سورة الأنعام (6): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الأنعام بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الأنعام مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الأنعام

سُورَةُ الأَنۡعَامِ
الصفحة 140 (آيات من 95 إلى 101)

۞ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ فَالِقُ ٱلْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَنًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا۟ بِهَا فِى ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَىْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ۗ ٱنظُرُوٓا۟ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِۦٓ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكُمْ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا۟ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتٍۭ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ
140

الاستماع إلى سورة الأنعام

تفسير سورة الأنعام (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Inna Allaha faliqu alhabbi waalnnawa yukhriju alhayya mina almayyiti wamukhriju almayyiti mina alhayyi thalikumu Allahu faanna tufakoona

قوله: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى.فالق: أى شاق، والفلق هو الشق وقيل، فالق بمعنى خالق وأنكر ابن جرير الطبري ذلك وقال: لا يعرف في كلام العرب فلق الشيء بمعنى خلق.والحب. ما ليس له نوى كالحنطة والشعير.والنوى: جمع نواة وهو الموجود في داخل الثمرة، مثل نوى التمر وغيره.والمعنى: إن الله وحده هو الذي يشق الحبة اليابسة كالحنطة فيخرج منها النبات الأخضر النامي، ويشق النواة الصلبة فيخرج منها النخلة والشجرة النامية، وفي ذلك أكبر دلالة على قدرة الله التي لا تحد وعلى أنه هو المستحق للعبادة لا غيره.هذا، وقد أفاض الإمام الرازي وهو يتحدث عن هذه الآية في بيان قدرة الله فقال ما ملخصه:«إذا عرفت هذا فنقول: إنه إذا وقعت الحبة أو النواة في الأرض الرطبة ثم مر بها قدر من المدة أظهر الله- تعالى- في تلك الحبة والنواة من أعلاها شقا ومن أسفلها شقا آخر، فالأول يخرج منها الشجرة الصاعدة إلى الهواء، والثاني يخرج منه الشجرة الهابطة في الأرض ثم إن ها هنا عجائب.فإحداها: أن طبيعة تلك الشجرة إن كانت تقتضي الهوى في عمق الأرض فكيف تولدت منها الشجرة الصاعدة في الهواء؟ وإن كانت تقتضي الصعود في الهواء فكيف تولدت منها الشجرة الهابطة في الأرض؟ فلما تولد منها الشجرتان مع أن الحس والعقل يشهد بكون طبيعة إحدى الشجرتين مضادة لطبيعة الشجرة الأخرى- علمنا أن ذلك ليس بمقتضى الطبع والخاصية، بل بمقتضى الإيجاد والإبداع والتكوين.وثانيهما: أن باطن الأرض جرم كثيف صلب لا تنفذ المسلة القوية فيه ولا يغوص السكين الحاد القوى فيه، ثم إنا نشاهد طراف تلك العروق في غاية الدقة واللطافة وبحيث لو دلكها الإنسان بإصبعه بأدنى قوة لصارت كالماء، ثم إنها مع غاية اللطافة تقوى على النفوذ في تلك الأرض الصلبة، والغوص في بواطن تلك الأجرام الكثيفة. فحصول هذه القوى الشديدة لهذه الأجرام الضعيفة التي هي في غاية اللطافة لا بد وأن يكون بتقدير العزيز الحكيم.ثم قال- رحمه الله- بعد كلام طويل: فانظر أيها المسكين بعين رأسك في تلك الورقة الواحدة من تلك الشجرة، واعرف كيفية خلقة تلك العروق والأوتار فيها، ثم انتقل من مرتبة إلى ما فوقها حتى تعرف أن المقصود الأخير منها حصول المعرفة والمحبة في الأرواح البشرية، فحينئذ ينفتح لك باب من المكاشفات لا آخر له، ويظهر لك أن أنواع نعم الله في حقك غير متناهية كما قال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها وكل ذلك إنما ظهر من كيفية خلقه تلك الورقة من الحبة والنواة» .