سورة المائدة (5): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة المائدة بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة المائدة مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة المائدة

سُورَةُ المَائـِدَةِ
الصفحة 110 (آيات من 14 إلى 17)

وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذْنَا مِيثَٰقَهُمْ فَنَسُوا۟ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَيَعْفُوا۟ عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَٰبٌ مُّبِينٌ يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِۦ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ
110

الاستماع إلى سورة المائدة

تفسير سورة المائدة (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Wamina allatheena qaloo inna nasara akhathna meethaqahum fanasoo haththan mimma thukkiroo bihi faaghrayna baynahumu alAAadawata waalbaghdaa ila yawmi alqiyamati wasawfa yunabbiohumu Allahu bima kanoo yasnaAAoona

وقوله- تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى معطوف على قوله قبل ذلك: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ.ونسب- سبحانه- تسميتهم نصارى إلى أنفسهم فقال: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى جمع نصران كندامى جمع ندمان، ولم يستعمل نصران إلا بياء النسب. وقد صارت كلمة نصراني لكل من اعتنق المسيحية.وقد سموا بذلك لدعواهم أنهم أنصار عيسى على أعدائهم. أو نسبة إلى بلدة الناصرة التي فيها نشأ عيسى- عليه السلام- وأعلن دعوته للناس.والمعنى: وكما أخذنا على بنى إسرائيل الميثاق بأن يعبدوا الله وحده ويطيعوا أنبياءه، ويستجيبوا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم الذي بشرت به الكتب السماوية، فقد أخذنا- أيضا- من الذين قالوا إنا نصارى الميثاق بذلك، ولكنهم كان شأنهم في الكفر ونقض العهود كشأن اليهود، إذ ترك هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى قدرا كبيرا، ونصيبا عظيما مما ذكروا به على لسان عيسى عليه السلام- فقد أمرهم بتوحيد الله، وبشرهم بظهور رسول من بعده هو محمد صلّى الله عليه وسلّم ودعاهم إلى الإيمان به، ولكنهم استحبوا الكفر على الإيمان، فكان دأبهم كدأب بنى إسرائيل في العناد والضلال.ونسب- سبحانه- تسميتهم نصارى إلى أنفسهم فقال: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ولم يقل: «ومن النصارى» للإشارة إلى أن ادعاءهم النصرانية وهي الدين الذي جاء به عيسى.إنما هو قول يقولونه بأفواههم دون أن يتبعوه بقلوبهم إذ لو كانوا متبعين حقا لما جاء به عيسى عليه السلام- لأقروا لله- تعالى- بالوحدانية ولآمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم الذي بشر به عيسى- عليه السلام-.وإلى هذا المعنى أشار- صاحب الكشاف بقوله: فإن قلت: فهلا قيل: ومن النصارى؟قلت: لأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله، وهم الذين قالوا لعيسى: نحن أنصار الله. ثم اختلفوا بعد: نسطورية، ويعقوبية، وملكانية، أنصارا للشيطان».وقوله- تعالى: وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ بيان لما حدث منهم بعد أخذ الميثاق.أى: أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم على أن يعبدوا الله وحده ويطيعوا أنبياءه ورسله ولكنهم لم يكونوا أوفياء بعهودهم، بل تركوا نصيبا كبيرا مما أمروا بفعله ومما ذكروا به على لسان المسيح عيسى بن مريم. والمراد بالنسيان هنا الترك والإهمال عن تعمد وقصد، لأن الناسي حقيقة لا يؤاخذه الله- تعالى-:والإتيان بالفاء في قوله: فَنَسُوا للإشارة إلى أن تركهم لما أخذ عليهم من ميثاق، كان عن تعجل وعدم تمهل بسبب استيلاء الأهواء والشهوات على نفوسهم.والتنكير في قوله تعالى: حَظًّا للتهويل والتكثير. أى تركوا نصيبا كبيرا مما أمرتهم به شريعتهم من وجوب اتباعهم للحق وإيمانهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم عند ظهوره فكان تركهم لهذا النصيب العظيم مما ذكروا به سببا في ضلالهم وسوء عاقبتهم.