سورة الأنعام: الآية 98 - وهو الذي أنشأكم من نفس...

تفسير الآية 98, سورة الأنعام

وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ

الترجمة الإنجليزية

Wahuwa allathee anshaakum min nafsin wahidatin famustaqarrun wamustawdaAAun qad fassalna alayati liqawmin yafqahoona

تفسير الآية 98

والله سبحانه هو الذي ابتدأ خلقكم أيها الناس من آدم عليه السلام؛ إذ خلقه من طين، ثم كنتم سلالة ونسلا منه، فجعل لكم مستقَرًا تستقرون فيه، وهو أرحام النساء، ومُستودعًا تُحفَظُون فيه، وهو أصلاب الرجال، قد بينا الحجج وميزنا الأدلة، وأحكمناها لقوم يفهمون مواقع الحجج ومواضع العبر.

«وهو الذي أنشأكم» خلقكم «من نفس واحدة» من آدم «فّمُستقِرٌ» منكم في الرحم «ومستودع» منكم في الصلب وفي قراءة بفتح القاف أي مكان قرار لكم «قد فصَّلنا الآيات لقوم يفقهون» ما يقال لهم.

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وهو آدم عليه السلام. أنشأ الله منه هذا العنصر الآدمي؛ الذي قد ملأ الأرض ولم يزل في زيادة ونمو، الذي قد تفاوت في أخلاقه وخلقه، وأوصافه تفاوتا لا يمكن ضبطه، ولا يدرك وصفه، وجعل الله لهم مستقرا، أي منتهى ينتهون إليه، وغاية يساقون إليها، وهي دار القرار، التي لا مستقر وراءها، ولا نهاية فوقها، فهذه الدار، هي التي خلق الخلق لسكناها، وأوجدوا في الدنيا ليسعوا في أسبابها، التي تنشأ عليها وتعمر بها، وأودعهم الله في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، ثم في دار الدنيا، ثم في البرزخ، كل ذلك، على وجه الوديعة، التي لا تستقر ولا تثبت، بل ينتقل منها حتى يوصل إلى الدار التي هي المستقر، وأما هذه الدار، فإنها مستودع وممر قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ عن الله آياته، ويفهمون عنه حججه، وبيناته.

قول تعالى : ( وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ) يعني : آدم عليه السلام ، كما قال : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) [ النساء : 1 ] .وقوله : ( فمستقر ) اختلفوا في معنى ذلك ، فعن ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وقيس بن أبي حازم ومجاهد ، وعطاء ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك وقتادة والسدي ، وعطاء الخراساني : ( فمستقر ) أي : في الأرحام قالوا - أو : أكثرهم - : ( ومستودع ) أي : في الأصلاب .وعن ابن مسعود وطائفة عكس ذلك . وعن ابن مسعود أيضا وطائفة : فمستقر في الدنيا ، ومستودع حيث يموت . وقال سعيد بن جبير : ( فمستقر ) في الأرحام وعلى ظهر الأرض ، وحيث يموت . وقال الحسن البصري : المستقر الذي قد مات فاستقر به عمله . وعن ابن مسعود : ومستودع في الدار الآخرة .والقول الأول هو الأظهر ، والله أعلم .وقوله : ( قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ) أي : يفهمون ويعون كلام الله ومعناه .

