سورة الأنعام: الآية 95 - ۞ إن الله فالق الحب...

تفسير الآية 95, سورة الأنعام

۞ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ

الترجمة الإنجليزية

Inna Allaha faliqu alhabbi waalnnawa yukhriju alhayya mina almayyiti wamukhriju almayyiti mina alhayyi thalikumu Allahu faanna tufakoona

تفسير الآية 95

إن الله تعالى يشق الحب، فيخرج منه الزرع، ويشق النوى، فيخرج منه الشجر، يخرج الحي من الميت كالإنسان والحيوان مثلا من النطفة، ويخرج الميت من الحي كالنطفة من الإنسان والحيوان، ذلكم الله أي: فاعل هذا هو الله وحده لا شريك له المستحق للعبادة، فكيف تُصْرَفون عن الحق إلى الباطل فتعبدون معه غيره؟

«إن الله فالق» شاق «الحبِّ» عن النبات «والنوى» عن النخل «يخرج الحي من الميت» كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة «ومخرج الميت» النطفة والبيضة «من الحي ذلكم» الفالق المخرج «الله فأنَّي تؤفكون» فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان.

يخبر تعالى عن كماله، وعظمة سلطانه، وقوة اقتداره، وسعة رحمته، وعموم كرمه، وشدة عنايته بخلقه، فقال: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ شامل لسائر الحبوب، التى يباشر الناس زرعها، والتي لا يباشرونها، كالحبوب التي يبثها الله في البراري والقفار، فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت، على اختلاف أنواعها، وأشكالها، ومنافعها، ويفلق النوى عن الأشجار، من النخيل والفواكه، وغير ذلك. فينتفع الخلق، من الآدميين والأنعام، والدواب.ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى، ويقتاتون، وينتفعون بجميع أنواع المنافع التي جعلها الله في ذلك.ويريهم الله من بره وإحسانه ما يبهر العقول، ويذهل الفحول، ويريهم من بدائع صنعته، وكمال حكمته، ما به يعرفونه ويوحدونه، ويعلمون أنه هو الحق، وأن عبادة ما سواه باطلة. يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ كما يخرج من المني حيوانا، ومن البيضة فرخا، ومن الحب والنوى زرعا وشجرا. وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ وهو الذي لا نمو فيه، أو لا روح مِنَ الْحَيِّ كما يخرج من الأشجار والزروع النوى والحب، ويخرج من الطائر بيضا ونحو ذلك. ذَلِكُمْ الذي فعل ما فعل، وانفرد بخلق هذه الأشياء وتدبيرها اللَّهُ رَبُّكُمْ أي: الذي له الألوهية والعبادة على خلقه أجمعين، وهو الذي ربى جميع العالمين بنعمه، وغذاهم بكرمه. فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أي: فأنى تصرفون، وتصدون عن عبادة من هذا شأنه، إلى عبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا؟"

يخبر تعالى أنه فالق الحب والنوى ، أي : يشقه في الثرى فتنبت الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب ، والثمار على اختلاف أشكالها وألوانها وطعومها من النوى; ولهذا فسر قوله ( فالق الحب والنوى ) بقوله ( يخرج الحي من الميت ) أي : يخرج النبات الحي من الحب والنوى ، الذي هو كالجماد الميت ، كما قال : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) [ يس : 33 - 36 ] .وقوله : ( ومخرج الميت من الحي ) معطوف على ( فالق الحب والنوى ) ثم فسره ثم عطف عليه قوله : ( ومخرج الميت من الحي ) .وقد عبروا عن هذا وهذا بعبارات ، كلها متقاربة مؤدية للمعنى ، فمن قائل : يخرج الدجاجة من البيضة ، والبيضة من الدجاجة ، ومن قائل : يخرج الولد الصالح من الكافر ، والكافر من الصالح ، وغير ذلك من العبارات التي تنتظمها الآية وتشملها .ثم قال : ( ذلكم الله ) أي : فاعل هذه الأشياء هو الله وحده لا شريك له ( فأنى تؤفكون ) أي : فكيف تصرفون من الحق وتعدلون عنه إلى الباطل فتعبدون مع الله غيره .

