويلقون الكفر بوجه آخر. أى أنهم يحاولون أن يمسكوا العصا من وسطها حتى يأكلوا من كل مائدة. استمع إلى القرآن وهو يصور ذلك بأسلوبه البليغ المؤثر فيقول: ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ .وقوله: يَتَرَبَّصُونَ من التربص بمعنى الانتظار وترقب الحوادث. يقال: تربص به إذا انتظره مع ترقب وملاحظة.وقوله: نَسْتَحْوِذْ من الاستحواذ بمعنى الغلبة والتمكن والاستيلاء، يقال: استحوذ فلان على فلان أى: غلب عليه وتمكن منه. ومنه قوله - تعالى - ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ والمعنى: إن من صفات هؤلاء المنافقين - أيها المؤمنون - أنهم يتربصون بكم. أى: ينتظرون بترقب وملاحظة ما يحدث لكم من خير أو شر، أو من نصر أو هزيمة فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ أى: من نصر وظفر على أعدائكم قَالُوۤاْ على سبيل التقرب إليكم أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ فى الجهاد وغيره فاعطونا نصيبا من الخير الذى أصبتموه. وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ أى حظ من النصر عليكم - لأن الحرب سجال - قَالُوۤاْ لهم - أيضا - على سبيل التقرب إليهم أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أى: ألم نتمكن من قتلكم وأسركم ولكنا لم نفعل ذلك، بل أحطناكم بحمايتنا ورعايتنا ومنعنا المؤمنين من النصر عليكم بسبب تخذيلنا لهم، وتجسسنا على أحوالهم.وإخباركم بما يهمكم من شئونهم. وما دام الأمر كذلك فاجعلوا لنا قسما من نصيبكم.فالآية الكريمة تصور تصويرا بليغا ما كان عليه المنافقون من تلون وتقلب وهرولة وراء شهوات الدنيا فى أى مكان كانت.وعبر عن النصر فى جانب المؤمنين بأنه فتح، وعن انتصار الكافرين بأنه نصيب، لتعظيم شأن المسلمين وللتهوين من شأن الكافرين. ولأن انتصار المسلمين يترتب عليه فتح الطريق أمام الحق لكى يدركه الناس، ويدخلوا في دين الله أفواجا، ولأن الفتح من الله يكون معه الدوام وحسن العاقبة بخلاف انتصار الكافرين فهو أمر طارئ وليس بدائم.قال صاحب الانتصاف: وهذا من محاسن نكت أسرار القرآن، فإن الذى يتفق للمسلمين فيه: استئصال لشأفة الكفار واستيلاء على أرضهم وديارهم وأموالهم وأرض لم يطؤوها. وأما ما كان يتفق للكفار فمثل الغلبة والقدرة التى لا يبلغ شأنها أن تسمى فتحا. فالتفريق بينهما أيضا مطابق للواقع والاستفهام فى قوله أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وفى قوله أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ للتقرير أى: لقد كنا معكم واستحوذنا عليكم ومنعناكم من المؤمنين.ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بتبشير المؤمنين وإنذار الكافرين فقال: فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً .والفاء هنا للإِفصاح عن كلام مقدر. أى: إذا كان هذا هو حال المنافقين والكافرين فى الدنيا، فأبشركم - أيها المؤمنون - بأن الله سيحكم بينكم وبينهم يوم القيامة بحكمه العادل، فيثيبكم بالثواب الجزيل لأنكم أولياؤه، ويعاقبهم بالعقاب الأليم لأنهم أعداؤه، وأبشركم - أيضا - بأنه - سبحانه - لن يجعل لأعدائكم الكافرين سلطانا عليكم ما دمتم متمسكين بدينكم ومعتصمين بحبل الله جميعا بدون فرقة أو تنازع أو فشل، وآخذين بالأسباب وبسنن الله الكونية التى تعينكم على الوصول إلى غاياتكم الشريفة، ومقاصدكم السليمة.فالآية الكريمة تنفى أن يكون هناك سبيل للكافرين على المؤمنين فى الدنيا والآخرة.ومنهم من يرى أن المراد بنفى السبيل هنا فى الآخرة.وقد أشار الإِمام ابن كثير إلى هذين الاتجاهين بقوله - تعالى - وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً . أى: يوم القيامة كما روى عن على بن أبى طالب وغيره.ويحتمل أن يكون المعنى: وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً أى: فى الدنيا، بأن يسلطوا عليهم تسليط استيلاء واستئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر فى بعض الأحيان على بعض الناس فإن العاقبة للمتقين فى الدنيا والآخرة، كما قال - تعالى - إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ والذى نراه أولى أن تكون الجملة الكريمة عامة فى نفى أن يكون هناك سلطان للكافرين على المؤمنين ما دام المؤمنون متبعين اتباعا تاما تعاليم دينهم وآخذين فى الأسباب التى تجعل النصر حليفا لهم.وإذا كان الكافرون فى بعض الازمان والأحوال قد صارت لهم الغلبة على المسلمين، فذلك قد يكون نوعا من الابتلاء أو التأديب أو التمحيص. حتى يعود المسملون إلى دينهم عودة كاملة تجعلهم يستجيبون لتوجيهاته. ويذعنون لأحكامه، ويطبقون أوامره ونواهيه. وهنا يحالفهم نصر الله الذى لا يقهر ووعده الذى لا يتخلف.

