سورة الأعراف: الآية 78 - فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم...

تفسير الآية 78, سورة الأعراف

فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا۟ فِى دَارِهِمْ جَٰثِمِينَ

الترجمة الإنجليزية

Faakhathathumu alrrajfatu faasbahoo fee darihim jathimeena

تفسير الآية 78

فأخذَت الذين كفروا الزلزلةُ الشديدة التي خلعت قلوبهم، فأصبحوا في بلدهم هالكين، لاصقين بالأرض على رُكَبهم ووجوههم، لم يُفْلِت منهم أحد.

«فأخذتهم الرجفة» الزلزلة الشديدة من الأرض والصيحة من السماء «فأصبحوا في دارهم جاثمين» باركين على الركب ميِّتين.

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ على ركبهم، قد أبادهم اللّه، وقطع دابرهم.

( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) أي : صرعى لا أرواح فيهم ، ولم يفلت منهم أحد ، لا صغير ولا كبير ، لا ذكر ولا أنثى - قالوا : إلا جارية كانت مقعدة - واسمها " كلبة ابنة السلق " ، ويقال لها : " الزريقة " - وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح ، عليه السلام ، فلما رأت ما رأت من العذاب ، أطلقت رجلاها ، فقامت تسعى كأسرع شيء ، فأتت حيا من الأحياء فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها ، ثم استسقتهم من الماء ، فلما شربت ، ماتت .قال علماء التفسير : ولم يبق من ذرية ثمود أحد ، سوى صالح ، عليه السلام ، ومن اتبعه ، رضي الله عنهم ، إلا أن رجلا يقال له : " أبو رغال " ، كان لما وقعت النقمة بقومه مقيما إذ ذاك في الحرم ، فلم يصبه شيء ، فلما خرج في بعض الأيام إلى الحل ، جاءه حجر من السماء فقتله .وقد تقدم في أول القصة حديث " جابر بن عبد الله " في ذلك ، وذكروا أن أبا رغال هذا هو والد ثقيف " الذين كانوا يسكنون الطائفقال عبد الرزاق : قال معمر : أخبرني إسماعيل بن أمية ; أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر أبي رغال فقال : " أتدرون من هذا ؟ " فقالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " هذا قبر أبي رغال ، رجل من ثمود ، كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله عذاب الله . فلما خرج أصابه ما أصاب قومه ، فدفن هاهنا ، ودفن معه غصن من ذهب ، فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم ، فبحثوا عنه ، فاستخرجوا الغصن " .وقال عبد الرزاق : قال معمر : قال الزهري : أبو رغال : أبو ثقيفهذا مرسل من هذا الوجه ، وقد روي متصلا من وجه آخر ، كما قال محمد بن إسحاق ، عن إسماعيل بن أمية ، عن بجير بن أبي بجير قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، حين خرجنا معه إلى الطائف ، فمررنا بقبر فقال : " هذا قبر أبي رغال ، وهو أبو ثقيف ، وكان من ثمود ، وكان بهذا الحرم فدفع عنه ، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان ، فدفن فيه . وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب ، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن " .وهكذا رواه أبو داود ، عن يحيى بن معين ، عن وهب بن جرير بن حازم ، عن أبيه ، عن ابن إسحاق ، بهقال شيخنا أبو الحجاج المزي : وهو حديث حسن عزيزقلت : تفرد بوصله " بجير بن أبي بجير " هذا ، وهو شيخ لا يعرف إلا بهذا الحديث . قال يحيى بن معين : ولم أسمع أحدا روى عنه غير إسماعيل بن أمية .قلت : وعلى هذا ، فيخشى أن يكون وهم في رفع هذا الحديث ، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو ، مما أخذه من الزاملتين .قال شيخنا أبو الحجاج ، بعد أن عرضت عليه ذلك : وهذا محتمل ، والله أعلم .

ولقد كان رد القدر على تبجحهم وعتوهم واستكبارهم سريعا قال- تعالى- فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ:الرجفة: الزلزلة الشديدة. يقال: رجفت الأرض ترجف رجفا، إذا اضطربت وزلزلت ومنه الرجفان للاضطراب الشديد.وجاثمين: من الجثوم وهو للناس والطير بمنزلة البروك للإبل، يقال جثم الطائر يجثم جثما وجثوما فهو جاثم إذا وقع على صدره أو لزم مكانه فلم يبرحه.والمعنى: فأخذت أولئك المستكبرين الرجفة، أى: الزلزلة الشديدة فأهلكتهم، فأصبحوا في بلادهم أو مساكنهم باركين على الركب، ساقطين على وجوههم، هامدين لا يتحركون.وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

( فأخذتهم الرجفة ) وهي زلزلة الأرض وحركتها وأهلكوا بالصيحة والرجفة ، ( فأصبحوا في دارهم ) قيل : أراد الديار . وقيل : أراد في أرضهم وبلدتهم ، ولذلك وحد الدار ، ( جاثمين ) خامدين ميتين . قيل : سقطوا على وجوههم موتى عن آخرهم .

