سورة الفجر (89): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الفجر بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الفجر مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الفجر

سُورَةُ الفَجۡرِ
الصفحة 593 (آيات من 1 إلى 23)

وَٱلْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ وَٱلَّيْلِ إِذَا يَسْرِ هَلْ فِى ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ ٱلَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى ٱلْبِلَٰدِ وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُوا۟ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلْأَوْتَادِ ٱلَّذِينَ طَغَوْا۟ فِى ٱلْبِلَٰدِ فَأَكْثَرُوا۟ فِيهَا ٱلْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ فَأَمَّا ٱلْإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكْرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَهَٰنَنِ كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ وَلَا تَحَٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبًّا جَمًّا كَلَّآ إِذَا دُكَّتِ ٱلْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِا۟ىٓءَ يَوْمَئِذٍۭ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلْإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ
593

الاستماع إلى سورة الفجر

تفسير سورة الفجر (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Waalfajri

وَالْفَجْرِ (1) القَسَم بهذه الأزمان من حيث إن بعضها دلائل بديع صنع الله وسعةِ قدرته فيما أوجد من نظام يُظاهر بعضه بعضاً من ذلك وقتَ الفجر الجامع بين انتهاء ظلمة الليل وابتداء نور النهار ، ووقت الليل الذي تمحضت فيه الظلمة . وهي مع ذلك أوقات لأفعال من البر وعبادةِ الله وحده ، مثل الليالي العشر ، والليالي الشفع ، والليالي الوتر .والمقصود من هذا القَسَم تحقيق المقسم عليه لأن القسم في الكلام من طرق تأكيد الخبر إذ القسم إشهاد المُقسِم ربه على ما تضمنه كلامه .وقسم الله تعالى متمحض لقصد التأكيد .والكلام موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما دل عليه قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } [ الفجر : 6 ] وقوله : { إن ربك لبالمرصاد } [ الفجر : 14 ] .ولذلك فالقسم تعريض بتحقيق حصول المقسم عليه بالنسبة للمنكرين .والمقصد من تطويل القسم بأشياء ، التشويقُ إلى المقسم عليه .و { الفجر } : اسم لوقتتِ ابتداء الضياء في أقصى المشرق من أوائل شعاع الشمس حين يتزحزح الإِظلام عن أول خط يلوح للناظرِ مِنَ الخطوط الفرضية المعروفةِ في تخطيط الكرة الأرضية في الجغرافيا ثم يمتد فيضيء الأفق ثم تظهر الشمس عند الشروق وهو مظهر عظيم من مظاهر القدرة الإلهية وبديع الصنع .فالفجر ابتداء ظهور النور بعد ما تأخذ ظلمة الليل في الإِنصرام وهو وقت مبارك للناس إذ عنده تنتَهي الحالة الداعية إلى النوم الذي هو شبيه الموت؛ ويأخذ الناس في ارتجاع شعورهم وإقبالهم على ما يألفونه من أعمالهم النافعة لهم .فالتعريف في { الفجر } تعريف الجنس وهو الأظهر لمناسبة عطف { والليل إذا يسر } .ويجوز أن يراد فجر معين : فقيل أريد وقت صلاة الصبح من كل يوم وهو عن قتادة . وقيل : فجر يوم النحر وهو الفجر الذي يكون فيه الحجيج بالمزدلفة وهذا عن ابن عباس وعطاء وعكرمة ، فيكون تعريف { الفجر } تعريف العهد .

الترجمة الإنجليزية

Walayalin AAashrin

وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وقوله : { وليال عشر } : هي ليال معلومة للسامعين موصوفة بأنها عشر واستُغني عن تعريفها بتوصيفها بعشر وإذ قد وصفت بها العدد تعين أنها عشر متتابعة وعدل عن تعريفها مع أنها معروفة ليتوصل بترْك التعريف إلى تنوينها المفيد للتعظيم وليس في ليالي السَّنة عشرُ ليال متتابعة عظيمة مثل عشر ذي الحجّة التي هي وقتُ مناسك الحج ، ففيها يكون الإِحرام ودخول مكة وأعمال الطواف ، وفي ثامنتها ليلة التروية ، وتاسعتها ليلة عرفة وعاشرتها ليلة النحر . فتعين أنها الليالي المرادة بليال عشر . وهو قول ابن عباس وابن الزبير ، وروى أحمد والنسائي عن أبي الزبير ( المكي ) عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن العشر عشر الأضحى » قال ابن العربي : ولم يصح وقال ابن عساكر : رجاله لا بأس بهم وعندي أن المتن في رفعه نكارة اه .ومناسبة عطف { ليال عشر } على { الفجر } أن الفجر وقت انتهاء الليل ، فبينه وبين الليل جامع المضادة ، والليل مظهر من مظاهر القدرة الإلهية فلما أريد عطفه على الفجر بقوله : { والليل إذا يسر } خصت قبل ذكره بالذكرِ ليال مباركة إذ هي من أفراد الليل .وكانت الليالي العشر معينة من الله تعالى في شرع إبراهيم عليه السلام ثم غيرت مواقيتها بما أدخله أهل الجاهلية على السَّنة القمرية من النسيء فاضطربت السنين المقدسة التي أمر الله بها إبراهيم عليه السلام . ولا يُعرف متى بدأ ذلك الاضطراب ، ولا مقاديرُ ما أدخل عليها من النسيء ، ولا ما يضبط أيام النسيء في كل عام لاختلاف اصطلاحهم في ذلك وعدم ضبطه فبذلك يتعذر تعيين الليالي العشر المأمور بها من جانب الله تعالى ، ولكننا نوقن بوجودها في خلال السنة إلى أن أوحى الله إلى نبيئه محمد صلى الله عليه وسلم في سنة عشر من الهجرة عام حجة الوداع ، بأن أشهر الحج في تلك السنة وافقت ما كانت عليه السنةُ في عهد إبراهيم عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : " إن الزمان قد استدار كهيئته يومَ خلق الله السماوات والأرض " .وهذا التغيير لا يرفع بركة الأيام الجارية فيها المناسك قبل حجة الوداع لأن الله عظمها لأجل ما يقع فيها من مناسك الحج إذ هو عبادة لله خاصة .فأوقات العبادات تعيين لإِيقاع العبادة فلا شك أن للوقت المعين لإيقاعها حكمة علمها الله تعالى ولذلك غلب في عبارات الفقهاء وأهل الأصول إطلاقُ اسم السبب على الوقت لأنهم يريدون بالسبب المعرّف بالحكم ولا يريدون به نفسَ الحِكمة .وتعيين الأوقات للعبادات مما انفرد الله به ، فلأوقات العبادات حرمات بالجعل الرباني ، ولكن إذا اختلت أو اختلطت لم يكن اختلالها أو اختلاطها بقاض بسقوط العبادات المعينة لها .فقسمُ اللَّه تعالى بالليالي العشر في هذه مما نزل بمكة قسم بما في علمه من تعيينها في علمه .

الترجمة الإنجليزية

WaalshshafAAi waalwatri

وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) و { الشفع } : ما يكون ثانياً لغيره ، و { الوَتْر } : الشيء المفرد ، وهما صفتان لمحذوف ، فعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشفع يوم النحر ذلك لأنه عاشر ذي الحجة ومناسبة الابتداء بالشفع أنه اليوم العاشر فناسب قوله : { وليال عشر } ، وأن الوتر يوم عرفة رواه أحمد بن حنبل والنسائي وقد تقدم آنفاً ، وعلى هذا التفسير فذكر الشفع والوتر تخصيص لهذين اليومين بالذكر للاهتمام ، بعد شمول الليالي العشر لهما .وفي «جامع الترمذي» عن عِمران بن حُصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الشفع والوتر والصلاةُ منها شفع ومنها وتر " . قال الترمذي : وهو حديث غريب وفي «العارضة أن في سنده مجهولاً ، قال ابن كثير : «وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه» .وينبغي حمل الآية على كلا التفسيرين .وقيل : الشفع يومان بعد يوم منَى ، والوتر اليوم الثالث وهي الأيام المعدودات فتكون غيرَ الليالي العشر .وتنكير { ليال } وتعريف { الشفع والوتر } مشير إلى أن الليالي العشر ليال معينة وهي عشر ليال في كل عام ، وتعريف { الشفع والوتر } يؤذن بأنهما معروفان وبأنهما الشفع والوتر من الليالي العشر .وفي تفسير { الشفع والوتر } أقوال ثمانيةَ عشر وبعضها متداخل استقصاها القرطبي ، وأكثرها لا يَحسن حمل الآية عليه إذ ليست فيها مناسبة للعطف على ليال عشر .وقرأ الجمهور : { والوتر } بفتح الواو وهي لغة قريش وأهل الحجاز . وقرأه حمزة والكسائي وخلف بكسر الواو وهي لغة تميم وبَكر بن سَعْد بن بكر وهم بنو سعد أظآر النبي صلى الله عليه وسلم وهم أهل العالية ، فهما لغتان في الوتر . بمعنى الفرد .و { الليل } عطف على { ليالي عشر } عطف الأعم على الأخص أو عطف على { الفجر } بجامع التضاد . وأقسم به لما أنه مظهر من مظاهر قدرة الله وبديع حكمته .ومعنى يسري : يمضي سائراً في الظلام ، أي إذا انقضى منه جزء كثير ، شُبه تقضي الليل في ظلامه بسير السائر في الظلام وهو السُّرى كما شبه في قوله : { والليل إذ أدبر } [ المدثر : 33 ] وقال : { والليل إذا سجى } [ الضحى : 2 ] ، أي تمكن ظلامه واشتد .

