سورة النبإ (78): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة النبإ بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة النبإ مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة النبإ

  • نوع سورة النبإ: مكية
  • عدد الآيات في سورة النبإ: 40
  • ترتيب سورة النبإ في القرآن الكريم: 78
  • ترتيب نزول الوحي: 80
  • اسم السورة باللغة الإنجليزية: The Announcement
  • أرقام الصفحات في القرآن الكريم: من الصفحة 582 إلى 583
  • التفسير: تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

سُورَةُ النَّبَإِ
الصفحة 583 (آيات من 31 إلى 40)

الاستماع إلى سورة النبإ

تفسير سورة النبإ (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Inna lilmuttaqeena mafazan

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) جرى هذا الانتقال على عادة القرآن في تعقيب الإِنذار للمنذَرين بتبشير من هم أهل للتبشير .فانتقل من ترهيب الكافرين بما سيلاقونه إلى ترغيب المتقين فيما أُعدَّ لهم في الآخرة من كرامة ومن سلامة مما وقع فيه أهل الشرك .فالجملة متصلة بجملة { إن جهنّم كانت مرصاداً للطاغين مئاباً } [ النبأ : 21 22 ] وهي مستأنفة استئنافاً ابتدائياً بمناسبة مُقتضِي الانتقال .وافتتاحها بحرف { إنَّ } للدلالة على الاهتمام بالخبر لئلا يشك فيه أحد .والمقصود من المتقين المؤمنون الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا ما أمرهم به واجتنبوا ما نهاهم عنه لأنهم المقصود من مقابلتهم بالطاغين المشركين .والمفاز : مكان الفوز وهو الظفَر بالخير ونيل المطلوب . ويجوز أن يكون مصدراً ميمياً بمعنى الفوز ، وتنوينُه للتعظيم .وتقديم خبر { إن } على اسمها للاهتمام به تنويهاً بالمتقين .والمراد بالمفاز : الجنة ونعيمها . وأوثرت كلمة { مفازاً } على كلمة : الجنة ، لأن في اشتقاقه إثارة الندامة في نفوس المخاطبين بقوله : { فتأتون أفواجاً } [ النبأ : 18 ] وبقوله : { فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً } [ النبأ : 30 ] .وأُبْدل { حدائق } من { مفازاً } بدلَ بعض من كل باعتبار أنه بعض من مكان الفوز ، أو بدل اشتمال باعتبار معنى الفوز .

الترجمة الإنجليزية

Hadaiqa waaAAnaban

حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) والحدائق : جمع حديقة وهي الجنة من النخيل والأشجار ذواتتِ الساق المحوطة بحائط أو جدار أو حضائر .والأعناب : جمع عِنَب وهو اسم يطلق على شَجرة الكَرْم ويطلق على ثمرها .

الترجمة الإنجليزية

WakawaAAiba atraban

وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) والكواعب : جمع كاعِب ، وهي الجارية التي بلغت سن خمس عشرة سنة ونحوها . ووصفت بكاعب لأنها تكَعَّب ثديُها ، أي صار كالكعب ، أي استدار ونتأ ، يقال : كَعَبَتْ من باب قَعَد ، ويقال : كَعَّبت بتشديد العين ، ولما كان كاعب وصفاً خاصاً بالمرأة لم تلحقه هاء التأنيث وجمع على فواعل .والأتراب : جمع تِرب بكسر فسكون : هو المساوي غيره في السِنّ ، وأكثر ما يطلق على الإناث . قيل : هو مشتق من التراب فقيل لأنه حينَ يولد يقع على التراب مِثل الآخر ، أو لأن التِرْب ينشأ مع لِدَته في سنّ الصِّبا يلعب بالتراب .وقيل : مشتق من الترائب تشبيهاً في التساوي بالترائب وهي ضلوع الصدر فإنها متساوية .وتقدم الأتراب في قوله تعالى : { عرباً أتراباً } في الواقعة ( 37 ) ، فيجوز أن يَكون وصفهن بالأتراب بالنسبة بينهن في تساوي السن لزيادة الحسن ، أي لا تفوت واحدة منهن غيرها ، أي فلا تكون النفس إلى إحداهن أميل منها إلى الأخرى فتكون بعضهن أقل مسرة في نفس الرجل .ويجوز أن يكون هذا الوصف بالنسبة بينهن وبين أزواجهن لأن ذلك أحب إلى الرجال في معتاد أهل الدنيا لأنه أوفق بطرح التكلف بين الزوجين وذلك أحلى المعاشرة .