فأخذتهم الرجفة أي الزلزلة الشديدة . وقيل : كان صيحة شديدة خلعت قلوبهم ; كما في قصة ثمود في سورة " هود " في قصة ثمود فأخذتهم الصيحة . يقال : رجف الشيء يرجف رجفا ورجفانا . وأرجفت الريح الشجر حركته . وأصله حركة مع صوت ; ومنه قوله تعالى يوم ترجف الراجفة قال الشاعر :ولما رأيت الحج قد آن وقته وظلت مطايا القوم بالقوم ترجففأصبحوا في دارهم أي بلدهم . وقيل : وحد على طريق الجنس ، والمعنى : في دورهم . وقال في موضع آخر : في ديارهم أي في منازلهم . جاثمين أي لاصقين بالأرض على ركبهم ووجوههم ; كما يجثم الطائر . أي صاروا خامدين من شدة العذاب . وأصل الجثوم للأرنب وشبهها ، والموضع مجثم . قال زهير :بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثموقيل : احترقوا بالصاعقة فأصبحوا ميتين ، إلا رجلا واحدا كان في حرم الله ; فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه .

القول في تأويل قوله : فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقةَ من ثمود =(الرجفة)، وهي الصيحة.* * *و " الرجفة " ،" الفعلة "، من قول القائل: " رجَف بفلان كذا يرجُفُ رجْفًا "، وذلك إذا حرَّكه وزعزعه، كما قال الأخطل:إِمَّا تَرَيْنِي حَنَانِي الشَّيْبُ مِنْ كِبَرٍكَالنَّسْرِ أَرْجُفُ , وَالإنْسَانُ مَهْدُودُ (7)وإنما عنى ب" الرجفة " ، ها هنا الصيحة التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك، لأن ثمود هلكت بالصيحة ، فيما ذكر أهل العلم.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:14828-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: " الرجفة " ، قال: الصيحة.14829-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.14830-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( فأخذتهم الرجفة ) ، وهي الصيحة.14831-حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: ( فأخذتهم الرجفة ) ، قال: الصيحة.* * *وقوله: ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) ، يقول: فأصبح الذين أهلك الله من ثمود=(في دارهم)، يعني في أرضهم التي هلكوا فيها وبلدتهم.* * *ولذلك وحَّد " الدار " ولم يجمعها فيقول " في دورهم "= وقد يجوز أن يكون أريد بها الدور، ولكن وجَّه بالواحدة إلى الجميع، كما قيل: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) [العصر: 1-2].* * *وقوله: ( جاثمين ) ، يعني: سقوطًا صرعَى لا يتحركون ، لأنهم لا أرواح فيهم ، قد هلكوا. والعرب تقول للبارك على الركبة: " جاثم "، ومنه قول جرير:عَرَفْتُ المُنْتَأَى , وَعَرَفْتُ مِنْهَامَطَايَا القِدْرِ كَالحِدَإِ الجُثُومِ (8)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:14832-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) ، قال: ميتين.--------------------الهوامش :(7) ديوانه: 146 من قصيدة له جيدة ، قالها في يزيد بن معاوية ، وذكر فيها الشباب ذكرًا عجبًا ، وقد رأى إعراض الغواني عنه من أجله ، يقول بعده:وَقَدْ يَكُونُ الصِّبَى مِنِّي بِمَنْزِلَةٍيَوْمًا ، وتَقْتَادُنِي الهِيفُ الرَّعَادِيدُيَا قَلَّ خَيْرُ الغَوَانِي ، كيف رُغْنَ بِهِفَشُرْبُهُ وَشَلٌ فِيهِنَّ تَصْرِيدُأَعْرَضْنَ مِنْ شَمَطٍ في الرَّأْسِ لاحَ بِهِفَهُنّ مِنْهُ ، إِذَا أَبْصَرْنَهُ ، حِيدُقَدْ كُنَّ يَعْهَدْنَ مِنِّي مَضْحَكًا حَسَنًاوَمَفْرِقًا حَسَرَتْ عَنْهُ العَنَاقِيدُفَهُنَّ يَشْدُونَ مِنِّي بَعْضَ مَعْرِفَةٍ،وَهُنَّ بالوُدِّ ، لا بُخْلٌ ولا جُودُقَدْ كَانَ عَهْدِي جَدِيدًا ، فَاسْتُبِدَّ بِهِ،وَالعَهْدُ مُتَّبَعٌ مَا فِيهِ ، مَنشُودُيَقُلْنَ : لا أَنْتَ بَعْلٌ يُسْتَقَادُ لَهُ،وَلا الشَّبَابُ الَّذِي قَدْ فَاتَ مَرْدُودُهَلْ لِلشَّبَابِ الذي قَدْ فَاتَ مرْدُودُ ?أَمْ هَلْ دَوَاءٌ يَرُدُّ الشِّيبَ مَوْجُودُ ?لَنْ يَرْجِعَ الشِّيبُ شُبَّانًا ، وَلَنْ يَجِدُواعِدْلَ الشَّبَابِ ، مَا أَوْرَقَ العُودُإِنَّ الشَّبَابَ لَمَحْمُودٌ بَشَاشَتُهُوالشَّيْبُ مُنْصَرفٌ عَنْهُ وَمَصْدُودُوهي أبيات ملئت عاطفة وحزنًا وحسرة ، فاحفظها.(8) ديوانه: 507 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 218 ، من قصيدته في هشام بن عبد الملك ، مضى منها بيت فيما سلف 1: 170.يقول قبله:وَقَفْتُ عَلَى الدِّيَارِ ، وَمَا ذَكَرْنَاكَدَارٍ بَيْنَ تَلْعَةَ والنَّظِيمو"المنتأى" ، حفير النؤى حول البيت. و"مطايا القدر" ، أثافيها ، تركبها القدر فهي لها مطية. وجعلها كالحدإ الجثوم ، لسوادها من سخام النار.وكان في المخطوطة: "عرفت الصاى" ، غير منقوطة ، وخطأ ، صوابه ما في المطبوعة.