قوله: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى.فالق: أى شاق، والفلق هو الشق وقيل، فالق بمعنى خالق وأنكر ابن جرير الطبري ذلك وقال: لا يعرف في كلام العرب فلق الشيء بمعنى خلق.والحب. ما ليس له نوى كالحنطة والشعير.والنوى: جمع نواة وهو الموجود في داخل الثمرة، مثل نوى التمر وغيره.والمعنى: إن الله وحده هو الذي يشق الحبة اليابسة كالحنطة فيخرج منها النبات الأخضر النامي، ويشق النواة الصلبة فيخرج منها النخلة والشجرة النامية، وفي ذلك أكبر دلالة على قدرة الله التي لا تحد وعلى أنه هو المستحق للعبادة لا غيره.هذا، وقد أفاض الإمام الرازي وهو يتحدث عن هذه الآية في بيان قدرة الله فقال ما ملخصه:«إذا عرفت هذا فنقول: إنه إذا وقعت الحبة أو النواة في الأرض الرطبة ثم مر بها قدر من المدة أظهر الله- تعالى- في تلك الحبة والنواة من أعلاها شقا ومن أسفلها شقا آخر، فالأول يخرج منها الشجرة الصاعدة إلى الهواء، والثاني يخرج منه الشجرة الهابطة في الأرض ثم إن ها هنا عجائب.فإحداها: أن طبيعة تلك الشجرة إن كانت تقتضي الهوى في عمق الأرض فكيف تولدت منها الشجرة الصاعدة في الهواء؟ وإن كانت تقتضي الصعود في الهواء فكيف تولدت منها الشجرة الهابطة في الأرض؟ فلما تولد منها الشجرتان مع أن الحس والعقل يشهد بكون طبيعة إحدى الشجرتين مضادة لطبيعة الشجرة الأخرى- علمنا أن ذلك ليس بمقتضى الطبع والخاصية، بل بمقتضى الإيجاد والإبداع والتكوين.وثانيهما: أن باطن الأرض جرم كثيف صلب لا تنفذ المسلة القوية فيه ولا يغوص السكين الحاد القوى فيه، ثم إنا نشاهد طراف تلك العروق في غاية الدقة واللطافة وبحيث لو دلكها الإنسان بإصبعه بأدنى قوة لصارت كالماء، ثم إنها مع غاية اللطافة تقوى على النفوذ في تلك الأرض الصلبة، والغوص في بواطن تلك الأجرام الكثيفة. فحصول هذه القوى الشديدة لهذه الأجرام الضعيفة التي هي في غاية اللطافة لا بد وأن يكون بتقدير العزيز الحكيم.ثم قال- رحمه الله- بعد كلام طويل: فانظر أيها المسكين بعين رأسك في تلك الورقة الواحدة من تلك الشجرة، واعرف كيفية خلقة تلك العروق والأوتار فيها، ثم انتقل من مرتبة إلى ما فوقها حتى تعرف أن المقصود الأخير منها حصول المعرفة والمحبة في الأرواح البشرية، فحينئذ ينفتح لك باب من المكاشفات لا آخر له، ويظهر لك أن أنواع نعم الله في حقك غير متناهية كما قال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها وكل ذلك إنما ظهر من كيفية خلقه تلك الورقة من الحبة والنواة» .وقوله يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أى: يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات والشجر مما لا ينمو كالنطفة والحبة.والجملة الكريمة مستأنفة مبينة لما قبلها ولذلك ترك العطف، وقيل خبر ثان ولم يعطف لاستقلاله في الدلالة على عظمة الله- تعالى-.وقوله: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ أى: مخرج الميت كالحب والنوى من النبات والبيضة والنطفة من الحيوان.قال صاحب المنار: فإن قيل إن علماء المواليد يزعمون أن في كل أصول الأحياء حياة فكل ما ينبت من ذلك ذو حياة كامنة إذا عقم بالصناعة لا ينبت، قلنا: إن هذا اصطلاح لهم يسمون القوة أو الخاصية التي يكون بها الحب قابلا للإنبات حياة، ولكن هذا لا يصح في اللغة إلا بضرب من التجوز وإنما حقيقة الحياة في اللغة ما يكون به الجسم متغذيا ناميا بالفعل، وهذا أدنى مراتب الحياة عند العرب، ولها مراتب أخرى كالإحساس والقدرة والإرادة والعلم والعقل والحكمة والنظام، وهذا أعلى مراتب الحياة في المخلوق» .ونقل بعض المفسرين عن ابن عباس أن معنى الجملتين: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ومثله إخراج البار من الفاجر والصالح من الطالح والعالم من الجاهل وعكسه، وذلك بحمله الحياة والموت على المعنوي منها كما في قوله- تعالى- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ.ويبدو لنا أن حمل الحياة والموت هنا على المعنى المعنوي لا يناسبه سياق الآيات التي معنا، لأنها تتحدث عن آثار قدرة الله المحسوسة ليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ويتأمل كل ذي عقل في مظاهر قدرة الله في كونه يهتدى إلى طريق الحق والصواب.وقوله وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ معطوف على ما قبله وهو قوله يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لأنه إخبار بضد مضمونه وهو وضع آخر عجيب دال على كمال القدرة.وجيء بجملة يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ فعليه لإرادة تصوير إخراج الحي من الميت واستحضاره في ذهن السامع. وهذا التصوير والاستحضار إنما يتمكن في أدائهما الفعل المضارع دون اسم الفاعل والماضي.ويرى صاحب الكشاف أن قوله: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ معطوف على فالِقُ لا على يُخْرِجُ لأنه بيان لفالق الحب والنوى.قال- رحمه الله: فإن قلت: كيف قال وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ بلفظ اسم الفاعل بعد قوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ؟ قلت: عطفه على فالق الحب والنوى لا على الفعل، ويخرج الحي من الميت: موقعه موقع الجملة المبينة لقوله فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى لأن فالق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت، لأن النامي في حكم الحيوان ألا ترى إلى قوله- تعالى- وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها «2» .ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ الأفك- بفتح الهمزة- مصدر أفكه يأفكه من باب ضرب إذا صرفه عن مكان أو عن عمل، ويقال أفكت الأرض أفكا: أى صرف عنها المطر.والإشارة بذلكم لزيادة التمييز، وللتعريض بغباوة المخاطبين والمشركين لغفلتهم عن هذه الدلالة على أنه هو المستحق للعبادة.والمعنى: ذلكم المتصف بما ذكر من مقتضى الحكمة البالغة والقدرة النافذة هو الله خالق كل شيء فكيف تصرفون عن عبادة من يخلق إلى عبادة من لا يخلق، وتشركون معه من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا؟.قال الإمام الرازي: والمقصود منه أن الحي والميت متضادان متنافيان، فحصول المثل عن المثل يوهم أن يكون بسبب الطبيعة والخاصية. أما حصول الضد من الضد فيمتنع أن يكون بسبب الطبيعة والخاصية بل لا بد أن يكون بتقدير المقدر الحكيم والمدبر العليم» .