وقوله يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أى: يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات والشجر مما لا ينمو كالنطفة والحبة.والجملة الكريمة مستأنفة مبينة لما قبلها ولذلك ترك العطف، وقيل خبر ثان ولم يعطف لاستقلاله في الدلالة على عظمة الله- تعالى-.وقوله: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ أى: مخرج الميت كالحب والنوى من النبات والبيضة والنطفة من الحيوان.قال صاحب المنار: فإن قيل إن علماء المواليد يزعمون أن في كل أصول الأحياء حياة فكل ما ينبت من ذلك ذو حياة كامنة إذا عقم بالصناعة لا ينبت، قلنا: إن هذا اصطلاح لهم يسمون القوة أو الخاصية التي يكون بها الحب قابلا للإنبات حياة، ولكن هذا لا يصح في اللغة إلا بضرب من التجوز وإنما حقيقة الحياة في اللغة ما يكون به الجسم متغذيا ناميا بالفعل، وهذا أدنى مراتب الحياة عند العرب، ولها مراتب أخرى كالإحساس والقدرة والإرادة والعلم والعقل والحكمة والنظام، وهذا أعلى مراتب الحياة في المخلوق» .ونقل بعض المفسرين عن ابن عباس أن معنى الجملتين: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ومثله إخراج البار من الفاجر والصالح من الطالح والعالم من الجاهل وعكسه، وذلك بحمله الحياة والموت على المعنوي منها كما في قوله- تعالى- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ.ويبدو لنا أن حمل الحياة والموت هنا على المعنى المعنوي لا يناسبه سياق الآيات التي معنا، لأنها تتحدث عن آثار قدرة الله المحسوسة ليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ويتأمل كل ذي عقل في مظاهر قدرة الله في كونه يهتدى إلى طريق الحق والصواب.وقوله وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ معطوف على ما قبله وهو قوله يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لأنه إخبار بضد مضمونه وهو وضع آخر عجيب دال على كمال القدرة.وجيء بجملة يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ فعليه لإرادة تصوير إخراج الحي من الميت واستحضاره في ذهن السامع. وهذا التصوير والاستحضار إنما يتمكن في أدائهما الفعل المضارع دون اسم الفاعل والماضي.ويرى صاحب الكشاف أن قوله: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ معطوف على فالِقُ لا على يُخْرِجُ لأنه بيان لفالق الحب والنوى.قال- رحمه الله: فإن قلت: كيف قال وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ بلفظ اسم الفاعل بعد قوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ؟ قلت: عطفه على فالق الحب والنوى لا على الفعل، ويخرج الحي من الميت: موقعه موقع الجملة المبينة لقوله فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى لأن فالق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت، لأن النامي في حكم الحيوان ألا ترى إلى قوله- تعالى- وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها «2» .ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ الأفك- بفتح الهمزة- مصدر أفكه يأفكه من باب ضرب إذا صرفه عن مكان أو عن عمل، ويقال أفكت الأرض أفكا: أى صرف عنها المطر.والإشارة بذلكم لزيادة التمييز، وللتعريض بغباوة المخاطبين والمشركين لغفلتهم عن هذه الدلالة على أنه هو المستحق للعبادة.والمعنى: ذلكم المتصف بما ذكر من مقتضى الحكمة البالغة والقدرة النافذة هو الله خالق كل شيء فكيف تصرفون عن عبادة من يخلق إلى عبادة من لا يخلق، وتشركون معه من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا؟.قال الإمام الرازي: والمقصود منه أن الحي والميت متضادان متنافيان، فحصول المثل عن المثل يوهم أن يكون بسبب الطبيعة والخاصية. أما حصول الضد من الضد فيمتنع أن يكون بسبب الطبيعة والخاصية بل لا بد أن يكون بتقدير المقدر الحكيم والمدبر العليم» .