ثم ساق- سبحانه- لونا رابعا من دلائل كمال قدرته ورحمته. فقال- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ.أى: وهو- سبحانه- الذي أوجدكم من نفس واحدة هي نفس أبيكم آدم- عليه السلام- قال- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً.وفي هذه الجملة الكريمة تذكير بنعمة أخرى من نعم الله على خلقه، لأن رجوع الناس إلى أصل واحد أقرب إلى التواد والتراحم والتعاطف، وفيها- أيضا- دليل على عظيم قدرته- عز وجل-. والفاء في قوله- تعالى- فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ للتفريع عن أنشأكم.أى: أنشأكم من نفس واحدة فلكم موضع الاستقرار في الأرحام أو في الأرض وموضع استيداع في الأصلاب أو في القبور.وهذا التفسير مأثور عن ابن عباس، وقد زكاه الإمام الرازي فقال: ومما يدل على قوة هذا القول أن النطفة الواحدة لا تبقى في صلب الأب زمانا طويلا فالمستقر أقرب إلى الثبات من المستودع» .وقيل المستقر حالة الإنسان بعد الموت لأنه إن كان سعيدا فقد استقرت تلك السعادة، وكذلك إن كان شقيا، والمستودع حالة قبل الموت لأن الكافر قد ينقلب مؤمنا.وقيل: المستقر من خلق من النفس الأولى ودخل الدنيا واستقر فيها، والمستودع الذي لم يخلق بعد وسيخلق.والذي نراه أن الرأى الأول هو الصحيح لأنه رأى جمهور المفسرين، ولأن شواهد القرآن تؤيده كما في قوله- تعالى- وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ وكما في قوله- تعالى- وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى.وقرئ فَمُسْتَقَرٌّ- بكسر القاف- أى: فمنكم مستقر في الأرحام ومنكم مستودع.وقوله قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ أى: قد فصلنا الآيات الدالة على قدرتنا ووضحناها لقوم يفقهون ما يتلى عليهم ويتدبرونه فينتفعون بذلك.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم قيل «يعلمون» مع ذكر النجوم ويَفْقَهُونَ مع ذكر إنشاء بنى آدم؟ قلت: كان إنشاء الإنس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف وأدق صنعة وتدبيرا فكان ذكر الفقه الذي هو استعمال فطنته وتدقيق نظره مطابقا له .وقد علق صاحب الانتصاف على كلام الزمخشري بما ملخصه: «جواب الزمخشري صناعى، والتحقيق أنه لما أريد فصل كليهما بفاصلة تنبيها على استقلال كل واحدة منهما بالمقصود من الحجة، كره فصلهما بفاصلتين متساويتين في اللفظ، لما في ذلك من التكرار فعدل إلى فاصلة مخالفة تحسينا للنظم واتساقا في البلاغة، ويحتمل وجها آخر في تخصيص الأولى بالعلم والثانية بالفقه وهو أنه لما كان المقصود التعريض بمن لا يتدبر آيات الله ولا يعتبر بمخلوقاته وكانت الآية الأولى خارجة عن أنفس النظار ومنافية لها، إذ النجوم والنظر فيها وعلم الحكمة الإلهية في تدبيره لها أمر خارج عن نفس الناظر، ولا كذلك النظر في إنشائهم من نفس واحدة، وتقلباتهم في أطوار مختلفة فإنه نظر لا يعدو نفس الناظر ولا يتجاوزها، فإذا تمهد ذلك فجهل الإنسان بنفسه وبأحواله أبشع من جهله بالأمور الخارجة عنه كالنجوم والأفلاك، فلما كان الفقه أدنى درجات العلم إذ هو عبارة عن الفهم نفى من أشبع القبيلين جهلا وهم الذين لا يتبصرون في أنفسهم، ونفى الأدنى أبشع من نفى الأعلى درجة فخص به أسوأ الفريقين حالا.. وإذا قيل: فلان «لا يفقه شيئا» كان أذم في العرف من قولك: فلان لا يعلم شيئا وكأن معنى قولك لا يفقه شيئا ليست له أهلية الفهم وإن فهم، وأما قولك «لا يعلم شيئا» فغايته نفى حصول العلم له، وقد يكون له أهلية الفهم والعلم لو يعلم» .

( وهو الذي أنشأكم ) خلقكم وابتدأكم ، ( من نفس واحدة ) يعني : آدم عليه السلام ، ( فمستقر ومستودع ) قرأ ابن كثير وأهل البصرة " فمستقر " بكسر القاف ، يعني : فمنكم مستقر ومنكم مستودع ، وقرأ الآخرون بفتح القاف ، أي : فلكم مستقر ومستودع .واختلفوا في المستقر والمستودع ، قال عبد الله بن مسعود : فمستقر في الرحم إلى أن يولد ، ومستودع في القبر إلى أن يبعث .وقال سعيد بن جبير وعطاء : فمستقر في أرحام الأمهات ومستودع في أصلاب الآباء ، وهو رواية عكرمة عن ابن عباس قال سعيد بن جبير : قال لي ابن عباس هل تزوجت قلت : لا قال : إنه ما كان من مستودع في ظهرك فيستخرجه الله عز وجل .وروي عن أبي أنه قال : مستقر في أصلاب الآباء ، ومستودع في أرحام الأمهات .وقيل : مستقر في الرحم ومستودع فوق الأرض ، قال الله تعالى : " ونقر في الأرحام ما نشاء " ( الحج ، 5 ) .وقال مجاهد : مستقر على ظهر الأرض في الدنيا ومستودع عند الله في الآخرة ، ويدل عليه قوله تعالى : " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " ( البقرة ، 36 ) .وقال الحسن : المستقر في القبور والمستودع في الدنيا ، وكان يقول : يا ابن آدم أنت وديعة في أهلك ويوشك أن تلحق بصاحبك .وقيل : المستودع القبر والمستقر الجنة والنار ، لقوله عز وجل في صفة الجنة والنار : " حسنت مستقرا " ( الفرقان ، 76 ) " ساءت مستقرا " ( الفرقان ، 66 ) ، ( قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ) .

