سورة المعارج: الآية 17 - تدعو من أدبر وتولى...

تفسير الآية 17, سورة المعارج

تَدْعُوا۟ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ

الترجمة الإنجليزية

TadAAoo man adbara watawalla

تفسير الآية 17

ليس الأمر كما تتمناه- أيها الكافر- من الافتداء، إنها جهنم تتلظى نارها وتلتهب، تنزع بشدة حرها جلدة الرأس وسائر أطراف البدن، تنادي مَن أعرض عن الحق في الدنيا، وترك طاعة الله ورسوله، وجمع المال، فوضعه في خزائنه، ولم يؤدِّ حق الله فيه.

«تدعو من أدبر وتولى» عن الإيمان بأن تقول: إليَّ إليَّ.

تَدْعُوا إليها مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وجمع فأوعى أي: أدبر عن اتباع الحق وأعرض عنه، فليس له فيه غرض، وجمع الأموال بعضها فوق بعض وأوعاها، فلم ينفق منها، فإن النار تدعوهم إلى نفسها، وتستعد للالتهاب بهم.

وقوله : ( تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى ) أي : تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها ، وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها ، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طلق ذلق ، ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب . وذلك أنهم - كما قال الله ، عز وجل - كانوا ممن ) أدبر وتولى ) أي : كذب بقلبه ، وترك العمل بجوارحه )

وهذه النار الملتهبة من صفاتها- أيضا- أنها تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى أى: تدعو لدخولها والاصطلاء بحرها، من أدبر وأعرض وتولى عن الحق والرشد، ونأى بجانبه عن طريق الهدى والاستقامة.قال ابن كثير: هذه النار تدعو إليها أبناءها الذين خلقهم الله- تعالى- لها وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طلق ذلق- أى: فصيح بليغ- ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر، كما يلتقط الطير الحب، وذلك أنهم كانوا كما قال- سبحانه- ممن أدبر وتولى. أى: ممن كذب بقلبه، وترك العمل بجوارحه .

( تدعوا ) أي : النار إلى نفسها ( من أدبر ) على الإيمان ( وتولى ) عن الحق فتقول إلي يا مشرك إلي يا منافق إلي إلي . قال ابن عباس : تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب . حكي عن الخليل : أنه قال : تدعو أي تعذب . وقال : قال أعرابي لآخر : دعاك الله أي عذبك الله .

تدعو من أدبر وتولى أي تدعو لظى من أدبر في الدنيا عن طاعة الله وتولى عن الإيمان . ودعاؤها أن تقول : إلي يا مشرك ، إلي يا كافر . وقال ابن عباس : تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح : إلي يا كافر ، إلي يا منافق ; ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب . وقال ثعلب : تدعو أي تهلك . تقول العرب : دعاك الله ; أي أهلكك الله . وقال الخليل : إنه ليس كالدعاء " تعالوا " ولكن دعوتها إياهم تمكنها من تعذيبهم . وقيل : الداعي خزنة جهنم ; أضيف دعاؤهم إليها . وقيل هو ضرب مثل ; أي إن مصير من أدبر وتولى إليها ; فكأنها الداعية لهم . ومثله قول الشاعر :ولقد هبطنا الواديين فواديا يدعو الأنيس به العضيض الأبكمالعضيض الأبكم : الذباب . وهو لا يدعو وإنما طنينه نبه عليه فدعا إليه .قلت : القول الأول هو الحقيقة ; حسب ما تقدم بيانه بآي القرآن والأخبار الصحيحة . القشيري : ودعاء لظى بخلق الحياة فيها حين تدعو ، وخوارق العادة غدا كثيرة .

وقوله: (تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ) يقول: تدعو لظى إلى نفسها من أدبر في الدنيا عن طاعة الله، وتولى عن الإيمان بكتابه ورسله.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ) قال: عن طاعة الله، (وَتَوَلَّى ) قال: عن كتاب الله، وعن حقه.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ) قال: عن الحق.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ) قال: ليس لها سلطان إلا على هوانِ مَنْ كفر وتولى وأدبر عن الله، فأما من آمن بالله ورسوله، فليس لها عليه سلطان.

تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وجملة { تدعو } إما خبر ثان حسب قراءة { نزّاعة } بالرفع وإمّا حال على القراءتين . والدعاء في قوله : { تدعو } يجوز أن يكون غير حقيقة بأن يعتبر استعارة مكنية ، شبهت لظّى في انهيال الناس إليها بضائف لمأدُبة ، ورُمز إلى ذلك ب { تدعو } وذلك على طريقة التهكم .ويكون { من أدبر وتولى وجمع فأوعى } قرينةً ، أو تجريداً ، أي من أدبر وتولى عن الإِيمان بالله . وفيه الطباق لأن الإِدبار والتولي يضادَّاننِ الدعوة في الجملة إذ الشأن أن المدعو يقبل ولا يدبر ، ويكون ( يدعوا ) مشتقاً من الدُعوة المضمومة الدال ، أو أن يشبه إحضار الكفار عندها بدعوتها إياهم للحضور على طريقة التبعية ، لأن التشبيه بدعوة المنادي ، كقول ذي الرمة يصف الثور الوحشي :أمسى بوَهْبَيْننِ مُخْتَاراً لِمَرْتَعه ... من ذي الفوارس تدعُو أنفَه الرِّبَبُالرِّبَب بكسر الراء وبموحدتين : جمع رِبَّة بكسر الراء وتشديد الموحدة : نبات ينبت في الصيف أخضرُ .ويجوز أن يكون { تدعو } مستعملاً حقيقة ، و«الذين يَدْعون» : هم الملائكة الموكلون بجهنم ، وإسنادُ الدعاء إلى جهنم إسناداً مجازياً لأنها مكان الداعين أو لأنها سبب الدعاء ، أو جهنم تدعو حقيقة بأن يخلُق الله فيها أصواتاً تنادي الذين تولوا أن يَرِدوا عليها فتلتهمهم .
الآية 17 - سورة المعارج: (تدعو من أدبر وتولى...)