الترجمة الإنجليزية

Inna almunafiqeena yukhadiAAoona Allaha wahuwa khadiAAuhum waitha qamoo ila alssalati qamoo kusala yuraoona alnnasa wala yathkuroona Allaha illa qaleelan

ثم تمضى السورة الكريمة بعد هذا الوعد المطمئن لقلوب المؤمنين، فى رسم صورة أخرى للمنافقين مبالغة فى الكشف عن قابئحهم وفى التحذير من شرورهم فتقول: إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً .وقوله: يُخَادِعُونَ من الخداع وهو أن يظهر الشخص من الأفعال ما يخفى أمره، ويستر حقيقته.قال الراغب: الخداع: إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه...ويقال: طريق خادع وخيدع. أى: مضل كأنه يخدع سالكه. وفى الحديث: " بين يدى الساعة سنون خداعة " أى: محتالة لتلونها بالجدب مرة وبالخصب مرة.وقوله: خَادِعُهُمْ اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه.والمعنى: إن المنافقين لسوء طواياهم، وخبث نواياهم يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ أى: يفعلون ما يفعل المخادع بأن يظهروا الإِيمان ويبطنوا الكفر وَهُوَ خَادِعُهُمْ أى: وهو فاعل بهم ما يفعله الذى يغلب غيره فى الخداع، حيث تركهم فى الدنيا معصومى الدماء والأموال. وأعد لهم فى الآخرة الدرك الأسفل من النار.ومنهم من جعل المراد بمخادعتهم لله مخادعتهم لرسوله وللمؤمنين فيكون الكلام على حذف مضاف. أى: إن المنافقين يخادعون رسول الله والمؤمنين وهو - سبحانه - خادعهم فهو كقوله - تعالى - إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ وعبر - سبحانه - عن خداعهم بصيغة تدل على المشاركة والمغالبة وهى قوله يُخَادِعُونَ ، للإِشعار بأنهم قد ينجحون فى خداعهم وقد لا ينجحون.وعبر - سبحانه - عن خداعه لهم بصيغة اسم الفاعل، للدلالة على الغلب والقهر. لأن الله - تعالى - كاشف أمرهم، ومزيل مغبة خداعهم، ومحاسبهم حسابا عسيرا على ما ارتكبوه من جنايات وسيئات.وقوله: وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ بيان للون آخر من قبائحهم. و كُسَالَىٰ جمع كسلان وهو الذى يعتريه الفتور فى أفعاله لكراهيته لها أو عدم اكتراثه بها. وهى حال لازمة من ضمير قاموا أى: إن هؤلاء المنافقين إذا قاوموا إلى الصلاة، قاموا متثاقلين متباطئين لا نشاط عندهم لأدائها، ولا رغبة لهم فى القيام بها، لأنهم لا يعتقدون ثوابا فى فعلها، ولا عقابا على تركها.وقوله يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ حال من الضمير المستكن فى كسالى. أو جملة مستأنفة جوابا لمن يسأل: وما قصدهم من القيام للصلاة مع هذا التثاقل والتكاسل عنها؟ فكان الجواب: يراءون الناس. أى: يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة والخداع.