سورة النبإ: الآية 35 - لا يسمعون فيها لغوا ولا...

تفسير الآية 35, سورة النبإ

لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّٰبًا

الترجمة الإنجليزية

La yasmaAAoona feeha laghwan wala kiththaban

تفسير الآية 35

إن للذين يخافون ربهم ويعملون صالحًا، فوزًا بدخولهم الجنة. إن لهم بساتين عظيمة وأعنابًا، ولهم زوجات حديثات السن، نواهد مستويات في سن واحدة، ولهم كأس مملوءة خمرًا. لا يسمعون في هذه الجنة باطلا من القول، ولا يكذب بعضهم بعضًا.

«لا يسمعون فيها» أي الجنة عند شرب الخمر وغيرها من الأحوال «لغوا» باطلا من القول «ولا كذَابا» بالتخفيف، أي: كذبا، وبالتشديد أي تكذيبا من واحد لغيره بخلاف ما يقع في الدنيا عند شرب الخمر.

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا أي: كلاما لا فائدة فيه وَلَا كِذَّابًا أي: إثما.كما قال تعالى: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا

وقوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) كقوله : ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) [ الطور : 23 ] أي : ليس فيها كلام لاغ عار عن الفائدة ، ولا إثم كذب ، بل هي دار السلام ، وكل ما فيها سالم من النقص .

( لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا ) أى : فى الجنة ( لَغْواً ) أى : كلاما ساقطا لا يعتد به . ولا يسمعون - أيضا - ( كِذَّاباً ) أى كلاما كاذبا .

"لا يسمعون فيها لغواً"، باطلاً من الكلام، "ولا كذاباً"، تكذيباً، لا يكذب بعضهم بعضاً. وقرأ الكسائي "كذاباً" بالتخفيف مصدر كاذب كالمكاذبة، وقيل: هو الكذب. وقل: هو بمعنى التكذيب كالمشدد.

قوله تعالى : لا يسمعون فيها أي في الجنة لغوا ولا كذابا اللغو : الباطل ، وهو ما يلغى من الكلام ويطرح ; ومنه الحديث : إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت وذلك أن أهل الجنة إذا شربوا لم تتغير عقولهم ، ولم يتكلموا بلغو ; بخلاف أهل الدنيا . ولا كذابا تقدم ، أي لا يكذب بعضهم بعضا ، ولا يسمعون كذبا . وقرأ الكسائي ( كذابا ) بالتخفيف من كذبت كذابا أي لا يتكاذبون في الجنة . وقيل : هما مصدران للتكذيب ، وإنما خففها هاهنا لأنها ليست مقيدة بفعل يصير مصدرا له ، وشدد قوله : وكذبوا بآياتنا كذابا لأن كذبوا يقيد المصدر بالكذاب .

وقوله: ( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا ) يقول تعالى ذكره: لا يسمعون في الجنة لغوا، يعني باطلا من القول، ولا كذّابًا، يقول: ولا مكاذبة، أي لا يكذب بعضهم بعضا، وقرأت القرّاء في الأمصار بتشديد الذال على ما بيَّنت في قوله: وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا سوى الكسائيّ فإنه خَفَّفها لما وصفت قبل، والتشديد أحبّ إليّ من التخفيف، وبالتشديد القراءة، ولا أرى قراءة ذلك بالتخفيف لإجماع الحجة من القرّاء على خلافه، ومن التخفيف قول الأعشى:فَصَدَقْتُها وكَذبْتُهاوالمَرْءُ يَنْفَعُهُ كِذَابُهُ (3)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( لَغْوًا وَلا كِذَّابًا ) قال: باطلا وإثمًا.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا ) قال: وهي كذلك ليس فيها لغوٌ ولا كذَّاب.