قال بعض العلماء: «وسبب نسيان حظ أى نصيب كبير مما ذكروا به، هو اضطهاد النصارى اضطهادا شديدا في عهد الرومان حتى ضاعت كتبهم ولم يعرف شيء منها إلا قليل غير سليم بعد مائتي سنة من ترك المسيح هذه الدنيا. وما ظهرت هذه الأناجيل التي يتدارسونها- ولا يزالون يغيرون ويبدلون فيها على حسب الطبعات المختلفة- إلا بعد أن دخل قسطنطين أمبراطور الرومان في المسيحية، وغير وبدل في مجمع نيقية الذي انعقد في سنة 325 ميلادية.وقد ذهب لب الديانة وهو التوحيد» .وقوله: فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ وعيد شديد لهم بسبب تركهم لما أرشدوا إليه، ولما ذكروا به.فالفاء في قوله- تعالى- فَأَغْرَيْنا للسببية وأغرينا أى: ألقينا وهيجنا وألصقنا. يقال:أغريت فلانا بكذا حتى أغرى به، أى: ألزمته به وألصقته وأصل ذلك من الغراء وهو ما يلتصق به الشيء.وقوله: بَيْنَهُمُ ظرف لأغرينا. والضمير فيه يعود إلى فرق النصارى المتعددة عند جمهور المفسرين.والمعنى: بسبب ترك هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى لما ذكروا به فرقناهم شيعا وأحزابا وجعلنا كل فرقة منهم تعادى الأخرى وتبغضها إلى يوم القيامة.ويرى بعضهم أن الضمير في قوله: بَيْنَهُمُ تعود إلى اليهود والنصارى، فيكون المعنى:بسبب ما عليه الطائفتان من عناد وضلال، ألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، فهم في عداوة شديدة، وكراهية مستحكمة.وقد رجح ابن جرير عودة الضمير إلى فرق النصارى فقال:وأولى التأويلين بالآية عندي: ما قاله الربيع بن أنس وغيره. وهو أن المعنى بالإغراء بينهم:النصارى في هذه الآية خاصة وأن الهاء والميم عائدتان على النصارى، دون اليهود، لأن ذكر الإغراء في خبر الله عن النصارى بعد تقضى خبره عن اليهود، وبعد ابتداء خبره عن النصارى، فلأن يكون ذلك معنيا به النصارى خاصة. أولى من أن يكون معنيا به الحزبان جميعا لما ذكرناه»وقال ابن كثير: قوله- تعالى-: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أى: فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضا، ولا يزالون كذلك إلى يوم قيام الساعة. وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكفر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، فكل فرقة تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها.فالملكانية تكفر اليعقوبية، وكذلك الآخرون. وكذلك النسطورية الآريوسية كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد» .والذي تطمئن إليه النفس أن قوله- تعالى- فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يشمل ما بين اليهود والنصارى من عداوة ظاهرة مستحكمة يراها الرائي في كل العصور والأزمان، كما يشمل ما بين فرق النصارى من اختلاف وتباغض وتقاتل بسبب عقائدهم الزائغة وأهوائهم الفاسدة. وما نراه من تصارع وتقاتل بين طائفتى الكاثوليك والبروستانت في. إيرلاندا وفي غيرها خير شاهد على صدق القرآن الكريم، وأنه من عند الله- عز وجل- وقوله- تعالى: وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ بيان لسوء عاقبتهم في الآخرة بعد بيان ما حكم به عليه في الدنيا من عداوة وبغضاء. وسَوْفَ هنا لتأكيد الخبر وتقويته وبيان أنه وإن تأخر آت لا محالة.والمعنى: لقد ألقينا العداوة والبغضاء بين هذه الطوائف الضالة وسوف يخبرهم الله في الآخرة بما كانوا يصنعونه من كتمان الحق، ومخالفة للرسل، وانغماس في الباطل، وسيجازيهم على كل ذلك بما يستحقون من عذاب شديد.وبعد أن بين- سبحانه- بعض الرذائل التي انغمس فيها اليهود والنصارى. وجه إليهم نداء دعاهم فيه إلى الدخول في الدين الحق الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم فقال: تعالى:

الترجمة الإنجليزية

Ya ahla alkitabi qad jaakum rasooluna yubayyinu lakum katheeran mimma kuntum tukhfoona mina alkitabi wayaAAfoo AAan katheerin qad jaakum mina Allahi noorun wakitabun mubeenun