الترجمة الإنجليزية

Waallayli itha yasri

وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)وتقييد { الليل } بظرف { إذا يسر } لأنه وقت تمكن ظلمة الليل فحينئذ يكون الناس أخذوا حظهم من النوم فاستطاعوا التهجد قال تعالى : { إن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأقوم قيلاً } [ المزمل : 6 ] وقال : { ومن الليل فاسجد له وسبحه } [ الإنسان : 26 ] .وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب : { إذا يسري } بياء بعد الراء في الوصل على الأصل وبحذفها في الوقف لرعي بقية الفواصل : «الفجر ، عشر ، والوتر ، حجر» ففواصل القرآن كالأسجاع في النثر والأسجاعُ تعامل معاملة القوافي ، قال أبو علي : وليس إثباتُ الياء في الوقف بأحسن من الحذف ، وجميع ما لا يحذف وما يُختار فيه أن لا يحذف ( نحو القاض بالألف واللام ) يُحذف إذا كان في قافيةٍ أو فاصلة فإن لم تكن فاصلة فالأحسن إثبات الياء . وقرأ ابن كثير ويعقوب بثبوت الياء بعد الراء في الوصل وفي الوقف على الأصل .وقرأ الباقون بدون ياء وصْلاً ووقفاً ، وهذه الرواية يوافقها رسم المصحف إياها بدون ياء ، والذين أثبتوا الياء في الوصل والوقف اعتمدوا الرواية واعتبروا رسم المصحف سُنَّة أو اعتداداً بأن الرسم يكون باعتبار حالة الوقف .وأما نافع وأبو عمرو وأبو جعفر فلا يُوهن رسمُ المصحف روايتهم لأن رسم المصحف جاء على مراعاة حال الوقف ومُراعاةُ الوقف تكثر في كيفيات الرسم .

الترجمة الإنجليزية

Hal fee thalika qasamun lithee hijrin

هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)جملة معترضة بين القَسم وما بعده من جوابه أو دليل جوابه ، كما في قوله تعالى : { وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } [ الواقعة : 76 ] .والاستفهام تقريري ، وكونه بحرف { هل } لأن أصل { هل } أن تدل على التحقيق إذ هي بمعنى ( قد ) .واسم الإشارة عائد إلى المذكور مما أقسم به ، أي هل في القسم بذلك قَسم .وتنكير { قسمَ } للتعظيم أي قسم كاففٍ ومُقنع للمُقْسم له . إذا كان عاقلاً أن يتدبر بعقله .فالمعنى : هل في ذلك تحقيق لما أُقسم عليه للسامع الموصوف بأنه صاحب حِجر .والحِجْر : العقل لأنه يَحجرُ صاحبه عن ارتكاب ما لا ينبغي ، كما سمي عقلاً لأنه يعْقِل صاحبه عن التهافت كما يعقِل العِقال البعيرَ عن الضَّلال .واللام في قوله : { لذي حجر } لام التعليل ، أي قَسَم لأجل ذي عقل يمنعه من المكابرة فيعلم أن المقسم بهذا القَسَم صادق فيما أقسم عليه .

الترجمة الإنجليزية

Alam tara kayfa faAAala rabbuka biAAadin

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) لا يصلح هذا أن يكون جواباً للقسم ولكنه : إمَّا دليلُ الجواب إذ يدل على أن المقسَم عليه من جنس ما فُعِل بهذه الأمم الثلاث وهو الاستئصال الدال عليه قوله : { فصب عليهم ربك سوط عذاب } ، فتقدير الجواب ليصبن ربك على مكذبيك سوط عذاب كما صب على عاد وثمود وفرعون .وإمّا تمهيد للجواب ومقدمة له إن جعلت الجواب قوله : { إن ربك لبالمرصاد } وما بينه وبين الآيات السابقة اعتراض جعل كمقدمة لجواب القسم .والمعنى : إن ربك لبالمرصاد للمكذبين لا يخفى عليه أمرهم ، فيكون تثبيتاً للنبيء صلى الله عليه وسلم كقوله : { ولا تحسبن اللَّه غافلاً عما يعمل الظالمون } [ إبراهيم : 42 ] .فالاستفهام في قوله : { ألم تر } تقريري ، والمخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم تثبيتاً له ووعداً بالنصر ، وتعريضاً للمعاندين بالإِنذار بمثله فإن ما فُعل بهذه الأمم الثلاث موعظة وإنذار للقوم الذين فَعَلوا مثل فعلهم من تكذيب رسل الله قُصد منه تقريب وقوع ذلك وتوقع حلوله . لأن التذكير بالنظائر واستحضَار الأمثال يقرِّب إلى الأذهاننِ الأمر الغريب الوقوع ، لأن بُعد العهد بحدوث أمثاله ينسيه الناسَ ، وإذا نُسي استبعَد الناسُ وقوعه ، فالتذكير يزيل الاستبعاد .فهذه العِبَر جزئيات من مضمون جواب القسم ، فإن كان محذوفاً فذِكْرُها دليلُه ، وإن كان الجواب قوله : { إن ربك لبالمرصاد } كان تقديمها على الجواب زيادة في التشويق إلى تلقيه ، وإيذاناً بجنس الجواب من قَبْل ذكره ليحصل بعد ذكره مزيد تقرُّره في الأذهان .والرؤيَةُ في { ألم تر } يجوز أن تكون رؤية عِلْمية تشبيهاً للعلم اليقيني بالرؤية في الوضوح والانكشاف لأن أخبار هذه الأمم شائعة مضروبة بها المُثُل فكأنها مشاهدة . فتكون { كيف } استفهاماً معلِّقاً فعل الرؤية عن العمل في مفعولين .ويجوز أن تكون الرؤية بصرية والمعنى : ألم تر آثار ما فعل ربك بعاد ، وتكون { كيف } إسْماً مجرّداً عن الاستفهام في محل نصب على المفعولية لفعل الرؤية البصرية .وعُدل عن اسم الجلالة إلى التعريف بإضافة رب إلى ضمير المخاطب في قوله : { فعل ربك } لِما في وصف رب من الإِشعار بالولاية والتأييد ولما تؤذن به إضافته إلى ضمير المخاطب من إعزازه وتشريفه .وقد ابتُدئت الموعظة بذكر عاد وثمود لشهرتهما بين المخاطبين وذُكِرَ بعدهما قوم فرعون لشهرة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون بين أهل الكتاب ببلاد العرب وهم يحدِّثون العرب عنها .وأريد ب«عاد» الأمة لا محالة قال تعالى : { وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم } [ هود : 59 ] فوَجْه صرفه أنه اسم ثلاثي ساكن الوسط مثللِ هِند ونُوح وإرَم بكسر الهمزة وفتح الراء اسم إرَم بن سَامٍ بن نُوح وهو جد عاد لأن عاداً هو ابن عُوص بن إرَم ، وهو ممنوع من الصرف للعجمة لأن العرب البائدة يُعتبرون خارجين عن أسماء اللغة العربية المستعملة ، فهو عطف بيان ل«عاد» للإِشارة إلى أن المراد ب«عاد» القبيلة التي جدها الأدنى هو عاد بن عوص بن إرم ، وهم عاد الموصوفة ب { الأولى } في قوله تعالى :{ وأنه أهلك عاداً الأولى } [ النجم : 50 ] لئلا يتوهم أن المتحدَّثَ عنهم قبيلة أخرى تسمى عاداً أيضاً . كانت تنزل مكة مع العَمَاليق يقال : إنهم بقية من عاد الأولى فعاد وإرم اسمان لقبيلة عاد الأولى .

