سورة الجاثية (45): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الجاثية بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الجاثية مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الجاثية

سُورَةُ الجَاثِيَةِ
الصفحة 499 (آيات من 1 إلى 13)

حمٓ تَنزِيلُ ٱلْكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ إِنَّ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ ۖ فَبِأَىِّ حَدِيثٍۭ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْـًٔا ٱتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ ۖ وَلَا يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُوا۟ شَيْـًٔا وَلَا مَا ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ هَٰذَا هُدًى ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِىَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِۦ وَلِتَبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
499

الاستماع إلى سورة الجاثية

تفسير سورة الجاثية (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Hameem

مقدمة وتمهيد1- سورة «الجاثية» هي السورة الخامسة والأربعون في ترتيب المصحف. وكان نزولها بعد سورة «الدخان» . وعدد آياتها سبع وثلاثون آية في المصحف الكوفي، وست وثلاثون في غيره، لاختلافهم في قوله- تعالى- حم، هل هو آية مستقلة أولا.2- وقد افتتحت هذه السورة بالثناء على القرآن الكريم، وبدعوة الناس إلى التدبر والتأمل في هذا الكون العجيب، وما اشتمل عليه من سموات وأرض، ومن ليل ونهار، ومن أمطار ورياح.. فإن هذا التأمل من شأنه أن يهدى إلى الحق، وإلى أن لهذا الكون إلها واحدا قادرا حكيما، هو الله رب العالمين.قال- تعالى-: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.3- ثم توعد- سبحانه- بعد ذلك الأفاكين بأشد أنواع العذاب، لإصرارهم على كفرهم، واتخاذهم آيات الله هزوا.قال- تعالى-: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها، فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.4- ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان جانب من نعم الله- تعالى- على خلقه، تلك النعم التي تتمثل في البحر وما اشتمل عليه من خيرات، وفي السموات والأرض وما فيهما من منافع.قال- سبحانه-: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.5- ثم بين- سبحانه- موقف بنى إسرائيل من نعم الله- تعالى-، وكيف أنهم قابلوا ذلك بالاختلاف والبغي، ونهى- سبحانه- نبيه صلّى الله عليه وسلّم عن الاستماع إليهم، وبين أنه لا يستوي عنده- عز وجل- الذين اجترحوا السيئات، والذين عملوا الصالحات.فقال- تعالى-: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ، أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ. وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.ثم حكى بعض الأقوال الباطلة التي تفوه بها الكافرون، ورد عليها بما يزهقها ويثبت كذبها، قال- تعالى-: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ، وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.6- ثم أخذت السورة الكريمة في أواخرها، في بيان أهوال يوم القيامة، وفي بيان عاقبة الأخيار وعاقبة الأشرار.قال- تعالى-: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ، فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ.7- ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بالثناء على ذاته بما هو أهله، فقال- تعالى-: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ، رَبِّ الْعالَمِينَ، وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.هذا، والمتدبر في هذه السورة الكريمة، يراها تدعو الناس إلى التفكر فيما اشتمل عليه هذا الكون من آيات دالة على وحدانية الله- تعالى- وكمال قدرته، كما أنه يراها تحكى بشيء من التفصيل أقوال المشركين وترد عليها، وتبين سوء عاقبتهم كما يراها تسوق ألوانا من نعم الله على خلقه، وتدعو المؤمنين إلى التمسك بكتاب ربهم، وتبشرهم بأنهم متى فعلوا ذلك ظفروا برضوان الله تعالى وثوابه.فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته، ذلك هو الفوز المبين، كما يراها تهتم بتفصيل الحديث عن أهوال يوم القيامة، لكي يفيء الناس إلى رشدهم، ويستعدوا لاستقبال هذا اليوم بالإيمان والعمل الصالح.قال- تعالى-: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً، كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.نسأل الله- تعالى- أن ينجينا من أهوال هذا اليوم، وأن يحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. ذلك الفضل من الله، وكفى بالله عليما.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.سورة " الجاثية " من السور التى افتتحت ببعض حروف التهجى ، وقد سبق أن قلنا ، إن هذه الحروف الرأى الراجح فى معناها ، أنها سيقت للتنبيه على إعجاز القرآن ، وعلى أنه من عند الله - عز وجل - .