والمعنى: يا أَهْلَ الْكِتابِ من اليهود والنصارى قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا محمد صلّى الله عليه وسلّم يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ أى: يظهر لكم كثيرا من الأحكام والمسائل التي ذكرتها كتبكم وكتمتموها عن الناس، كإخفائكم صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم التي تجدونها في التوراة والإنجيل وكتمانكم ما جاء فيها من بشارات تبشر به. وغير ذلك من الأحكام التي أخفاها علماؤكم عن العامة، وتولى الرسول صلّى الله عليه وسلّم إعلانها إظهارا للحق، ووضعا للأمور في نصابها.وقوله: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ أى: يعرض ولا يظهر كثيرا مما كنتم تخفونه، لأنه لا ضرورة تدعو إلى بيانه، ولا فائدة تعود على الناس من وراء إظهاره، ففي السكوت عنه رحمة بكم، وصيانة لكم عن الافتضاح والمؤاخذة.يقال: عفا عن المذنب، أى: ستر عنه ذنبه فلم يعاقبه عليه.والمراد بالكتاب في قوله يا أَهْلَ الْكِتابِ جنس الكتب، فيشمل التوراة والإنجيل.وفي ندائهم بهذا الوصف حمل لهم على الدخول في الإسلام فإن علمهم بما في كتبهم من بشارات بالرسول صلّى الله عليه وسلّم يدعوهم إلى الإيمان به. فإذا لم يؤمنوا به مع علمهم بأنه رسول صادق في رسالته كانت مذمتهم أشد وأقبح، وكان عقابهم على كتمانهم الحق أعظم وأقسى. وكان التعبير بقوله- تعالى- قَدْ جاءَكُمْ للإشارة إلى أنه صلّى الله عليه وسلّم قد وصل إليهم، ويعيش بينهم، فهم يرونه ويراهم، ويخاطبهم ويخاطبونه، ليسمعوا منه ما يشهد بصدقه بدون حجاب أو وساطة.وفي التعبير بقوله- تعالى- رَسُولُنا تشريف للرسول صلّى الله عليه وسلّم حيث أضافه- سبحانه- إلى ذاته، وفيه كذلك إيذان بوجوب اتباعه لأنه رسول مبلغ عن الله- تعالى- ما يأمره بتبليغه بدون تغيير أو تبديل.والمراد بالكتاب في قوله: تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ التوراة والإنجيل. فقد امتدت أيدى اليهود والنصارى إلى هذين الكتابين فغيروا وبدلوا فيهما على حسب ما تمليه عليهم أهواؤهم وشهواتهم.وفي إظهار الرسول صلّى الله عليه وسلّم للكثير مما كتموه، وعفوه عن الكثير مما أخفوه، معجزة له، لأنه لم يقرأ كتابا، ولم يجلس أمام معلم، فإخباره بأسرار ما في كتبهم إخبار عن أمور مغيبة، فيكون معجزة له تحملهم على الإيمان به فيما يدعوهم إليه.ثم مدح الله- تعالى- رسوله، وما جاء به من الخير والهدى فقال: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ.والمراد بالنور هنا: محمد صلّى الله عليه وسلّم فهو نور الأنوار- كما يقول الآلوسى.والمراد بالكتاب: القرآن الكريم الذي أنزله- تعالى- على نبيه صلّى الله عليه وسلّم والجملة الكريمة مستأنفة مسوقة لبيان أن فائدة مجيء الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليست منحصرة فيما ذكر من بيان ما كانوا يخفونه، بل له منافع أخرى لا تحصى.قال ابن جرير ما ملخصه، قوله: تعالى- قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يقول- جل ثناؤه- لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب: «قد جاءكم يا أهل التوراة والإنجيل من الله نور هو محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك» قوله وَكِتابٌ مُبِينٌ يعنى: «كتابا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم من توحيد الله، وحلاله وحرامه وشرائع دينه وهو القرآن الذي أنزله على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم» .ويرى بعض المفسرين أن المراد بالنور وبالكتاب هنا: القرآن الكريم.وقد اقتصر على هذا التفسير صاحب الكشاف فقال: قوله: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يريد القرآن لكشفه ظلمات الشرك والشك، ولإبانته ما كان خافيا عن الناس من الحق، أو لأنه ظاهر الإعجاز» .ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير أرجح، لأن العطف في الغالب يقتضى المغايرة في الذات إذ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد جاء للناس برسالة هي نور في شخصه صلّى الله عليه وسلّم كما جاءهم بالقرآن الكريم الدال على صدقه في رسالته.

