سورة يوسف: الآية 8 - إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب...

تفسير الآية 8, سورة يوسف

إِذْ قَالُوا۟ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ

الترجمة الإنجليزية

Ith qaloo layoosufu waakhoohu ahabbu ila abeena minna wanahnu AAusbatun inna abana lafee dalalin mubeenin

تفسير الآية 8

إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم: إن يوسف وأخاه الشقيق أحب إلى أبينا منا، يفضِّلهما علينا، ونحن جماعة ذوو عدد، إن أبانا لفي خطأ بيِّن حيث فضَّلهما علينا من غير موجب نراه.

اذكر «إذ قالوا» أي بعض إخوة يوسف لبعضهم «ليوسف» مبتدأ «وأخوه» شقيقه بنيامين «أحب» خبر «إلى أبينا منا ونحن عصبة» جماعة «إن أبانا لفي ضلال» خطأ «مبين» بين بإيثارهما علينا.

إِذْ قَالُوا ْ فيما بينهم: لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ ْ بنيامين، أي: شقيقه، وإلا فكلهم إخوة. أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌْ أي: جماعة، فكيف يفضلهما علينا بالمحبة والشفقة، إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ْ أي: لفي خطأ بيِّن، حيث فضلهما علينا من غير موجب نراه، ولا أمر نشاهده.

( إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ) أي : حلفوا فيما يظنون : والله ليوسف وأخوه ، يعنون بنيامين ، وكان شقيقه لأمه ( أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة ) أي : جماعة ، فكيف أحب ذينك الاثنين أكثر من الجماعة; ( إن أبانا لفي ضلال مبين ) يعنون في تقديمهما علينا ، ومحبته إياهما أكثر منا .واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف ، وظاهر هذا السياق يدل على خلاف ذلك ، ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك ، وفي هذا نظر . ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل ، ولم يذكروا سوى قوله تعالى : ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) [ البقرة : 136 ] وهذا فيه احتمال; لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم : الأسباط ، كما يقال للعرب : قبائل ، وللعجم : شعوب; يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل ، فذكرهم إجمالا لأنهم كثيرون ، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف ، ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم ، والله أعلم .

وقوله- سبحانه-: إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ...بيان لما قاله إخوة يوسف فيما بينهم، قبل أن ينفذوا جريمتهم.و «إذ» ظرف متعلق بالفعل «كان» في قوله- سبحانه- قبل ذلك: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ...واللام في قوله لَيُوسُفُ لتأكيد أن زيادة محبة أبيهم ليوسف وأخيه، أمر ثابت، لا يقبل التردد أو التشكك.والمراد بأخيه: أخوه من أبيه وأمه وهو «بنيامين» وكان أصغر من يوسف- عليه السلام- أما بقيتهم فكانوا إخوة له من أبيه فقط.ولم يذكروه باسمه، للإشعار بأن محبة يعقوب له، من أسبابها كونه شقيقا ليوسف، ولذا كان حسدهم ليوسف أشد.وجملة «ونحن عصبة» حالية. والعصبة كلمة تطلق على ما بين العشرة إلى الأربعين من الرجال، وهي مأخوذة من العصب بمعنى الشد، لأن كلا من أفرادها يشد الآخر ويقويه ويعضده، أو لأن الأمور تعصب بهم. أى تشتد وتقوى.أى: قال إخوة يوسف وهم يتشاورون في المكر به: ليوسف وأخوه «بنيامين» أحب إلى قلب أبينا منا، مع أننا نحن جماعة من الرجال الأقوياء الذين عندهم القدرة على خدمته ومنفعته والدفاع عنه دون يوسف وأخيه.وقولهم- كما حكى القرآن عنهم-: إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ تذييل قصدوا به درء الخطأ عن أنفسهم فيما يفعلونه بيوسف وإلقائه على أبيه الذي فرق بينهم- في زعمهم- في المعاملة.والمراد بالضلال هنا: عدم وضع الأمور المتعلقة بالأبناء في موضعها الصحيح، وليس المراد به الضلال في العقيدة والدين.أى: إن أبانا لفي خطأ ظاهر، حيث فضل في المحبة صبيين صغيرين على مجموعة من الرجال الأشداء النافعين له القادرين على خدمته.قال القرطبي: لم يريدوا بقولهم إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ الضلال في الدين إذ لو أرادوه لكانوا كفارا، بل أرادوا: إن أبانا لفي ذهاب عن وجه التدبير في إيثاره اثنين على عشرة، مع استوائهم في الانتساب إليه» .وهذا الحكم منهم على أبيهم ليس في محله، لأن يعقوب- عليه السلام- كان عنده من أسباب التفضيل ليوسف عليهم ما ليس عندهم.قال الآلوسى ما ملخصه: يروى أن يعقوب- عليه السلام- كان يوسف أحب إليه لما يرى فيه من المناقب الحميدة، فلما رأى الرؤيا تضاعفت له المحبة.وقال بعضهم: إن زيادة حبه ليوسف وأخيه، صغرهما، وموت أمهما، وقد قيل لإحدى الأمهات: أى بنيك أحب إليك؟ قالت: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يشفى.ولا لوم على الوالد في تفضيله بعض ولده على بعض في المحبة لمثل ذلك وقد صرح غير واحد أن المحبة ليست مما يدخل تحت وسع البشر ... » .