قوله عز وجل : ( إن الله فالق الحب والنوى ) الفلق : الشق ، قال الحسن وقتادة والسدي : معناه يشق الحبة عن السنبلة والنواة عن النخلة فيخرجها منها ، والحب جمع الحبة ، وهي اسم لجميع البذور والحبوب من البر والشعير والذرة ، وكل ما لم يكن له نوى ، [ وقال الزجاج : يشق الحبة اليابسة والنواة اليابسة فيخرج منها أوراقا خضرا .وقال مجاهد : يعني الشقين اللذين فيهما ، أي : يشق الحب عن النبات ويخرجه منه ويشق النوى عن النخل ويخرجها منه ] .والنوى جمع النواة ، وهي كل ما لم يكن حبا ، كالتمر والمشمش والخوخ ونحوها .وقال الضحاك : فالق الحب والنوى يعني : خالق الحب والنوى ، ( يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون ) تصرفون عن الحق .

قوله تعالى إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكونقوله تعالى إن الله فالق الحب والنوى عد من عجائب صنعه ما يعجز عن أدنى شيء منه آلهتهم . والفلق : الشق ; أي يشق النواة الميتة فيخرج منها ورقا أخضر ، وكذلك الحبة . ويخرج من الورق الأخضر نواة ميتة وحبة ; وهذا معنى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي عن الحسن وقتادة . وقال ابن عباس والضحاك : معنى فالق : خالق . وقال مجاهد : عني بالفلق الشق الذي في الحب وفي النوى . والنوى جمع نواة . ويجري في كل ما له عجم كالمشمش والخوخ .يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي يخرج البشر الحي من النطفة الميتة ، والنطفة الميتة من البشر الحي ; عن ابن عباس . وقد تقدم قول قتادة والحسن . وقد مضى ذلك في " آل عمران " . وفي صحيح مسلم عن علي : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق .ذلكم الله ابتداء وخبر .فأنى تؤفكون فمن أين تصرفون عن الحق مع ما ترون من قدرة الله جل وعز .