قال ابن كثير: وقوله: وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ هذه صفة المنافقين فى أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها. وهى الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها، لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها، ولا خشية، ولا يعقلون معناها. وهذه صفة ظواهرهم.ثم ذكر - سبحانه - صفة بواطنهم الفاسدة فقال: يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ أى: إخلاص لهم ولا معاملة مع الله، بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التى لا يرون فيها غالبا كصلاة العشاء فى وقت العتمة وصلاة الصبح فى وقت الغلس كما ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا " وروى الحافظ ألو ليلى عن عبد الله قال: من أحسن الصلاة حيث يراه الناس، وأساءها حيث يخلو، فتلك استهانة. استهان بها ربه - عز وجل -.وقوله: وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً معطوف على يُرَآءُونَ أى: أن من صفات المنافقين أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا متباطئين متقاعسين يقصدون الرياء والسمعة بصلاتهم، ولا يذكرون الله فى صلاتهم إلا ذكرا قليلا أو وقتا قليلا؛ لأنهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون، بل هم فى صلاتهم ساهمون لاهون.روى الإِمام مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تلك صلاة المنافق - تلك صلاة المنافق. يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرنى الشيطان، قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا ".قال ابن كثير: وكذا رواه مسلم والترمذى والنسائى من حديث إسماعيل بن جعفر المدنى عن العلاء بن عبد الرحمن. وقال الترمذى: حسن صحيح.ومنهم من فسر قوله وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً أى: ولا يصلون إلا قليلا. لأنهم إنما يصلون رياء فإذا خلوا بأنفسهم لم يصلوا. والأول أولى لأنه أعم وأشمل.قال صاحب الكشاف: قوله وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً أى: ولا يصلون إلا قليلا، لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به. وما يجاهرون به قليل أيضا، لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس فى قلوبهم لم تكلفوه. أو لا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكرا قليلا فى الندرة، وهكذا ترى كثيرا من المتظاهرين بالإِسلام لو صحبته الأيام والليالى لم تسمع منه تهليلة ولا تسبيحة ولا تحميدة، ولكن حديث الدنيا يستغرق به أوقاته لا يفتر عنه.فإن قلت ما معنى المراءاة وهى مفاعلة من الرؤية؟ قلت: فيها وجهان:أحدهما: أن المرائى يريهم عمله وهم يرونه استحسانه.والثانى: أن يكون من المفاعلة بمعنى التفعيل. فيقال: راءى الناس. يعنى رآهم كقولك نعمه وناعمه.. روى أبو زيد: رأت المرأة المرآة الرجل: إذا أمسكها لترى وجهه...

الترجمة الإنجليزية

Muthabthabeena bayna thalika la ila haolai wala ila haolai waman yudlili Allahu falan tajida lahu sabeelan