الترجمة الإنجليزية

Wakasan dihaqan

وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) والكأس : إناء معدّ لشرب الخمر وهو اسم مؤنث تكون من زجاج ومن فضة ومن ذهب ، وربما ذكر في كتب اللغة أن الكأس الزجاجة فيها الشرابُ ، ولم أقف على أن لها شكلاً معيّناً يميزها عن القَدَح وعن الكُوب وعن الكوز ، ولم أجد في قواميس اللغة التعريف بالكأس بأنها : إناء الخمر وأنها الإِناء ما دام فيه الشراب .وهذا يقتضي أنها لا تختص بصنف من الآنية .وقد يطلقون على الخمر اسم الكأس وأريد بالكأس الجنس إذا المعنى : وأكؤساً . وعُدل عن صيغة الجمع لأن كأساً بالإفراد أخف من أكؤس وكؤوس ولأن هذا المركّب جرى مجرى المثل كما سيأتي .ودهاق : اسم مصدر دهق من باب جعل أو اسم مصدر أدهق ، ولكونه في الأصل مصدراً لم يقترن بعلامة تأنيث .والدهق والإِدهاق ملء الإِناء من كثرة ما صبّ فيه .ووصفُ الكأس بالدهق من إطلاق المصدر على المفعول كالخلق بمعنى المخلوق فإن الكأس مدهقة لا داهقة .ومركب ( كأس دهاق ) يَجري مجرى المثل قال عِكرمة : قال ابن عباس : سمعتُ أبي في الجاهلية يقول : اسْقِنَا كأساً دِهاقاً ، ولذلك أفرد كأساً ، ومعناه مملوءة خمراً ، أي دون تقتير لأن الخمر كانت عزيزة فلا يكيل الحَانَوِي للشارب إلا بمقدار فإذا كانت الكأس ملأى كان ذلك أسر للشارب .

الترجمة الإنجليزية

La yasmaAAoona feeha laghwan wala kiththaban

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) وقوله : لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً } يجوز أن يكون الضمير المجرور عائداً إلى الكأس ، فتكون ( في ) للظرفية المجازية بتشبيه تناول الندامى للشراب من الكأس بحلولهم في الكأس على طريق المَكْنية ، وحرف ( في ) تخييل أو تكون ( في ) للتعليل كما في الحديث : " دخلت امرأةٌ النارَ في هِرة " الحديث ، أي من أجل هرة . والمعنى : لا يسمعون لغواً ولا كذَّاباً منها أو عندها ، فتكون الجملة صفة ثانية ل«كأساً» . والمقصود منها أن خمر الجنة سليمة مما تسببه خمر الدنيا من آثار العربدة من هذَيان ، وكذب وسباب ، واللغو والكذب من العيوب التي تعرض لمن تَدب الخمر في رؤوسهم ، أي فأهل الجنة ينعمون بلذة السكر المعروفة في الدنيا قَبل تحريم الخمر ولا تأتي الخمر على كمالاتهم النفسية كما تأتي عليها خمر الدنيا .وكان العرب يمدحون من يُمسك نفسه عن اللغو ونحوه في شرب الخمر ، قال عمارة بن الوليد :ولَسْنَا بشرْب أم عَّمرو إذا انتشوا ... ثيابُ الندامَى بينهم كالغنائمولكننا يا أم عمرو نديمُنا ... بمنزلة الرَيَّان ليس بِعَائموكان قيس بن عاصم المنقري ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية وقال :فإن الخمر تفضَح شاربيها ... وتجنيهم بها الأمرَ العظيماويجوز أن يعود ضمير { فيها } إلى { مفازاً } باعتبار تأويله بالجنة لوقوعه في مقابلة { جهنم } من قوله : { إن جهنم كانت مرصاداً } [ النبأ : 21 ] أو لأنه أبدل { حدائق } من { مفازاً } . وهذا المعنى نشأ عن أسلوب نظم الكلام حيث قدم { حدائق وأعناباً } الخ ، وأخّر { وكأساً دهاقاً } حتى إذا جاء ضمير ( فيها ) بعد ذلك جاز إرجاعه إلى الكأس وإلى المفاز كما علمت . وهذا من بديع الإيجاز مع وفرة المعاني مما عددناه من وجوه الإِعجاز من جانب الأسلوب في المقدمة العاشرة من هذا التفسير ، أي لا يسمعون في الجنة الكلام السافِل ولا الكذب ، فلما أحاط بأهل جهنم أشدُّ الأذى بجميع حواسهم من جراء حرق النار وسقيهم الحميم والغساق لينال العذاب بواطنهم كما نال ظاهر أجسادهم ، كذلك نفى عن أهل الجنة أقل الأذى وهو أذى سماع ما يكرهه الناس فإن ذلك أقل الأذى .وكني عن انتفاء اللغو والكِذّاب عن شاربي خمر الجنة بأنهم لا يسمعون اللغو والكذاب فيها لأنه لو كان فيها لغو وكذب لسمعوه وهذا من باب قول امرىء القيس :على لاَحببٍ لا يهتدى بمناره ... أي لا منار به فيهتدى به ، وهو نوع من لطيف الكناية ، والذي في الآية أحسن مما وقع في بيت امرىء القيس ونحوه لأن فيه إيماء إلى أن أهل الجنة منزهة أسماعهم عن سقط القول وسفل الكلام كما في قوله في سورة الواقعة ( 25 ) { لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً . } واللغو : الكلام الباطل والهذيان وسقط القول الذي لا يورد عن روية ولا تفكير .والكِذَّاب : تقدم معناه آنفاً .وقرأ الجمهور : كِذَّاباً } هنا مشدداً ، وقرأه الكسائي هنا بتخفيف الذال . وانتصب { جزاء } على الحال من { مفازاً } .وأصل الجزاء مصدر جَزَى ، ويطلق على المُجَازى به من إطلاق المصدر على المفعول ، فالجزاءُ هُنا المجازَى به وهو الحدائق والجنات والكواعب والكأس .