قوله تعالى وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون قوله تعالى وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة يريد آدم عليه السلام . وقد تقدم في أول السورة .فمستقر قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبو عمرو وعيسى والأعرج وشيبة والنخعي بكسر القاف ، والباقون بفتحها . وهي في موضع رفع بالابتداء ، إلا أن التقدير في من كسر القاف فمنها " مستقر " والفتح بمعنى لها مستقر . قال عبد الله بن مسعود : فلها مستقر في الرحم ومستودع في الأرض التي تموت فيها ; وهذا التفسير يدل على الفتح . وقال الحسن : فمستقر في القبر . وأكثر أهل التفسير يقولون : المستقر ما كان في الرحم ، والمستودع ما كان في الصلب ; رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقاله النخعي . وعن ابن عباس أيضا : مستقر في الأرض ، ومستودع في الأصلاب . قال سعيد بن جبير : قال لي ابن عباس هل تزوجت ؟ قلت : لا ; فقال : إن الله عز وجل يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه . وروي عن ابن عباس أيضا أن المستقر من خلق ، والمستودع من لم يخلق ; ذكره الماوردي . وعن ابن عباس أيضا : ومستودع عند الله .قلت : وفي التنزيل ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين والاستيداع إشارة إلى كونهم في القبر إلى أن يبعثوا للحساب . وقد تقدم في البقرة .قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون قال قتادة : فصلنا بينا وقررنا . والله أعلم .

القول في تأويل قوله : وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإلهكم، أيها العادلون بالله غيره =" الذي أنشأكم " ، يعني: الذي ابتدأ خلقكم من غير شيء، فأوجدكم بعد أن لم تكونوا شيئًا (16) =" من نفس واحدة "، يعني: من آدم كما:-13613 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " من نفس واحدة "، قال: آدم عليه السلام.13614 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة "، من آدم عليه السلام.* * *وأما قوله: " فمستقر ومستودع "، فإن أهل التأويل في تأويله مختلفون.فقال بعضهم: معنى ذلك: وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة, فمنكم مستقِرٌّ في الرحم، ومنكم مستودع في القبر حتى يبعثه الله لنَشْر القيامة.* ذكر من قال ذلك:13615 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو معاوية, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن إبراهيم, عن عبد الله: وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ، [سورة هود: 6]. قال: مُسْتَقَرَّهَا ، في الأرحام = وَمُسْتَوْدَعَهَا ، حيث تموت.13616- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم, عن إسماعيل, عن إبراهيم, عن عبد الله أنه قال: " المستودع " حيث تموت, و " المستقر "، ما في الرحم .13617- حدثت عن عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن السدي, عن مرة, عن عبد الله بن مسعود قال: " المستقر "، الرحم, و " المستودع "، المكان الذي تموت فيه.13618 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا محمد بن فضيل وعلي بن هاشم, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن إبراهيم: وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا قال: مُسْتَقَرَّهَا ، في الأرحام = وَمُسْتَوْدَعَهَا ، في الأرض، حيث تموت فيها.13619 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن مقسم قال: مُسْتَقَرَّهَا ، في الصلب حيث تأويل إليه = وَمُسْتَوْدَعَهَا ، حيث تموت.* * *وقال آخرون: " المستودع "، ما كان في أصلاب الآباء = و " المستقر "، ما كان في بطون النساء، وبطون الأرض، أو على ظهورها.