الترجمة الإنجليزية

Irama thati alAAimadi

إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) ووُصِفَتْ عادٌ ب { ذات العماد } ، و { ذاتُ } وصْف مؤنث لأن المراد بعاد القبيلة .والعمادُ : عُود غليظ طويلٌ يُقام عليه البيت يركز في الأرض تقام عليه أثواب الخيمة أو القبة ويسمى دَعامةً ، وهو هنا مستعار للقوة تشبيهاً للقبيلة القوية بالبيت ذات العماد .وإطلاق العِماد على القوة جاء في قول عمرو بن كلثوم: ... ونَحن إذا عِمَادُ الحَيِّ خَرَّتعلى الأحْفاض نَمنع من يَلِينا ... ويجوز أن يكون المراد ب { العماد } الأعلام التي بنوْها في طرُقهم ليهتدي بها المسافرون المذكورةَ في قوله تعالى : { أتبنون بكل ريع آية تعبثون } [ الشعراء : 128 ] .ووُصفت عاد ب { ذات العماد } لقوتها وشدتها ، أي قد أهلك الله قوماً هم أشد من القوم الذين كذبوك قال تعالى : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم } [ محمد : 13 ] وقال : { أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة } [ غافر : 21 ] .و { التي } : صادق على «عاد» بتأويل القبيلة كما وصفت ب { ذات العماد } والعرب يقولون : تَغلِبُ ابنةُ وائل ، بتأويل تغلب بالقبيلة .

الترجمة الإنجليزية

Allatee lam yukhlaq mithluha fee albiladi

الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) و { البلاد } : جمعَ بَلَد وبلْدة وهي مساحة واسعة من الأرض معيَّنة بحدود أو سكان .والتعريف في { البلاد } للجنس والمعنى : التي لم يخلق مثل تلك الأمة في الأرض . وأريد بالخلق خلق أجسادهم فقد رُوي أنهم كانوا طِوالاً شداداً أقوياء ، وكانوا أهل عقل وتدبير ، والعرب تضرب المثل بأحلام عاد ، ثم فسدت طباعهم بالترف فبطروا النعمة .والظاهر أن لام التعريف هنا للاستغراق العُرفي ، أي في بلدان العرب وقبائلهم .وقد وضع القصاصون حول قوله تعالى : { إرم ذات العماد } قصةً مكذوبة فزعموا أن { إرم ذات العماد } مركب جعل اسماً لمدينة باليَمن أو بالشام أو بمصر ، ووصفوا قصورها وبساتينها بأوصاف غير معتادة ، وتقوَّلوا أن أعرابياً يقال له : عبدُ الله بن قلابة كان في زمن الخليفة معاوية بن أبي سفيان تاهَ في ابتغاء إبِللٍ له فاطَّلع على هذه المدينة وأنه لما رجع أخبر الناس فذهبوا إلى المكان الذي زعم أنه وجَد فيه المدينة فلم يجدوا شيئاً . وهذه أكاذيب مخلوطة بجهالة إذ كيف يصح أن يكون اسمَها أرم ويتبع بذاتتِ العماد بفتح { إرَمَ } وكسر { ذاتِ } فلو كان الاسم مركباً مَزْجياً لكان بناء جزأيْه على الفتح ، وإن كان الاسم مفرداً و { ذات } صفة له فلا وجه لكسر { ذات } ، على أن موقع هذا الاسم عقب قوله تعالى : { بعاد } يناكد ذلك كله .

الترجمة الإنجليزية

Wathamooda allatheena jaboo alssakhra bialwadi

وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) ومُنع { ثمود } من الصرف لأن المراد به الأمة المعروفة ، ووصف باسم الموصول لجمع المذكّر في قوله : { الذين جابوا } دون أن يقول التي جابت الصخر بتأويل القوم فلما وُصف عدل عن تأنيثه تفنناً في الأسلوب .ومعنى { جابوا } : قطعوا ، أي نَحتوا الصخر واتخذوا فيه بيوتاً كما قال تعالى : { وتنحتون من الجبال بيوتاً } [ الشعراء : 149 ] وقد قيل : إن ثمود أول أمم البشر نحتوا الصخر والرخام .و { الصخر } : الحجارة العظيمة .والواد : اسم لأرض كائنةٍ بين جبلين منخفضة ، ومنه سمي مجرى الماء الكثير واداً وفيه لغتان : أن يكون آخره دَالاً ، وأن يكون آخره ياء ساكنةً بعد الدال .وقرأ الجمهور بدون ياء . وقرأه ابن كثير ويعقوب بياء في آخره وصلا ووقفاً ، وقرأه ورش عن نافع بياء في الوصل وبدونها في الوقف وهي قراءة مبنية على مراعاة الفواصل مثل ما تقدم في قوله تعالى : { والليل إذا يسر } [ الفجر : 4 ] وهو مرسوم في المصحف بدون ياء والقراءات تعتمد الرواية بالسمع لا رسم المصحف إذ المقصود من كتابة المصاحف أن يتذكر بها الحفاظ ما عسى أن ينسَوْه .والواد : علَم بالغلبة على منازل ثمود ، ويقال له : وادي القُرى ، بإضافته إلى «القرى» التي بنتها ثمود فيه ويسمى أيضاً «الحِجر» بكسر الحاء وسكون الجيم ، ويقال لها : «حِجر ثمود» وهو واد بين خيبر وتَيْماء في طريق الماشي من المدينة إلى الشام ، ونزله اليهود بعد ثمود لما نزلوا بلادَ العرب ، ونزله من قبائل العرب قُضاعة وجهينة ، وعُذرة وبَليٌّ .وكان غزاه النبي صلى الله عليه وسلم وفتحه سنة سبع فأسلم من فيه من العرب وصُولحت اليهود على جِزْيَةٍ .والباء في قوله : { بالواد } للظرفية .

الترجمة الإنجليزية

WafirAAawna thee alawtadi

وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) والمراد ب { فرعون } هو وقومه .ووصف { ذي الأوتاد } لأن مملكته كانت تحتوي على الأهرام التي بناها أسلافه لأن صورة الهرم على الأرض تشبه الوتد المدقوق ، ويجوز أن يكون الأوتاد مستعاراً للتمكن والثبات ، أي ذي القوة على نحو قوله : { ذات العماد } ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذُو الأوتاد } في ص ( 12 ) .

الترجمة الإنجليزية

Allatheena taghaw fee albiladi

الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) وقوله : الذين طغوا في البلاد } يجوز أن يكون شاملاً لجميع المذكورين عاد وثمود وفرعون . ويجوز أن يكون نعتاً لفرعون لأن المراد هو وقومه .والطغيان شدّة العصيان والظلم ومعنى طغيانهم في البلاد أن كل أمة من هؤلاء طَغوا في بلدهم؛ ولما كان بلدهم من جملة البلاد أي أرضي الأقوام كان طغيانهم في بلدهم قد أوقع الطغيان في البلاد لأن فساد البعض آئل إلى فساد الجميع بسَنِّ سنن السوء ، ولذلك تسبب عليه ما فرع عنه من قوله : { فأكثروا فيها الفساد } لأن الطغيان يجرِّىء صاحبه على دحض حقوق الناس فهو من جهة يكون قدوة سُوءٍ لأمثاله ومَلئهِ ، فكل واحد منهم يطغى على من هو دونه ، وذلك فساد عظيم ، لأن به اختلال الشرائع الإلاهيّة والقوانين الوضعية الصالحة وهو من جهة أخرى يثير الحفائظ والضغائن في المطْغيّ عليه من الرعية فيُضمرون السوء للطاغين وتنطوي نفوسهم على كراهية ولاة الأمور وتربص الدوائر بها فيكونُون لها أعداء غير مخلصي الضمائر ويكون رجال الدولة متوجّسين منهم خيفة فيظنون بهم السوء في كل حال ويحْذَرُونهم فتتوزع قوة الأمة على أفرادها عوض أن تتّحد على أعدائها فتصبح للأمة أعداء في الخارج وأعداء في الداخل وذلك يفضي إلى فساد عظيم ، فلا جرم كان الطغيان سبباً لكثرة الفساد .ويجوز أن يكون التعريف في { البلاد } تعريف العهد ، أي في بلادهم والجمع على اعتبار التوزيع ، أي طغت كل أمة في بلادها .