( إذ قالوا ليوسف ) اللام فيه جواب القسم تقديره : والله ليوسف ( وأخوه ) بنيامين ( أحب إلى أبينا منا ) كان يوسف وأخوه بنيامين من أم واحدة ، وكان يعقوب عليه السلام شديد الحب ليوسف عليه السلام ، وكان إخوته يرون من الميل إليه ما لا يرونه مع أنفسهم فقالوا هذه المقالة ( ونحن عصبة ) جماعة وكانوا عشرة .قال الفراء : العصبة هي العشرة فما زاد .وقيل : العصبة ما بين الواحد إلى العشرة .وقيل : ما بين الثلاثة إلى العشرة .وقال مجاهد : ما بين العشرة إلى خمسة عشر .وقيل : ما بين العشرة إلى الأربعين .وقيل : جماعة يتعصب بعضها لبعض لا واحد لها من لفظها كالنفر والرهط .( إن أبانا لفي ضلال مبين ) أي خطإ بين في إيثاره يوسف وأخاه علينا ، وليس المراد من الضلال عن الدين ، ولو أرادوه لكفروا به ، بل المراد منه : الخطأ في تدبير أمر الدنيا ، يقولون : نحن أنفع له في أمر الدنيا وإصلاح أمر معاشه ورعي مواشيه ، فنحن أولى بالمحبة منه ، فهو مخطئ في صرف محبته إليه .

قوله تعالى : إذ قالوا ليوسف يوسف رفع بالابتداء ; واللام للتأكيد ، وهي التي يتلقى بها القسم ; أي والله ليوسف . " وأخوه " عطف عليه .أحب إلى أبينا منا خبره ، ولا يثنى ولا يجمع لأنه بمعنى الفعل ; وإنما قالوا هذا لأن خبر المنام بلغهم فتآمروا في كيده .ونحن عصبة أي جماعة ، وكانوا عشرة . والعصبة ما بين الواحد إلى العشرة ، وقيل : إلى الخمسة عشر . وقيل : ما بين الأربعين إلى العشرة ; ولا واحد لها من لفظها كالنفر والرهط .إن أبانا لفي ضلال مبين لم يريدوا ضلال الدين ، إذ لو أرادوه لكانوا كفارا ; بل أرادوا لفي ذهاب عن وجه التدبير ، في إيثار اثنين على عشرة مع استوائهم في الانتساب إليه . وقيل : لفي خطأ بين بإيثاره يوسف وأخاه علينا .