* ذكر من قال ذلك:13620 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا كلثوم بن جبر, عن سعيد بن جبير في قوله: " فمستقر ومستودع "، قال: مستودعون، ما كانوا في أصلاب الرجال. فإذا قرّوا في أرحام النساء أو على ظهر الأرض أو في بطنها, فقد استقرّوا.13621- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن علية, عن كلثوم بن جبر, عن سعيد بن جبير: " فمستقر ومستودع "، قال: المستودعون ما كانوا في أصلاب الرجال. فإذا قرّوا في أرحام النساء أو على ظهر الأرض، فقد استقروا.13622- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن المغيرة بن النعمان, عن سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس: وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ، [سورة هود : 6]. قال: " المستودع " في الصلب = و " المستقر "، ما كان على وجه الأرض أو في الأرض. (17)* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمستقر في الأرض على ظهورها، ومستودع عند الله.* ذكر من قال ذلك:13623 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن سفيان, عن المغيرة, عن أبي الجبر بن تميم بن حذلم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: " المستقر " الأرض," والمستودع "، عند الرحمن. (18)13624 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: " المستقر "، الأرض, و " المستودع "، عند ربك.13625 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن إبراهيم قال، قال عبد الله: مُسْتَقَرَّهَا ، في الدنيا, وَمُسْتَوْدَعَهَا ، في الآخرة = يعني=" فمستقر ومستودع ".13626 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, عن شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير قال: " المستودع "، في الصلب, و " المستقر "، في الآخرة وعلى وجه الأرض.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: فمستقر في الرحم، ومستودع في الصلب.* ذكر من قال ذلك:13627 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص, عن أبي الحارث, عن عكرمة, عن ابن عباس في قول الله: " فمستقر ومستودع "، قال: مستقر في الرحم, ومستودع في صلب، لم يخلق سَيُخلق. (19)13628 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن يحيى الجابر, عن عكرمة: " فمستقر ومستودع "، قال: " المستقر "، الذي قد استقر في الرحم, و " المستودع "، الذي قد استودع في الصلب. (20)13629 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي الجبر تميم, عن سعيد بن جبير, قال ابن عباس: سل! فقلت: " فمستقرّ ومستودع " ؟ قال: " المستقر "، في الرحم, و " المستودع "، ما استودع في الصلب. (21)13630- حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس, عن قابوس, عن أبيه, عن ابن عباس في قوله: " فمستقر ومستودع "، قال: " المستقر " الرحم, و " المستودع "، ما كان عند رب العالمين مما هو خالقه ولم يخلق.13631- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله: وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا [سورة هود: 6] ، قال: " المستقر "، ما كان في الرحم مما هو حيٌّ، ومما قد مات = و " المستودع "، ما في الصلب.13632- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جيير قال: قال لي ابن عباس, وذلك قبل أن يَخْرُج وجهي (22) أتزوّجت يا ابن جبير؟ قال: قلت لا وما أريد ذاك يومي هذا! قال فقال: أما إنه مع ذلك سيخرج ما كان في صلبك من المستودَعين.13633- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جيير قال: قال لي ابن عباس: تزوجت؟ قلت: لا ! قال: فضرب ظهري وقال: ما كان من مستودَع في ظهرك سيخرج.13634- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " فمستقر ومستودع "، قال: " المستقر "، في الأرحام, و " المستودع "، في الصلب، لم يخلق وهو خالقه.13635- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: " فمستقر ومستودع "، قال: " المستقر "، في الرحم, و " المستودع "، ما استودع في أصلاب الرجال والدوابّ.13636 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد قال: " المستقر "، ما استقرّ في الرحم, و " المستودع "، ما استودع في الصلب.13637- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي الجبر بن تميم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, بنحوه. (23)13638 - حدثنا هناد قال، حدثنا عبيدة بن حميد, عن عمار الدهني, عن رجل, عن كريب قال: دعاني ابن عباس فقال: اكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله بن عباس، إلى فلان حَبْر تَيْماء، سلامٌ عليك, فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو, أما بعد = قال، فقلت: تبدؤه تقول: السلام عليك؟ فقال: إن الله هو السلام = ثم قال: اكتب " سلامٌ عليك, أما بعد، فحدثني عن: " مستقر ومستودع ". قال: ثم بعثني بالكتاب إلى اليهودي, فأعطيته إياه. فلما نظر إليه قال: مرحبًا بكتاب خليلي من المسلمين ! فذهب بي إلى بيته, ففتح أسفاطًا له كبيرة, (24) فجعل يطرح تلك الأشياء لا يلتفت إليها. قال قلت: ما شأنك؟ قال: هذه أشياء كتبها اليهود! حتى أخرج سفر موسى عليه السلام، قال: فنظر إليه مرتين فقال: " المستقر "، الرحم، قال: ثم قرأ: وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ [سورة الحج: 5] ، وقرأ: وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ ، [سورة البقرة :36] ، [سورة الأعراف:24]. قال: مستقرُّه فوق الأرض, ومستقرُّه في الرحم, ومستقره تحت الأرض حتى يصير إلى الجنة أو إلى النار. (25)13639 - حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن ابن جريج, عن عطاء: " فمستقر ومستودع "، قال: " المستقر "، ما استقر في أرحام النساء, و " المستودع "، ما استودع في أصلاب الرجال.13640- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن سفيان, عن ابن جريج, عن عطاء قال: " المستقر "، الرحم, و " المستودع "، في أصلاب الرجال.13641- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا روح بن عبادة, عن ابن جريج, عن عطاء = وعن ابن أبي نجيح, عن مجاهد = قال: " المستقر "، الرحم, و " المستودع "، في الأصلاب.13642- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثناعيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " فمستقر "، ما استقر في أرحام النساء =" ومستودع "، ما كان في أصلاب الرجال .13643- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .13644- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد قال: " المستقر "، ما استقر في الرحم, و " المستودع "، ما استودع في الصلب.13645- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: " المستقر "، الرحم," والمستودع "، الصلب .13646 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا معاذ بن معاذ, عن ابن عون قال: أتينا إبراهيم عند المساء فأخبرونا أنه قد مات، فقلنا: هل سأله أحدٌ عن شيء؟ قالوا: عبد الرحمن بن الأسود، عن " المستقر " و " المستودع "، فقال: " المستقر "، في الرحم, و " المستودع "، في الصلب.13647- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا ابن عون قال: أتينا إبراهيم وقد مات، قال: فحدثني بعضهم: أنّ عبد الرحمن بن الأسود سأله قبل أن يموت عن " المستقر " و " المستودع ", فقال: " المستقر "، في الرحم," والمستودع "، في الصلب.13648- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن ابن عون: أتينا منزل إبراهيم, فسألنا عنه فقالوا: قد توفي. وسأله عبد الرحمن بن الأسود, فذكر نحوه.13649- حدثني به يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن ابن عون: أنه بلغه: أنّ عبد الرحمن بن الأسود سأل إبراهيم عن ذلك, فذكر نحوه.13650- حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي قال، حدثنا ضمرة بن ربيعة, عن العلاء بن هارون قال: انتهيت إلى منزل إبراهيم حين قبض, فقلت لهم: هل سأله أحد عن شيء؟ قالوا: سأله عبد الرحمن بن الأسود عن " مستقر ومستودع ", فقال: أما " المستقر "، فما استقر في أرحام النساء, و " المستودع "، ما في أصلاب الرجال. (26)13651- حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن مجاهد في" فمستقر ومستودع "، قال: " المستقر "، الرحم, و " المستودع "، الصلب.13652 - حدثني يونس قال، حدثني سفيان, عن رجل حدَّثه، عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: ألا تنكح؟ ثم قال: أما إني أقول لك هذا، وإني لأعلم أن الله مخرجٌ من صلبك ما كان فيه مستودَع. (27)13653- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: " المستقر " ، في الرحم, و " المستودع "، في الصلب.13654- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, عن ابن عباس: " فمستقر ومستودع "، قال: " مستقر "، في الرحم, و " مستودع "، في الصلب.13655 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: " فمستقر ومستودع "، قال: " مستقر "، في الرحم, و " مستودع "، في الصلب.13656 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك: " فمستقر ومستودع "، أما " مستقر "، فما استقر في الرحم = وأما " مستودع "، فما استودع في الصلب.13657 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فمستقر ومستودع "، قال: " مستقر "، في الأرحام," ومستودع "، في الأصلاب.13658- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير = وأبي حمزة, عن إبراهيم = قالا " مستقر ومستودع "," المستقر "، في الرحم, و " المستودع "، في الصلب.* * *وقال آخرون: " المستقر "، في القبر," والمستودع "، في الدنيا.* ذكر من قال ذلك:13659 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: كان الحسن يقول: " مستقر "، في القبر," ومستودع " في الدنيا، وأوشك أن يلحق بصاحبه.* * *قال أبو جعفر: وأولى التأويلات في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه عمّ بقوله: " فمستقر ومستودع "، كلَّ خلقه الذي أنشأ من نفس واحدة، مستقرًّا ومستودعًا, ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى. ولا شك أنّ من بني آدم مستقرًّا في الرحم، ومستودعًا في الصلب, ومنهم من هو مستقر على ظهر الأرض أو بطنها، ومستودع في أصلاب الرجال, ومنهم مستقر في القبر، مستودع على ظهر الأرض. فكلٌّ" مستقر " أو " مستودع " بمعنى من هذه المعاني، فداخل في عموم قوله: " فمستقر ومستودع " ومراد به، إلا أن يأتي خبرٌ يجب التسليم له بأنه معنيٌّ به معنى دون معنى، وخاص دون عام.* * *واختلفت القرأة في قراءة قوله: " فمستقر ومستودع " .فقرأت ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) ، بمعنى: فمنهم من استقرّه الله في مقرِّه، فهو مستقَرٌّ = ومنهم من استودعه الله فيما استودعه فيه، فهو مستودَع فيه.* * *وقرأ ذلك بعض أهل المدينة وبعض أهل البصرة: (فَمُسْتَقِرٌّ)، بكسر " القاف " بمعنى: فمنهم من استقرّ في مقرّه، فهو مستقِرّ به.* * *وأولى القراءتين بالصواب عندي، وإن كان لكليهما عندي وجه صحيح: (فَمُسْتَقَرٌّ) ، بمعنى: استقرّه الله في مستقَرِّه, ليأتلف المعنى فيه وفي" المستودَع "، في أن كل واحد منهما لم يسمَّ فاعله, وفي إضافة الخبر بذلك إلى الله في أنه المستقِرُّ هذا، والمستودِع هذا. وذلك أن الجميع مجمعون على قراءة قوله: " ومستودَع " بفتح " الدال " على وجه ما لم يسمَّ فاعله, فإجراء الأوّل = أعني قوله: " فمستقر " = عليه، أشبه من عُدُوله عنه.* * *وأما قوله: " قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون "، يقول تعالى: قد بيّنا الحجج، وميزنا الأدلة والأعلام وأحكمناها (28) =" لقوم يفقهون "، مواقعَ الحجج ومواضع العبر، ويفهمون الآيات والذكر, (29) فإنهم إذا اعتبروا بما نبّهتهم عليه من إنشائي من نفس واحدة ما عاينوا من البشر، وخلقي ما خلقت منها من عجائب الألوان والصور, علموا أنّ ذلك من فعل من ليس له مثل ولا شريك فيشركوه في عبادتهم إياه، كما:-13660- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون "، يقول: قد بينا الآيات لقوم يفقهون.* * *--------------------الهوامش :(16) انظر تفسير"أنشأ" فيما سلف: 263 ، 264.(17) الأثر: 13622 -"المغيرة بن النعمان النخعي" ، يروي عن سعيد بن جبير ، وروى عنه شعبة ، والثوري ، ومسعر ، وغيرهم. ثقة. مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/325 ، وابن أبي حاتم 4/1/231.