الترجمة الإنجليزية

Yahdee bihi Allahu mani ittabaAAa ridwanahu subula alssalami wayukhrijuhum mina alththulumati ila alnnoori biithnihi wayahdeehim ila siratin mustaqeemin

ثم بين- سبحانه- الغاية من رسالته صلّى الله عليه وسلّم فقال- تعالى- يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ.والضمير في قوله بِهِ يعود إلى مجموع ما ذكر، أو إلى الكتاب المبين باعتباره أقرب مذكور وسُبُلَ جمع سبيل بمعنى طريق. والسَّلامِ مصدر بمعنى السلامة.والمعنى: قد جاءكم- يا معشر أهل الكتاب- من الله نور وكتاب مبين. يهدى الله- تعالى- بذلك أو بالكتاب مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ أى: من علم- سبحانه- منه أنه يريد اتباع ما يرضي بأن يخلص له العبادة ويستجيب للحق الذي أرسل به أنبياءه فإنه متى كان كذلك، أوصله- سبحانه- إلى سُبُلَ السَّلامِ أى: إلى طرق السلامة والنجاة من كل خوف وشقاء، بأن يثبته في الدنيا على طريق الحق، ويكرمه في الآخرة بمثوبته وجنته هذه هي الثمرة الأولى من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من نور وكتاب مبين. أما الثمرة الثانية فقد بينها- سبحانه- بقوله: وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ.والضمير المنصوب في قوله وَيُخْرِجُهُمْ وهو هم يعود إلى مَنِ في قوله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ باعتبار المعنى.أى: ويخرج- سبحانه- هؤلاء الأخيار الذين علم منهم اتباع ما يرضيه يخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الحق والإيمان بِإِذْنِهِ أى: بإرادته وعلمه.وقوله: وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بيان للثمرة الثالثة من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من حق وخير.أى: ويهدى- سبحانه- هؤلاء الذين علم منهم اتباع ما يرضيه إلى صراط مستقيم، وطريق قويم لا اعوجاج فيه ولا اضطراب، وهو طريق الإسلام الذي يوصل إلى الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد دعتا أهل الكتاب إلى اتباع الحق الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم من عند الله، بأوضح أسلوب، وأكمل بيان، وبينتا لهم ما يترتب على اتباعه صلّى الله عليه وسلّم من منافع جليلة، وفوائد عظيمة تجعلهم يسارعون إلى تصديقه إن كانوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.وبعد أن أرشد- سبحانه- أهل الكتاب إلى الطريق القويم الذي يجب عليهم أن يسلكوه، عقب ذلك ببيان ما عليه النصارى من ضلال وبطلان فقال:

الترجمة الإنجليزية

Laqad kafara allatheena qaloo inna Allaha huwa almaseehu ibnu maryama qul faman yamliku mina Allahi shayan in arada an yuhlika almaseeha ibna maryama waommahu waman fee alardi jameeAAan walillahi mulku alssamawati waalardi wama baynahuma yakhluqu ma yashao waAllahu AAala kulli shayin qadeerun