الترجمة الإنجليزية

Faaktharoo feeha alfasada

فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) و { الفساد } : سوء حال الشيء ولحاق الضر به قال تعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل } [ البقرة : 205 ] . وضد الفساد الصلاح قال تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } [ الأعراف : 56 ] وكان ما أكثروه من الفساد سبباً في غضب الله عليهم ، والله لا يحب الفساد فصب عليهم العذاب .والصب حقيقته : إفراغ ما في الظرف ، وهو هنا مستعار لحلول العذاب دَفعة وإحاطته بهم كما يصب الماء على المغتَسِل أو يصب المطر على الأرض ، فوجه الشبه مركب من السرعة والكثرة ونظيره استعارةُ الإِفراغ في قوله تعالى : { ربنا أفرغ علينا صبراً } [ البقرة : 250 ] ونظير الصب قولهم : شن عليهم الغارةَ .وكان العذاب الذي أصاب هؤلاء عذاباً مفاجئاً قاضياً .فأما عاد فرأوا عارض الريح فحسبوه عارض مطر فما لبثوا حتى أطارتهم الريح كل مطير .وأما ثمود فقد أخذتهم الصيحة .وأما فرعون فحسبوا البحر منحسراً فما راعهم إلا وقد أحاط بهم .

الترجمة الإنجليزية

Fasabba AAalayhim rabbuka sawta AAathabin

فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) والسوط : آلة ضرب تتخذ من جلود مضفورة تضرب بها الخيل للتأديب ولتحمِلَها على المزيد في الجري .وعن الفراء أن كلمة { سوط عذاب } يقولها العرب لكل عذاب يدخل فيه السوط ( أي يقع بالسوط ) ، يُريد أن حقيقتها كذلك ولا يريد أنها في هذه الآية كذلك .وإضافة { سوط } إلى { عذاب } من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي صب عليهم عذاباً سوطاً ، أي كالسوط في سرعة الإِصابة فهو تشبيه بليغ .وجملة : { إن ربك لبالمرصاد } تذييل وتعليل لإِصابتهم بسوط عذاب إذا قُدِّر جواب القسم محذوفاً . ويجوز أن تكون جواب القَسَم كما تقدم آنفاً .فعلى كون الجملة تذييلاً تكون تعليلاً لجملة { فصب عليهم ربك سوط عذاب } تثبيتاً للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله ينصر رسله وتصريحاً للمعاندين بما عَرَّض لهم به من توقع معاملته إياهم بمثل ما عامل به المكذبين الأولين . أي أن الله بالمرصاد لكل طاغ مفسد .وعلى كونها جواب القسم تكون كناية عن تسليط العذاب على المشركين إذ لا يراد من الرصد إلا دفع المعتدي من عدوّ ونحوه ، وهو المقسم عليه وما قبله اعتراضاً تفنناً في نظم الكلام إذْ قُدم على المقصود بالقسم ما هو استدلال عليه وتنظير بما سبق من عقاب أمثالهم من الأمم من قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } الخ ، وهو أسلوب من أساليب الخطابة إذّ يُجعل البيان والتنظير بمنزلة المقدمة ويجعل الغرض المقصود بمنزلة النتيجة والعلةِ إذا كان الكلام صالحاً للاعتبارين مع قصد الاهتمام بالمقدَّم والمبادرة به .

الترجمة الإنجليزية

Inna rabbaka labialmirsadi

إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)والعدول عن ضمير المتكلم أو اسم الجلالة إلى { ربك } في قوله : { فصب عليهم ربك سوط عذاب } وقوله : { إن ربك لبالمرصاد } إيماء إلى أن فاعل ذلك رَبه الذي شأنه أن ينتصر له ، فهو مُؤمّل بأن يعذب الذين كذبوه انتصاراً له انتصارَ المولى لوليّه .والمرصاد : المكان الذي يَترقب فيه الرَّصد ، أي الجماعة المراقبون شيئاً ، وصيغةُ مفعال تأتي للمكان وللزمان كما تأتي للآلة ، فمعنى الآلة هنا غير محتمل ، فهو هنا إما للزمان أو المكان إذ الرصد الترقب .وتعريف «المرصاد» تعريف الجنس وهو يفيد عموم المتعلِّق ، أي بالمرصاد لكل فاعل ، فهو تمثيل لعموممِ علم الله تعالى بما يكون من أعمال العباد وحركاتهم ، بحال اطلاع الرصَد على تحركات العدُوّ والمغيرين ، وهذا المثلُ كناية عن مجازاة كل عامل بما عمِله وما يعمله إذ لا يقصد الرصد إلا للجزاءِ على العدوان ، وفي ما يفيده من التعليل إيماء إلى أن الله لم يظلمهم فيما أصابهم به .والباء في قوله { بالمرصاد } للظرفية .

الترجمة الإنجليزية

Faamma alinsanu itha ma ibtalahu rabbuhu faakramahu wanaAAAAamahu fayaqoolu rabbee akramani

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) { لبالمرصاد * فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربى أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا } { أَهَانَنِ } .دلت الفاء على أن الكلام الواقع بعدها متصل بما قبلها ومتفرع عليه لا محالة .ودلت ( أمّا ) على معنى : مهما يكن من شيء ، وذلك أصل معناها ومقتضى استعمالِها ، فقوي بها ارتباط جوابها بما قبلها وقبْلَ الفاء المتصلة بها ، فَلاح ذلك برقاً وامضاً ، وانجلى بلمعة ما كان غامضاً ، إذ كان تفريع ما بعد هذه الفاء على ما قبلها خفياً ، فلنبينه بياناً جليّاً ، ذلك أن الكلام السابق اشتمل على وصف ما كانت تتمتع به الأمم الممثَّل بها مما أنعم الله عليها به من النعم ، وهم لاهون عن دعوة رُسُل الله ، ومعرضون عن طلب مرضاة ربهم ، مقتحمون المناكر التي نُهوا عنها ، بطرون بالنعمة ، معجَبون بعظمتهم فعقب ذكر ما كانوا عليه وما جازاهم الله به عليه من عذاب في الدنيا ، باستخلاص العِبرة وهو تذكير المشركين بأن حالهم مماثل لحال أولئك تَرفاً وطغياناً وبطراً ، وتنبيهُهم على خطاهم إذْ كانت لهم من حال الترف والنعمة شبهةٌ توهَّموا بها أن الله جعلهم محل كرامة ، فحسبوا أن إنذار الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم بالعذاب ليس بصدق لأنه يخالف ما هو واقع لهم من النعمة ، فتوهموا أنّ فعل الله بهم أدلّ على كرامتهم عنده مما يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أمرهم بخلاف ما هم عليه ، ونفوا أن يَكون بعد هذا العالم عالم آخر يضاده ، وقصروا عطاء الله على ما عليه عباده في هذه الحياة الدنيا ، فكان هذا الوهَم مُسوِّلاً لهم التذكيب بما أنذروا به من وعيد ، وبما يسر المؤمنون من ثواب في الآخرة ، فحصروا جزاء الخير في الثروة والنعمة وقصروا جزاء السوء على الخصاصة وقَتْر الرزق . وقد تكرر في القرآن التعرض لإِبطال ذلك كقوله : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } [ المؤمنون : 55 ، 56 ] .

