سورة لقمان (31): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة لقمان بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة لقمان مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة لقمان

سُورَةُ لُقۡمَانَ
الصفحة 411 (آيات من 1 إلى 11)

الٓمٓ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ ٱلْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُو۟لَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَٰتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِىٓ أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ جَنَّٰتُ ٱلنَّعِيمِ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۖ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقًّا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ رَوَٰسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنۢبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ هَٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦ ۚ بَلِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ
411

الاستماع إلى سورة لقمان

تفسير سورة لقمان (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Aliflammeem

مقدّمة1- سورة لقمان هي السورة الحادية والثلاثون في ترتيب المصحف، أما ترتيبها في النزول فهي السورة السادسة والخمسون من بين السور المكية، وكان نزولها بعد سورة الصافات .وعدد آياتها: أربع وثلاثون آية. وقد ذكر الإمام ابن كثير وغيره أنها مكية، دون أن يستثنى شيئا منها.وقال الآلوسى ما ملخصه: أخرج ابن الضريس، وابن مردويه، عن ابن عباس أنه قال: أنزلت سورة لقمان بمكة ... وفي رواية عنه: أنها مكية إلا ثلاث آيات تبدأ بقوله- تعالى-: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ .2- وتبدأ السورة الكريمة، بالثناء على القرآن الكريم، وعلى المؤمنين الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، وهم بالآخرة هم يوقنون.ثم تنتقل إلى الحديث عن جانب من صفات المشركين، الذين يستهزئون بآيات الله- تعالى-، ويعرضون عنها، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها، كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً، فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.ثم ساقت أدلة متعددة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، قال- تعالى-: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها، وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ، وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ، وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ. هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.3- ثم قص علينا- سبحانه- تلك الوصايا الحكيمة، التي أوصى بها لقمان ابنه، والتي اشتملت على ما يهدى إلى العقيدة السليمة، وإلى الأخلاق الكريمة، وإلى مراقبة الخالق- عز وجل- وإلى أداء العبادات التي كلفنا- سبحانه- بها.ومن هذه الوصايا قوله- سبحانه-: يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ، إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ، وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ، إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.4- ثم بين- سبحانه- ألوانا من نعمه على عباده، منها ما يتعلق بخلق السموات، ومنها ما يتعلق بخلق الأرض، كما بين- عز وجل- أن علمه محيط بكل شيء، وأنه لا نهاية له.. قال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ، ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.5- ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، بدعوة الناس جميعا إلى تقواه- عز وجل- وإلى بيان الأمور الخمسة التي لا يعلمها إلا هو- سبحانه- فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ. إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.6- هذا، والمتأمل في هذه السورة الكريمة، يراها قد خاطبت النفس البشرية، بما من شأنه أن يسعدها ويحييها حياة طيبة.إنها قد بينت أوصاف المؤمنين الصادقين، وأوصاف أعدائهم: وبينت عاقبة الأخيار وعاقبة الأشرار، ووضحت تلك الوصايا الحكيمة التي أوصى بها لقمان ابنه وأحب الناس إليه، وساقت أنواعا من النعم التي أنعم بها- سبحانه- على عباده، وبينت أن هناك أمورا لا يعلمها إلا الله- تعالى- وحده.وقد ساقت السورة ما ساقت من هدايات، بأسلوب بليغ مؤثر، يرضى العواطف، ويقنع العقول..نسأل الله- تعالى- أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، وأنس نفوسنا.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.سورة لقمان من السور التى بدئت ببعض حروف التهجى . .وقد فصلنا القول فى معانيها ، عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران وغيرهما .وقلنا فى نهاية سردنا لأقوال العلماء فى ذلك : ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن يقال : إن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور ، للإِشعار بأن هذا القرآن الذى تحدى الله به المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التى يعرفونها . فإذا عجزوا عن الإِتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه فى الفصاحة والحكمة ، مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة .

الترجمة الإنجليزية

Tilka ayatu alkitabi alhakeemi

واسم الإشارة في قوله- سبحانه-: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يعود إلى آيات القرآن الكريم، ويندرج فيها آيات السورة التي معنا.والمراد بالكتاب: القرآن الكريم على الصحيح. لأنه هو المتحدث عنه.قال الآلوسى: وأما حمله على الكتب التي خلت قبل القرآن.. فهو في غاية البعد ، والحكيم- بزنة فعيل- مأخوذ من الفعل حكم بمعنى منع، تقول: حكمت الفرس، إذا وضعت الحكمة في فمها لمنعها من الجموح والشرود.والمقصود، أن هذا القرآن ممتنع أن يتطرق إليه الفساد، ومبرأ من الخلل والتناقض والاختلاف.قال الإمام الرازي ما ملخصه: وفي وصف الكتاب بكونه حكيما وجوه، منها: أن الحكيم هو ذو الحكمة، بمعنى اشتماله على الحكمة، فيكون الوصف للنسبة كلابن وتامر. ومنها أن الحكيم بمعنى الحاكم، بدليل قوله- تعالى-: وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. ومنها أن الحكيم بمعنى المحكم.. «أى المبرأ من الكذب والتناقض» .والمعنى: تلك الآيات السامية، المنزلة عليك يا محمد، هي آيات الكتاب، المشتمل على الحكمة والصواب، المحفوظ من كل تحريف أو تبديل الناطق بكل ما يوصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية.وصحت الإشارة إلى آيات الكتاب مع أنها لم تكن قد نزلت كلها لأن الإشارة إلى بعضها كالإشارة إلى جميعها، حيث كانت بصدد الإنزال، ولأن الله- تعالى- قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن عليه، كما في قوله- تعالى-: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ووعد الله- تعالى- لا يتخلف.

الترجمة الإنجليزية

Hudan warahmatan lilmuhsineena

وقوله هُدىً وَرَحْمَةً منصوبان على الحالية من آياتُ.أى: هذا الكتاب أنزلنا عليك يا محمد آياته، لتكون هداية ورحمة للمحسنين في أقوالهم وفي أفعالهم، وفي كل أحوالهم.

الترجمة الإنجليزية

Allatheena yuqeemoona alssalata wayutoona alzzakata wahum bialakhirati hum yooqinoona

ثم وصف- سبحانه- هؤلاء المحسنين، بصفات كريمة فقال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ أى: يؤدونها في أوقاتها المحددة لها، مستوفية لواجباتها، وسننها، وآدابها وخشوعها، فإن الصلاة التامة هي تلك التي يصحبها الإخلاص، والخشوع، والأداء الصحيح المطابق لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أى: ويعطون الزكاة التي أوجبها الله- تعالى- في أموالهم لمستحقيها وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ والمراد بالآخرة: الدار الآخرة، وسميت بذلك لأنها تأتى بعد الدنيا التي هي الدار الدنيا.وقوله يُوقِنُونَ من الإيقان، وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، بحيث لا يطرأ عليه شك، ولا تحوم حوله شبهة..أى: أن من صفات هؤلاء المحسنين، أنهم يؤدون الصلاة بخشوع وإخلاص، ويقدمون زكاة أموالهم لمستحقيها، وهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب، يوقنون إيقانا قطعيا، لا أثر فيه للادعاءات الكاذبة، والأوهام الباطلة.وفي إيراد «هم» قبل لفظ الآخرة. وقبل لفظ يوقنون: تعريض بغيرهم ممن كان اعتقادهم في أمر الآخرة غير مطابق للحقيقة، أو غير بالغ مرتبة اليقين.

الترجمة الإنجليزية

Olaika AAala hudan min rabbihim waolaika humu almuflihoona

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك الثمار الطيبة التي ترتبت على تلك الصفات الكريمة، فقال- تعالى-: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.والمفلحون: من الفلاح وهو الظفر والفوز بدرك البغية. وأصله من الفلح- بسكون اللام- وهو الشق والقطع، ومنه فلاحة الأرض وهو شقها للحرث، واستعمل منه الفلاح في الفوز، كأن الفائز شق طريقه وفلحه، للوصول إلى مبتغاه، أو انفتحت له طريق الظفر وانشقت.والمعنى: أولئك المتصفون بما تقدم من صفات كريمة، على هداية عظيمة من ربهم توصلهم إلى المطلوب، وأولئك هم الفائزون بكل مرغوب.والتنكير في قوله عَلى هُدىً للتعظيم، وأتى بلفظ «على» للاشارة إلى التمكن والرسوخ، ووصفه بأنه مِنْ رَبِّهِمْ لأنه- سبحانه- هو الذي وفقهم إليه، ويسر لهم أسبابه.ثم بين- سبحانه- حال طائفة أخرى من الناس، كانوا على النقيض من سابقيهم، فقال:

الترجمة الإنجليزية

Wamina alnnasi man yashtaree lahwa alhadeethi liyudilla AAan sabeeli Allahi bighayri AAilmin wayattakhithaha huzuwan olaika lahum AAathabun muheenun