الترجمة الإنجليزية

Tanzeelu alkitabi mina Allahi alAAazeezi alhakeemi

وقوله- سبحانه-: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ بيان لمصدر هذا القرآن، وأنه من عند الله- تعالى- لا من عند غيره.أى: هذا القرآن من الله- تعالى- صاحب العزة التي لا عزة سواها، وصاحب الحكمة التي لا تقاربها حكمة، فهو- سبحانه- القاهر فوق عباده وهو الحكيم في كل تصرفاته.

الترجمة الإنجليزية

Inna fee alssamawati waalardi laayatin lilmumineena

ثم ساق- سبحانه- ستة أدلة على وحدانيته، وكمال قدرته، وجلال عظمته ويتمثل الدليل الأول في قوله- تعالى-: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ أى: إن في خلق هذه السموات المزينة بالمصابيح، والتي لا ترى فيه من تفاوت، والمرفوعة بغير عمد ... وفي خلق الأرض الممهدة المفروشة المثبتة بالجبال.. في كل ذلك لبراهين ساطعة للمؤمنين، على أن الخالق لهما هو الله- تعالى- وحده، المستحق للعبادة والطاعة.فالمراد بقوله- تعالى-: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.. أى: إن في خلقهما، كما صرح- سبحانه- بذلك في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ .والمراد بالآيات: الدلائل والبراهين الدالة على قدرته- سبحانه- ووحدانيته.

الترجمة الإنجليزية

Wafee khalqikum wama yabuththu min dabbatin ayatun liqawmin yooqinoona

والدليل الثاني والثالث قوله- تعالى-: وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.قوله: وَفِي خَلْقِكُمْ جار ومجرور خبر مقدم، وقوله: آياتٌ مبتدأ مؤخر.أى: وفي خلقكم- أيها الناس- من نطفة، فعلقة، فمضغة.. إلى أن نخرجكم من بطون أمهاتكم.. وفيما نبثه وننشره ونوجده من دواب لا تعد ولا تحصى على ظهر الأرض.في كل ذلك آياتٌ بينات، وعلامات واضحات، على كمال قدرتنا، لقوم يوقنون بأن القادر على هذا الخلق، إنما هو الله- تعالى- وحده.

الترجمة الإنجليزية

Waikhtilafi allayli waalnnahari wama anzala Allahu mina alssamai min rizqin faahya bihi alarda baAAda mawtiha watasreefi alrriyahi ayatun liqawmin yaAAqiloona

والدليل الرابع قوله- تعالى-: وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ.. والمراد باختلافهما:تفاوتهما طولا وقصرا، وتعاقبهما دون أن يسبق أحدهما الآخر كما قال- تعالى-:لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .وكون الليل والنهار يسيران على هذا النظام الدقيق المطرد الذي لا ينخرم، دليل على أن هذا الاختلاف، تدبير من إله قادر حكيم، لا يدخل أفعاله تفاوت أو اختلال.والدليل الخامس قوله- تعالى-: وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها.وقوله: وَما أَنْزَلَ اللَّهُ.. معطوف على اخْتِلافِ، والمراد من السماء: جهة العلو.والمراد بالرزق: المطر الذي ينزل من السحاب، وسمى رزقا لأن المطر سبب لأرزاق العباد.أى: ومن الآيات الدالة على قدرته- سبحانه-: إنزاله المطر من السماء فينزل على الأرض، فتهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج، بعد أن كانت جدباء هامدة.وأما الدليل السادس فهو قوله- تعالى-: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ: والمراد بتصريفها:تقليبها في الجهات المختلفة، ونقلها من حال إلى حال، وتوجيهها على حسب مشيئته- سبحانه-، فتارة تراها حارة، وتارة تراها باردة.أى: ومن الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته، تقليبه- سبحانه- للرياح كما يشاء ويختار.وفي ذلك الذي بيناه لكم آياتٌ واضحات على قدرتنا لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ذلك.قال الجمل في حاشيته: وحاصل ما ذكر هنا من الدلائل ستة، على ثلاث فواصل: الأولى لِلْمُؤْمِنِينَ، والثانية يُوقِنُونَ، والثالثة، يَعْقِلُونَ.ووجه التغاير بينها، أن المنصف من نفسه إذا نظر في السموات والأرض وأنه لا بد لهما من صانع آمن، وإذا نظر في خلق نفسه ونحوها، ازداد إيمانا فأيقن. وإذا نظر في سائر الحوادث عقل واستحكم علمه، فاختلاف الفواصل الثلاث، لاختلاف الآيات في الدقة والظهور .وما ذكر في هذه الآيات الكريمة من أدلة ساطعة على قدرة الله ووحدانيته جاء في آيات كثيرة، من أجمعها قوله- تعالى-: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ، وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ، وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .وبعد أن ذكر- سبحانه- هذه الأدلة الكونية الساطعة التي تحمل الناس على إخلاص العبادة له وحده، أتبع ذلك بتهديد الذين عموا عنها، والذين اتخذوا آيات الله هزوا..فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Tilka ayatu Allahi natlooha AAalayka bialhaqqi fabiayyi hadeethin baAAda Allahi waayatihi yuminoona