الترجمة الإنجليزية

Waamma itha ma ibtalahu faqadara AAalayhi rizqahu fayaqoolu rabbee ahanani

وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) وقد تضمن هذا الوهَم أصولاً انبنى عليها ، وهي : إنكار الجزاء في الآخرة ، وإنكار الحياة الثانية ، وتوهم دوام الأحوال .ففاء التفريع مرتبطة بجملة : { إن ربك لبالمرصاد } [ الفجر : 14 ] بما فيها من العموم الذي اقتضاه كونها تذييلاً .والمعنى : هذا شأن ربك الجاري على وفق علمه وحكمته .فأما الإنسان الكافر فيتوهم خلاف ذلك إذ يحسب أن ما يناله من نعمة وسَعَة في الدنيا تكريماً من الله له ، وما يناله من ضيق عيش إهانَةً أهانه الله بها .وهذا التوهم يستلزم ظنهم أفعال الله تعالى جارية على غير حكمة قال تعالى : { ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ }[ فصلت : 50 ] . فأعلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالحقيقة الحق ونبههم لتجنب تخليط الدلائل الدقيقة السامية ، وتجنب تحكيم الواهمة والشاهية ، وذكرهم بأن الأحوال الدنيوية أعراض زائلة ومتفاوتة الطول والقصر ، وفي ذلك كله إبطال لمعتقد أهل الشرك وضلالهم الذي كان غالباً على أهل الجاهلية ولذلك قال النابغة في آل غسان الذين لم يكونوا مشركين وكانوا متدينين بالنصرانية :مَجَلَّتُهم ذَاتُ الإله ودينُهم ... قَويم فَمَا يَرْجُونَ غَيْرَ العَوَاقِبوَلا يَحْسَبُون الخَيْرَ لا شَرَّ بعدَه ... ولا يحسبُون الشرَّ ضَرْبَةَ لازِبِ وليس مثلُ هذا المحكيّ عنهم من شأن المسلمين المهتدين بهدي النبي صلى الله عليه وسلم والمتبصرين في مجاري التصرفات الربانية . وقد نجد في بعض العوامّ ومن يشبههم من الغافلين بقايا مت اعتقاد أهل الجاهلية لإِيجاد التخيلات التي تمليها على عقولهم فالواجب عليهم أن يتعظوا بموعظة الله في هذه الآية .لا جرم أن الله قد يعجل جزاء الخير لبعض الصالحين من عباده كما قال : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنُحْيِينَّه حياة طيبة } [ النحل : 97 ] . وقد يعجّل العقاب لمن يغضب عليه من عباده . وقد حكَى عن نوح قولَه لقومه : { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين } [ نوح : 10 12 ] وقال تعالى : { وأَلَّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً } [ الجن : 16 ] . ولهذه المعاملة علامات أظهرها أن تجري على خلاف المألوف كما نرى في نصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاءِ على الأمم العظيمة القاهرة . وتلك مواعيد من الله يحققها أو وعيد منه يحيق بمستحقيه .وحرف ( أمَا ) يفيد تفصيلاً في الغالب ، أي يدل على تقابل بين شيئين من ذواتتٍ وأحوال . ولذلك قد تكرر في الكلام ، فليس التفصيلُ المستفاد منها بمعنى تبييننِ مجمللٍ قبلَها ، بل هو تفصيل وتقابُل وتوازن ، وهو ضرب من ضروب التفصيل الذي تأتي له ( أمَّا ) ، فارتباط التفصيل بالكلام السابق مستفاد من الفاء الداخلة على ( أما ) ، وإنما تعلقه بما قبله تعلَّقُ المفرع بمنشئه لا تفصيل بيان على مجمل .فالمفصل هنا أحوال الإِنسان الجاهِل فُصّلت إلى حاله في الخفض والدعة وحاله في الضنك والشدة فالتوازن بين الحالين المعبَّر عنهما بالظرفين في قوله : { إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه } الخ وفي قوله : { وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه } الخ . وهذا التفصيل ليس من قبيل تبيين المُجمل ولكنه تمييز وفصْل بين شيئين أو أشياء تشتبه أو تختلط .وقد تقدم ذكر ( أمّا ) عند قوله تعالى : { فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم } الآية في سورة البقرة ( 26 ) .والابتلاء : الاختبار ويكون بالخير وبالضرّ لأن في كليهما اختباراً لثبات النفس وخُلق الأناة والصبر قال تعالى : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } [ الأنبياء : 35 ] وبذكر الابتلاء ظهر أن إكرام الله إياه إكرام ابتلاء فيقع على حالين ، حال مرضية وحال غير مرضية وكذلك تقتير الرزق تقتير ابتلاء يقتضي حالين أيضاً . قال تعالى : { ليبلوني أأشكر أم أكفر } [ النمل : 40 ] وقال : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } [ الأنبياء : 35 ] والأشهر أنه الإِختبار بالضر وقد استعمل في هذه الآية في المعنيين .والمعنى : إذا جَعَلَ ربُّه ما يناله من النعمة أو من التقتير مظهراً لحاله في الشكر والكفر ، وفي الصبر والجزع ، توهَّم أن الله أكرمه بذلك أو أهانه بهذا .والإِكرام : قال الراغب : أن يُوصَل إلى الإِنسان كرامة ، وهي نفع لا تلحق فيه غضاضة ولا مذلة ، وأن يُجعل ما يوصل إليه شيئاً كريماً ، أي شريفاً قال تعالى : { بل عباد مكرمون } [ الأنبياء : 26 ] ، أي جعلهم كراماً اه يريد أن الإِكرام يطلق على إعطاء المكرمة ويطلق على جعل الشيء كريماً في صنفه فيصدق قوله تعالى : { فأكرمه } بأن يصيب الإِنسان ما هو نفع لا غضاضة فيه ، أو بأن جُعل كريماً سيداً شريفاً . وقوله : { فأكرمه } من المعنى الأول للإِكرام وقوله : { فيقول ربي أكرمني } من المعنى الثاني له في كلام الراغب واعلم أن قوله : { ونعمه } صريح في أن الله ينعم على الكافرين إيقاظاً لهم ومعاملة بالرحمة ، والذي عليه المحققون من المتكلمين أن الكافر مُنعَم عليه في الدنيا ، وهو قول الماتريدي والباقِلاني . وهذا مما اختلف فيه الأشعري والماتريدي والخُلف لفظي .ومعنى { نعّمه } جعله في نعمة ، أي في طيب عيش .ومعنى : { فقدر عليه رزقه } أعطاه بقَدْر محدود ، ومنه التقتير بالتاء الفوقية عوضاً عن الدال ، وكلّ ذلك كناية عن القلة ويقابله بسط الرزق قال تعالى : { ولو بسط اللَّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء } [ الشورى : 27 ] .والهاء في { رزقه } يجوز أن تعود إلى { الإنسان } من إضافة المصدر إلى المفعول ، ويجوز أن تعود إلى { ربه } من إضافة المصدر إلى فاعله .والإِهانة : المعاملة بالهون وهو الذل .وإسناد { فأكرمه ونعمه . . . فقدر عليه رزقه } إلى الرب تعالى لأن الكرامة والنعمة انساقت للإِنسان أو انساق له قَدَر الرزق بأسباب من جعل الله وسننه في هذه الحياة الدنيا بما يصادف بعضُ الحوادث بعضاً ، وأسباب المقارنة بين حصول هذه المعاني وبين من تقع به من الناس في فُرصها ومناسباتها .والقول مستعمل في حقيقته وهو التكلم ، وإنما يتكلم الانسان عن اعتقاد . فالمعنى : فيقول ربي أكرمني ، معتقداً ذلك ، ويقول : ربيَ أهانني ، معتقداً ذلك لأنهم لا يخلون عن أن يفتخروا بالنعمة ، أو يتذمروا من الضيق والحاجة ، ونظير استعمال القول هذا الاستعمال ما وقع في قوله تعالى : { ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } [ آل عمران : 75 ] ، أي اعتقدوا ذلك فقالوه واعتذروا به لأنفسهم بين أهل ملتهم .وتقديم { ربي } على فعل { أكرمني } وفعللِ { أهانني } ، دون أن يقول : أكرمني ربي أو أهانني ربي ، لقصد تقوّي الحكم ، أي يقول ذلك جازماً به غير متردد .وجملتا : { فيقول } في الموضعين جوابان ل ( إمَّا ) الأولى والثانية ، أي يطرد قول الإِنسان هذه المقالة كلَّما حصلتْ له نعمة وكلما حصل له تقتير رزق .وأوثِر الفعل المضارع في الجوابين لإِفادة تكرر ذلك القول وتجدده كلما حصل مضمون الشرطين .وحرف { كَلاّ } زجر عن قول الإِنسان { ربي أكرمن } عند حصول النعمة . وقوله : { ربيَ أهانني } عندما يناله تقتير ، فهو ردع عن اعتقاد ذلك فمناط الردع كِلاَ القولين لأن كل قول منهما صادر عن تأول باطل ، أي ليست حالة الإنسان في هذه الحياة الدنيا دليلاً على منزلته عند الله تعالى .وإنما يُعرَف مراد الله بالطرق التي أرشد الله إليها بواسطة رسله وشرائعه ، قال تعالى : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً } إلى قوله : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } في سورة الكهف ( 103 105 ) . فرب رجل في نعمة في الدنيا هو مسخوط عليه ورب أشعَث أغبر مطرود بالأبواب لو أقسم على الله لأبَرَّهُ .فمناط الردع جعل الإِنعام علامة على إرادة الله إكرام المنعم عليه وجعل التقتير علامة على إرادة الإِهانة ، وليس مناطه وقوع الكرامة ووقوع الإِهانة لأن الله أهان الكافرَ بعذاب الآخرة ولو شاء إهانته في الدنيا لأجل الكفر لأهان جميع الكفرة بتقتير الرزق .وبهذا ظهر أن لا تنافي بين إثبات إكرام الله تعالى الإِنسان بقوله : { فأكرمه } وبين إبطال ذلك بقوله : { كلا } لأن الإِبطال وارد على ما قصده الإِنسان بقوله : { ربي أكرمن } أن ما ناله من النعمة علامةٌ على رضى الله عنه .فالمعنى : أن لشأن الله في معاملته الناس في هذا العالم أسراراً وعِللاً لا يُحاط بها ، وأن أهل الجهالة بمعزل عن إدراك سرها بأقْيسة وهمية ، والاستناد لمألوفات عادية ، وأن الأولى لهم أن يتطلبوا الحقائق من دلائلها العقلية ، وأن يعرفوا مراد الله من وحيه إلى رسله . وأن يحذروا من أن يحيدوا بالأدلة عن مدلولها . وأن يستنتجوا الفروع من غير أصولها .وأما أهل العلم فهم يضعون الأشياء مواضعها ، ويتوسمون التوسم المستند إلى الهدي ولا يخلطون ولا يخبطون .وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو { ربي } في الموضعين بفتح الياء . وقرأ الباقون بسكونها .وقرأ الجمهور { فقدر عليه } بتخفيف الدال . وقرأه ابن عامر وأبو جعفر بتشديد الدال .وقرأ نافع : { أكرمن ، وأهانن } بياء بعد النون في الوصل وبحذفها في الوقف . وقرأهما ابن كثير بالياء في الوصل والوقف ، وقرأهما ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب بدون ياء في الوصل والوقف . وهو مرسوم في المصحف بدون نون بعد الياءين ولا منافاة بين الرواية واسم المصحف . و { كلاّ } ردع عن هذا القول أي ليس ابتلاء الله الإِنسان بالنعيم وبتقتير الرزق مسبباً على إرادة الله تكريم الإِنسان ولا على إرادته إهانته . وهذا ردع مجمل لم يتعرض القرآن لتبيينه اكتفاء بتذييل أحوال الأمم الثلاث في نعمتهم بقوله : { إن ربك لبالمرصاد } [ الفجر : 14 ] بعد قوله : { فصب عليهم ربك سوط عذاب } [ الفجر : 13 ] .{ كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ } { للهاليتيم * وَلاَ تَحَاضُّونَ على طَعَامِ المسكين * وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً * وَتُحِبُّونَ المال حُبّاً جَمّاً } .{ بل } إضراب انتقالي . والمناسبة بين الغرضين المنتقل منه والمنتقللِ إليه مناسبةُ المقابَلةِ لمضمون { فأكرمه ونعمه } من جهة ما توهموه أن نعمة مالِهم وسعة عيشهم تكريم من الله لهم ، فنبههم الله على أنهم إن أكرمهم الله فإنهم لم يُكرموا عبيده شُحّاً بالنعمة إذ حَرموا أهل الحاجة من فضول أموالهم وإذ يستزيدون من المال ما لا يحْتاجُون إليه وذلك دحض لتفخرهم بالكرم والبذل .