الترجمة الإنجليزية

Faliqu alisbahi wajaAAala allayla sakanan waalshshamsa waalqamara husbanan thalika taqdeeru alAAazeezi alAAaleemi

ثم بين- سبحانه- ألوانا أخرى من مظاهر قدرته وحكمته فقال: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً.الإصباح: مصدر سمى به الصبح، أى: شاق ظلمة الصبح- وهي الغبش في آخر الليل الذي يلي الفجر المستطيل الكاذب- عن بياض النهار فيضيء الوجود، ويضمحل الظلام، ويذهب الليل بسواده، ويجيء النهار بضيائه.وجملة «فالق الإصباح» خبر لمبتدأ محذوف أى: هو فالق، أو خبر آخر لإنّ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً أى وجعل الليل محلا لسكون الخلق فيه، وراحة لهم بعد معاشهم بالنهار وسعيهم للحصول على رزقهم.قال صاحب الكشاف: السكن: ما يسكن إليه الرجل ويطمئن استئناسا به واسترواحا إليه، من زوج أو حبيب. ومنه قيل للنار سكن لأنه يستأنس بها، ألا تراهم سموها المؤنسة، والليل يطمئن إليه المتعب بالنهار لاستراحته فيه، ويجوز أن يراد: وجعل الليل مسكونا فيه من قوله: لِتَسْكُنُوا فِيهِ .وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً الحسبان في الأصل مصدر حسب- بفتح السين- كالغفران والشكران تقول حسبت المال حسبانا: أى أحصيته عددا. والمعنى: وجعل الشمس والقمر يجريان في الفلك بحساب مقدر معلوم لا يتغير ولا يضطرب حتى ينتهى إلى أقصى منازلهما بحيثبح أعظم في كمال القدرة من فلق الحب والنوى بالنبات والشجر ولأن من المعلوم بالضرورة أن الأحوال الفلكية أعظم في القلوب وأكثر وقعا من الأحوال الأرضية» .وبعد أن ساق- رحمه الله- الأدلة على ذلك قال: والعزيز إشارة إلى كمال قدرته، والعليم إشارة إلى كمال علمه، ومعناه: أن تقدير الأفلاك بصفاتها المخصوصة، وهيآتها المحدودة، وحركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة في البطء والسرعة، لا يمكن تحصيله إلا بقدرة كاملة متعلقة بجميع الممكنات، وعلم نافذ في جميع المعلومات من الكليات والجزئيات، وذلك تصريح بأن حصول هذه الأحوال والصفات ليس بالطبع والخاصة، وإنما هو بتخصيص الفاعل المختار والله أعلم» .

الترجمة الإنجليزية

Wahuwa allathee jaAAala lakumu alnnujooma litahtadoo biha fee thulumati albarri waalbahri qad fassalna alayati liqawmin yaAAlamoona

ثم ساق- سبحانه- نوعا ثالثا من الدلائل على كمال قدرته ورحمته وحكمته فقال- تعالى- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أى: وهو- سبحانه- وحده الذي أنشأ لكم هذه الكواكب النيرة لتهتدوا بها إلى الطرق والمسالك خلال سيركم في ظلمات الليل بالبر والبحر حيث لا ترون شمسا ولا قمرا.وجملة لِتَهْتَدُوا بِها بدل اشتمال من ضمير لَكُمُ بإعادة العامل، فكأنه قيل: جعل النجوم لاهتدائكم.قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أى: قد وضحنا وبينا الآيات الدالة على قدرته- تعالى- ورحمته بعباده، لقوم يعلمون وجه الاستدلال بها فيعملون بموجب علمهم، ويزدادون إيمانا على إيمانهم.فالجملة الكريمة مستأنفة للتسجيل والتبليغ وقطع معذرة من لم يؤمنوا.والتعريف في الآيات للاستغراق فيشمل آية خلق النجوم وغيرها.