والمراد بالآيات في قوله- سبحانه-: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ.. آيات القرآن الكريم، كما في قوله- تعالى-: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ .وتِلْكَ مبتدأ، وآياتُ اللَّهِ خبر ونَتْلُوها عَلَيْكَ حال عاملها ما دل عليه تِلْكَ من معنى الإشارة.وقوله بِالْحَقِّ حال من فاعل نَتْلُوها أو من مفعوله، أى: نتلوها محقين، أو ملتبسة بالحق.أى: تلك- أيها الرسول الكريم- آيات الله- تعالى- المنزلة إليك، نتلوها عليك تلاوة ملتبسة بالحق الذي لا يحوم حوله باطل.وكانت الإشارة للبعيد، لما في ذلك من معنى الاستقصاء للآيات، ولعلو شأنها، وكمال معانيها، والوفاء في مقاصدها.وأضاف- سبحانه- الآيات إليه، لأنه هو الذي أنزلها على نبيه صلّى الله عليه وسلّم، وفي هذه الإضافة ما فيها من التشريف لها، والسمو لمنزلتها.وجعل- سبحانه- تلاوة جبريل للقرآن تلاوة له، للإشعار بشرف جبريل، وأنه ما خرج في تلاوته عما أمره الله- تعالى- به، فهو رسوله الأمين، إلى رسله المكرمين.وقوله- سبحانه-: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ تعجيب من حالهم، حيث أصر هؤلاء الكافرون على كفرهم، مع وضوح البراهين والأدلة على بطلان ذلك.أى: فبأى حديث بعد آيات الله المتلوة عليك يؤمن هؤلاء الجاهلون؟ إن عدم إيمانهم بعد ظهور الأدلة والبراهين على وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، دليل على انطماس بصائرهم، واستيلاء العناد والجحود على قلوبهم.قال الآلوسى: وقوله: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ هو من باب قولهم:أعجبنى زيد وكرمه، يريدون أعجبنى كرم زيد، إلا أنهم عدلوا عنه للمبالغة في الإعجاب.أى: فبأى حديث بعد هذه الآيات المتلوة بالحق يؤمنون، وفيه دلالة على أنه لا بيان أزيد من هذا البيان، ولا آية أدل من هذه الآية.وقال الواحدي: فبأى حديث بعد حديث الله، أى: القرآن، وقد جاء إطلاقه عليه في قوله- تعالى-: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ.. وحسن الإضمار لقرينة تقدم الحديث.وقوله وَآياتِهِ عطف عليه لتغايرهما إجمالا وتفصيلا.. والفاء في جواب شرط مقدر، والظرف صفة حَدِيثٍ .

الترجمة الإنجليزية

Waylun likulli affakin atheemin

ثم هدد- تعالى- هؤلاء المشركين بقوله: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ.والويل: لفظ يدل على الشر أو الهلاك. وهو مصدر لا فعل له من لفظه، وقد يستعمل بدون حرف النداء كما هنا، وقد يستعمل معه كما في قوله- تعالى-: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا.والأفاك: هو الإنسان الكثير الإفك وهو أشنع الكذب وأقبحه.والأثيم: هو الإنسان المرتكب للذنوب والآثام بقلبه وجوارحه، فهو سيئ الظاهر وسيئ الباطن.أى: هلاك وعذاب وحسرة يوم القيامة لكل إنسان ينطق بأقبح الأكاذيب ويفعل أسوأ السيئات.