القول في تأويل قوله تعالى : إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8)قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن شأنهم حين قال إخوة يوسف (15) (ليوسف وأخوه) من أمه ، (أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة) ، يقولون: ونحن جماعة ذوُو عدد، أحد عشر رجلا .* * *و " العصبة " من الناس، هم عشرة فصاعدًا ، قيل: إلى خمسة عشرَ ، ليس لها واحد من لفظها ، كالنَّفر والرهط.* * *، (إن أبانا لفي ضلال مبين) ، يعنون: إنّ أبانا يعقوب لفي خطأ من فعله، في إيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة ، ويعني ب " المبين ": أنه خطأٌ يبينُ عن نفسه أنه خطأ لمن تأمله ونظر إليه (16) .* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك:18795- حدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السدي: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا) ، قال: يعنون بنيامين . قال: وكانوا عشرة.18796-.... قال: حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي: (إن أبانا لفي ضلال مبين)، قال: في ضلال من أمرنا.حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد ، في قوله: (ونحن عصبة) ، قال: " العصبة "، الجماعة .* * *----------------------الهوامش:(15) في المطبوعة :" قالوا إخوة يوسف" ، وهو رديء ، وإنما أخطأ قراءة المخطوطة ، وكان الناسخ أراد أن يكتب" قالوا" ، ثم جعلها" قال" .(16) انظر تفسير" المبين" فيما سلف من فهارس اللغة ( بين )