الترجمة الإنجليزية

Wahuwa allathee anshaakum min nafsin wahidatin famustaqarrun wamustawdaAAun qad fassalna alayati liqawmin yafqahoona

ثم ساق- سبحانه- لونا رابعا من دلائل كمال قدرته ورحمته. فقال- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ.أى: وهو- سبحانه- الذي أوجدكم من نفس واحدة هي نفس أبيكم آدم- عليه السلام- قال- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً.وفي هذه الجملة الكريمة تذكير بنعمة أخرى من نعم الله على خلقه، لأن رجوع الناس إلى أصل واحد أقرب إلى التواد والتراحم والتعاطف، وفيها- أيضا- دليل على عظيم قدرته- عز وجل-. والفاء في قوله- تعالى- فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ للتفريع عن أنشأكم.أى: أنشأكم من نفس واحدة فلكم موضع الاستقرار في الأرحام أو في الأرض وموضع استيداع في الأصلاب أو في القبور.وهذا التفسير مأثور عن ابن عباس، وقد زكاه الإمام الرازي فقال: ومما يدل على قوة هذا القول أن النطفة الواحدة لا تبقى في صلب الأب زمانا طويلا فالمستقر أقرب إلى الثبات من المستودع» .وقيل المستقر حالة الإنسان بعد الموت لأنه إن كان سعيدا فقد استقرت تلك السعادة، وكذلك إن كان شقيا، والمستودع حالة قبل الموت لأن الكافر قد ينقلب مؤمنا.وقيل: المستقر من خلق من النفس الأولى ودخل الدنيا واستقر فيها، والمستودع الذي لم يخلق بعد وسيخلق.والذي نراه أن الرأى الأول هو الصحيح لأنه رأى جمهور المفسرين، ولأن شواهد القرآن تؤيده كما في قوله- تعالى- وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ وكما في قوله- تعالى- وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى.وقرئ فَمُسْتَقَرٌّ- بكسر القاف- أى: فمنكم مستقر في الأرحام ومنكم مستودع.وقوله قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ أى: قد فصلنا الآيات الدالة على قدرتنا ووضحناها لقوم يفقهون ما يتلى عليهم ويتدبرونه فينتفعون بذلك.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم قيل «يعلمون» مع ذكر النجوم ويَفْقَهُونَ مع ذكر إنشاء بنى آدم؟ قلت: كان إنشاء الإنس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف وأدق صنعة وتدبيرا فكان ذكر الفقه الذي هو استعمال فطنته وتدقيق نظره مطابقا له .وقد علق صاحب الانتصاف على كلام الزمخشري بما ملخصه: «جواب الزمخشري صناعى، والتحقيق أنه لما أريد فصل كليهما بفاصلة تنبيها على استقلال كل واحدة منهما بالمقصود من الحجة، كره فصلهما بفاصلتين متساويتين في اللفظ، لما في ذلك من التكرار فعدل إلى فاصلة مخالفة تحسينا للنظم واتساقا في البلاغة، ويحتمل وجها آخر في تخصيص الأولى بالعلم والثانية بالفقه وهو أنه لما كان المقصود التعريض بمن لا يتدبر آيات الله ولا يعتبر بمخلوقاته وكانت الآية الأولى خارجة عن أنفس النظار ومنافية لها، إذ النجوم والنظر فيها وعلم الحكمة الإلهية في تدبيره لها أمر خارج عن نفس الناظر، ولا كذلك النظر في إنشائهم من نفس واحدة، وتقلباتهم في أطوار مختلفة فإنه نظر لا يعدو نفس الناظر ولا يتجاوزها، فإذا تمهد ذلك فجهل الإنسان بنفسه وبأحواله أبشع من جهله بالأمور الخارجة عنه كالنجوم والأفلاك، فلما كان الفقه أدنى درجات العلم إذ هو عبارة عن الفهم نفى من أشبع القبيلين جهلا وهم الذين لا يتبصرون في أنفسهم، ونفى الأدنى أبشع من نفى الأعلى درجة فخص به أسوأ الفريقين حالا.. وإذا قيل: فلان «لا يفقه شيئا» كان أذم في العرف من قولك: فلان لا يعلم شيئا وكأن معنى قولك لا يفقه شيئا ليست له أهلية الفهم وإن فهم، وأما قولك «لا يعلم شيئا» فغايته نفى حصول العلم له، وقد يكون له أهلية الفهم والعلم لو يعلم» .