الترجمة الإنجليزية

Jazaan min rabbika AAataan hisaban

جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)والجزاء : إعطاء شيء عوضاً على عمل . ويجوز أن يجعل الجزاء على أصل معناه المصدري وينتصب على المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعللٍ مقدر . والتقدير : جزيْنا المتقين .وإضافة ربّ إلى ضمير المخاطب مراداً به النبي صلى الله عليه وسلم للإِيماء إلى أن جزاء المتقين بذلك يشتمل على إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لأن إسداء هذه النعم إلى المتقين كان لأجل إيمانهم به وعملهم بما هداهم إليه .و { من } ابتدائية ، أي صادراً من لدن الله ، وذلك تنويه بكرم هذا الجزاء وعظم شأنه .ووصفُ الجزاء بعطاء وهو اسم لم يُعطَى ، أي يتفضل به بدون عوض للإِشارة إلى أن ما جوزوا به أوفرُ مما عملوه ، فكان ما ذكر للمتقين من المفاز وما فيه جزاء شكراً لهم وعطاءً كرماً من الله تعالى وكرامة لهذه الأمة إذ جعل ثوابها أضعافاً .و { حساباً } : اسم مصدر حَسب بفتح السين يحسُب بضمها ، إذا عَدَّ أشياء وجميع ما تصرف من مادة حسب متفرع عن معنى العدّ وتقديرِ المقدار ، فوقع { حساباً } صفة { جزاء } ، أي هو جزاء كثير مقدَّر على أعمالهم .والتنوين فيه للتكثير ، والوصف باسم المصدر للمبالغة وهو بمعنى المفعول ، أي محسوباً مقدراً بحسب أعمالهم ، وهذا مقابل ما وقع في جزاء الطاغين من قوله { جزاء وفاقاً } [ النبأ : 26 ] .وهذا الحساب مجمل هنا يبينه قوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } [ الأنعام : 160 ] وقوله : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللَّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } البقرة ( 261 ) .وليس هذا الحساب للاحتراز عن تجاوز الحد المعيَّن ، فذلك استعمال آخر كما في قوله تعالى : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [ الزمر : 10 ] ولكل آية مقامها الذي يجري عليه استعمال كلماتها فَلا تعارض بين الآيتين .ويجوز أن يكون { حساباً } اسم مصدر أحْسَبَه ، إذا أعطاه ما كفاه ، فهو بمعنى إحساباً ، فإن الكفاية يطلق عليها حَسْب بسكون السين فإنه إذا أعطاه ما كفاه قال : حسبي .

الترجمة الإنجليزية

Rabbi alssamawati waalardi wama baynahuma alrrahmani la yamlikoona minhu khitaban

رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37){ حِسَاباً * رَّبِّ السماوات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا } .قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر برفع { ربُّ } ورفع { الرحمنُ } ، وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب بخفضهما ، وقرأه حمزة والكسائي وخلف بخفض { رب } ورفع { الرحمنُ } ، فأما قراءة رفع الاسمين ف { رب } خبر مبتدأ محذوف هو ضميرٌ يعود على قوله : { من ربك } [ النبأ : 36 ] على طريقة حذف المسند إليه حَذفاً سماه السكاكي حذْفاً لاتباع الاستعمال الوارد على تركه ، أي في المقام الذي يجري استعمال البلغاء فيه على حذف المسند إليه ، وذلك إذا جرى في الكلام وصف ونحوه لموصوف ثم ورد ما يصلح أن يكون خبراً عنه أو أن يكون نعتاً له فيختار المتكلم أن يجعله خبراً لا نعتاً ، فيقدر ضمير المنعوت ويأتي بخبر عنه وهو ما يسمى بالنعت المقطوع .والمعنى : إن ربك هو ربهم لأنه رب السماوات والأرض وما بينهما ولكن المشركين عبدوا غيره جهلاً وكفراً لنعمته . و { الرحمنُ } خبر ثان .وأما قراءة جر الاسمين فهي جارية على أن { رب السموات } نعت ل { ربك } من قوله : { جزاء من ربك } [ النبأ : 36 ] و { الرحمن } نعت ثان .والرب : المالك المتصرف بالتدبير ورعي الرفق والرحمة ، والمراد بالسماوات والأرض وما بينهما مسماها مع ما فيها من الموجودات لأن اسم المكان قد يراد به ساكنه كما في قوله تعالى : { فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها } في سورة الحج ( 45 ) ، فإن الظلم من صفات سكان القرية لا صفة لذاتها ، والخواء على عروشها من أحوال ذات القرية لا من أحوال سكانها ، فكان إطلاق القرية مراداً به كلا المعنيين .والمراد بما بين السماوات والأرض : ما على الأرض من كائنات وما في السماوات من الملائكة وما لا يعلمه بالتفصيل إلا الله وما في الجو من المكونات حية وغيرها من أسحبة وأمطار وموجودات سابحة في الهواء .و { ما } موصولة وهي من صيغ العموم ، وقد استفيد من ذلك تعميم ربوبيته على جميع المصنوعات .وأتبع وصف { رب السموات } بذكر اسم من أسمائه الحسنى ، وهو اسم { الرحمن } وخص بالذكر دون غيره من الأسماء الحسنى لأن في معناه إيماء إلى أن ما يفيضه من خير على المتقين في الجنة هو عطاء رحمان بهم .وفي ذكر هذه الصفة الجليلة تعريض بالمشركين إذ أنكروا اسم الرحمن الوارد في القرآن كما حكى الله عنهم بقوله : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } [ الفرقان : 60 ] .{ الرحمن لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ } .يجوز أن تكون هذه الجملة حالاً من { ما بينهما } لأن ما بين السماوات والأرض يشمل ما في ذلك من المخلوقات العاقلة ، أو المزعوم لها العقل مثل الأصنام ، فيتوهم أن مِن تلك المخلوقات من يستطيع خطاب الله ومراجعته .ويجوز أن تكون استئنافاً ابتدائياً لإبطال مزاعم المشركين أو للاحتراس لدفع توهم أن ما تشعر به صلة رب من الرفق بالمربوبين في تدبير شؤونهم يسيغ إقدامهم على خطاب الرب .والمِلك في قوله : { لا يملكون منه خطاباً } معناه القدرة والاستطاعة لأن المالك يتصرف فيما يملكه حسب رغبته لا رغبة غيره فلا يحتاج إلى إذن غيره .فنفي المِلك نفي للاستطاعة .وقوله : { منه } حال من { خطاباً } . وأصله صفة لخطاب فلما تقدم على موصوفه صار حالاً .وحرف ( مِن ) اتصالية وهي ضرب من الابتدائية فهي ابتدائية مجازية كقوله تعالى : { إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من اللَّه من شيء } [ الممتحنة : 4 ] ف ( مِن ) الأولى اتصالية والثانية لتوكيد النص ، ومنه قولهم : لستُ منك ولستَ مني وقوله تعالى : { ومن يفعل ذلك فليس من اللَّه في شيء } [ آل عمران : 28 ] ، أي لا يستطيعون خطاباً يبلغونه إلى الله .وضمير { لا يملكون } عائد إلى ( ما ) الموصولة في قوله : { وما بينهما } لأنها صادقة على جميعهم .والخطاب : الكلام الموجّه لحاضر لدى المتكلم أو كالحاضر المتضمن إخباراً أو طلباً أو إنشاء مدح أو ذم .وفعل { يملكون } يعمّ لوقوعه في سياق النفي كما تعمّ النكرة المنفية . و { خطاباً } عام أيضاً وكلاهما من العام المخصوص بمخصص منفصل كقوله عقب هذه الآية { لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً } [ النبأ : 38 ] وقوله : { يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه } [ هود : 105 ] وقوله : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } [ البقرة : 255 ] وقوله : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] .والغرض من ذكر هذا إبطالُ اعتذار المشركين حين استشعروا شناعة عبادتهم الأصنام التي شهَّر القرآن بها فقالوا : { هؤلاء شُفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] ، وقالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] .

