سورة المائدة: الآية 16 - يهدي به الله من اتبع...

تفسير الآية 16, سورة المائدة

يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِۦ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ

الترجمة الإنجليزية

Yahdee bihi Allahu mani ittabaAAa ridwanahu subula alssalami wayukhrijuhum mina alththulumati ila alnnoori biithnihi wayahdeehim ila siratin mustaqeemin

تفسير الآية 16

يهدي الله بهذا الكتاب المبين من اتبع رضا الله تعالى، طرق الأمن والسلامة، ويخرجهم بإذنه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ويوفقهم إلى دينه القويم.

«يهدي به» أي بالكتاب «الله من اتبع رضوانه» بأن آمن «سبل السلام» طرق السلامة «ويخرجهم من الظلمات» الكفر «إلى النور» الإيمان «بإذنه» بإرادته «ويهديهم إلى صراط مستقيم» دين الإسلام.

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ْ أي: يهدي به من اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله، وصار قصده حسنا -سبل السلام التي تسلم صاحبها من العذاب، وتوصله إلى دار السلام، وهو العلم بالحق والعمل به، إجمالا وتفصيلا. وَيُخْرِجُهُم مِّن ْ ظلمات الكفر والبدعة والمعصية، والجهل والغفلة، إلى نور الإيمان والسنة والطاعة والعلم، والذكر. وكل هذه الهداية بإذن الله، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ْ

فقال " يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام "أي : طرق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة ( ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) أي : ينجيهم من المهالك ، ويوضح لهم أبين المسالك فيصرف عنهم المحذور ، ويحصل لهم أنجب الأمور ، وينفي عنهم الضلالة ، ويرشدهم إلى أقوم حالة .

ثم بين- سبحانه- الغاية من رسالته صلّى الله عليه وسلّم فقال- تعالى- يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ.والضمير في قوله بِهِ يعود إلى مجموع ما ذكر، أو إلى الكتاب المبين باعتباره أقرب مذكور وسُبُلَ جمع سبيل بمعنى طريق. والسَّلامِ مصدر بمعنى السلامة.والمعنى: قد جاءكم- يا معشر أهل الكتاب- من الله نور وكتاب مبين. يهدى الله- تعالى- بذلك أو بالكتاب مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ أى: من علم- سبحانه- منه أنه يريد اتباع ما يرضي بأن يخلص له العبادة ويستجيب للحق الذي أرسل به أنبياءه فإنه متى كان كذلك، أوصله- سبحانه- إلى سُبُلَ السَّلامِ أى: إلى طرق السلامة والنجاة من كل خوف وشقاء، بأن يثبته في الدنيا على طريق الحق، ويكرمه في الآخرة بمثوبته وجنته هذه هي الثمرة الأولى من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من نور وكتاب مبين. أما الثمرة الثانية فقد بينها- سبحانه- بقوله: وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ.والضمير المنصوب في قوله وَيُخْرِجُهُمْ وهو هم يعود إلى مَنِ في قوله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ باعتبار المعنى.أى: ويخرج- سبحانه- هؤلاء الأخيار الذين علم منهم اتباع ما يرضيه يخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الحق والإيمان بِإِذْنِهِ أى: بإرادته وعلمه.وقوله: وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بيان للثمرة الثالثة من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من حق وخير.أى: ويهدى- سبحانه- هؤلاء الذين علم منهم اتباع ما يرضيه إلى صراط مستقيم، وطريق قويم لا اعوجاج فيه ولا اضطراب، وهو طريق الإسلام الذي يوصل إلى الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد دعتا أهل الكتاب إلى اتباع الحق الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم من عند الله، بأوضح أسلوب، وأكمل بيان، وبينتا لهم ما يترتب على اتباعه صلّى الله عليه وسلّم من منافع جليلة، وفوائد عظيمة تجعلهم يسارعون إلى تصديقه إن كانوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.وبعد أن أرشد- سبحانه- أهل الكتاب إلى الطريق القويم الذي يجب عليهم أن يسلكوه، عقب ذلك ببيان ما عليه النصارى من ضلال وبطلان فقال:

( يهدي به الله من اتبع رضوانه ) رضاه ، ( سبل السلام ) قيل : السلام هو الله عز وجل ، وسبيله دينه الذي شرع لعباده ، وبعث به رسله ، وقيل : السلام هو السلامة ، كاللذاذ واللذاذة بمعنى واحد ، والمراد به طرق السلامة ، ( ويخرجهم من الظلمات إلى النور ) أي : من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ( بإذنه ) بتوفيقه وهدايته ، ( ويهديهم إلى صراط مستقيم ) وهو الإسلام .

