سورة الأنبياء (21): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الأنبياء بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الأنبياء مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الأنبياء

سُورَةُ الأَنبِيَاءِ
الصفحة 322 (آيات من 1 إلى 10)

ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ هَلْ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ قَالَ رَبِّى يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِى ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ ۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ بَلْ قَالُوٓا۟ أَضْغَٰثُ أَحْلَٰمٍۭ بَلِ ٱفْتَرَىٰهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِـَٔايَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلْأَوَّلُونَ مَآ ءَامَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَٰهَآ ۖ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ ۖ فَسْـَٔلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْنَٰهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُوا۟ خَٰلِدِينَ ثُمَّ صَدَقْنَٰهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَٰهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرِفِينَ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَٰبًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
322

الاستماع إلى سورة الأنبياء

تفسير سورة الأنبياء (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Iqtaraba lilnnasi hisabuhum wahum fee ghaflatin muAAridoona

تمهيد بين يدي السورة1- سورة الأنبياء، من السور المكية. وعدد آياتها اثنتا عشرة ومائة عند الكوفيين.وعند غيرهم إحدى عشرة آية ومائة. وكان نزولها بعد سورة إبراهيم.قال الآلوسى: وهي سورة عظيمة، فيها موعظة فخيمة، فقد أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر، عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرمه عامر، وكلم فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءه الرجل فقال: إنى استقطعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واديا ما في العرب واد أفضل منه. وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك.فقال عامر: لا حاجة لي في ذلك، فقد نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا.ثم قرأ: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ.. .2- وعند ما نقرأ هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل، نراها في مطلعها تسوق لنا ما يهز القلوب، ويحملها على الاستعداد لاستقبال يوم القيامة بالإيمان والعمل الصالح، ويزجرها عن الغفلة والإعراض.قال- تعالى-: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ. ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ...3- ثم تحكى السورة بعد ذلك ألوانا من الشبهات التي أثارها المشركون حول الرسول صلّى الله عليه وسلّم وحول دعوته، وردت عليهم بما يبطل شبهاتهم وأقوالهم، فقال- تعالى-: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ، بَلْ هُوَ شاعِرٌ، فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ.4- ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ادلة متعددة على وحدانية الله- تعالى- وعلى شمول قدرته. منها قوله- عز وجل-: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.وقوله- سبحانه-: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما، وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ.5- وبعد أن ذكرت السورة ألوانا من نعم الله على خلقه، وحكت جانبا من تصرفات المشركين السيئة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أتبعت ذلك بتسليته صلّى الله عليه وسلّم عما قالوه في شأنه.قال- تعالى-: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.6- ثم عرضت السورة الكريمة جانبا من قصص بعض الأنبياء، تارة على سبيل الإجمال، وتارة بشيء من التفصيل، فتحدثت عن موسى وهارون، وعن إبراهيم ولوط، وعن إسحاق ويعقوب، وعن نوح وأيوب، وعن داود وسليمان، وعن إسماعيل وإدريس، وعن يونس وزكريا.وفي نهاية حديثها عنهم- صلوات الله وسلامه عليهم- عقبت بالمقصود الأساسى من رسالتهم، وهو دعوة الناس جميعا إلى إخلاص العبادة لله- تعالى-، وأنهم جميعا قد جاءوا برسالة واحدة في جوهرها، فقال- تعالى-: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.7- ثم تحدثت في أواخرها عن أشراط الساعة، وعن أهوالها، وعن أحوال الناس فيها.قال- تعالى-: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا، يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ.8- ثم ختم- سبحانه- سورة الأنبياء بالحديث عن سنة من سننه التي لا تتخلف، وعن رسالة نبيه صلّى الله عليه وسلّم وعن موقفه من أعدائه، فقال- تعالى-:وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ، وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.وبعد: فهذا عرض إجمالى لسورة الأنبياء، ومنه نرى أنها قد أقامت ألوانا من الأدلة على وحدانية الله- تعالى-، وعلى صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن يوم القيامة حق ...كما حكت شبهات المشركين وردت عليها بما يبطلها، كما ساقت نماذج متعددة من قصص الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام.ونسأل الله- تعالى- أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.قوله - سبحانه - : ( اقترب ) من القرب الذى هو ضد البعد .والمعنى : قرب الزمن الذى يحاسب فيه الناس على أعمالهم فى الدنيا ، والحال أن الكافرين منهم فى غفلة تامة عن هذا الحساب ، وفى إعراض مستمر عن الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح .قال الإمام ابن كثير : هذا تنبيه من الله - عز وجل - على اقتراب الساعة ودنوها ، وأن الناس فى غفلة عنها ، أى لا يعملون لها ، ولا يستعدون من أجلها .قال - تعالى - : ( أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ . . . ) وقال : ( اقتربت الساعة وانشق القمر وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ) وعبر سبحانه - بالقرب مع أنه قد مضى على نزول هذه الآية وأمثالها أكثر من أربعة عشر قرنا ، لأن كل آت وإن طالت أوقات استقباله وترقبه ، قريب الوقوع ، ولأن ذلك الوقت وإن كان كبيرا فى عرف الناس ، إلا أنه عند الله - تعالى - قليل ، كما قال - سبحانه - : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) وقال - تعالى - : ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً ) وقال - تعالى - : ( اقترب لِلنَّاسِ . . . ) بلفظ العموم ، مع أن ما بعده من ألفاظ الغفلة والإعراض يشعر بأن المراد بهم الكافرون ، للتنبيه على أن الحساب سيشمل الجميع ، إلا أنه بالنسبة للكافرين سيكون حسابا عسيرا .قال صاحب الكشاف : وصفهم بالغفلة مع الإعراض ، على معنى : أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون فى عاقبتهم ، ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم ، مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسىء . وإذا قرعت لهم العصا ، ونبهوا عن سنة الغفلة ، وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر ، أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا .وفي التعبير عن اقتراب يوم القيامة باقتراب الحساب، زيادة في الترهيب والتخويف، وفي الحض على الاستعداد لهذا اليوم، لأنه يوم يحاسب فيه الناس على أعمالهم في الدنيا حسابا دقيقا، ولن تملك فيه نفس لنفس شيئا، وإنما يجازى فيه كل إنسان بحسب عمله.