الترجمة الإنجليزية

Kalla bal la tukrimoona alyateema

كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وقد أعقب الله ذلك بالردع والإبطال بقوله : { كلا } . فمناط الردع والإبطال كِلا القولين لأنهما صادران عن تأويل باطل وشبهة ضالّة كما ستعرفه عند قوله تعالى : { فأكرمه ونعمه } .واقتصار الآية على تقتير الرزق في مقابلة النعمة دون غير ذلك من العلَللِ والآفات لأن غالب أحوال المشركين المتحدث عنهم صحة المزاج وقوة الأبدان فلا يهلكون إلا بقتل أو هَرم فيهم وفي ذويهم ، قال النابغة :تَغْشَى مَتَالِفَ لا يُنْظِرْنَكَ الهَرَمَا ... ولم يعرج أكثر المفسرين على بيان نَظْم الآية واتصالها بما قبلها عدا الزمخشري وابنَ عطية .وقد عرف هذا الاعتقاد الضال من كلام أهل الجاهلية ، قال طرفة :فلو شاءَ ربّي كنتُ قيسَ بنَ عاصم ... ولو شَاء رَبي كنتُ عَمْرَو بنَ مَرْثَدِفأصبحتُ ذا مال كثيرٍ وطاف بي ... بَنُون كرامٌ سَادَة لمُسَوَّدوجعلوا هذا الغرور مقياساً لمراتب الناس فجعلوا أصحاب الكمال أهل المظاهر الفاخرة ، ووصموا بالنقص أهل الخصاصة وضعفاء الناس ، لذلك لما أتى الملأ من قريش ومن بني تميم وفزارة للنبيء صلى الله عليه وسلم وعنده عَمَّار ، وبلالٌ ، وخبابٌ ، وسالمٌ ، مولَى أبي حذيفة ، وصُبَيح مولى أُسَيْد ، وصُهَيْبٌ ، في أناس آخرين من ضعفاء المؤمنين قالوا للنبيء أطْرُدهم عنك فَلَعلّك إن طردتهم أن نتبعك . وقالوا لأبي طالب : لو أن ابن أخيك طَرد هؤلاء الأعْبُدَ والحُلَفَاءَ كان أعظمَ له في صدُورنا وأدلى لاتِّباعنا إياه . وفي ذلك نزل قوله تعالى : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم } الآية كما تقدم في سورة الأنعام ( 52 ) .فنبه الله على خطإ اعتقادهم بمناسبة ذكر مُماثِلِهِ ممَّا اعتقده الأمم قبلهم الذي كان موجباً صَب العذاب عليهم ، وأعْلَمهم أن أحوال الدنيا لا تُتخذ أصلاً في اعتبار الجزاء على العمل ، وأن الجزاء المطرد هو جزاء يوم القيامة .والمراد بالإنسان الجنس وتعريفه تعريف الجنس فيستغرق أفراد الجنس ولكنه استغراق عُرفي مراد به الناسُ المشركون لأنهم الغالب على الناس المتحدث عنهم وذلك الغالب في إطلاق لفظ الإنسان في القرآن النازل بمكة كقوله : { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] { أيحسب الإنسان أَلَّن نجمع عظامه } [ القيامة : 3 ] { لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد } [ البلد : 4 ، 5 ] ونحو ذلك ويدل لذلك قوله تعالى : { يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى } [ الفجر : 23 ] الآية .وقيل : إريد إنسان معين ، فقيل عتبة بن ربيعة أو أبو حذيفة بن الغيرة عن ابن عباس ، وقيل : أمية بن خَلَف عن مقاتل والكلبي ، وقيل : أبيّ بن خلف عن الكلبي أيضاً ، وإنما هؤلاء المسمَّوْن أعلام التضليل . قال ابن عطية : ومن حيث كان هذا غالباً على الكفّار جاء التوبيخ في هذه الآية باسم الجنس إذ يقع ( كذا ) بعض المؤمنين في شيء من هذا المنزع اه . واعلم أن من ضلال أهل الشرك ومن فتنة الشيطان لبعض جهلة المؤمنين أن يخيل إليهم ما يحصل لأحد بجعل الله من ارتباط المسببات بأسبابها والمعلولات بعللها فيضعوا ما يصادف نفع أحدهم من الحوادث موضع كرامة من الله للذي صادفْته منافع ذلك ، تحكيماً للشاهية ومحبةِ النفس ورجْماً بالغيب وافتيَاتاً على الله ، وإذا صادف أحدَهم من الحوادث ما جلبَ له ضرّاً تخيّله بأوهامه انتقاماً من الله قصدَه به ، تشاؤماً منهم .فهؤلاء الذين زعموا ما نالهم من نعمة الله إكراماً من الله لهم ليسوا أهلاً لكرامة الله .وهؤلاء الذين توهموا ما صادفهم من فتور الزرق إهانة من الله لهم ليسوا بأحط عند الله من الذين زعموا أن الله أكرمهم بما هم فيه من نعمة .فذلك الاعتقاد أوجب تغلغل أهل الشرك في إشراكهم وصرَفَ أنظارهم عن التدبر فيما يخالف ذلك ، وربما جرت الوساوس الشيطانية فتنةً من ذلك لبعض ضعفاء الإِيمان وقصار الأنظار والجهال بالعقيدة الحق كما أفصح أحمد بن الرّاوندي . عن تزلزل فهمهم وقلة علمهم بقوله :كم عاقللٍ عاقللٍ أعْيَتْ مذاهبُه ... وجَاهِللٍ جاهللٍ تلقاه مرزوقاًهذا الذي تَرك الأَفْهام حائرةً ... وصيَّر العالِم النحرير زنديقاًوذلك ما صرف الضالين عن تطلب الحقائق من دلائلها ، وصرفهم عن التدبر فيما يُنِيل صاحبه رضى الله وما يوقع في غضبه ، وعِلْم الله واسع وتصرفاتُه شتّى وكلها صادرة عن حكمة { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } [ البقرة : 255 ] . فقد يأتي الضر للعبد من عدة أسباب وقد يأتي النفع من أخرى . وبعض ذلك جار في الظاهر على المعتاد ، ومنه ما فيه سمة خرق العادة . فربما أتت الرزايا من وجوه الفوائد ، والموفق يتيقظ لِلأمَاراتتِ قال تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } [ الأنعام : 44 ] وقال : { وما أرسلنا في قرية من نبيء إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون } [ الأعراف : 94 ، 95 ] وقال : { أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون } [ التوبة : 126 ] .وتصرفات الله متشابهة بعضها يدل على مراده من الناس وبعضها جار على ما قدَّره من نظام العالم وكلٌّ قد قضاه وقدَّره وسبق علمه به ورَبَط مسبباتِه بأسبابه مباشرةً أو بواسطة أو وسائط والمتبصر يأخذ بالحيطة لنفسه وقومِه ولا يقول على الله ما يمليه عليه وهَمه ولم تنهَضْ دلائله ، ويُفوِّض ما أشكل عليه إلى علم الله .فجملة : { لا تكرمون اليتيم } استئناف كما يقتضيه الإضراب ، فهو إمّا استئناف ابتداء كلام ، وإما اعتراض بين { كلاّ } وأختها كما سيأتي وإكرام اليتيم : سَد خَلته ، وحسن معاملته ، لأنه مظنة الحاجة لفقدِ عائِلِه ، ولاستيلائهم على الأموال التي يتركها الآباءُ لأبنائهم الصغار . وقد كانت الأموال في الجاهلية يتداولها رؤساء العائلات .والبِرّ ، لأنه مظنة انكسار الخاطر لشعوره بفقد من يُدِلّ هو عليه .و { اليتيم } : الصبي الذي مات أبوه وتقدم في سورة النساء ، وتعريفه للجنس ، أي لا تكرمون اليتامى . وكذلك تعريف { المسكين } .ونفي الحَض على طعام المسكين نفي لإطعامه بطريق الأولى ، وهي دلالة فحوى الخطاب ، أي لقلّة الاكتراث بالمساكين لا ينفعونهم ولو نفْعَ وساطة ، بَلْهَ أن ينفعوهم بالبذل من أموالهم .و { طعام } يجوز أن يكون اسماً بمعنى المطعوم