وقوله: مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ حال من فاعل يراءون واسم الإِشارة " ذلك " مشار به إلى الإِيمان والكفر المدلول عليه بذكر المؤمنين والكافرين.قال القرطبى: المذبذب: المتردد بين أمرين. والذبذبة: الاضطراب. يقال: ذبذبته فتذبذب. ومنه قول النابغة - فى مدح النعمان بل المنذر -ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذبأى: يضطرب وقال ابن جنى: المذبذب: المهتز القلق الذى لا يثبت ولا يتمهل. فهؤلاء المنافقون مترددون بين المؤمنين والمشركين. لا مخلصين للإِيمان ولا مصرحين بالكفر. وفى صحيح مسلم من حيث ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم: " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين - أى المترددة بين قطيعين - تعير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى ".وقوله لاَ إِلَىٰ هَٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَٰؤُلاۤءِ فى محل نصب على أنه حال من ضمير مُّذَبْذَبِينَ أو على أنه بيان وتفسير له.وقوله: وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً أى: ومن يضلله الله - تعالى - عن طريق الحق، بسبب إيثاره الغواية على الهداية. فلن تجد له سبيلا يوصله إلى الصراط المسقيم.

الترجمة الإنجليزية

Ya ayyuha allatheena amanoo la tattakhithoo alkafireena awliyaa min dooni almumineena atureedoona an tajAAaloo lillahi AAalaykum sultanan mubeenan

وبعد هذا الذم الشديد لما كان عليه المنافقون من خداع ورياء وضلال. وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن موالاة الكافرين فقال - تعالى -: يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ .أى: يأيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان، لا يصح منكم ولا ينبغى لكم أن تتخذوا الكافرين بالحق الذى آمنتم به أَوْلِيَآءَ أى نصراء وأصدقاء، تاركين ولاية إخوانكم المؤمنين ونصرتهم، فإن ذلك لا يتفق مع الإِيمان، ولا يتناسب مع تعاليم دينكم.فالآية الكريمة تنهى المؤمنين عن موالاة الكفرة. أى: عن مناصرتهم وإفشاء أسرار المؤمنين إليهم، وعن كل ما من شأنه أن يكون مضرة بالمؤمنين. كما قال - تعالى - فى آية أخرى: لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ وفى هذا النهى - أيضاً - توبيخ للمنافقين الذين ما زال الحديث متصلا عن قبائحهم ورذائلهم، وتحذير من مسالكهم الخبيثة حيث كانوا يتركون ولاية المؤمنين وينضمون إلى صفوف الكافرين من اليهود وغيرهم ويقولون - كما حكى القرآن عنهم - نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ والاستفهام فى قوله: أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً للإِنكار والتحذير من أن تقع هذه الموالاة منهم. والمراد بالسلطان: الحجة والدليل أى: إنكم إن اتخذتم الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فقد جعلتم لله عليكم حجة فى عقابكم، وفى تخليه عن نصرتكم ورعايتكم.وتوجيه الإِنكار إلى الإِرادة دون متعلقها بأن يقال، أتجعلون. للمبالغة فى التهويل من أمره؛ ببيان أنه مما لا ينبغى أن تصدر عن العاقل إرادته، فضلا عن صدوره فى نفسه.قال بعضهم: وقد دلت الآية على تحريم موالاة المؤمنين للكافرين. قال الحاكم: وهى الموالاة فى الدين والنصرة فيه. لا المخالقه والإِحسان.وقال الزمخشرى: وعن صعصعة بن صوحان أنه قال لابن أخ له؛ خالص المؤمن، وخالق الكافر والفاجر. فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن. وأنه يحق عليكم أن تخالص المؤمن ".

الترجمة الإنجليزية

Inna almunafiqeena fee alddarki alasfali mina alnnari walan tajida lahum naseeran