الترجمة الإنجليزية

YasmaAAu ayati Allahi tutla AAalayhi thumma yusirru mustakbiran kaan lam yasmaAAha fabashshirhu biAAathabin aleemin

هذا الإنسان- أيضا- من صفاته أنه يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ صباح مساء.ثُمَّ بعد ذلك يُصِرُّ على كفره مُسْتَكْبِراً أى: متكبرا عن الإيمان.كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها أى: كأنه لم يسمع هذه الآيات، لأنها لم توافق هواه أو شهواته.والتعبير بقوله: ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً للتعجيب من حاله، حيث يصر على كفره، بعد سماع ما يدعو إلى التخلي عن الكفر، ويحمل على الدخول في الإيمان.والإصرار على الشيء: ملازمته، وعدم الانفكاك عنه، مأخوذ من الصر- بفتح الصاد- وهو الشد، ومنه صرة الدراهم، لأنها مشدودة على ما بداخلها.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى ثُمَّ في قوله: ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً؟قلت: كمعناه في قول القائل، يرى غمرات الموت ثم يزورها.وذلك أن غمرات الموت خليقة بأن ينجو رائيها بنفسه، ويطلب الفرار عنها.وأما زيارتها والإقدام على مزاولتها، فأمر مستبعد، فمعنى ثُمَّ: الإيذان بأن فعل المقدم عليها بعد ما رآها وعاينها، شيء يستبعد في الغايات والطباع.وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق، من تليت عليه وسمعها: كان مستبعدا في العقول إصراره على الضلالة عندها، واستكباره عن الإيمان بها .وقوله- تعالى-: فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ تهكم بهذا الأفاك الأثيم.. واستهزاء به، لأن البشارة في الأصل إنما تكون من أجل الخبر السار، الذي تتهلل له البشرة.أى: فبشره بعذاب أليم، بسبب إصراره على كفره، واستحبابه العمى على الهدى.

الترجمة الإنجليزية

Waitha AAalima min ayatina shayan ittakhathaha huzuwan olaika lahum AAathabun muheenun

ثم بين- سبحانه- صفة أخرى من صفات هذا الأفاك الأثيم فقال: وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً.أى: وإذا بلغ هذا الإنسان شيء من آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا، بادر إلى الاستهزاء بها والسخرية منها، ولم يكتف بالاستهزاء بما سمعه، بل استهزأ بالآيات كلها لرسوخه في الكفر والجحود.والتعبير بقوله: وَإِذا عَلِمَ زيادة في تحقيره وتجهيله، لأن اتخاذه الآيات هزوا بعد علمه بمصدرها، يدل على إيغاله في العناد والضلال.وقوله: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ بيان لسوء عاقبته. أى: أولئك الذين يفعلون ذلك لهم في الآخرة عذاب يهينهم ويذلهم، ويجعلهم محل سخرية العقلاء واحتقارهم.

الترجمة الإنجليزية

Min waraihim jahannamu wala yughnee AAanhum ma kasaboo shayan wala ma ittakhathoo min dooni Allahi awliyaa walahum AAathabun AAatheemun

مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ أى: من قدامهم جهنم لأنهم يوجهون إليها بعد موتهم، أو هي من خلفهم لأنهم معرضون عنها، ومهملون لما يبعدهم عن دخولها.والوراء: اسم يستعمل بمعنى الأمام والخلف، لأنه يطلق على الجهة التي يواريها الشخص، فتعم الخلف والأمام.وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً أى: ولا يدفع عنهم ما كسبوه في الدنيا من أموال شيئا من العذاب، ولو كان هذا الشيء يسيرا، كما قال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ.فقوله وَلا يُغْنِي من الغناء- بفتح الغين- بمعنى الدفع والنفع، ومنه قول الشاعر:وقل غناء عنك مال جمعته ... إذا صار ميراثا وواراك لاحدوَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ أى: ولا يغنى عنهم- أيضا- ما اتخذوه من دون الله- تعالى- من معبودات باطلة.وما في قوله ما كَسَبُوا ومَا اتَّخَذُوا موصولة والعائد محذوف. ويصح أن تكون في الموضعين مصدرية.وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ لا يعلم مقدار شدته وهوله إلا الله- تعالى- وحده.