اللام في قوله: لَقَدْ كَفَرَ واقعة جوابا لقسم مقدر.والمراد بالكفر: ستر الحق وإنكاره، والانغماس في الباطل والضلال. والمعنى: أقسم لقد كفر أولئك النصارى الذين قالوا كذبا وزورا: إن الله المستحق للعبادة والخضوع هو المسيح عيسى ابن مريم.قال بعض العلماء ما ملخصه: «لقد اتفق النصارى على أن يسوع عندهم فيه عنصر إلهى» وإذا كان الأمر المعروف عندهم أن يسوع ابن الله وفيه عنصر إلهى فقد قالوا: إن الألوهية قد حلت فيه. ولازم ذلك القول أن يكون هو الله، أو هو إله يعبد ومهما يكن فقد قالوا باتحاد عنصر الألوهية فيه. وقد قال في ذلك البيضاوي: «هم الذين قالوا بالاتحاد منهم. وقيل: لم يصرح به أحد منهم. ولكنهم لما زعموا أن فيه لاهوتا، وقالوا: لا إله إلا واحد لزمهم أن يكون هو المسيح فنسب إليهم لازم قولهم» .وذلك بلا ريب ينتهى إلى القول بأنهم يعتقدون أن المسيح هو الله، وإن لم يصرحوا بذلك، فهو لازم قولهم باتحاد عنصر الألوهية فيه مع الله.وإن ذلك الكلام تخريج على أن النصارى مذهب واحد في اعتقاد الألوهية وأنه ابن الله وبذلك يكون قوله- تعالى- في أواخر هذه السورة لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ متلاقيا مع هذا النص الكريم فهنا صرح بلازم قولهم وهناك صرح بذات قولهم.والحقيقة أن النصارى اليوم- وهم لا يزالون يغيرون ويبدلون- يصرحون بأن الأقانيم ثلاثة. وأنها شيء واحد. وينتهون إلى أن المسيح هو الله، والله هو روح القدس. فقد قال الدكتور بوست في تاريخ الكتاب المقدس: «طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية الجوهر هي: الله الأب، والله الابن والله الروح القدس فإلى الأب ينتمى الخلق بواسطة الابن وإلى الابن الفداء، وإلى الروح القدس التطيهر. غير أن ثلاثة الأقانيم تتقاسم جميع الأعمال على السواء. أما مسألة التثليث فغير واضحة في العهد القديم، كما هي في العهد الجديد» .ومن هذا الكلام يتبين أن النصارى يصرحون بأن الابن هو الله، ولا يكون الكلام بطريق اللازم لقولهم، بل بطريق الصريح منه. فهم يصرحون بأن الله هو الابن، كما أن الله هو الأب، كما أن الله هو روح القدس هذا، وقد أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يرد على أولئك الذين قالوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ بما يكشف عن جهلهم وضلالهم فقال- تعالى-:قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً.أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء النصارى الذين قالوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، قل لهم على سبيل الإنكار والتوبيخ والتجهيل: من ذا الذي يملك من أمر الله وإرادته شيئا يدفع به الهلاك عن المسيح وعن أمه وعن سائر أهل الأرض، إن أراد الله- سبحانه- أن يهلكهم ويبيدهم؟ لا شك أن أحدا لن يستطيع أن يمنع إرادته- سبحانه- لأنه هو المالك لأمر الوجود كله، ولا يملك أحد من أمره شيئا يستطيع به أن يصرفه عن عمل يريده أو يحمله على أمر لا يريده، أو يستقل بعمل دونه. ومادام الأمر كذلك فدعوى أن الله هو المسيح ابن مريم ظاهرة البطلان، لأن المسيح وأمه من مخلوقات الله التي هي قابلة لطروء الهلاك والفناء عليها.وحاشا للمخلوق الفاني أن يكون إلها وإنما الألوهية لله الخالق الباقي أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قال الإمام الرازي ما ملخصه: «احتج- سبحانه- على فساد ما ذهب إليه النصارى بقوله: فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً. وهذه جملة شرطية قدم فيها الجزاء على الشرط.والتقدير: إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا فمن الذي يقدر على أن يدفعه عن مراده ومقدوره. وقوله فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أى: فمن يملك من أفعال الله شيئا والملك هو القدرة. يعنى فمن الذي يقدر على دفع شيء من أفعال الله- تعالى- ومنع شيء من مراده.