وجملة { فأخذتهم الرجفة } معترضة بين جملة { فعقروا الناقة } وبين جملة { فتولى عنهم } [ الأعراف : 79 ] أريد باعتراضها التّعجيلُ بالخبر عن نفاذ الوعيد فيهم بعَقب عتوّهم ، فالتّعقيب عرفي ، أي لم يكن بين العقر وبين الرجفة زمن طويل ، كان بينهما ثلاثة أيّام ، كما ورد في آية سورة هود ( 65) : { فعقروها فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب } وأصل الأخذ تناول شيءٍ باليد ، ويستعمل مجازاً في مِلك الشيء ، بعلاقة اللّزوم ، ويستعمل أيضاً في القهر كقوله : { فأخذهم الله بذنوبهم } [ الأنفال : 52 ] ، { فأخذهم أخذة رابية } [ الحاقة : 10 ] وأخذ الرّجفة : إهلاكُها إياهم وإحاطتها بهم إحاطة الآخِذ . ولا شكّ أنّ الله نجّى صالحاً عليه السّلام والذين آمنوا معه ، كما في آية سورة هود . وقد روي أنّه خرج في مائة وعشرة من المؤمنين ، فقيل : نزلوا رملة فلسطين ، وقيل : تباعدوا عن ديار قومهم بحيث يرونها ، فلمّا أخذتهم الرّجفة وهلكوا عاد صالح عليه السّلام ومن آمنَ معه فسكنوا ديارهم ، وقيل : سكنوا مكّة وأنّ صالحاً عليه السّلام دفن بها ، وهذا بعيد كما قلناه في عاد ، ومن أهل الأنساب من يقول : إنّ ثقيفاً من بقايا ثمود ، أي من ذرّية مَن نجا منهم من العذاب ، ولم يذكر القرآن أنّ ثموداً انقطع دابرهم فيجوز أن تكون منهم بقية .والرّجفة : اضطراب الأرض وارتجاجها ، فتكون من حوادث سماوية كالرّياح العاصفة والصّواعق ، وتكون من أسباب أرضيّة كالزلازل ، فالرّجفة اسم للحالة الحاصلة ، وقد سمّاها في سورة هود بالصّيْحة فعلمنا أنّ الذي أصاب ثمود هو صاعقة أو صواعق متوالية رجفت أرضَهم وأهلكتهم صَعِقين ، ويحتمل أن تقارنها زلازل أرضية .والدّار : المكان الذي يحتلّه القوم ، وهو يفرد ويجمع باعتبارين ، فلذلك قال في آية سورة هود : { فأصبحوا في ديارهم جاثمين }. { فأصبحوا } هنا بمعنى صاروا .والجاثم : المُكِب على صدره في الأرض مع قبض ساقيه كما يجثو الأرْنب ، ولمّا كان ذلك أشدّ سكوناً وانقطاعاً عن اضطراب الأعضاء استعمل في الآية كناية عن همود الجثّة بالموت ، ويجوز أن يكون المراد تشبيه حالة وقوعهم على وجوههم حين صعِقوا بحالة الجاثم تفظيعاً لهيئة مِيتتهم ، والمعنى أنّهم أصبحوا جثثا هامدة ميّتة على أبشع منظر لِمَيِّت .
الآية 78 - سورة الأعراف: (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين...)