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىقال أبو جعفر: وهذا تنبيهٌ من الله جل ثناؤه هؤلاء العادلين به الآلهة والأوثان على موضع حجّته عليهم, وتعريفٌ منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الأصنام في عبادتهم إياه. يقول تعالى ذكره: إن الذي له العبادة، أيها الناس، دون كل ما تعبدون من الآلهة والأوثان, هو الله الذي فَلق الحبَّ = يعني: شق الحبَّ من كل ما ينبت من النبات, فأخرج منه الزرع =" والنوى "، من كل ما يغرس مما له نَواة, فأخرج منه الشجر.* * *و " الحبّ" جمع " الحبة ", و " النوى " جمع " النواة ".* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:13581 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " إن الله فالق الحب والنوى "، أما " فالق الحب والنوى ": ففالق الحب عن السنبلة, وفالق النواة عن النخلة.13582 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: " فالق الحب والنوى "، قال: يفلق الحب والنوى عن النبات.13583- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " فالق الحب والنوى "، قال: الله فالق ذلك, فلقه فأنبت منه ما أنبت. فلق النواة فأخرج منها نَبَات نخلة, وفلق الحبة فأخرج نبات الذي خلق.* * *وقال آخرون: معنى " فالق "، خالق.* ذكر من قال ذلك:13584 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا مروان بن معاوية, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: " إن الله فالق الحب والنوى "، قال: خالق الحب والنوى.13585- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك, مثله .13586 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " إن الله فالق الحب والنوى "، قال: خالق الحب والنوى.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: أنه فلق الشقّ الذي في الحبّة والنواة.* ذكر من قال ذلك:13587 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: " فالق الحب والنوى "، قال: الشقان اللذان فيهما.13588- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .13589- حدثني المثنى قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا خالد, عن حصين, عن أبي مالك في قول الله: " إن الله فالق الحب والنوى "، قال: الشق الذي يكون في النواة وفي الحنطة .13590- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد: " فالق الحب والنوى "، قال: الشقان اللذان فيهما.13591 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " فالق الحب والنوى "، يقول: خالق الحب والنوى, يعني كلّ حبة .* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، ما قدّمنا القول به. وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك بإخباره عن إخراجه الحي من الميت والميت من الحي, فكان معلومًا بذلك أنه إنَّما عنى بإخباره عن نفسه أنّه فالق الحب عن النبات، والنوى عن الغُرُوس والأشجار, كما هو مخرج الحي من الميت، والميّت من الحي.* * *وأما القول الذي حكي عن الضحاك في معنى " فالق "، أنه خالق, فقولٌ = إن لم يكن أراد به أنّه خالق منه النبات والغُروس بفلقه إياه = لا أعرف له وجهًا, لأنه لا يعرف في كلام العرب: " فلق الله الشيء "، بمعنى: خلق .* * *القول في تأويل قوله : يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يخرج السنبل الحيّ من الحبّ الميت, ومخرج الحبِّ الميت من السنبل الحيّ, والشجرِ الحيّ من النوى الميت, والنوى الميِّت من الشجر الحيّ.* * *والشجر ما دام قائمًا على أصوله لم يجفّ، والنبات على ساقه لم ييبَس, فإن العرب تسميه " حَيًّا ", فإذا يبس وجفّ أو قطع من أصله، سمّوه " ميتًا ".* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:13592 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أما " يخرج الحي من الميت "، فيخرج السنبلة الحية من الحبة الميتة, ويخرج الحبة الميتة من السنبلة الحية, ويخرج النخلة الحية من النواة الميتة, ويخرج النواة الميتة من النخلة الحية.13593 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن السدي, عن أبي مالك: " يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي"، قال: النخلة من النواة، والنواة من النخلة, والحبة من السنبلة، والسنبلة من الحبة.* * *وقال آخرون بما:-13594- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) ، قال: يخرج النطفة الميتة من الحي, ثم يخرج من النطفة بشرًا حيًّا.* * *قال أبو جعفر: وإنما اخترنا التأويل الذي اخترنا في ذلك, لأنه عَقِيب قوله: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، على أن قوله: " يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي"، وإن كان خبرًا من الله عن إخراجه من الحبّ السنبل ومن السنبل الحب, فإنه داخل في عمومه ما رُوي عن ابن عباس في تأويل ذلك. وكل ميّت أخرجه الله من جسمٍ حَيٍّ, وكل حيّ أخرجه الله من جسمٍ ميتٍ.* * *وأما قوله: " ذلكم الله "، فإنه يقول: فاعل ذلك كلِّه اللهُ جل جلاله =" فأنى تؤفكون "، يقول: فأيّ وجوه الصدّ عن الحقّ، أيها الجاهلون، تصدّون عن الصواب وتصرفون, (1) أفلا تتدبرون فتعلمون أنّه لا ينبغي أن يُجعل لمن أنعم عليكم بفلق الحب والنوى, فأخرج لكم من يابس الحب والنوى زروعًا وحُروثًا وثمارًا تتغذون ببعضه وتفكّهون ببعضه, شريكٌ في عبادته ما لا يضر ولا ينفع، ولا يسمع ولا يبصر؟