(18) الأثر: 13623 -"المغيرة" في هذ1 الإسناد ، هو"المغيرة بن مقسم الضبي" ، إمام مشهور ، مضى مرارًا ، آخرها رقم: 9292. و"أبو الجبر بن تميم بن حذلم" ، كان في المطبوعة هنا ، وفي رقم: 13629 ، 13637"أبو الخير تميم بن حذلم" ، وفي المخطوطة: "أبو الحر تميم بن حذلم" ، غير منقوطة وبإسقاط"بن" ، وهوخطأ. فإن"تميم بن حذلم الضبي" كنيته"أبو سلمة" ، أو "أبو حذلم" ، وهو من أصحاب عبد الله بن مسعود ، وأدرك أبا بكر ، فهو تابعي قديم ، وليس يروى عنه"مغيرة" ، إنما يروى عنه من طريق ابنه هذا ، ومن طريق إبراهيم اللخعي. وهو مترجم في التهذيب ، والكبير 1/2/151 ، 152 ، وابن أبي حاتم 1/1/442. وأما ابنه"أبو الجبر بن تميم" ، فاسمه"عبد الرحمن بن تميم بن حذلم الضبي" ، روى عنه أبو إسحق الهمداني ، ومغيرة. فلذلك صححت ما كان في المخطوطة ، والمطبوعة ، وزدت"بن" ، وكذلك أشار إليه البخاري في التاريخ وغيره في ترجمة أبيه ، الكبير 1/2/151 ، 152. و"أبو الجبر" بالجيم والباء ، وهو مذكور في أكثر الكتب"أبو الخير" ، وهو خطأ ، ضبطه عبد الغني في المؤتلف والمختلف ، وابن ماكولا ، والدولابي ، وكذلك ذكره ابن أبي حاتم في الكنى (4/ 2/ 355) في حرف الجيم ، وهو مترجم أيضًا فيه 2/2/218. وانظر الأثرين التاليين رقم: 13629 ، 13637.(19) في المطبوعة: "وسيخلق" بزيادة الواو ، ولا ضرورة لها.(20) الأثر: 13628 -"يحيى الجابر" ، هو"يحيى بن المجبر" منسوبًا لجده ، و"يحيى بن عبد الله بن الحارث بن المجبر التيمي" ، مضى برقم: 10188 - 10190 ، وكان في المطبوعة هنا"يحيى الجابري" ، وهو خطأ صرف.(21) الأثر: 13629 -"أبو الجبر بن تميم" ، انظر التعليق على رقم: 13623 ، وكان في المطبوعة: "أبو الخير تميم" ، وفي المخطوطة: "أبو الحبر تميم" غير منقوط ، وهما خطأ.(22) قوله: "وذلك قبل أن يخرج وجهي" ، يعني: قبل أن تنبت لحيته ، وهذا تعبير عزيز لا تجد تفسيره في كتب اللغة والمجاز ، فقيده.(23) الأثر: 13637 -"أبو الجبر بن تميم" ، مضى برقم: 13623 ، 13629 ، تصحيحه ، وكان هنا أيضًا في المطبوعة: "أبو الخير تميم" ، وفي المخطوطة: "أبو الخير تميم" غير منقوط.(24) "الأسفاط" جمع"سفط" (بفتحتين): وهو وعاء كالجوالق ، وبين الخبر هنا أنهم كانوا يستخدمونه في حفظ الكتب والأسفار.(25) الأثر: 13638 -"كريب" هو"كريب بن أبي مسلم الهاشمي" مولى ابن عباس ، تابعي ثقة ، مضى برقم: 1075.(26) الأثر: 13650 -"عبيد الله بن محمد بن هرون الفريابي" ، شيخ الطبري ، مضى برقم: 17 ، 9227.و"ضمرة بن ربيعة الفلسطيني" ، مضى برقم: 7134 ، 12868.و"العلاء بن هرون الواسطي" ، سكن الرملة. روى عن ابن عون. ثقة ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3/1/362.وأخشى أن يكون هذا الخبر ، عن العلاء بن هرون ، عن ابن عون ، بل أرجح أن يكون كذلك.(27) في المطبوعة: "ما كان فيه مستودعًا" ، غير ما في المخطوطة بلا طائل.(28) انظر تفسير"فصل" فيما سلف ص: 561 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.(29) انظر تفسير"فقه" فيما سلف ص: 433 ، تعليق2 ، والمراجع هناك.

هذا تذكير بخلق الإنسان وكيف نشأ هذا العدد العظيم من نفْس واحدة كما هو معلوم لهم ، فالّذي أنشأ النّاس وخلقهم هو الحقيق بعبادتهم دون غيره ممّا أشركوا به ، والنّظر في خلقة الإنسان من الاستدلال بأعظم الآيات . قال تعالى : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } [ الذاريات : 21 ].والقصر الحاصل من تعريف المسند إليه والمسند تعريض بالمشركين ، إذ أشركوا في عبادتهم مع خالقهم غيرَ من خلقهم على نحو ما قررتُه في الآية قبل هذه .والإنشاء : الإحداث والإيجاد . والضّمير المنصوب مراد به البشر كلّهم . والنّفس الواحدة هي آدم عليه السّلام .وقوله : { فمستقرّ } الفاء للتّفريع عن { أنشأكم } ، وهو تفريع المشتَمَل عليه المقارن على المشتمِل .