الترجمة الإنجليزية

Ma yateehim min thikrin min rabbihim muhdathin illa istamaAAoohu wahum yalAAaboona

وقوله- سبحانه-: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ بيان لمواقف هؤلاء الغافلين اللاهين ممن يذكرهم بأهوال ذلك اليوم.والمراد بالذكر: ما ينزل من آيات القرآن على النبي صلّى الله عليه وسلّم.والمراد بالمحدث: الحديث العهد بالنزول على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو صفة لذكر.أى: أن هؤلاء الغافلين المعرضين عن الاستعداد ليوم الحساب، لا يصل إلى أسماعهم شيء من القرآن الكريم، الذي أنزله الله- تعالى- على قلب نبيه صلّى الله عليه وسلّم آية فآية، أو سورة بعد سورة في أوقات متقاربة، إلا استمعوا إلى هذا القرآن المحدث تنزيله على الرسولصلّى الله عليه وسلّم وهم يلعبون، دون أن يحرك منهم عاطفة نحو الإيمان به، فهم لانطماس بصيرتهم، وقسوة قلوبهم، وجحود نفوسهم للحق، لا يتعظون ولا يعتبرون.وقوله: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ.. يشعر بأن ما نزل من قرآن قد وصل إليهم دون أن يتعبوا أنفسهم في الحصول عليه، بل أتاهم وهم في أماكنهم بدون سعى إليه.وقوله ذِكْرٍ فاعل ومِنْ مزيدة للتأكيد.وقوله مِنْ رَبِّهِمْ متعلق بمحذوف صفة لذكر، ومِنْ لابتداء الغاية أى:ما يأتيهم من ذكر كائن من ربهم وخالقهم ورازقهم، في حال من الأحوال، إلا استمعوه وهم هازلون مستهترون.

الترجمة الإنجليزية

Lahiyatan quloobuhum waasarroo alnnajwa allatheena thalamoo hal hatha illa basharun mithlukum afatatoona alssihra waantum tubsiroona