يهدي به الله من اتبع رضوانه أي : ما رضيه الله . سبل السلام طرق السلامة الموصلة إلى دار السلام المنزهة عن كل آفة ، والمؤمنة من كل مخافة ; وهي الجنة ، وقال الحسن والسدي : السلام الله عز وجل ; فالمعنى دين الله - وهو الإسلام - كما قال : إن الدين عند الله الإسلام . ويخرجهم من الظلمات إلى النور أي : من ظلمات الكفر والجهالات إلى نور الإسلام والهدايات . بإذنه أي : بتوفيقه وإرادته .

القول في تأويل قوله عز ذكره : يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِقال أبو جعفر: يعني عز ذكره: يهدي بهذا الكتاب المبين الذي جاء من الله جل جلاله= ويعني بقوله: " يهدي به الله "، يرشد به الله ويسدِّد به، (16) = و " الهاء " في قوله: " به " عائدة على " الكتاب "=" من اتبع رضوانه "، يقول: من اتبع رِضَى الله. (17)* * *واختلف في معنى " الرضى " من الله جل وعز.فقال بعضهم: الرضى منه بالشيء "، القبول له والمدح والثناء. قالوا: فهو قابل الإيمان، ومُزَكّ له، ومثنٍ على المؤمن بالإيمان، وواصفٌ الإيمانَ بأنه نور وهُدًى وفصْل. (18)* * *وقال آخرون: معنى " الرضى " من الله جل وعز، معنى مفهوم، هو خلاف السخط، وهو صفة من صفاته على ما يعقل من معاني: " الرضى " الذي هو خلاف السخط، وليس ذلك بالمدح، لأن المدح والثناء قولٌ، وإنما يثنى ويمدح ما قد رُضِي. قالوا: فالرضا معنًى، و " الثناء " و " المدح " معنًى ليس به.* * *ويعني بقوله: " سُبُل السلام "، طرق السلام (19) = و " السلام "، هو الله عزَّ ذكره.11612 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " من اتبع رضوانه سبل السلام "، سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وابتعث به رسله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملا إلا به، لا اليهودية، ولا النصرانية، ولا المجوسية.* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِقال أبو جعفر: يقول عز ذكره: يهدي الله بهذا الكتاب المبين، من اتبع رضوان الله إلى سبل السلام وشرائع دينه=" ويخرجهم "، يقول: ويخرج من اتبع رضوانه= و " الهاء والميم " في: " ويخرجهم " إلى من ذُكر=" من الظلمات إلى النور "، يعني: من ظلمات الكفر والشرك، إلى نور الإسلام وضيائه (20) =" بإذنه "، يعني: بإذن الله جل وعز. و " إذنه في هذا الموضع: تحبيبه إياه الإيمان برفع طابَع الكفر عن قلبه، وخاتم الشرك عنه، وتوفيقه لإبصار سُبُل السّلام. (21)* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)قال أبو جعفر: يعني عز ذكره بقوله: " ويهديهم "، ويرشدهم ويسددهم (22) =" إلى صراط مستقيم "، يقول: إلى طريق مستقيم، وهو دين الله القويم الذي لا اعوجاج فيه. (23)----------------------الهوامش :(16) انظر تفسير"يهدي" فيما سلف من فهارس اللغة.(17) انظر تفسير"الرضوان" فيما سلف 6: 262/9: 480.(18) في المطبوعة والمخطوطة: "وفضل" بالضاد المعجمة ، و"الفصل" هنا هو حق المعنى ، لأنه يفصل بين الحق والباطل.(19) انظر تفسير"سبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.(20) انظر تفسير"من الظلمات إلى النور" فيما سلف 5: 424-426.(21) انظر تفسير"الإذن" فيما سلف 8: 516 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(22) انظر تفسير"يهدي" في فهارس اللغة.(23) انظر تفسير"الصراط المستقيم" فيما سلف 8: 529 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

وضمير { به } راجع إلى الرسول أو إلى الكتاب المبين .وسُبلُ السلام : طرق السلامة الّتي لا خوف على السائر فيها . وللعرب طرق معروفة بالأمن وطرق معروفة بالمخافة ، مثل وادي السباع ، الذي قال فيه سُحيم بن وثيل الرياحي :ومررتُ على وادي السباع ولا أرى ... كوادِي السباع حين يُظلِم وادِياأقَلّ به ركبٌ أتوهَ تَئِيَّةً ... وأخوفَ إلاّ ما وقى اللّهُ ساريافسبيل السلام استعارة لطرق الحقّ . والظلماتُ والنّور استعارة للضلال والهدى . والصراط المستقيم مستعار للإيمان .
الآية 16 - سورة المائدة: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم...)