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات اشهرها، أنهما نزلتا في النضر بن الحارث. اشترى قينة- أى مغنية-، وكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول لها: أطعميه واسقيه وغنيه، فهذا خير مما يدعوك إليه محمد صلى الله عليه وسلم من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه. .ولَهْوَ الْحَدِيثِ: باطله، ويطلق على كل كلام يلهى القلب، ويشغله عن طاعة الله- تعالى-، كالغناء، والملاهي، وما يشبه ذلك مما يصد عن ذكر الله- تعالى-:وقد فسره كثير من العلماء بالغناء، والأفضل تفسيره بكل حديث لا يثمر خيرا.ومِنَ في قوله وَمِنَ النَّاسِ للتبعيض، أى: ومن الناس من يترك القول الذي ينفعه، ويشترى الأحاديث الباطلة، والخرافات الفاسدة.قال القرطبي ما ملخصه: هذه إحدى الآيات التي استدل بها العلماء على كراهة الغناء والمنع منه. ولا يختلف في تحريم الغناء الذي يحرك النفوس، ويبعثها على الغزل والمجون.. فأما ما سلّم من ذلك، فيجوز القليل منه في أوقات الفرح، كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، كما كان في حفر الخندق.. .وقوله: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً.. تعليل لاشتراء لهو الحديث. والمراد بسبيل الله- تعالى-: دينه وطريقه الذي اختاره لعباده.وقد قرأ الجمهور: لِيُضِلَّ بضم الياء- أى: يشترى لهو الحديث ليضل غيره عن صراط الله المستقيم، حالة كونه غير عالم بسوء عاقبة ما يفعله، ولكي يتخذ آيات الله- تعالى- مادة لسخريته واستهزائه.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو لِيُضِلَّ- بفتح الياء- فيكون المعنى: يشترى لهو الحديث ليزداد رسوخا في ضلاله.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: القراءة بالضم بينة، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو، أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن، ويضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح؟.قلت: فيه معنيان، أحدهما: ليثبت على ضلاله الذي كان عليه، ولا يصدف عنه، ويزيد فيه ويمده، فإن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين وصد الناس عنه. والثاني: أن يوضع ليضل موضع ليضل، من قبل أن من أضل كان ضالا لا محالة، فدل بالرديف على المردوف.. .وقوله: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ بيان لسوء عاقبة من يؤثر الضلالة على الهداية.أى: أولئك الذين يشترون لهو الحديث، ليصرفوا الناس عن دين الله- تعالى-، وليستهزئوا بآياته، لهم عذاب يهينهم ويذلهم، ويجعلهم محل الاحتقار والهوان.

الترجمة الإنجليزية

Waitha tutla AAalayhi ayatuna walla mustakbiran kaan lam yasmaAAha kaanna fee othunayhi waqran fabashshirhu biAAathabin aleemin

ثم فصل- سبحانه- حال هذا الفريق الشقي فقال: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ أى: على النضر وأمثاله آياتُنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا، وعلى صدق نبينا صلّى الله عليه وسلم.وَلَّى مُسْتَكْبِراً أى: أعرض عنها بغرور واستعلاء. كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها أى: كأن حاله في استكباره عن سماع الآيات، كحال الذي لم يسمعها إطلاقا.كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً أى: كأن في أذنيه صمما وثقلا ومرضا يحول بينه وبين السماع.والجملتان الكريمتان حال من قوله مُسْتَكْبِراً والمقصود بهما توبيخ هذا الشقي وأمثاله، وذمهم ذما موجعا لإعراضهم عن الحق.وقوله- تعالى-: فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ تهكم به، واستخفاف بتصرفاته.أى: فبشر هذا الشقي الذي اشترى لهو الحديث، وأعرض عن آياتنا بالعذاب الأليم، الذي يناسب غروره واستكباره.ثم أكدت السورة الجزاء الحسن الذي أعده الله- تعالى- للمؤمنين، وذكرت جانبا من مظاهر قدرته- سبحانه-، ورحمته بعباده، فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Inna allatheena amanoo waAAamiloo alssalihati lahum jannatu alnnaAAeemi

أى: إن الذين آمنوا بالله- تعالى- إيمانا حقا، وعملوا الأعمال الصالحات لَهُمْ في مقابلة ذلك جَنَّاتُ النَّعِيمِ أى: لهم جنات عالية يتنعمون فيها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