وقوله: لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ حال أخرى من أحوالهم الغريبة التي تدل على نهاية طغيانهم وفجورهم، لأنهم بجانب استماعهم إلى ما ينزل من القرآن بلعب وغفلة، تستقبله قلوبهم- التي هي محل التدبر والتفكر- بلهو واستخفاف.ثم حكى- سبحانه- لونا من ألوان مكرهم وخبثهم فقال: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا والنجوى: المسارة بالحديث، وإخفاؤه عن الناس.أى: بعد أن استمعوا إلى القرآن بإعراض ولهو واستهتار، اختلى بعضهم ببعض، وبالغوا في إخفاء ما يضمرونه من سوء نحو النبي صلّى الله عليه وسلّم ونحو ما جاء به من عند الله- تعالى-، وحاولوا أن يظهروا ذلك فيما بينهم فحسب، مبالغة منهم في المكر السيئ الذي حاق بهم.وقوله- سبحانه-: هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ بيان لما قالوه في تناجيهم من سوء.والاستفهام للنفي والإنكار.أى: أنهم قالوا في تناجيهم: ما هذا الذي يدعى النبوة، وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم إلا بشر مثلكم، ولا يمكن أن يكون رسولا، وما جاءنا به إنما هو السحر بعينه، فكيف تذهبون إليه، وتقبلون منه ما يدعيه، والحال أنكم تعاينون بأبصاركم سحره.وما حملهم على هذا القول الباطل إلا توهمهم أن الرسول لا يكون من البشر، وأن كل ما يظهر على يد مدعى النبوة من البشر من خوارق، إنما هو من قبيل السحر.قال الآلوسى: وأرادوا بقولهم: «ما هذا إلا بشر مثلكم» أى: من جنسكم، وما أتى به سحر، تعلمون ذلك فتأتونه وتحضرونه على وجه الإذعان والقبول وأنتم تعاينون أنه سحر. قالوا ذلك بناء على ما ارتكز في اعتقادهم الزائغ أن الرسول لا يكون إلا ملكا، وأن كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبيل السحر. وعنوا بالسحر. هنا القرآن الكريم، ففي ذلك إنكار لحقيته على أبلغ وجه، قاتلهم الله- تعالى-: أنّى يؤفكون. وإنما أسروا ذلك، لأنه كان على طريق توثيق العهد، وترتيب مبادئ الشر والفساد وتمهيد مقدمات المكر والكيد في هدم أمر النبوة. وإطفاء نور الدين ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون .هذا، ودعوى المشركين أن الرسول لا يكون بشرا، قد حكاها القرآن في كثير من آياته، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى، إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا .وقد رد الله- تعالى- عليهم هذه الدعوى الكاذبة في كثير من آيات كتابه- أيضا، ومن ذلك قوله عز وجل-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى.. .

الترجمة الإنجليزية

Qala rabbee yaAAlamu alqawla fee alssamai waalardi wahuwa alssameeAAu alAAaleemu

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما لقنه لنبيه صلّى الله عليه وسلّم من الرد عليهم، فقال: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.أى: قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الرد على ما تناجوا به سرا: ربي الذي أرسلنى لإخراجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. يعلم ما تقولونه سواء كان سرا أم جهرا، وسواء أكان القائل موجودا في السماء أم في الأرض، وهو وحده السميع لجميع ما يسمع، العليم بكل شيء في هذا الكون.وما دام الأمر كذلك فأنا سأمضى في طريقي مبلغا رسالته- سبحانه-، أما أنتم فسترون سوء عاقبتكم إذا ما سرتم في طريق الكفر والعناد.وفي قراءة سبعية بلفظ قل على الأمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم.أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم.

الترجمة الإنجليزية

Bal qaloo adghathu ahlamin bali iftarahu bal huwa shaAAirun falyatina biayatin kama orsila alawwaloona

وقوله- تعالى-: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ، بَلِ افْتَراهُ، بَلْ هُوَ شاعِرٌ إضراب من جهته- تعالى-، وانتقال من حكاية قولهم السابق هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ.. إلى حكاية أقوال أخرى باطلة قالوها في شأنه صلّى الله عليه وسلّم وفي شأن ما جاء به.أى: أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بما قالوه قبل ذلك في شأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم من أنه بشر وما جاء به سحر، بل أضافوا إلى ذلك أن القرآن أضغاث أحلام. أى: أخلاط كأخلاط الأحلام، وأنه أباطيل لا حقيقة لها.والأضغاث: جمع ضغث. وأصله ما جمع من أنواع شتى من النبات ثم حزم في حزمة واحدة.والأحلام: جمع حلم- بضم الحاء وسكون اللام- وهو ما يراه النائم مما ليس بحسن.وقد استعير هذا التركيب لما يراه النائم من وساوس وأحلام خلال نومه بَلِ افْتَراهُ أى: اختلق هذا القرآن من عند نفسه.بَلْ هُوَ شاعِرٌ أى: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم شاعر- في زعمهم- وما أتى به هو نوع من الشعر التخييلى الذي لا حقيقة له.ثم أضافوا إلى هذا التخبط واضطراب قولهم: فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ.ومرادهم بالآية هنا: آية كونية، والجملة جواب لشرط محذوف يفصح عنه السياق، والتقدير: إن لم يكن كما قلنا في شأنه من أنه شاعر بل كان رسولا حقا فليأتنا بخارق يدل على صدقه كناقة صالح، وعصا موسى، وإحياء عيسى للأموات.. فإن المرسلين السابقين فعلوا ذلك.وكأنهم- لانطماس بصائرهم وشدة جهالاتهم- لا يعتبرون القرآن الذي هو آية الآيات- لا يعتبرونه آية ومعجزة تدل على صدقه صلّى الله عليه وسلّم.فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد صورت تخبط هؤلاء المشركين تصويرا حكيما، شأنهم في ذلك شأن الحائر المضطرب الذي لا يستطيع الثبات على قرار، بل هو لتمحله وتعلله ينتقل من دعوى باطلة إلى أخرى أشد منها بطلانا.وقد نفى القرآن عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كل هذه الدعاوى الباطلة، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ .وقوله- سبحانه- وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ .

الترجمة الإنجليزية

Ma amanat qablahum min qaryatin ahlaknaha afahum yuminoona

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر فضله ورحمته بهؤلاء الذين أرسل إليهم رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ.أى: أن هؤلاء الجاهلين من قومك- أيها الرسول الكريم- قد طلبوا منك آية كونية كالتي جاء بها موسى وعيسى وصالح.. وهذه الخوارق عند ما جاء بها هؤلاء الرسل ولم يؤمن بها أقوامهم أهلكنا هؤلاء الأقوام، وفقا لسنتنا التي لا تتخلف في إهلاك من يكذبون بآياتنا، ولو أنا أعطيناك هذه الخوارق ولم يؤمن بها قومك لأهلكناهم كما أهلكنا السابقين، لذا اقتضت حكمتنا ورحمتنا أن نمنع عنهم ما طلبوه، لأنهم بشر كالسابقين. ومادام السابقون لم يؤمنوا بهذه الخوارق فهؤلاء أيضا لن يؤمنوا بها.فالاستفهام في قوله: أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ للإنكار. أى: أن هؤلاء الكافرين من أمتك- أيها الرسول الكريم- لن يؤمنوا بهذه الخوارق التي طلبوها متى جاءتهم لأنهم لا يقلون عتوا وعنادا عن السابقين الذين لم يؤمنوا بها فأهلكهم الله.وصدق الله إذ يقول: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ .ثم بين- سبحانه- أن حكمته قد اقتضت أن يكون جميع الرسل من البشر وأن يعيشوا الحياة التي تقتضيها الطبيعة البشرية، وأن يؤيدهم الله- تعالى- بالمعجزات الدالة على صدقهم، فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Wama arsalna qablaka illa rijalan noohee ilayhim faisaloo ahla alththikri in kuntum la taAAlamoona

أى: وما أرسلنا قبلك- أيها الرسول الكريم- إلى الأمم السابقة إلا رسلا من البشر، ليعيشوا حياة البشر، ويتمكنوا من التعامل والتخاطب والتفاهم مع من هم من جنسهم، ولو كان الرسل من غير البشر لما كانت هناك وشيجة ورابطة بينهم وبين أقوامهم.وهذه الجملة رد مفحم على المشركين الجاهلين الذين استبعدوا أن يكون الرسول بشرا وقالوا قبل ذلك: هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ.وقوله- تعالى- نُوحِي إِلَيْهِمْ استئناف مبين لكيفية الإرسال.أى: اقتضت حكمتنا أن يكون الرسل من الرجال، وأن نبلغهم ما نكلفهم به عن طريق الوحى المنزل إليهم من جهتنا.وقوله- سبحانه-: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ توبيخ لهم وتجهيل، لأنهم قالوا ما قالوا بدون تعقل أو تدبر.والمراد بأهل الذكر: علماء أهل الكتاب الذين كان المشركون يرجعون إليهم في أمور دينهم.والفاء في قوله: فَسْئَلُوا.. لترتيب ما بعدها على ما قبلها. وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه.أى: مادامت قد بلغت بكم الجهالة أن تستبعدوا أن يكون الرسول بشرا فاسألوا أهل العلم في ذلك، فسيبينون لكم أن الرسل السابقين لم يكونوا إلا رجالا.قال القرطبي: قوله- تعالى-: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ يريد أهل التوراة والإنجيل الذين آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وسماهم أهل الذكر، لأنهم كانوا يذكرون خبر الأنبياء، مما لم تعرفه العرب، وكان كفار قريش يراجعون أهل الكتاب في أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم.وقال ابن زيد: أراد بالذكر: القرآن. أى: فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن.. .