الترجمة الإنجليزية

Wala tahaddoona AAala taAAami almiskeeni

وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) ، فالتقدير : ولا تحضون على إعطاء طعام المسكين فإضافته إلى المسكين على معنى لام الاستحقاق ويجوز أن يكون اسم مصدر أطعم . والمعنى : ولا تحضون على إطعام الأغنياء المساكينَ فإضافته إلى المسكين من إضافة المصدر إلى مفعوله .و { المسكين } : الفقير وتقدم في سورة براءة .وقد حصل في الآية احتباك لأنهم لما نُفِي إكرامهم اليتيم وقوبل بنفي أن يحضُّوا على طعام المسكين ، عُلم أنهم لا يحضون على إكرام أيتامهم ، أي لا يحضون أولياء الأيتام على ذلك ، وعلم أنهم لا يطعمون المساكين من أموالهم .ويجوز أن يكون الحض على الطعام كناية عن الإِطعام لأن من يحض على فعل شيء يكون راغباً في التلبس به فإذا تمكن أن يفعله فعله ، ومنه قوله تعالى : { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } [ العصر : 3 ] أي عملوا بالحق وصبروا وتواصوا بهما .وقرأ الجمهور : «لا تُكرمون ، ولا تَحضون ، وتأكلون ، وتُحبون» بالمثناة الفوقية على الخطاب بطريقة الالتفات من الغيبة في قوله : { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه } الآيات لقصد مواجهتهم بالتوبيخ ، وهو بالمواجهة أوقع منه بالغيبة . وقرأها أبو عمرو ويعقوب بالمثناة التحتية على الغيبة لتعريف النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين بذلك فضحاً لدخائلهم على نحو قوله تعالى : { يقول أهلكت مالاً لبداً أيحسب أن لم يره أحد } [ البلد : 6 ، 7 ] .وقرأ الجمهور : { ولا تحضُّون } بضم الحاء مضارع حضّ ، وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف { تَحَاضُّون } بفتح الحاء وألف بعدها مضارع حاضّ بعضهم بعضاً ، وأصله تتحاضّون فحذفت إحدى التاءين اختصاراً للتخفيف أي تتمالؤون على ترك الحض على الإطعام .

الترجمة الإنجليزية

Watakuloona altturatha aklan lamman

وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) و { التراث } : المال الموروث ، أي الذي يُخلفه الرجل بعد موته لوارثه وأصله : وُرَاث بواو في أوله بوزن فُعال من مادة وَرث بمعنى مفعول مثل الدُّقاق ، والحُطام ، أبدلت واوه تاء على غير قياس كما فعلوا في تُجاه ، وتُخَمة ، وتُهْمة ، وتُقَاةٍ وأشباهها .والأكل : مستعار للانتفاع بالشيء انتفاعاً لا يُبقي منه شيئاً . وأحسب أن هذه الاستعارة من مبتكرات القرآن إذ لم أقف على مثلها في كلام العرب .وتعريف التراث عوض عن المضاف إليه ، أي تراث اليتامى وكذلك كان أهل الجاهلية يمنعون النساء والصبيان من أموال مورثيهم .وأشعر قوله : { تأكلون } بأن المراد التراث الذي لا حق لهم فيه ، ومنه يظهر وجه إيثار لفظ التُراث دون أن يقال : وتأكلون المال لأن التراث مال ماتَ صاحبه وأكْلُه يقتضي أن يستحق ذلك المال عاجز عن الذب عن ماله لصغرٍ أو أنوثة .واللَّمُّ : الجمع ، ووصْفُ الأكل به وصف بالمصدر للمبالغة ، أي أكلاً جامعاً مال الوارثين إلى مال الآكِللِ كقوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } [ النساء : 2 ] .

الترجمة الإنجليزية

Watuhibboona almala hubban jamman

وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)والجم : الكثير ، يقال : جَمَّ الماءُ في الحوض ، إذا كثر ، وبِئر جموم بفتح الجيم : كثيرةُ الماء ، أي حباً كثيراً ، ووصْف الحُبّ بالكثرة مراد به الشدة لأن الحب معنى من المعاني النفسية لا يوصف بالكثرة التي هي وفرة عدد أفراد الجنس .فالجمّ مستعار لمعنى القوي الشديد ، أي حبّاً مفرطاً ، وذلك محل ذم حب المال ، لأن إفراد حبه يوقع في الحِرص على اكتسابه بالوسائل غير الحَق كالغصب والاختلاس والسرقة وأكل الأمانات .