الترجمة الإنجليزية

Khalideena feeha waAAda Allahi haqqan wahuwa alAAazeezu alhakeemu

خالِدِينَ فِيها خلودا أبديا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا أى: هم خالدون في تلك الجنات خلودا أبدا، فقد وعدهم- سبحانه- بذلك، ووعده حق وصدق، ولن يخلفه- سبحانه- تفضلا منه وكرما.قال الجمل. وقوله وَعْدَ مصدر مؤكد لنفسه، لأن قوله: لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ في معنى وعدهم الله ذلك. وقوله حَقًّا مصدر مؤكد لغيره. أى: لمضمون تلك الجملة الأولى وعاملهما مختلف، فتقدير الأولى: وعد الله ذلك وعدا. وتقدير الثانية، وحقه حقا. .وقوله- تعالى-: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أى: وهو- سبحانه- العزيز الذي لا يغلبه غالب. الحكيم في كل أفعاله وتصرفاته.

الترجمة الإنجليزية

Khalaqa alssamawati bighayri AAamadin tarawnaha waalqa fee alardi rawasiya an tameeda bikum wabaththa feeha min kulli dabbatin waanzalna mina alssamai maan faanbatna feeha min kulli zawjin kareemin

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر قدرته وعزته وحكمته فقال: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ...والعمد: جمع عماد. وهو ما تقام عليه القبة أو البيت. وجملة «ترونها» في محل نصب حال من السموات.أى هو: - سبحانه- وحده، الذي رفع هذه السموات الهائلة في صنعها وفي ضخامتها، بغير مستند يسندها. وبغير أعمدة تعتمد عليها. وأنتم ترون ذلك بأعينكم بدون لبس أو خفاء. ولا شك أن خلقها على هذه الصورة من أكبر الأدلة على أن لهذا الكون خالقا مدبرا قادرا حكيما، هو المستحق للعبادة والطاعة.وقوله- تعالى-: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ بيان لنعمة ثانية مما أنعم به- سبحانه- على عباده.والرواسي: جمع راسية. والمراد بها الجبال الشوامخ الثابتة.أى: ومن رحمته بكم، وفضله عليكم، أن ألقى- سبحانه- في الأرض جبالا ثوابت كراهة أن تميد وتضطرب بكم، وأنتم عليها.وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ أى: وأوجد ونشر في الأرض التي تعيشون فوقها، من كل دابة من الدواب التي لا غنى لكم عنها والتي فيها منفعتكم ومصلحتكم.والبث: معناه: النشر والتفريق. يقال: بث القائد خيله إذا نشرها وفرقها.ثم بين- سبحانه- نعمة ثالثة فقال: وَأَنْزَلْنا أى: بقدرتنا مِنَ السَّماءِ ماءً أى: ماء كثيرا هو المطر، فَأَنْبَتْنا فِيها أى: فأنبتنا في الأرض بسبب نزول المطر عليها. مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أى: صنف كَرِيمٍ أى حسن جميل كثير المنافع.

الترجمة الإنجليزية

Hatha khalqu Allahi faaroonee matha khalaqa allatheena min doonihi bali alththalimoona fee dalalin mubeenin

والإشارة في قوله: هذا خَلْقُ اللَّهِ.. تعود إلى ما ذكره- سبحانه- من مخلوقات قبل ذلك. والخلق بمعنى المخلوق.هذا الذي ذكرناه لكم من خلق السموات والأرض والجبال ... هو من مخلوقنا وحدنا، دون أن يشاركنا فيما خلقناه مشارك.والفاء في قوله- تعالى-: فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ واقعة في جواب شرط مقدر، أى: إذا علمتم ذلك فأرونى وأخبرونى، ماذا خلق الذين اتخذتموهم آلهة من دونه- سبحانه- إنهم لم يخلقوا شيئا ما، بل هم مخلوقون لله- تعالى-.فالمقصود بهذه الجملة الكريمة تحدى المشركين، وإثبات أنهم في عبادتهم لغير الله، قد تجاوزوا كل حد في الجهالة والضلالة.وقوله- سبحانه-: بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ إضراب عن تبكيتهم وتوبيخهم، إلى تسجيل الضلال الواضح عليهم.أى: بل الظالمون في ضلال بين واضح، لأنهم يعبدون آلهة لا تضر ولا تنفع، ويتركون عبادة الله- تعالى- الخلاق العليم.ثم ساق- سبحانه- على لسان عبد صالح من عباده، جملة من الوصايا الحكيمة، لتكون عظة وعبرة للناس، فقال- تعالى-:
411