الترجمة الإنجليزية

Wama jaAAalnahum jasadan la yakuloona alttaAAama wama kanoo khalideena

ثم أكد- سبحانه- هذه الحقيقة وهي كون الرسل من البشر فقال: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ.والضمير في جَعَلْناهُمْ يعود إلى الرسل، والجسد مصدر جسد الدم يجسد- من باب فرح- إذا التصق بغيره، وأطلق على الجسم جسد، لالتصاق أجزائه بعضها ببعض، ويطلق هذا اللفظ على الواحد المذكر وغيره ولذلك أفرد، أو هو أفرد لإرادة الجنس.أى: وما جعلنا الرسل السابقين عليك يا محمد أجسادا لا تأكل ولا تشرب كالملائكة، وإنما جعلناهم مثلك يأكلون ويشربون ويتزوجون ويتناسلون ويعتريهم ما يعترى البشر من سرور وحزن، ويقظة ونوم.. وغير ذلك مما يحسه البشر.وما جعلناهم- أيضا- خالدين في هذه الحياة بدون موت، وإنما جعلنا لأعمارهم أجلا محددا تنتهي حياتهم عنده بدون تأخير أو تقديم.قال- تعالى-: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.

الترجمة الإنجليزية

Thumma sadaqnahumu alwaAAda faanjaynahum waman nashao waahlakna almusrifeena

وقوله- سبحانه-: ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ.. بيان لسنة الله- تعالى- الجارية مع رسله- عليهم الصلاة والسلام-.أى: ثم صدقنا هؤلاء الرسل ما وعدناهم به من جعل العاقبة لهم فَأَنْجَيْناهُمْ من العذاب الذي أنزلناه بأعدائهم. وأنجينا معهم مَنْ نَشاءُ إنجاءهم من المؤمنين بهم.وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ الذين تجاوزوا الحدود في كفرهم وتطاولهم على الرسل الكرام، وإعراضهم عن دعوتهم.وإلى هنا نرى الآيات الكريمة من أول السورة إلى هنا، قد أنذرت الناس باقتراب يوم الحساب، وحذرتهم من الغفلة عنه، ومن الإعراض عن الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح، وحكت ما قاله المشركون من تهم باطلة تتعلق بالرسول صلّى الله عليه وسلّم وبما جاء به من عند ربه- تعالى- وردت عليها بما يزهقها، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.ثم بين- سبحانه- أن ما أنزله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم هو خير الآيات وأخلدها وأشرفها، وأنه يشرف الأمة التي تنتسب إليه، وأن الأمم السابقة التي كذبت بالخوارق والمعجزات التي جاء بها الرسل- عليهم السلام- أهلكها الله- تعالى- هلاك استئصال- فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Laqad anzalna ilaykum kitaban feehi thikrukum afala taAAqiloona

قال الآلوسى: «قوله- تعالى-: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً.. كلام مستأنف لتحقيق حقية القرآن العظيم، الذي ذكر في صدر السورة إعراض الناس عما يأتيهم من آياته، واستهزاؤهم به، واضطرابهم في أمره، وبيان علو مرتبته، إثر تحقيق رسالته صلّى الله عليه وسلّم، ببيان أنه كسائر الرسل الكرام، وقد صدر الكلام بالتوكيد القسمي، إظهارا لمزيد الاعتناء بمضمونه وإيذانا، بأن المخاطبين في أقصى مراتب النكير، والخطاب لقريش، وجوز أن يكون لجميع العرب.».والمعنى: لقد أنزلنا إليكم يا معشر العرب عن طريق رسولنا محمد صلّى الله عليه وسلّم كتابا عظيم الشأن، نير البرهان، مشتملا على ما يسعدكم، وهذا الكتاب فِيهِ ذِكْرُكُمْأى: فيه شرفكم، وعلو منزلتكم، وحسن موعظتكم، وشفاء صدوركم.أَفَلا تَعْقِلُونَ ذلك، مع أن هذا الأمر واضح، ولا يحتاج إلى جدال أو مناقشة.فالاستفهام لإنكار عدم تدبرهم في شأن هذا الكتاب الذي أنزله الله- تعالى- ليظفروا بسببه بالذكر الجميل، وبالموعظة الحسنة، كما قال- تعالى- وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ .وإن من مظاهر كون القرآن الكريم فيه ذكر العرب وشرفهم، أنه نزل بلغتهم، وأنه المعجزة الباقية الخالدة بخلاف غيره من المعجزات التي أيد الله- تعالى- بها الرسل السابقين، وأنه الكتاب الذي قادوا به البشرية قرونا طويلة. عند ما حملوه إلى الناس، فقرأوه عليهم، وشرحوا لهم أحكامه وآدابه وتشريعاته.. وما أصيب العرب في دينهم ودنياهم إلا يوم أن تخلوا عن العمل بهدايات هذا الكتاب، وقصروا في تبليغه إلى الناس.
322