ثم بين - سبحانه - المصير الشنيع الذى سيصير إليه المنافقون يوم القيامة فقال - تعالى -: إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً أى: فى الطبقة السفلى من طبقاتها وسميت دركاتها لكونها متداركه أى: متتابعة بعضها تحت بعض. والدرك لغة فى الدرك وهو كالدرج، إلا أن الدرج يقال باعتبار الصعود. والدرك يقال باعتبار النزول والحدور. ولذا قيل: درجات الجنة ودركات النار.قال الآلوسى: والنار لها طبقات سبع: تسمى الأولى كما قيل: جهنم: والثانية: لظى. والثالثة: الحطمة. والرابعة: السعير. والخامسة: سقر. والسادسة: الجحيم. والسابعة: الهاوية. وقد تسمى النار جميعاً باسم الطبقة الأولى، وبعض الطبقات باسم بعض لأن لفظ النار يجمعها...والمعنى: إن هؤلاء المنافقين الذين مردوا على النفاق. وسرى فى طباعهم مسرى الدم سيكونون يوم القيامة فى الطبقة السفلى من النار، ولن تجد لهم نصيراً ينصرهم من عذاب الله أو يدفع عنهم عقابه.وإنما كان للمنافقين هذا العذاب الشديد، لأنهم أضافوا إلى كفرهم، الاستهزاء بالإِسلام وأهله، وجمعوا بسوء طباعهم بين الكفر. والفسق والتضليل، والخداع، وإشاعة الفاحشة فى صفوف المؤمنين، وغير ذلك من رذائلهم المتعددة، وقبائحهم المتنوعة.قال بعض العلماء: ولكن من هو المنافق الذى يستحق أشد العقاب، ويكون فى أعمق النيران يوم القيامة؟ نقول فى الجواب عن ذلك: إنه المنافق الخالص الذى لم يكن فيه خصلة أو أكثر من خصلة فقط، ولكن هو الذى كفر بالله وبالرسالة المحمدية، ولم يكتف بذلك بل أظهر الإِسلام ليفسد بين المسلمين ويتعرف أسرارهم.ذلك أن النفاق درجات هذا أعلاها، وهو أشد الكفر. ودونه بعد ذلك مراتب تكون بين المسلمين ولا تخرج المسلم عن إسلامه، وإن كانت تجعل إيمانه ضعيفا. ومن ذلك ممالأة الحكام، والسكوت عن كلمة الحق مع النطق بالباطل ملقا وخداعا.قيل لابن عمر - رضى الله عنهما -: ندخل على السلطان ونتكلم بكلام فإذا خرجنا تكلمنا بخلافه!! فقال: كنا نعده من النفاق.ولقد جاء فى الحديث الشريف ما يفيد أن المنافقين فريقان: فريق خصل للنفاق، وهذا منكوس القلب والنفس والفكر. وقسم فيه خصلة من النفاق، وهذا يتنازعه الخير والشر. فقد قال - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه الإِمام أحمد. " القلوب أربعة قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر. وقلب أغلف مربوط على غلافه. وقلب منكوس، وقلب مصفح. فأما القلب الأجرد، فقلب المؤمن سراجه فيه نوره. وأما القلب الأغلف: فقلب الكافر. وأما القلب المنكوس: فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح: فقلب فيه إيمان ونفاق. ومثل الإِيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب. ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم. فأى المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه ".وإننا لهذا نقول: إن النفاق فى داخل الإِسلام مراتب. وأعلاها أولئك الذين يتملقون الحكام، وينحدرون إلى درجة وضعهم فى مقام النبيين. ومنهم من يذهب به فرط نفاقه، فيفضل بعض عملهم على عمل النبيين، وهؤلاء نتردد فى الحكم بأنهم مسلمون. وقريب منهم الذين يتأولون النصوص من غير حجة فى التأويل. ويعبثون بظواهرها القاطعة لهوى الحكام.

الترجمة الإنجليزية

Illa allatheena taboo waaslahoo waiAAtasamoo biAllahi waakhlasoo deenahum lillahi faolaika maAAa almumineena wasawfa yuti Allahu almumineena ajran AAatheeman