الترجمة الإنجليزية

Yawma yaqoomu alrroohu waalmalaikatu saffan la yatakallamoona illa man athina lahu alrrahmanu waqala sawaban

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38){ يوم } متعلق بقوله : { لا يملكون منه خطاباً } [ النبأ : 37 ] ، أي لا يتكلم أحد يومئذ إلاّ من أذن له الله .وجملة { لا يتكلمون } مؤكدة لجملة { لا يملكون منه خطاباً } أعيدت بمعناها لتقرير المعنى إذ كان المقام حقيقاً ، فالتقرير لقصد التوصل به إلى الدلالة على إبطال زعم المشركين شفاعة أصنامهم لهم عند الله ، وهي دلالة بطريق الفحوى فإنه إذا نُفي تكلمهم بدون إذن نفيت شفاعتهم إذ الشفاعة كلام مَن له وجاهة وقبول عند سامعه .وليبنى عليها الاستثناء لبُعد ما بين المستثنَى والمستثنى منه بمتعلقات { يملكون } [ النبأ : 37 ] من مجرور ومفعول به ، وظرففٍ ، وجملةٍ أضيف لها .وضمير { يتكلمون } عائد إلى ما عاد إليه ضمير { يملكون } .والقول في تخصيص { لا يتكلمون } مثل القول في تخصيص { لا يملكون منه خطاباً } [ النبأ : 37 ] وقوله : { إلا من أذن له الرحمن } [ طه : 109 ] استثناء من ضمير { لا يتكلمون } وإذ قد كان مؤكداً لضمير { لا يملكون } فالاستثناء منه يفهم الاستثناء من المؤكَّد به .والقيام : الوقوف وهو حالة الاستعداد للعمل الجِد وهو من أحوال العبودية الحق التي لا تُستحق إلا لله تعالى . وفي الحديث : « من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار » أي لأن ذلك من الكبرياء المختصة بالله تعالى .والرُّوح : اختلف في المراد منه اختلافاً أثاره عطف الملائكة عليه فقيل هو جبريل .وتخصيصه بالذكر قبل ذكر الملائكة المعطوف عليه لتشريف قدره بإبلاغ الشريعة ، وقيل المراد : أرواح بني آدم .واللام لتعريف الجنس : فالمفرد معها والجمع سواء . والمعنى : يومَ تُحْضَر الأرواح لتودع في أجسادها ، وعليه يكون فعل { يقوم } مستعملاً في حقيقته ومجازه .و { الملائكة } عطف على { الروح } ، أي ويَقوم الملائكة صفّاً .والصف اسم للأشياء الكائنة في مكان يجانبُ بعضُها بعضاً كالخط . وقد تقدم في قوله تعالى : { ثم ائتُوا صفاً } في سورة طه ( 64 ) ، وفي قوله : { فاذكروا اسم اللَّه عليها صواف } في سورة الحج ( 36 ) ، وهو تسمية بالمصدر من إطلاق المصدر على اسم الفاعل ، وأصله للمبالغة ثم صار اسماً ، وإنما يصطف الناس في المقامات التي يكون فيها أمر عظيم فصفّ الملائكة تعظيم لله وخضوع له .والإذن : اسم للكلام الذي يفيد إباحةَ فعل للمأذون ، وهو مشتق من : أَذِن له ، إذا استمع إليه قال تعالى : { وأذنت لربها وحقت } [ الأنشقاق : 2 ] ، أي استمعت وأطاعت لإِرادة الله . وأذِن : فعل مشتق من اسم الأذْن وهي جارحة السمع ، فأصل معنى أذِنَ له : أمال أذنَه ، أي سَمْعَه إليه يقال : أذن يأذَن أذناً كفَرح ، ثم استعمل في لازم السمع وهو الرضى بالمسموع فصار أذِنَ بمعنى رضي بما يطلب منه أو ما شأنه أن يطلب منه ، وأباحَ فعله ، ومصدره إذن بكسر الهمزة وسكون الذال فكأنّ اختلاف صيغة المصدرين لقصد التفرقة بين المعنيين .ومتعلق { أذن } محذوف دل عليه { لا يتكلمون } ، أي من أذن له في الكلام .ومعنى أذْن الرحمان : أن من يريد التكلم لا يستطيعُه أو تعتريه رهبة فلا يُقدم على الكلام حتى يستأذن الله فأذن له ، وإنما يستأذنه إذا ألهمه الله للاستئذان فإن الإِلهام إذن عند أهل المكاشفات في العامل الأخروي فإذا ألقى الله في النفس أن يستأذن استأذن الله فأذن له كما ورد في حديث الشفاعة من إحجام الأنبياء عن الاستشفاع للناس حتى يأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم قال في الحديث : « فأَنْطَلِقُ فآتِي تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل ثم يفتح الله عليَّ من محامد وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقول : ارفع رأسك واشْفع تُشفَّع » .وقد أشار إلى هذا قوله تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] ، أي لمن علموا أن الله ارتضى قبول الشفاعة فيه وهم يعلمون ذلك بإلهام هو من قبيل الوحي لأن الإِلهام في ذلك العالم لا يعتريه الخطأ .وجملة { وقال صواباً } يجوز أن تكون في موضع الحال من اسم الموصول ، أي وقد قال المأذون له في الكلام { صواباً } ، أي بإذن الله له في الكلام إذا علم أنه سيتكلم بما يرضي الله .ويجوز أن تكون عطفاً على جملة { أذن له الرحمن } ، أي وإلا من قال صواباً فعُلم أن من لا يقول الصواب لا يؤذَن له .وفعل { وقال صواباً } مستعمل في معنى المضارع ، أي ويقول صواباً ، فعبر عنه بالماضي لإفادة تحقق ذلك ، أي في علم الله .وإطلاق صفة { الرحمن } على مقام الجَلالة إيماء إلى أن إذن الله لمن يتكلم في الكلام أثر من آثار رحمته لأنه أذن فيما يحصل به نفع لأهل المحشر من شفاعة أو استغفار .