وقوله: وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً يعنى: أن عيسى مشاكل لمن في الأرض في الصورة والخلقة والجسمية والتركيب وتغيير الصفات والأحوال، فلما سلّم كونه- تعالى- خالقا للكل مدبرا للكل وجب أن يكون أيضا خالقا لعيسى» .وفي توجيه الأمر إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم للرد عليهم تثبيت له وتقوية لحجته حتى يبطل قولهم الفاسد إبطالا يزداد معه المؤمنون إيمانا بالحق الذي آمنوا به.قال أبو السعود: وإنما نفيت المالكية المذكورة بالاستفهام الإنكارى عن أحد مع تحقيق الإلزام والتبكيت لا بنفيها عن المسيح فقط، لتحقيق الحق بنفي الألوهية عن كل ما عداه- سبحانه- وإثبات المطلوب في ضمنه بالطريق البرهاني.وتعميم إرادة الإهلاك للكل- مع حصول المطلوب بقصرها على المسيح- لتهويل الخطب، وإظهار كمال العجز ببيان أن الكل تحت قهره- تعالى- وملكوته. لا يقدر أحد على دفع ما أريد به. فضلا عن دفع ما أريد بغيره.وللإيذان بأن المسيح أسوة لسائر المخلوقات في كونه عرضة للهلاك، كما أنه أسوة لها فيما ذكر من العجز، وعدم استحقاق الألوهية».وتخصيص الأم بالذكر مع اندراجها في عموم المعطوف، لزيادة تأكيد عجز المسيح، وأنه هو وأمه عبدان من عباد الله لا يقدران على رفع الهلاك عنهما.وعطف عليهما قوله وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من باب عطف العام على الخاص، ليكونا قد ذكرا مرتين. مرة بالنص عليهما. ومرة بالاندراج في العام، وذلك على سبيل التوكيد والمبالغة في تعلق نفاذ الإرادة فيهما.وقوله وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما تأكيد لاختصاص الألوهية به- تعالى- إثر بيان انتفائها عما سواه.أى: ولله- تعالى- وحده دون أن ينازعه منازع. أو يشاركه مشارك، ملك جميع الموجودات، والتصرف المطلق فيها، إيجادا وإعداما، وإحياء وإماتة. فهو المالك للسموات وما فيها وللأرض وما عليها، ولما بينهما من فضاء تجرى فيه السحب بأمره، ويطير فيه الطير بإذنه وقدرته. وما المسيح وأمه إلا من جملة ما في الأرض، فهما عبدان من عباد الله يدينان له- سبحانه- بالعبادة والطاعة والخضوع.وقال- سبحانه- وَما بَيْنَهُما ولم يقل وما بينهن مع أن السموات بلفظ الجمع، لأن المراد بالسموات والأرض النوعان أو الصنفان.أى: ولله- تعالى- وحده ملك السموات والأرض وما بين هذين النوعين من مخلوقات خاضعة لمشيئة الله وقدرته.وقوله يَخْلُقُ ما يَشاءُ جملة مستأنفة مسوقة لبيان بعض أحكام الملك والألوهية على وجه يزيح ما اعترى النصارى من شبه في أمر المسيح لولادته من غير أب، وإحيائه الموتى، وإبرائه الأكمه والأبرص، كل ذلك بإذن الله.أى أنه- سبحانه- يخلق ما يشاء أن يخلقه من أنواع الخلق بالكيفية التي يريدها تبعا لمشيئته وإرادته.فتارة يخلق الإنسان من ذكر وأنثى كما هو المعتاد بين الناس، وتارة يخلقه بدون أب أو أم كما هو الشأن في خلق آدم، وتارة يخلقه بدون أب كما هو الشأن في خلق عيسى، إلى ذلك من مخلوقاته التي ليست مقصورة على نوع واحد بل هي شاملة لهذا الكون بما فيه من إنسان وحيوان وجماد، فكل ما تعلقت إرادته بإيجاده أوجده، وكل ما تعلقت إرادته بإعدامه أعدمه، لا راد لمشيئته ولا معقب لحكمه ولا حائل دون نفاذ قدرته.وقوله: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تذييل مقرر لمضمون ما قبله.أى: والله- تعالى- قدير على كل شيء ومالك لكل شيء ومهيمن على كل شيء لا يغلبه شيء طلبه، ولا يعجزه أمر أراده وما عيسى وأمه إلا من مخلوقاته وعبيده، وحاشا للمخلوق العاجز أن يكون إلها من دون الله- عز وجل-.فهذه الآية الكريمة تحكى أقوال النصارى الباطلة في شأن عيسى- عليه السلام- وترد عليهم بما يزهق باطلهم، ويثبت أن عيسى إنما هو عبد من عباد الله وأن العبادة إنما تكون لله الواحد القهار.ثم ساق- سبحانه- بعض دعاوى أهل الكتاب الباطلة وأمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يرد عليهم بما يخرس ألسنتهم فقال- تعالى-:
110