استئناف ابتدائي انتُقل به من تقرير التّوحيد والبعث والرّسالة وأفانين المواعظ والبراهين الّتي تخلّلت ذلك إلى الاستدلال والاعتبار بخلق الله تعالى وعجائب مصنوعاته المشاهدة ، على انفراده تعالى بالإلهيّة المستلزم لانتفاء الإلهيّة عمّا لا تقدر على مثل هذا الصّنع العجيب ، فلا يحقّ لها أن تعبد ولا أن تشرك مع الله تعالى في العبادة إذ لا حقّ لها في الإلهيّة ، فيكون ذلك إبطالاً لشرك المشركين من العرب ، وهو مع ذلك إبطال لمعتقَد المعطّلين من الدُهريين منهم بطريق الأوْلى ، وفي ذلك امتنان على المقصودين من الخطاب وهم المشركون بقرينة قوله : { فأنَّى تُؤفَكُون } ، أي فتكفرون النّعمة . وفيه عِلم ويقين للمؤمنين من المصدّقين واستزادة لمعرفتهم بربّهم وشكرهم .وافتتاحُ الجملة ب { إنْ } مع أنّه لا ينكر أحد أنّ الله هو فاعل الأفعال المذكورة هنا ، ولكنَّ النّظر والاعتبار في دلالة الزّرع على قدرة الخالق على الإحياء بعد الموت كما قدر على إماتة الحي ، لمّا كان نظراً دقيقاً قد انصرف عنه المشركون فاجْترأوا على إنكار البعث ، كان حالهم كحال من أنكر أو شَكّ في أنّ الله فالقُ الحبّ والنَّوى ، فأكّد الخبر بحرف ( إنْ ).وجيء بالجملة الاسميّة للدّلالة على ثبات هذا الوصف دوامه لأنّه وصف ذاتي لله تعالى ، وهو وصف الفعل أو وصف القدرة وتعلُّقاتها في مصطلح من لا يثبت صفات الأفعال ، ولمّا كان المقصود الاكتفاء بدلالة فلق الحبّ والنّوى على قدرة الله على إخراج الحيّ من الميّت ، والانتقالُ من ذلك إلى دلالته على إخراج الحيّ من الميّت في البعث ، لم يؤت في هذا الخبر بما يقتضي الحصر إذ ليس المقام مقام القصر .والفَلْق : شَقّ وصدعُ بعض أجزاء الشّيء عن بعض ، والمقصود الفلق الّذي تنبثق منه وشائج النّبْت والشّجر وأصولها ، فهو محلّ العبرة من علم الله تعالى وقدرته وحكمته .والحَبّ اسم جمع لما يثمره النّبت ، واحده حبّة . والنَّوى اسم جمع نواة ، والنّواة قلب التّمرة . ويطلق على ما في الثّمار من القلوب الّتي منها يَنبت شجرها مثل العنب والزّيتون ، وهو العَجَم بالتّحريك اسم جمع عَجَمة .وجملة : { يخرج الحيّ من الميّت } في محلّ خبر ثان عن اسم ( إنّ ) تتنزّل منزلة بيان المقصود من الجملة قبلها وهو الفَلْق الّذي يخرج منه نبتاً أو شجراً نامياً ذا حياة نباتيةٍ بعد أن كانت الحبّة والنّواة جسماً صلباً لا حياة فيه ولا نماءَ . فلذلك رجّح فصل هذه الجملة عن الّتي قبلها إلاّ أنّها أعمّ منها لدلالتها على إخراج الحيوان من ماء النطفة أو من البيض ، فهي خبر آخر ولكنّه بعمومه يبيّن الخبر الأوّل ، فلذلك يحسن فصل الجملة ، أو عدممِ عطف أحد الأخبار .