الترجمة الإنجليزية

Thalika alyawmu alhaqqu faman shaa ittakhatha ila rabbihi maaban

ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا (39)استئناف ابتدائي كالفذلكة لما تقدم من وعيد ووَعد ، إنذار وتبشير ، سيق مساق التنويه ب { يوم الفصل } [ النبأ : 17 ] الذي ابتدىء الكلام عليه من قوله : { إن يوم الفصل كان ميقاتاً } [ النبأ : 17 ] . والمقصود التنويه بعظيم ما يقع فيه من الجزاء بالثواب والعقاب وهو نتيجة أعمال الناس من يوم وجود الإِنسان في الأرض .فوصف اليوم بالحق يجوز أن يراد به الثابت الواقع كما في قوله تعالى : { وإن الدين لواقع } [ الذاريات : 6 ] قوله آنفاً : { إن يوم الفصل كان ميقاتاً } ، فيكون { الحق } بمعنى الثابت مثل ما في قوله تعالى : { واقترب الوعد الحق } [ الأنبياء : 97 ] .ويجوز أن يراد بالحق ما قابل الباطل ، أي العدلُ وفصلُ القضاء فيكون وصف اليوم به على وجه المجاز العقلي إذ الحق يقع فيه واليوم ظرف له قال تعالى : { يوم القيامة يفصل بينكم } [ الممتحنة : 3 ] .ويجوز أن يكون الحق بمعنى الحقيق بمسمى اليوم لأنه شاع إطلاق اسم اليوم على اليوم الذي يكون فيه نصر قبيلة على أخرى مثل : يوممِ حليمة ، ويوم بُعَاث . والمعنى : ذلك اليوم الذي يحق له أن يقال : يوم ، وليس كأيام انتصار الناس بعضهم على بعض في الدنيا فيكون كقوله تعالى : { ذلك يوم التغابن } [ التغابن : 9 ] ، فهو يوم انتقام الله من أعدائه الذين كفروا نعمته وأشركوا به عبيده في الإلهية ويكون وصف الحق بمثل المعنى الذي في قوله تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به } [ البقرة : 121 ] ، أي التلاوة الحقيقة باسم التلاوة وهي التلاوة بفهم معاني المتلوّ وأغراضه .والإِشارة بقوله : { ذلك } إلى اليوم المتقدم في قوله : { إن يوم الفصل كان ميقاتاً } [ النبأ : 17 ] . ومفاد اسم الإشارة في مثل هذا المقام التنبيه على أن المشار إليه حقيق بما سيوصف به بسبب ما سبق من حكاية شؤونه كما في قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] بعد قوله : { هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } إلى قوله : { وبالآخرة هم يوقنون } [ البقرة : 2 4 ] ، فلأجل جميع ما وصف به { يوم الفصل } كان حقيقاً بأن يوصف بأنه { اليوم الحق } وما تفرع عن ذلك من قوله : { فمن شاء اتخذ إلى ربه مئاباً } .وتعريف { اليوم } باللام للدلالة على معنى الكمال ، أي هو الأعظم من بين ما يعده الناس من أيام النصر للمنتصرين لأنه يوم يجمع فيه الناس كلهم ويعطى كل واحد منهم ما هو أهله من خير أو شر فكأنَّ ما عداه من الأيام المشهورة في تاريخ البشر غير ثابت الوقوع .وفرّع عليه { فمن شاء اتخذ إلى ربه مئاباً } بفاء الفصيحة لإفصاحها عن شرط مقدر ناشىء عن الكلام السابق . والتقدير : فإذا علمتم ذلك كله فمن شاء اتخاذ مآب عند ربه فليتخذه ، أي فقد بان لكم ما في ذلك اليوم من خير وشر فليختر صاحب المشيئة ما يليق به للمصير في ذلك اليوم .والتقدير : مآباً فيه ، أي في اليوم .وهذا التفريع من أبدع الموعظة بالترغيب والترهيب عند ما تَسْنَحُ الفرصة للواعظ من تهيُّؤ النفوس لقبول الموعظة .والاتخاذ : مبالغة في الأخذ ، أي أخَذَ أخْذاً يشبه المطاوعة في التمكن ، فالتاء فيه ليست للمطاوعة الحقيقية بل هي مجاز وصَارت بمنزلة الأصلية .والاتخاذ : الاكتساب والجَعْل ، أي ليقتن مكاناً بأن يؤمنَ ويعمل صالحاً لينال مكاناً عند الله لأنّ المآب عنده لا يكون إلا خيراً .فقوله : { إلى ربه } دل على أنه مآب خير لأن الله لا يرضى إلا بالخير .والمآب يكون اسم مَكان من آب ، إذا رجع فيطلق على المسكن لأن المرء يؤوب إلى مسكنه ، ويكون مصدراً ميمياً وهو الأوب ، أي الرجوع كقوله تعالى : { إليه أدعو وإليه مآب } [ الرعد : 36 ] ، أي رجوعي ، أي فليجعل أوْباً مناسباً للقاء ربه ، أي أوْباً حسناً .