الترجمة الإنجليزية

Hatha hudan waallatheena kafaroo biayati rabbihim lahum AAathabun min rijzin aleemin

والإشارة في قوله- تعالى- هذا هُدىً تعود إلى القرآن الكريم. والهدى مصدر هداه إلى الشيء إذا دله وأرشده إليه.أى. هذا القرآن الذي أوحيناه إليك يا محمد، في أعلى درجات الهداية وأكملها.وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ الدالة على وجوب إخلاص العبادة له.لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ والرجز: يطلق على أشد أنواع العذاب..أى: لهم أشد أنواع العذاب، وأكثره إيلاما وإهانة.وجمهور القراء قرأ أَلِيمٌ بالخفض على أنه نعت لقوله رِجْزٍ وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم أَلِيمٌ بالرفع، على أنه صفة لعذاب.وهذه الآيات تهديد لكل من كانت فيه هذه الصفات التي منها: كثرة الكذب، وكثرة اقتراف السيئات، والإصرار على الباطل.. ويدخل في هذا التهديد دخولا أوليا، النضر بن الحارث، الذي كان يشترى أحاديث الأعاجم ليشغل بها الناس عن سماع القرآن، والذي قيل إن هذه الآيات قد نزلت فيه.ثم انتقلت السورة الكريمة بعد هذا التهديد الشديد للأفاكين.. إلى بيان جانب من النعم التي أنعم بها- سبحانه- على عباده، ودعت المؤمنين إلى الصبر والصفح، فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Allahu allathee sakhkhara lakumu albahra litajriya alfulku feehi biamrihi walitabtaghoo min fadlihi walaAAallakum tashkuroona

وقوله- تعالى- سَخَّرَ من التسخير بمعنى التذليل والتيسير. يقال: سخر الله- تعالى- الإبل للإنسان، إذا ذللها له، وجعلها منقادة لأمره.أى: الله- تعالى- وحده، هو الذي بقدرته ورحمته سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ بأن جعلكم متمكنين من الانتفاع بخيراته، وبأن جعله على هذه الصفة التي تستطيعون منها استخراج ما فيه من خيرات.وقوله: لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ.. بيان لبعض الأسباب التي من أجلها سخر الله- تعالى- البحر على هذه الصفة.أى: جعل لكم البحر على هذه الصفة، لكي تتمكن السفن من الجري فيه بأمره- تعالى- وقدرته، ولتطلبوا ما فيه من خيرات، تارة عن طريق استخراج ما فيه من كنوز، وتارة عن طريق التجارة فيها.. وكل ذلك بتيسير الله- تعالى- وفضله ورحمته بكم.وقوله: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ متعلق بمحذوف. أى: أعطاكم ما أعطاكم من النعم، وجعل البحر على صفة تتمكنون معها من الجري فيه وأنتم في سفنكم، ومن استخراج ما فيه من خيرات.. لعلكم بعد ذلك تشكرون الله- تعالى- على هذه النعم، وتستعملونها فيما خلقت من أجله.

الترجمة الإنجليزية

Wasakhkhara lakum ma fee alssamawati wama fee alardi jameeAAan minhu inna fee thalika laayatin liqawmin yatafakkaroona

وقوله- تعالى-: وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ.. تعميم بعد تخصيص.أى: يسر لكم الانتفاع بما في البحر من خيرات، ويسر لكم- أيضا- الانتفاع بكل ما في السموات والأرض من نعم لا تعد ولا تحصى، وكلها منه- تعالى- وحده، لا من أحد سواه.فقوله: جَمِيعاً حال من وَما فِي الْأَرْضِ، أو تأكيد له. والضمير في قوله- تعالى- مِنْهُ يعود إلى الله- عز وجل-، والجار والمجرور حال من ما أيضا، أى: جميعا كائنا منه- تعالى- لا من غيره.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى مِنْهُ في قوله: جَمِيعاً مِنْهُ؟ وما موقعها من الإعراب؟.قلت: هي واقعة موقع الحال. والمعنى: أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه وحاصلة من عنده. يعنى أنه مكونها وموجدها بقدرته وحكمته، ثم سخرها لخلقه. ويجوز أن يكون خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي جميعا منه .إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور من تسخير البحر وما في السموات والأرض لكم لَآياتٍ ساطعات، وعلامات واضحات، ودلائل بينات، على وحدانية الله- تعالى- وقدرته وفضله لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في هذه النعم، ويحسنون شكرها.وخص المتفكرين بالذكر، لأنهم هم الذين ينتفعون بما بين أيديهم من نعم، إذ بالتفكر السليم ينتقل العاقل من مرحلة الظن، إلى مرحلة اليقين، التي يجزم معها بأن المستحق للعبادة والحمد، إنما هو الله رب العالمين.
499