الترجمة الإنجليزية

Wahuwa allathee anzala mina alssamai maan faakhrajna bihi nabata kulli shayin faakhrajna minhu khadiran nukhriju minhu habban mutarakiban wamina alnnakhli min talAAiha qinwanun daniyatun wajannatin min aAAnabin waalzzaytoona waalrrummana mushtabihan waghayra mutashabihin onthuroo ila thamarihi itha athmara wayanAAihi inna fee thalikum laayatin liqawmin yuminoona

ثم ساق- سبحانه- حجة خامسة تدل دلالة واضحة على كمال قدرته وعلمه ورحمته وإحسانه إلى خلقه فقال- تعالى-:وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ.أى: وهو- سبحانه- الذي أنزل من السحاب ماء فأخرجنا بسبب ذلك كل صنف من أصناف النبات والثمار المختلفة في الكم والكيف والطعوم والألوان، قال- تعالى- وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.وسمى السحاب سماء لأن العرب تسمى كل ما علا سماء، ونزول الماء من السحاب قد جاء صريحا في مثل قوله- تعالى- أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ.ومِنَ في قوله مِنَ السَّماءِ ابتدائية، لأن ماء المطر يتكون في طبقات الجو العليا الباردة عند تصاعد البخار الأرضى إليها فيصير البخار كثيفا وهو السحاب ثم يتحول إلى ماء، والباء في بِهِ للسببية. حيث جعل الله- تعالى- الماء سببا في خروج النبات، والفاء في قوله فَأَخْرَجْنا بِهِ للتفريع وفَأَخْرَجْنا عطف على أَنْزَلَ والالتفات إلى التكلم إظهار لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله.ثم شرع- سبحانه- في تفصيل ما أجمل من الإخراج فقال: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً أى:فأخرجنا من النبات الذي لا ساق له نباتا غضا أخضر، وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة، وخضر بمعنى أخضر اسم فاعل. يقال: خضر الزرع- من باب فرح- وأخضر، فهو خضر وأخضر.وقوله نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً. أى: نخرج من هذا النبات الخضر حَبًّا مُتَراكِباً أى:متراكما بعضه فوق بعض كما في الحنطة والشعير وسائر الحبوب، يقال: ركبه- كسمعه- ركوبا ومراكبا. أى: علاه.وجملة نُخْرِجُ مِنْهُ صفة لقوله «خضرا» . وعبر عنها بصيغة المضارع لاستحضار الصورة لما فيها من الغرابة لأن إخراج الحب المتراكب من هذا الخضر الغض يدعو إلى التأمل والإعجاب بمظاهر قدرة الله.وبعد أن ذكر- سبحانه- ما ينبت من الحب أتبعه بذكر ما ينبت من النوى فقال: وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ.الطلع: أول ما يبدو ويخرج من تمر النخل كالكيزان. وقشره يسمى الكفرى وما في داخله يسمى الإغريق لبياضه.والقنوان. جمع قنو وهو العرجون بما فيه الشماريخ، وهو ومثناه سواه لا يفرق بينهما إلا في الإعراب. أى: ونخرج بقدرتنا من طلع النخل قنوان دانية القطوف، سهلة التناول أو بعضها دان قريب من بعض لكثرة حملها.قال صاحب الكشاف: وقِنْوانٌ رفع بالابتداء، ومِنَ النَّخْلِ خبره ومِنْ طَلْعِها بدل منه. كأنه قيل: وحاصلة من طلع النخل قنوان دانية. وذكر القريبة وترك ذكر البعيدة، لأن النعمة فيها أظهر وأدل، واكتفى بذكر القريبة على ذكر البعيدة كقوله: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ .وقوله: وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ معطوف على نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ أى: فأخرجنا بهذا الماء نبات كل شيء وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب. وجعله: بعضهم عطفا على خَضِراً.وقيل هو معطوف على حَبًّا.وقوله: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ منصوب على الاختصاص أى: وأخص من نبات كل شيء الزيتون والرمان، وقيل معطوف على نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ.قال الآلوسى: وقوله: مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ إما حال من الزيتون لسبقه اكتفى به عن حال ما عطف عليه وهو الرمان والتقدير: والزيتون مشتبها وغير متشابه والرمان كذلك، وإما حال من الرمان لقربه ويقدر مثله في الأول.