وعُطف على { يخرج الحيّ من الميّت } قولُه { ومخرج الميّت من الحيّ } لأنّه إخبار بضدّ مضمون { يخرج الحيّ من الميّت } وصنع آخر عجيب دالّ على كمال القدرة وناف تصرّف الطّبيعة بالخَلْق ، لأنّ الفعل الصّادر من العالم المختار يكون على أحوال متضادة بخلاف الفعل المتولد عن سبب طبعي ، وفي هذا الخبر تكملة بيان لما أجمله قوله : { فالقُ الحبّ والنّوى } ، لأنّ فلق الحبّ عن النّبات والنّوى عن الشّجر يشمل أحوالاً مُجملة ، منها حال إثمار النّبات والشّجر : حبّاً ييبس وهو في قصب نباته فلا تكون فيه حياة ، ونوىً في باطن الثّمار يبَساً لا حياة فيه كنوى الزّيتون والتّمر ، ويزيد على ذلك البيان بإخراج البيض واللّبَن والمِسْك واللّؤلؤ وحجر ( البازهر ) من بواطن الحيوان الحيّ ، فظهر صدور الضدّين عن القدرة الإلهيّة تمام الظّهور .وقد رَجَح عطفُ هذا الخبر لأنّه كالتكملة لقوله : { يخرج الحيّ من الميّت } أي يفعل الأمرين معاً كقوله بعده { فالقُ الإصباح وجاعلُ اللّيل سَكنا }.وجعله في «الكشاف» عطفاً على { فالق الحبّ } بناء على أنّ مضمون قوله : { مُخرج الميّت من الحيّ } ليس فيه بيان لمضمون { فالق الحبّ } لأنّ فلق الحبّ ينشأ عنه إخراج الحيّ من الميّت لا العكس ، وهو خلاف الظّاهر لأنّ علاقة وصف { مخرج الميّت من الحيّ } بخبر { يخرج الحيّ من الميّت } أقوى من علاقته بخبر { فالق الحبّ والنّوى }.وقد جيء بجملة : { يخرج الحيّ من الميّت } فعليّة للدّلالة على أنّ هذا الفعل يتجدّد ويتكرّر في كلّ آن ، فهو مُراد معلوم وليس على سبيل المصادفة والاتّفاق .وجيء في قوله : { ومُخرج الميّت من الحيّ } اسماً للدّلالة على الدّوام والثّبات ، فحصل بمجموع ذلك أنّ كلا الفعلين متجدّد وثابِت ، أي كثير وذاتيّ ، وذلك لأنّ أحد الإخراجين ليس أوْلى بالحكم من قرينه فكان في الأسلوب شِبه الاحتباك .والإشارة ب { ذلكم } لزيادة التّمييز وللتّعريض بغباوة المخاطبين المشركين لغفلتهم عن هذه الدّلالة على أنّه المنفرد بالإلهيّة ، أي ذلكم الفاعل الأفعال العظيمة من الفلق وإخراج الحيّ من الميّت والميّت من الحيّ هو الّذي يعرفه الخلق باسمه العظيم الدالّ على أنّه الإله الواحد ، المقصور عليه وصف الإلهيّة فلا تعدلوا به في الإلهيّة غيره ، ولذلك عقّب بالتّفريع بالفاء قوله : { فأنَّى تؤفكون }.والأَفك بفتح الهمزة مصدر أفَكَه يأفكه ، من باب ضرب ، إذا صرفه عن مكان أو عن عَمل ، أي فكيف تصرفون عن توحيده .و ( أنَّى ) بمعنى من أين . وهو استفهام تعجيبي إنكاري ، أي لا يوجد موجب يصرفكم عن توحيده . وبُني فعل { تؤفكون } للمجهول لعدم تعيّن صارفهم عن توحيد الله ، وهو مجموع أشياء : وسوسة الشّيطان ، وتضليل قادتهم وكبرائهم ، وهوى أنفسهم .وجملة ( ذلكم الله ) مستأنفة مقصود منها الاعتبار ، فتكون جملة : { ذلكم الله فأنّى تؤفَكون } اعتراضاً .
الآية 95 - سورة الأنعام: (۞ إن الله فالق الحب والنوى ۖ يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ۚ ذلكم الله ۖ فأنى...)