الترجمة الإنجليزية

Kalla itha dukkati alardu dakkan dakkan

كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) { جَمّاً } .زجر وردع عن الأعمال المعدودة قبله ، وهي عدم إكرامهم اليتيم وعدم حضهم على طعام المسكين ، وأكلُهم التراث الذي هو مالُ غير آكله ، وعن حب المال حبّاً جمّاً .{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الارض دَكّاً دَكّاً * وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً * وجىء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى * يَقُولُ ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى * فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ } .استئناف ابتدائي انْتُقل به من تهديدهم بعذاب الدنيا الذي في قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } [ الفجر : 6 ] الآيات إلى الوعيد بعذاب الآخرة . فإن استخفوا بما حلّ بالأمم قبلهم أو أمهلوا فأخر عنهم العذاب في الدنيا فإن عذاباً لا محيص لهم عنه ينتظرهم يوم القيامة حين يتذكّرون قَسْراً فلا ينفعهم التذكر ، ويندمون ولات ساعةَ مندم .فحاصل الكلام السابق أن الإِنسان الكافر مغرور يَنُوط الحوادث بغير أسبابها ، ويتوهمها على غير ما بها ولا يُصغي إلى دعوة الرسل فيستمر طولَ حياته في عَماية ، وقد زجروا عن ذلك زجراً مؤكداً .وأَتبع زجرهم إنذاراً بأنهم يحين لهم يوم يُفيقون فيه من غفلتهم حين لا تنفع الإِفاقة .والمقصود من هذا الكلام هو قوله : { فيومئذٍ لا يعذب عذابه أحد } ، وقوله { يا أيتها النفس المطمئنة } [ الفجر : 27 ] ، وأما ما سبق من قوله { إذا دكت الأرض } إلى قوله { وجيء يومئذٍ بجهنم } فهو توطئة وتشويق لسماع ما يجيء بعده وتهويل لشأن ذلك اليوم وهو الوقت الذي عُرِّف بإضافة جملة { دكت الأرض } وما بعدها من الجمل وقد عرف بأشراط حلوله وبما يقع فيه من هول العقاب .والدّك : الحَطْم والكسر .والمراد بالأرض الكُرَة التي عليها الناس ، ودكّها حطمها وتفرق أجزائها الناشىءُ عن فساد الكون الكائنة عليه الآن ، وذلك بما يحدثه الله فيها من زلازل كما في قوله : { إذا زلزلت الأرض زلزالها } [ الزلزلة : 1 ] الآية .و { دكاً دكاً } يجوز أن يكون أولهما منصوباً على المفعول المطلق المؤكِّد لفعله . ولعل تأكيده هنا لأن هذه الآية أول آية ذكر فيها دَكُّ الجبال ، وإذ قد كان أمراً خارقاً للعادة كان المقام مقتضياً تحقيق وقوعه حقيقةً دون مجاز ولا مبالغة ، فأكد مرتين هنا ولم يؤكد نظيره في قوله : { فدكتا دكة واحدة } في سورة الحاقة ( 14 ) ف { دكّا } الأول مقصود به رفع احتمال المجاز عن «دُكّتا» الدك أي هو دَكّ حقيقي ، و { دَكا } الثاني منصوباً على التوكيد اللفظي لدكا الأول لزيادة تحقيق إرادة مدلول الدك الحقيقي لأن دك الأرض العظيمة أمر عجيب فلغرابته اقتضى إثباتُه زيادة تحقيق لمعناه الحقيقي .وعلى هذا درج الرضي قال : ويستثنى من منع تأكيد النكرات ( أي تأكيداً لفظياً ) شيء واحد وهو جواز تأكيدها إذا كانت النكرة حكماً لا محكوماً عليه كقوله صلى الله عليه وسلم" فنكاحها باطل باطل باطل " . ومثله قوله تعالى : { دكت الأرض دكاً دكاً } فهو مثل : ضَرَبَ ضَرَب زيدٌ ا ه .وهذا يلائم ما في وصف دكّ الأرض في سورة الحاقة بقوله تعالى : { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } [ الحاقة : 14 ] ودفع المنافاة بين هذا وبين ما في سورة الحاقة .ويجوز أن يكون مجموع المصدرين في تأويل مفرد منصوب على المفعول المطلق المبيِّن للنوع . وتأويله . أنه دكّ يعقُب بعضه بعضاً كما تقول : قرأت الكتاب باباً باباً وبهذا المعنى فسّر صاحب «الكشاف» وجمهور المفسرين من بعده . وبعض المفسرين سكت عن بيانه قال الطيبي : «قال ابن الحاجب : لعلّه قالَه في «أماليه على المقدمة الكافية» وفي نسختي منها نقص ولا أعرف غيرها بتونس ولا يوجد هذا الكلام في «إيضاح المفصل» بينت له حسابه باباً باباً ، أي مفصلاً . والعرب تكرر الشيء مرتين» فتستوعب تفصيل جنسه باعتبار المعنى الذي دلّ عليه لفظُ المكرّر ، فإذا قلت : بَيَّنْت له الكتاب باباً باباً فمعناه بينته له مفصلاً باعتبار أبوابه اه .قلت : هذا الوجه أوفى بحق البلاغة فإنه معنى زائد على التوكيد والتوكيد حاصل بالمصدر الأول .وفي «تفسير الفخر» : وقيل : فبُسِطَتَا بسطةً واحدة فصارتا أرضاً لا ترى فيها أمتاً وتبعه البيضاوي يعني : أن الدك كناية عن التسوية لأن التسوية من لوازم الدك ، أي صارت الجبال مع الأرض مستويات لم يبق فيها نتوء .ولك أن تجعل صفة واحدة مجازاً في تفرد الدكة بالشدة التي لا ثاني مثلها ، أي دكة لا نظير لها بين الدكات في الشدة من باب قولهم : هو وحيد قومه ، ووحيد دهره ، فلا يعارض قوله : { دكاً دكاً } بهذا التفسير . وفيه تكلف إذ لم يسمع بصيغةِ فَاعل فلم يسمع : هو واحد قومه .

الترجمة الإنجليزية

Wajaa rabbuka waalmalaku saffan saffan

وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وأما قوله تعالى : { والملك صفّاً صفّاً } ف { صفّاً } الأول حال من { الملك } .و { صَفّاً } الثاني لم يختلف المفسرون في أنه من التكرير المراد به الترتيب والتصنيف ، أي صفّاً بعد صفِّ ، أو خَلْفَ صفّ ، أو صنفاً من الملائكة دون صنف ، قيل : ملائكة كل سَماء يكونون صفّاً حول الأرض على حدة .قال الرضي وأما تكرير المنكَّر في قولك ، قرأت الكتاب سورةً سورةً ، وقوله تعالى : { وجاء ربك والملك صفاً صفاً } فليس في الحقيقة تأكيداً إذ ليس الثاني لتقرير ما سبق بل هو لتكرير المعنى لأن الثاني غير الأول معنى . والمعنى : جميع السور وصفوفاً مختلفة ا ه . وشذّ من المفسرين من سكت عنه . ولا يحتمل حمله على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله إذ لا معنى للتأكيد .وإسناد المجيء إلى الله إما مجاز عقلي ، أي جاء قضاؤه ، وإما استعارة بتشبيه ابتداء حسابه بالمجيء .وأما إسناده إلى الملَك فإما حقيقةٌ ، أو على معنى الحضور وأيًّا مَّا كان فاستعمال ( جاء ) من استعمال اللفظ في مجازه وحقيقته ، أو في مَجَازَيْه .و { الملَك } : اسم جنس وتعريفه تعريف الجنس فيرادفه الاستغراق ، أي والملائكة .والصف : مصدر صَفَّ الأشْياءَ إذا جعل الواحد حذو الآخر ، ويطلق على الأشياء المصفوفة ومنه قوله تعالى : { إن اللَّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } [ الصف : 4 ] وقوله : { فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً } في سورة طه ( 64 ) .واستعمال { وجيء يومئذ بجهنم } كاستعمال مَجيء الملك ، أي أحضرت جهنم وفتحت أبوابها فكأنها ( جاءَ ) بها جاء والمعنى : أظهرت لهم جهنم قال تعالى : { حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها } [ الزمر : 71 ] وقال : { وبرزت الجحيم لمن يرى } [ النازعات : 36 ] وورد في حديث مسلم عن ابن مسعود يرفعه : « أن لجهنم سبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها » وهو تفسير لمعنى { وجيء يومئذ بجهنم } . وأمور الآخرة من خوارق العادات .وإنما اقتصر على ذكر جهنم لأن المقصود في هذه السورة وعيد الذين لم يتذكروا وإلا فإن الجنة أيضاً مُحضرة يومئذ قال تعالى : { وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين } [ الشعراء : 90 91 ] .و { يومئذ } الأول متعلق بفعل { جيء } . والتقدير : وجيء يوم تُدَكّ الأرض دَكّاً دكّاً إلى آخره .و { يومئذ } الثاني بدل من { إذا دكت الأرض } والمعنى : يوم تدكّ الأرض دكاً إلى آخره يتذكر الإِنسان . والعامل في البدل والمبدل منه معاً فعل { يتذكر } . وتقديمه للاهتمام مع ما في الإطناب من التشويق ليحصل الإِجمال ثم التفصيل مع حسن إعادة ما هو بمعنى { إذا } لزيادة الربط لطول الفصل بالجمل التي أضيف إليها { إذا } .

الترجمة الإنجليزية

Wajeea yawmaithin bijahannama yawmaithin yatathakkaru alinsanu waanna lahu alththikra

وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) و { الإِنسان } : هو الإِنسان الكافر ، وهو الذي تقدم ذكره في قوله تعالى : { فأما الإِنسان إذا ما ابتلاه ربه } [ الفجر : 15 ] الآية فهو إظهار في مقام الإِضمار لبعد مَعاد الضمير .وجملة : { وأنى له الذكرى } معترضة بين جملة { يتذكر الإنسان } وجملة : { يقول } الخ .و { أنّى } اسم استفهام بمعنى : أين له الذكرى ، وهو استفهام مستعمل في الإِنكار والنفي ، والكلامُ على حذف مضاف ، والتقدير : وأين له نَفْع الذكرى .وجملة : { يقول يا ليتني } الخ يجوز أن يكون قولاً باللسان تحسراً وتندماً فتكون الجملة حالاً من { الإنسان } أو بدل اشتمال من جملة { يتذكر } فإن تذكره مشتمل على تحسر وندامة . ويجوز أن يكون قوله في نفسه فتكون الجملة بياناً لجملة { يتذكر } .
593