وأياما كان ففي الكلام مضاف مقدر وهو بعض. أى بعض ذلك مشتبها وبعضه غير متشابه في الهيئة والمقدار واللون والطعم وغير ذلك من الأوصاف الدالة على كمال قدرة صانعها، وحكمة منشئها ومبدعها كما قال- تعالى- يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ .ثم أمر الله عباده أن يتأملوا في بديع صنعه فقال: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ أى:انظروا نظر تأمل واعتبار إلى ثمار كل واحد مما ذكرنا حال ابتدائه حين يكون ضئيلا ضعيفا لا يكاد ينتفع به، وحال ينعه أى: نضجه كيف يصير كبيرا أو جامعا لألوان من المنافع والملاذ.يقال: أينعت الثمرة إذا نضجت.وقوله إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أى: إن في ذلكم الذي ذكرناه من أنواع النبات والثمار، وذلكم الذي أمرتم بالنظر إليه لدلائل عظيمة على وجود القادر الحكيم لقوم يصدقون بأن الذي أخرج هذا النبات وهذه الثمار لهو المستحق للعبادة دون ما سواه أو هو القادر على أن يحيى الموتى ويبعثهم.قال الشيخ القاسمى: قال بعضهم: القوم كانوا ينكرون البعث فاحتج عليهم بتعريف ما خلق ونقله من حال إلى حال وهو ما يعلمونه قطعا ويشاهدونه من إحياء الأرض بعد موتها،وإخراج أنواع النبات والثمار منها. وأنه لا يقدر على ذلك أحد إلا الله- تعالى- فبين أنه- سبحانه- كذلك قادر على إنشائهم من نفوسهم وأبدانهم، وعلى البعث بإنزال المطر من السماء، ثم إنبات الأجساد كالنبات، ثم جعلها خضرة بالحياة ثم تصوير الأعمال بصور كثيرة، وإفادة أمور زائدة وتفريعها، وإعطاء أطعمة مشتبهة في الصورة غير متشابهة في اللذة جزاء عليها» .هذا وقد أفاض الإمام الرازي- رحمه الله- عند تفسيره لهذه الآية في بيان مظاهر قدرة الله وكمال رحمته وحكمته فقال ما ملخصه:«اعلم أنه- تعالى- ذكره هنا أربعة أنواع من الأشجار: النخل والعنب والزيتون والرمان.وإنما قدم الزرع على الشجر لأن الزرع غذاء، وثمار الأشجار فواكه، والغذاء مقدم على الفاكهة، وإنما قدم النخل على سائر الفواكه لأن التمر يجرى مجرى الغذاء بالنسبة إلى العرب.وإنما ذكر العنب عقيب النخيل، لأن العنب أشرف أنواع الفواكه، وذلك لأنه من أول ما يظهر يصير منتفعا به إلى آخر الحال. وأما الزيتون فهو- أيضا- كثير النفع لأنه يمكن تناوله كما هو وينفصل- أيضا- عنه دهن كثير عظيم النفع. وأما الرمان فحاله عجيب جدا. واعلم أن أنواع النبات أكثر من أن تفي بشرحها مجلدات، فلهذا السبب ذكر- سبحانه- هذه الأقسام الأربعة التي هي أشرف أنواع النبات، واكتفى بذكرها تنبيها على البواقي.ثم قال: وقد أمر- سبحانه- بالنظر في حال ابتداء الثمر ونضجه لأن هذا هو موضوع الاستدلال، والحجة التي هي تمام المقصود من هذه الآية وذلك لأن هذه الثمار والأزهار تتولد في أول حدوثها عن صفات مخصوصة وعند تمامها لا تبقى على حالاتها الأولى بل تنتقل إلى أحوال مضادة للأحوال السابقة مثل أنها كانت موصوفة بلون الخضرة فتصير ملونة بلون السواد أو بلون الحمرة وكانت موصوفة بالحموضة فتصير موصوفة بالحلاوة، وربما كانت في أول الأمر باردة بحسب الطبيعة فتصير في آخر أمرها حارة بحسب الطبيعة- أيضا- فحصول هذه المبتدلات والمتغيرات لا بد له من سبب، وذلك السبب ليس هو تأثير الطبائع والفصول والأنجم والأفلاك، لأن نسبة هذه الأحوال بأسرها إلى جميع هذه الأجسام المتباينة متساوية متشابهة، والنسب المتشابهة لا يمكن أن تكون أسبابا لحدوث الحوادث المختلفة. ولما بطل إسناد حدوث هذه الحوادث إلى الطبائع والأنجم والأفلاك وجب إسناده إلى القادر المختار الحكيم الرحيم المدبر لهذا العالم على وفق الرحمة، والمصلحة الحكيمة» .وبعد أن ذكر- سبحانه- تلك الدلائل الدالة على عظيم قدرته، وباهر حكمته ووافر نعمته. واستحقاقه الألوهية، أتبعها بتوبيخ المشركين والرد عليهم بما يرشدهم إلى الطريق القويم لو كانوا يعقلون فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