الترجمة الإنجليزية

Inna antharnakum AAathaban qareeban yawma yanthuru almaro ma qaddamat yadahu wayaqoolu alkafiru ya laytanee kuntu turaban

إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40){ مَھَاباً * إِنَّآ أنذرناكم عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ } .اعتراض بين { مئاباً } [ النبأ : 39 ] وبين { يوم ينظر المرء ما قدمت يداه } كيفما كان موقع ذلك الظرف حسبما يأتي .والمقصود من هذه الجملة الإِعذار للمخاطبين بقوارع هذه السورة بحيث لم يبق بينهم وبين العلم بأسباب النجاة وضدها شُبهةٌ ولا خفاء .فالخبر وهو { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً } مستعمل في قطع العذر وليس مستعملاً في إفادة الحكم لأن كون ما سبق إنذاراً أمر معلوم للمخاطبين . وافتُتح الخبر بحرف التأكيد للمبالغة في الإِعذار بتنزيلهم منزلة من يتردد في ذلك .وجُعل المسند فعلاً مسنداً إلى الضمير المنفصل لإفادة تقوّي الحكم ، مع تمثيل المتكلم في مَثَل المتبرىء من تبعه ما عسى أن يلحق المخاطبين من ضرَ إن لم يأخذوا حذرهم مما أنذرهم به كما يقول النذير عند العرب بعد الإِنذار بالعدوّ «أنا النذير العريان» .والإِنذار : الإِخبار بحصول ما يسوء في مستقبل قريب .وعُبر عنه بالمضي لأن أعظم الإِنذار قد حصل بما تقدم من قوله : { إن جهنم كانت مرصاداً للطاغين مئاباً } إلى قوله : { فلن نزيدكم إلا عذاباً } [ النبأ : 21 30 ] .وقرب العذاب مستعمل مجازاً في تحققه وإلا فإنه بحسب العرف بعيد ، قال تعالى : { إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً } [ المعارج : 6 ، 7 ] ، أي لتحققه فهو كالقريب على أن العذاب يصدق بعذاب الآخرة وهو ما تقدم الإِنذار به ، ويصدق بعذاب الدنيا من القتل والأسر في غزوات المسلمين لأهل الشرك . وعن مقاتل : هو قَتْل قريش ببدر . ويشمل عذاب يوم الفتح ويوم حنين كما ورد لفظ العذاب لذلك في قوله تعالى : { يعذبهم اللَّه بأيديكم } [ التوبة : 14 ] وقوله : { وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك } [ الطور : 47 ] .{ قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الكافر ياليتنى كُنتُ } .يجوز أن يتعلق بفعلِ : { اتخذ إلى ربه مئاباً } [ النبأ : 39 ] فيكون { يوم ينظر } ظرفاً لغْواً متعلقاً ب { أنذرناكم } .ويجوز أن يكون بدلاً من { يوم يقوم الروح والملائكة صفاً } [ النبأ : 38 ] لأن قيام الملائكة صفّاً حضور لمحاسبة الناس وتنفيذ فصل القضاء عليهم وذلك حين ينظر المرء ما قدمت يداه ، أي ما عمله سالفاً فهو بدل من الظرف تابع له في موقعه .وعلى كلا الوجهين فجملة { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً } معترضة بين الظرف ومتعلقه أو بينه وبين ما أبدل منه .والمرء : اسم للرجل إذ هو اسم مؤنثُه امرأة .والاقتصار على المرء جَريٌ على غالب استعمال العرب في كلامهم ، فالكلام خرج مخرج الغالب في التخاطب لأن المرأة كانت بمعزل عن المشاركة في شؤون ما كان خارجَ البيت .والمراد : ينظر الإِنسان من ذكر أو أنثى ، ما قدمت يداه ، وهذا يعلم من استقراء الشريعة الدال على عموم التكاليف للرجال والنساء إلا ما خُص منها بأحد الصنفين لأن الرجل هو المستحضَر في أذهان المتخاطبين عند التخاطب .وتعريف { المرء } للاستغراق مثل { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ العصر : 2 3 ] .