ثم بعد هذا الوعيد الشديد للمنافقين فتح - سبحانه - باب التوبة ليدخل فيه كل من يريد أن يقلع عن ذنوبه من المنافقين وغيرهم، حتى ينجو من عقابه - سبحانه - فقال: إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً .أى: هذا الجزاء الذى بيناه هو جزاء المنافقين. لكن الذين تابوا منهم عن النفاق، وأصلحوا ما أفسدوا من أقوالهم وأفعالهم وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ أى تمسكوا بكتابه، وتركوا موالاة الكافرين وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ بحيث لا يريدون بطاعتهم سوى رضاه ومثوبته، فَأُوْلَٰئِكَ الذين فعلوا ذلك مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ الصادقين الذين لم يصدر منهم نفاق. أى: معهم فى فضيلة الإِيمان الصادق، وما يترتب على ذلك من أجر جزيل. وثواب عظيم. وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً لا يقادر قدره، ولا يكتنه كنهه.فقوله: إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ استثناء من المنافقين فى قوله إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ .قال الفخر الرازى ما ملخصه: اشترط - سبحانه - فى إزالة العقاب عن المنافقين أموراً أربعة:أولها: التوبة.وثانيها: إصلاح العمل. فالتوبة عبارة عن ترك القبيح، وإصلاح العمل عبارة عن الإِقدام على الحسن.وثالثها: الاعتصام بالله. وهو أن يكون غرضه من التوبة وإصلاح العمل طلب مرضاة الله.ورابعها: الإِخلاص: بأن يكون طلب مرضاة الله خالصا وأن لا يمتزج به غرض آخر.والإِشارة فى قوله فَأُوْلَٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ تعود إلى الاسم الموصول وهو ٱلَّذِينَ باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة.والمقصود بالمعية فى قوله مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ التشريف والتكريم بصحبة الأخيار والتعبير " بسوف " لتأكيد وقوع الأمر المبشر به فى المستقبل، وليس لمجرد التسويف الزمانى.أى: وسوف يؤت الله المؤمنين ما وعدهم به إيتاء لا شك فى حصوله ووقوعه. ونكر - سبحانه - الآجر ووصفه بالعظم، للتنويه بشأنه. ولإِفادة أنه أجر لا يكتنه كنهه.

الترجمة الإنجليزية

Ma yafAAalu Allahu biAAathabikum in shakartum waamantum wakana Allahu shakiran AAaleeman

ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر رحمته بعباده، وفضله عليهم فقال - تعالى -: مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً .و مَّا استفهامية. المراد بالاستفهام هنا النفى والإِنكار على أبلغ وجه وآكده والجملة الكريمة استئنافية مسوقة لبيان أن مدار تعذيبهم وجودا وعدما إنما هو كفرهم ومعاصيهم لا لشئ آخر.والمعنى: أى منفعة له - سبحانه - فى عذابكم وعقوبتكم إن شكرتم نعمه، وأديتم حقها، وآمنتم به حق الإِيمان؟ لا شك أنه - سبحانه - لا يفعل بكم شيئا من العذاب ما دام الشكر والإِيمان واقعين منكم؛ فقد اقتضت حكمته - سبحانه - أن لا يعذب إلا من يستحق العذاب، بل إنه - سبحانه - قد يتجاوز عن كثير من ذنوب عباده رحمة منه وفضلا.وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى بقوله: قوله مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ أيتشفى به من الغيظ؟ أم يدرك به الثأر؟ أم يستجلب به نفعا؟ أم يستدفع به ضرراً؟ كما هو شأن الملوك. وهو الغنى المتعالى الذى لا يجوز عليه شئ من ذلك. وإنما هو أمر اقتضته الحكمة أن يعاقب المسئ. فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أبعدتم عن أنفسكم استحقاق العذاب.و مَّا فى محصل نصب ب يَفْعَلُ لأن الاستفهام له الصدارة. والباء فى قوله بِعَذَابِكُمْ سببية متعلقة بيفعل. والاستفهام هنا معناه النفى كما سبق أن أشرنا. وعبر عن النفى بالاستفهام للإِشارة إلى أنه - سبحانه - ربت الجزاء على العمل؛ وأنه يجب على كل عاقل أن يدرك أن عدالة الله قد اقتضت أنه - سبحانه - لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأن لا يعذب إلا من يستحق العذاب، ويعفو عن كثير من السيئات بفضله ومنته.وقوله: إِن شَكَرْتُمْ جوابه محذوف دل عليه ما تقدم. أى: إن شكرتم وآمنتم فما الذى يفعله بعذابكم؟وقدم الشكر على الإِيمان، لأن الشكر سبب فى الإِيمان، إذ الإِنسان عندما يرى نعم الله، ويتفكر فيها ويقدرها حق قدرها، يسوقه ذلك إلى الإِيمان الحق، فالشكر يؤدى إلى الإِيمان والإِيمان متى رسخ واستقر فى القلب ارتفع بصاحبه إلى أسمى ألوان الشكر وأعظمها. فعطف الإِيمان على الشكر من باب عطف المسبب على السبب.وقوله: وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً تذييل قصد به تأكيد ما سبق من الله - سبحانه - لا يعذب عباده الشاكرين المؤمنين.أى: وكان الله شاكراً لعباده على طاعتهم.أي مثيبهم ومجازيهم الجزاء الحسن على طاعتهم، عليما بجميع أقوالهم وأفعالهم، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه. فالمراد بالشكر منه - سبحانه - مجازاة عباده بالثواب الجزيل على طاعتهم له ووقوفهم عند أمره ونهيه.وسمى - سبحانه - ثواب الطائعين شكراً منه، للتنويه بشأن الطاعة، وللتشريف للمطيع، ولتعليم عباده يشكروا للمحسنين إحسانهم. فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، ورحم الله الإِمام ابن القيم حيث يقول:وهو الشكور. فلن يضيع سعيهم لكن يضاعفه بلا حسبانما للعباد عليه حق واجب هو أوجب الأجر العظيم الشأنكلا ولا عمل لديه بضائع إن كان بالإِخلاص والإِحسانإن عذبوا فبعدله، أو نعموا فبفضله، والحمد للرحمنوإلى هنا نرى أن الآيات الكريمة التى بدأت بقوله - تعالى - بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ قد كشفت عن حقيقة النفاق والمنافقين فى المجتمع الإِسلامي، وأماطت اللثام عن طباعهم المعوجة، وأخلاقهم القبيحة، ومسالكهم الخبيثة، وهممهم الساقطة، ومصيرهم الأليم. وذلك لكى يحذرهم المؤمنون، ويتنبهوا إلى مكرهم وسوء صنيعهم. ثم نرى الآيات الكريمة خلال ذلك تفتح باب التوبة للتائبين من المنافقين وغيرهم وتعدهم إن تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله بالأجر العظيم. وأخيرا تجئ تلك اللفتة العجيبة المؤثرة العميقة. أخيرا بعد ذكر العقاب المفزع الذى توعد الله به المنافقين، وبعد ذكر الأجر العظيم الذى وعد الله به المؤمنين. أخيرا بعد كل ذلك تجئ الآية الكريمة التى تنفى بأبلغ أسلوب أن يكون هناك عذاب من الله لعباده الشاكرين المؤمنين، لأنه - سبحانه - وهو الغنى الحميد، قد اقتضت حكمته وعدالته أن لا يعذب إلا من يستحق العذاب، وأنه - سبحانه - سيجازى الشاكرين المؤمنين بأكثر مما يستحقون من خير عميم، ونعيم مقيم، وما أحكم قوله - تعالى -: مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً إنها الآية كريمة تخص الناس على أن يقبلوا على ربهم بقلب سليم فيعبدوه حق العبادة، ويطيعوه حق الطاعة لينالوا ثوابه وجزاءه الحسن؛ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أنه يبغض الجهر بالسوء من القول إلا فى أحوال تقتضى ذلك، وتوعد الكافرين به ويرسله بالعذاب المهين، وبشر المؤمنين حق الإِيمان بالأجر العظيم فقال - تعالى: لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ...غَفُوراً رَّحِيماً .
101