WajaAAaloo lillahi shurakaa aljinna wakhalaqahum wakharaqoo lahu baneena wabanatin bighayri AAilmin subhanahu wataAAala AAamma yasifoona

قوله وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ أى: وجعل هؤلاء المشركون لله- سبحانه- شركاء في الألوهية والربوبية من الجن.وفي المراد بالجن هنا أقوال:أحدها: أنهم الملائكة حيث عبدوهم وقالوا إنهم بنات الله وتسميتهم جنا مجازا لاجتنانهم واستتارهم عن الأعين كالجن.والثاني: أن المراد بالجن هنا الشياطين. ومعنى جعلهم شركاء أنهم أطاعوهم في أمور الشرك والمعاصي كما يطاع الله- تعالى-.والثالث: أن المراد بالجن إبليس فقد عبده قوم وسموه ربا ومنهم من سماه إله الشر والظلمة وخص الباري بألوهية الخير والنور. وقد نقل هذا الرأى عن ابن عباس، وقد قال الرازي عن هذا الرأى أنه أحسن الوجوه المذكورة في هذه الآية.أما ابن كثير فقد رجح الرأى الثاني وقال: فإن قيل كيف عبدت الجن مع أنهم إنما كانوا يعبدون الأصنام؟.فالجواب: أنهم ما عبدوها إلا عن طاعة الجن وأمرهم لهم بذلك كقوله: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً وكقوله أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ وتقول الملائكة يوم القيامة:سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ .وقال- سبحانه- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ ولم يقل: وجعلوا الجن شركاء لله. لإفادة أن محل الغرابة والنكارة أن يكون لله شركاء. ولو قال وجعلوا الجن شركاء لله لأوهم أن موضع الإنكار أن يكون الجن شركاء لله لكونهم جنا. وليس الأمر كذلك، بل المنكر أن يكون لله شريك من أى جنس كان.وجملة: وَخَلَقَهُمْ حال من فاعل جَعَلُوا مؤكدة لما في جعلهم ذلك من كمال القباحة والبطلان.أى: وجعلوا لله شركاء الجن والحال أنهم قد علموا أن الله وحده هو الذي خلقهم دون الجن وليس من يخلق كمن لا يخلق، وعليه فالضمير في خلقهم يعود على المشركين الذين جعلوا لله شركاء.وقيل الضمير للشركاء أى: والحال أنهم قد علموا أن الله هو الذي خلق الجن فكيف يجعلون مخلوقه شريكا له؟.وقوله وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ أى: واختلقوا وافتروا له بجهلهم وانطماس بصيرتهم بنين وبنات من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب، ولكن رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية. أو بغير علم بمرتبة ما قالوه وأنه من الشناعة والبطلان بحيث لا يقادر قدره، وفيه ذم لهم بأنهم يقولون ما يقولون بمجرد الرأى والهوى وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز أن ينسب إليه- تعالى- إلا ما قام الدليل على صحته.قال الراغب: «أصل الخرق قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تدبر ولا تفكر، قال- تعالى- أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها، وهو ضد الخلق لأن الخلق هو فعل الشيء بتقدير ورفق» .ثم ختمت الآية الكريمة بتنزيه الله- تعالى- عما نسبوه إليه فقال- تعالى-: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ أى: تقدس وتنزه وتعاظم عما يصفه به هؤلاء الضالون من الأجداد والأولاد والنظراء والشركاء.