وقرأه الجمهور { مستقَر } بفتح القاف وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، وروح عن يعقوب «بكسر القاف» . فعلى قراءة فتح القاف يكون مصدراً ميمياً ، و { مستَودَع } كذلك ، ورفعهما على أنّه مبتدأ حُذف خبره ، تقديره : لكم أو منكم ، أو على أنّه خبر لمبتدأ محذوف تقديره : فأنتم مُستقرّ ومستودَع . والوصف بالمصدر للمبالغة في الحاصل به ، أي فتفرّع عن إنشائكم استقرار واستيداع ، أي لكم .وعلى قراءة كسر القاف يكون المستقرّ اسم فاعل . والمستودَع اسم مفعول من استودعَه بمعنى أودعه ، أي فمستقِرّ منكم أقررناه فهو مستقرّ ، ومستودَع منكم ودّعناه فهو مستودَع . والاستقرار هو القرار ، فالسّين والتّاء فيه للتّأكيد مثل استجاب . يقال : استقرّ في المكان بمعنى قرّ . وتقدّم عند قوله تعالى : { لكلّ نبأ مستقرّ } في هذه السورة [ 67 ].والاستيداع : طلب التّرك ، وأصله مشتقّ من الوَدْع ، وهو التّرك على أن يُسترجع المستوْدَعُ . يقال : استودعه مالاً إذا جعله عنده وديعة ، فالاستيداع مؤذن بوضع موقّت ، والاستقرار مؤذن بوضع دائم أو طويل .وقد اختلف المفسّرون في المراد بالاستقرار والاستيداع في هذه الآية مع اتّفاقهم على أنّهما متقابلان . فعَن ابن مسعود : المستقَرّ الكون فوق الأرض ، والمستودَع الكون في القبْر . وعلى هذا الوجه يكون الكلام تنبيهاً لهم بأنّ حياة النّاس في الدّنيا يعقبها الوضع في القبور وأنّ ذلك الوضع استيداع موقّت إلى البعث الّذي هو الحياة الأولى ردّاً على الّذين أنكروا البعث .وعن ابن عبّاس : المستقرّ في الرّحم والمستودَع في صلب الرجل ، ونقل هذا عن ابن مسعود أيضاً ، وقاله مجاهد والضحْاك وعطاء وإبراهيم النخعي ، وفسّر به الزجّاج . قال الفخر : وممّا يدلّ على قوّة هذا القول أنّ النّطفة الواحدة لا تبقى في صلب الأب زماناً طويلاً والجنين يبقى في رَحم الأمّ زماناً طويلاً . وعن غير هؤلاء تفسيرات أخرى لا يثلج لها الصّدر أعرضنا عن التّطويل بها . وقال الطّبري إنّ الله لم يخصّص معنى دون غيره ، ولا شكّ أنّ من بني آدم مستقرّاً في الرّحم ومستودَعاً في الصلب ، ومنهم من هو مستقرّ على ظهر الأرض أو بطنها ومستودَع في أصلاب الرّجال ، ومنهم مستقرّ في القبر مستودَع على ظهر الأرض ، فكلّ مستقِرّ أو مستودع بمعنى من هذه المعاني داخل في عموم قوله : فمستقَرّ ومستودع } اه .وقال ابن عطيّة : الّذي يقتضيه النّظر أنّ ابن آدم هو مستودَع في ظهر أبيه وليس بمستقرّ فيه لأنّه ينتقل لا محالة ثمّ ينتقل إلى الرّحم ثمّ ينتقل إلى الدّنيا ثمّ ينتقل إلى القبر ثمّ ينتقل إلى الحشر ثمّ ينتقل إلى الجنّة أو النّار . وهو في كلّ رتبة بين هذين الظرفين مستقِرّ بالإضافة إلى الّتي قبلها ومستودَع بالإضافة إلى الّتي بعدها اه .والأظهر أن لا يقيّد الاستيداع بالقبور بل هو استيداع من وقت الإنشاء ، لأنّ المقصود التّذكير بالحياة الثّانية ، ولأنّ الأظهر أنّ الواو ليست للتّقسيم بل الأحسن أن تكون للجمع ، أي أنشأكم فشأنكم استقرار واستيداع فأنتم في حال استقراركم في الأرض ودائع فيها ومرجعكم إلى خالقكم كما ترجع الوديعة إلى مودِعها . وإيثار التّعبير بهذين المصدرين ما كان إلاّ لإرادة توفير هذه الجملة .وعلى قراءة كسر القاف هو اسم فاعل . { ومستودع } اسم مفعول ، والمعنى هو هو .وقوله : { قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون } تقرير لنظيره المتقدّم مقصود به التّذكير والإعذار .وعدل عن ( يعلمون ) إلى { يفقهون } لأنّ دلالة إنشائهم على هذه الأطوار من الاستقرار والاستيداع وما فيهما من الحكمة دلالة دقيقة تحتاج إلى تدبّر ، فإنّ المخاطبين كانوا معرضين عنها فعبّر عن علمها بأنّه فِقه ، بخلاف دلالة النّجوم على حكمة الاهتداء بها فهي دلالة متكرّرة ، وتعريضاً بأنّ المشركين لا يعلمون ولا يفقهون ، فإنّ العلم هو المعرفة الموافقة للحقيقة ، والفقه هو إدراك الأشياء الدّقيقة . فحصل تفصيل الآيات للمؤمنين وانتفى الانتفاع به للمشركين ، ولذلك قال بعدَ هذا { إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون } [ الأنعام : 99 ].
الآية 98 - سورة الأنعام: (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع ۗ قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون...)