{ إذْ } ظرف متعلق ب ( كَان ) من قوله : { لقد كَان في يوسف وإخوته آيات للسائلين } [ سورة يوسف : 7 ] ، فإنّ ذلك الزمان موقع من مواقع الآيات فإن في قولهم ذلك حينئذٍ عبرة من عبر الأخلاق التي تنشأ من حسد الإخوة والأقرباء ، وعبرة من المجازفة في تغليطهم أباهم ، واستخفافهم برأيه غروراً منهم ، وغفلة عن مراتب موجبات ميل الأب إلى بعض أبنائه . وتلك الآيات قائمة في الحكاية عن ذلك الزمن .وهذا القول المحكي عنهم قول تآمر وتحاور .وافتتاحُ المقول بلام الابتداء المفيدة للتّوكيد لقصد تحقيق الخبر . والمراد : توكيد لازم الخبر إذ لم يكن فيهم من يشك في أنّ يوسف عليه السّلام وأخاه أحبّ إلى أبيهم من بقيّتهم ولكنّهم لم يكونوا سواء في الحسد لهما والغيرة من تفضيل أبيهم إيّاهما على بقيتهم ، فأراد بعضهم إقناع بعض بذلك ليتمالؤوا على الكيد ليوسف عليه السّلام وأخيه ، كما سيأتي عند قوله : ونحن عصبة } ، وقوله : { قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف } [ سورة يوسف : 10 ] ؛ فقائل الكلام بعض إخوته ، أي جماعة منهم بقرينة قوله بعد { اقتلوا يوسف } [ سورة يوسف : 9 ] وقولهم : { قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف } [ سورة يوسف : 10 ].وأخو يوسف عليه السّلام أريد به ( بنيامين ) وإنّما خصّوه بالأخوة لأنّه كان شقيقه ، أمهما ( راحيل ) بنت ( لابان ) ، وكان بقية إخوته إخوة للأب ، أمُّ بعضهم ( ليئة ) بنت ( لابان ) ، وأمّ بعضهم ( بلهة ) جارية ( ليئة ) وهبتْها ( ليئة ) لزوجها يعقوب عليه السّلام .وأحب } اسم تفضيل ، وأفعل التفضيل يتعدّى إلى المفضّل ب ( من ) ، ويتعدّى إلى المفضّل عنده ب ( إلى ).ودعواهم أنّ يوسف عليه السّلام وأخاه أحبّ إلى يعقوب عليه السّلام منهم يجوز أن تكون دعوى باطلة أثار اعتقادها في نفوسهم شدّةُ الغيرة من أفضليّة يوسف عليه السّلام وأخيه عليهم في الكمالات وربّما سمعوا ثناء أبيهم على يوسف عليه السّلام وأخيه في أعمال تصدر منهما أو شاهدوه يأخذ بإشارتهما أو رأوا منه شفقة عليهما لصغرهما ووفاة أمّهما فتوهّموا من ذلك أنّه أشدّ حبّاً إيّاهما منهم توهماً باطلاً . ويجوز أن تكون دعواهم مطابقة للواقع وتكون زيادة محبّته إيّاهما أمراً لا يملك صرفه عن نفسه لأنّه وجدان ولكنّه لم يكن يؤثرهما عليهم في المعاملات والأمور الظاهريّة ويكون أبناؤه قد علموا فرط محبّة أبيهم إيّاهما من التوسّم والقرائن لا من تفضيلهما في المعاملة فلا يكون يعقوب عليه السّلام مؤاخذاً بشيء يفضي إلى التباغض بين الإخوة .وجملة { ونحن عصبة } في موضع الحال من { أحبُّ } ، أي ونحن أكثر عدداً . والمقصود من الحال التعجّب من تفضيلهما في الحبّ في حال أنّ رجاء انتفاعه من إخوتهما أشدّ من رجائه منهما ، بناء على ما هو الشائع عند عامّة أهل البدو من الاعتزاز بالكثرة ، فظنوا مدارك يعقوب عليه السّلام مساوية لمدارك الدّهماء ، والعقولُ قلما تدرك مراقي ما فوقها ، ولم يعلموا أنّ ما ينظر إليه أهل الكمال من أسباب التفضيل غير ما ينظره مَن دونهم .وتكون جملة { إنّ أبَانَا لفي ضلال مبين } تعليلاً للتعجّب وتفريعاً عليه ، وضمير { ونحن عصبة } لجميع الإخوة عَدَا يوسف عليه السّلام وأخاه . ويجوز أن تكون جملة { ونحن عصبة } عطفاً على جملة { ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا }. والمقصود لازم الخبر وهو تجرئة بعضهم بعضاً عن إتيان العمل الذي سيغريهم به في قولهم : { اقتلوا يوسف } [ سورة يوسف : 9 ] ، أي إنّا لا يعجزنا الكيد ليوسف عليه السّلام وأخيه فإنّا عصبة والعصبة يهون عليهم العمل العظيم الذي لا يستطيعه العدد القليل كقوله : { قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنّا إذن لخاسرون } [ سورة يوسف : 14 ] ، وتكون جملة إنّ أبانا } تعليلاً للإغراء وتفريعاً عليه .و«العصبة : اسم جمع لا واحد له من لفظه ، مثل أسماء الجماعات ، ويقال : العصابة . قال جمهور اللّغويين : تطلق العصبة على الجماعة من عشرة إلى أربعين» . وعن ابن عبّاس أنّها من ثلاثة إلى عشرة ، وذهب إليه بعض أهل اللغة وذكروا أنّ في مصحف حفصة قوله تعالى : «إنّ الذين جاءوا بالإفك عصبة أربعةٌ منكم» .وكان أبناء يعقوب عليه السّلام اثني عشر ، وهم الأسباط . وقد تقدّم الكلام عليهم عند قوله تعالى : { أم يقولون إنّ إبراهيم } الآية في سورة البقرة ( 140 ).والضلال إخطاء مسلك الصّواب . وإنّما : أراد وأخطأ التّدبير للعيش لا الخطأ في الدين والاعتقاد . والتخطئة في أحوال الدّنيا لا تنافي الاعتراف للمخطىء بالنبوءة .
الآية 8 - سورة يوسف: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين...)