الترجمة الإنجليزية

BadeeAAu alssamawati waalardi anna yakoonu lahu waladun walam takun lahu sahibatun wakhalaqa kulla shayin wahuwa bikulli shayin AAaleemun

ثم ساق- سبحانه- الأدلة المبطلة لما تفوه به المشركون من مزاعم فقال- تعالى- بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.أى: هو مبدعهما ومنشئهما وخالقهما على غير مثال سبق، ومنه سميت البدعة بدعة لأنه لا نظير لها فيما سلف.وقوله: أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ أى: من أين وكيف يكون له ولد- كما زعموا- والحال أنه ليس له صاحبة يكون الولد منها، ويستحيل ضرورة وجود الولد بلا والدة وإن أمكن وجوده بلا والد، وأيضا الولد لا يحصل إلا بين متجانسين ولا مجانس له- سبحانه-.وجملة أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ مستأنفة لتقرير تنزهه عن ذلك، وجملة وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ حال مؤكدة لاستحالة ما نسبوه إليه من الولد.وقوله وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ جملة أخرى مستأنفة لتحقيق ما ذكر من الاستحالة، أو حال ثانيه مقررة لها.أى: كيف يكون له ولد والحال أنه خلق كل شيء انتظمه التكوين والإيجاد من الموجودات التي من جملتها ما سموه ولدا له- تعالى- فكيف يتصور أن يكون المخلوق ولدا لخالقه؟قال صاحب الكشاف: «وفي هذه الآية الكريمة إبطال لأن يكون لله ولد من ثلاثة أوجه:أحدها: أن مبتدع السموات والأرض وهي أجسام عظيمة لا يستقيم أن يوصف بالولادة.لأن الولادة من صفات الأجسام، ومخترع الأجسام لا يكون جسما حتى يكون والدا.والثاني: أن الولادة لا تكون إلا لمن له صاحبة والله- تعالى- لا صاحبة له فلم تصح الولادة.والثالث: أنه ما من شيء إلا وهو خالقه والعالم به، ومن كان بهذه الصفة كان غنيا عن كل شيء والولد إنما يطلبه المحتاج .وجملة وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها من الدلائل القاطعة ببطلان أن يكون له ولد.أى: أنه- سبحانه- عالم بكل المعلومات، فلو كان له ولد فلا بد أن يتصف بصفاته ومنها عموم العلم، وهو منفي عن غيره بالإجماع.
140