وفعل { ينظر } يجوز أن يكون من نظر العين أي البصر ، والمعنى : يوم يرى المرء ما قدمته يداه . ومعنى نظر المرء ما قدمت يداه : حصول جزاء عمله له ، فعبر عنه بالنظر لأن الجزاء لا يخلو من أن يكون مرئياً لِصاحِبِه من خير أو شر ، فإطلاق النظر هنا على الوجدان على وجه المجاز المرسل بعلاقة الإِطلاق ونظيره قوله تعالى : { ليروا أعمالهم } [ الزلزلة : 6 ] ، وقد جاءت الحقيقة في قوله تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً } [ آل عمران : 30 ] الآية ، و ( ما ) موصولة صلتها جملة { قدمت يداه } .ويجوز أن يكون مِن نظر الفكر ، وأصله مجاز شاع حتى لحق بالمعاني الحقيقية كما يقال : هو بخير النظرين . ومنه التَنظُّر : توقُع الشيء ، أي يوم يترقب ويتأمل ما قدمت يداه ، وتكون ( ما ) على هذا الوجه استفهامية وفعل { ينظر } معلقاً عن العمل بسبب الاستفهام ، والمعنى : ينظر المرء جوابَ من يسأل : ما قدمت يداه؟ويجوز أن يكون من الانتظار كقوله تعالى : { هل ينظرون إلاَّ تأويله } [ الأعراف : 53 ] .وتعريف { المرء } تعريف الجنس المفيد للاستغراق .والتقديم : تسبيق الشيء والابتداء به .و { ما قدمت يداه } هو ما أسلفه من الأعمال في الدنيا من خير أو شر فلا يختص بما عمله من السيئات فقد قال تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء } [ آل عمران : 30 ] الآية .وقوله : { ما قدمت يداه } إما مجاز مرسل بإطلاق اليدين على جميع آلات الأعمال وإما أن يَكون بطريقة التمثيل بتشبيه هيئة العامل لأعماله المختلفة بهيئة الصانع للمصنوعات بيديه كما قالوا في المثل : «يَداك أوْكَتا» ولو كان ذلك على قول بلسانه أو مشي برجليه .ولا يحسن أن يجعل ذكر اليدين من التغليب لأن خصوصية التغليب دون خصوصية التمثيل .وشمل { ما قدمت يداه } الخير والشر .وخُص بالذكر من عموم المرء الإِنسانُ الكافر الذي يقول : { يا ليتني كنت تراباً } لأن السورة أقيمت على إنذار منكري البعث فكان ذلك وجه تخصيصه بالذكر ، أي يوم يتمنى الكافر أنه لم يخلق من الأحياء فضلاً عن أصحاب العقول المكلفين بالشرائع ، أي يتمنى أن يكون غير مدرك ولا حسّاس بأن يكون أقل شيء مما لا إدراك له وهو التراب ، وذلك تلهف وتندم على ما قدمت يداه من الكفر .وقد كانوا يقولون : { أئذا كنا عظاماً ورفاتاً إنا لمبعوثون } [ الإسراء : 98 ] فجعل الله عقابهم بالتحسر وتمني أن يكونوا من جنس التراب .وذكر وصف الكافر يفهم منه أن المؤمن ليس كذلك لأن المؤمن وإن عمل بعض السيئات وتوقع العقاب على سيئاته فهو يرجو أن تكون عاقبته إلى النعيم وقد قال الله تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً }[ آل عمران : 30 ] وقال : { ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } [ الزلزلة : 6 8 ] ، فالمؤمنون يرون ثواب الإيمان وهو أعظم ثواب ، وثواب حسناتهم على تفاوتهم فيها ويرجون المصير إلى ذلك الثواب وما يرونه من سيئاتهم لا يطغى على ثواب حسناتهم ، فهم كلهم يرجون المصير إلى النعيم ، وقد ضرب الله لهم أو لمن يقاربهم مثلاً بقوله : { وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون } [ الأعراف : 46 ] على ما في تفسيرها من وجوه .وهذه الآية جامعة لما جاء في السورة من أحوال الفريقين وفي آخرها رد العجز على الصدر من ذكر أحوال الكافرين الذين عُرِّفوا بالطاغين وبذلك كان ختام السورة بها براعة مقطع .
583