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) وقوله : لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً } يجوز أن يكون الضمير المجرور عائداً إلى الكأس ، فتكون ( في ) للظرفية المجازية بتشبيه تناول الندامى للشراب من الكأس بحلولهم في الكأس على طريق المَكْنية ، وحرف ( في ) تخييل أو تكون ( في ) للتعليل كما في الحديث : " دخلت امرأةٌ النارَ في هِرة " الحديث ، أي من أجل هرة . والمعنى : لا يسمعون لغواً ولا كذَّاباً منها أو عندها ، فتكون الجملة صفة ثانية ل«كأساً» . والمقصود منها أن خمر الجنة سليمة مما تسببه خمر الدنيا من آثار العربدة من هذَيان ، وكذب وسباب ، واللغو والكذب من العيوب التي تعرض لمن تَدب الخمر في رؤوسهم ، أي فأهل الجنة ينعمون بلذة السكر المعروفة في الدنيا قَبل تحريم الخمر ولا تأتي الخمر على كمالاتهم النفسية كما تأتي عليها خمر الدنيا .وكان العرب يمدحون من يُمسك نفسه عن اللغو ونحوه في شرب الخمر ، قال عمارة بن الوليد :ولَسْنَا بشرْب أم عَّمرو إذا انتشوا ... ثيابُ الندامَى بينهم كالغنائمولكننا يا أم عمرو نديمُنا ... بمنزلة الرَيَّان ليس بِعَائموكان قيس بن عاصم المنقري ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية وقال :فإن الخمر تفضَح شاربيها ... وتجنيهم بها الأمرَ العظيماويجوز أن يعود ضمير { فيها } إلى { مفازاً } باعتبار تأويله بالجنة لوقوعه في مقابلة { جهنم } من قوله : { إن جهنم كانت مرصاداً } [ النبأ : 21 ] أو لأنه أبدل { حدائق } من { مفازاً } . وهذا المعنى نشأ عن أسلوب نظم الكلام حيث قدم { حدائق وأعناباً } الخ ، وأخّر { وكأساً دهاقاً } حتى إذا جاء ضمير ( فيها ) بعد ذلك جاز إرجاعه إلى الكأس وإلى المفاز كما علمت . وهذا من بديع الإيجاز مع وفرة المعاني مما عددناه من وجوه الإِعجاز من جانب الأسلوب في المقدمة العاشرة من هذا التفسير ، أي لا يسمعون في الجنة الكلام السافِل ولا الكذب ، فلما أحاط بأهل جهنم أشدُّ الأذى بجميع حواسهم من جراء حرق النار وسقيهم الحميم والغساق لينال العذاب بواطنهم كما نال ظاهر أجسادهم ، كذلك نفى عن أهل الجنة أقل الأذى وهو أذى سماع ما يكرهه الناس فإن ذلك أقل الأذى .وكني عن انتفاء اللغو والكِذّاب عن شاربي خمر الجنة بأنهم لا يسمعون اللغو والكذاب فيها لأنه لو كان فيها لغو وكذب لسمعوه وهذا من باب قول امرىء القيس :على لاَحببٍ لا يهتدى بمناره ... أي لا منار به فيهتدى به ، وهو نوع من لطيف الكناية ، والذي في الآية أحسن مما وقع في بيت امرىء القيس ونحوه لأن فيه إيماء إلى أن أهل الجنة منزهة أسماعهم عن سقط القول وسفل الكلام كما في قوله في سورة الواقعة ( 25 ) { لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً . } واللغو : الكلام الباطل والهذيان وسقط القول الذي لا يورد عن روية ولا تفكير .والكِذَّاب : تقدم معناه آنفاً .وقرأ الجمهور : كِذَّاباً } هنا مشدداً ، وقرأه الكسائي هنا بتخفيف الذال . وانتصب { جزاء } على الحال من { مفازاً } .وأصل الجزاء مصدر جَزَى ، ويطلق على المُجَازى به من إطلاق المصدر على المفعول ، فالجزاءُ هُنا المجازَى به وهو الحدائق والجنات والكواعب والكأس .
الآية 35 - سورة النبإ: (لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا...)