سورة يونس: الآية 80 - فلما جاء السحرة قال لهم...

تفسير الآية 80, سورة يونس

فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلْقُوا۟ مَآ أَنتُم مُّلْقُونَ

الترجمة الإنجليزية

Falamma jaa alssaharatu qala lahum moosa alqoo ma antum mulqoona

تفسير الآية 80

فلما جاء السحرة فرعون قال لهم موسى: ألقوا على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيِّكم.

(فلما جاء السحرة قال لهم موسى) بعد ما قالوا له "" إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين "": (ألقوا ما أنتم ملقون).

‏‏فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ‏‏ للمغالبة مع موسى ‏‏قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ‏‏ أي‏:‏ أي شيء أردتم، لا أعين لكم شيئًا، وذلك لأنه جازم بغلبته، غير مبال بهم، وبما جاءوا به‏.‏

؛ وإنما قال لهم ذلك لأنهم اصطفوا - وقد وعدوا من فرعون بالتقريب والعطاء الجزيل - ( قالوا ياموسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا ) [ طه : 65 ، 66 ] ، فأراد موسى أن تكون البداءة منهم ، ليرى الناس ما صنعوا ، ثم يأتي بالحق بعده فيدمغ باطلهم ؛ ولهذا لما ( ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ) [ الأعراف : 116 ] ، ( فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ) [ طه : 67 ، 69 ]

وقوله: فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ ... معطوف على كلام محذوف يستدعيه المقام والتقدير، فامتثل القوم أمر فرعون وأسرعوا في إحضار السحرة، فلما جاءوا والتقوا بموسى- عليه السلام- وخيروه بقوله إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى.قالَ لَهُمْ مُوسى على سبيل التحدي أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ من ألوان سحركم، ليرى الناس حقيقة فعلكم، وليميزوا بين حقي وباطلكم.

"فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون".

أي اطرحوا على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيكم .وقد تقدم في الأعراف القول في هذا مستوفى .

(فلما جاء السحرة ) ، فرعونَ ، قال موسى: (ألقوا ما أنتم ملقون) ، من حبالكم وعصيِّكم.* * *وفي الكلام محذوف قد ترك، وهو: " فأتوه بالسحرة، فلما جاء السحرة "، ولكن اكتفى بدلالة قوله: (فلما جاء السحرة) ، على ذلك، فترك ذكره.وكذلك بعد قوله: (ألقوا ما أنتم ملقون) ، محذوفٌ أيضًا قد ترك ذكرُه، وهو: فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ ، فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى ، ولكن اكتفى بدلالة ما ظَهَر من الكلام عليه، فتُرك ذكره.* * *

وجملة : { فلما جاء السحرة } عطف على جملة : { وقال فرعون } ، عُطف مجيء السحرة وقول موسى لهم على جملة { قال فرعون } بفاء التعقيب للدلالة على الفور في إحضارهم وهو تعقيب بحسب المتعارف في الإسراع بمِثل الشيء المأمور به ، والمعطوف في المعنى محذوف لأن الذي يعقُب قوله : { ائتوني بكل ساحر } هو إتيانهم بهم ، ولكن ذلك لقلة جدواه في الغرض الذي سيقت القصة لأجله حذف استغناء عنه بما يقتضيه ويدل عليه دلالة عقلية ولفظية من قوله : { جاء السحرة } على طريقة الإيجاز . والتقدير : فأتوه بهم فلما جاءوا قال لهم موسى . والتعريف في { السحرة } تعريف العهد الذكري .وإنما أمرهم موسى بأن يبتدئوا بإلقاء سحرهم إظهاراً لقوة حجته لأن شأن المبتدىء بالعمل المتباري فيه أن يكون أمكن في ذلك العمل من مباريه ، ولا سيما الأعمال التي قوامها التمويه والترهيب ، والتي يتطلَّب المستنصر فيها السبق إلى تأثر الحاضرين وإعجابهم ، وقد ذكر القرآن في آيات أخرى أن السحرة خَيَّروا موسى بين أن يبتديء هو بإظهار معجزته وبين أن يبتدئوا ، وأن موسى اختار أن يكونوا المبتدئين .وفعل الأمر في قوله : { ألقوا ما أنتم ملقون } مستعمل في التسوية المرادِ منها الاختيار وإظهار قلة الاكتراث بأحد الأمرين .والإلقاء : رمي شيء في اليد إلى الأرض . وإطلاق الإلقاء على عمل السحر لأن أكثر تصاريف السحرة في أعمالهم السحرية يكون برمي أشياء إلى الأرض . وقد ورد في آيات كثيرة أنهم ألقوا حبالهم وعصيهم ، وأنها يخيَّل من سحرهم أنها تسعى ، وكان منتهى أعمال الساحر أن يخيل الجماد حياً .و { ما أنتم ملقون } قصد به التعميم البدلي ، أيّ شيء تلقونه ، وهذا زيادة في إظهار عدم الاكتراث بمبلغ سحرهم ، وتهيئة للملأ الحاضرين أن يعلموا أن الله مبطل سحرهم على يد رسوله .ولا يشكل أن يأمرهم موسى بإلقاء السحر بأنه أمر بمعصية لأن القوم كانوا كافرين والكافر غير مخاطب بالشرائع الإلهية ، ولأن المقصود من الأمر بإلقائه إظهار بطلانه فذلك بمنزلة تقرير شبهة الملحد ممن يتصدى لإبطالها بعد تقريرها مثل طريقة عضد الدين الأيجي في كتابه «المواقف» .
الآية 80 - سورة يونس: (فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون...)