سورة طه: الآية 70 - فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا...

تفسير الآية 70, سورة طه

فَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ

الترجمة الإنجليزية

Faolqiya alssaharatu sujjadan qaloo amanna birabbi haroona wamoosa

تفسير الآية 70

فألقى موسى عصاه، فبلعت ما صنعوا، فظهر الحق وقامت الحجة عليهم. فألقى السحرة أنفسهم على الأرض ساجدين وقالوا: آمنا برب هارون وموسى، لو كان هذا سحرًا ما غُلِبْنا.

«فألقي السحرة سجدا» خرّوا ساجدين لله تعالى «قالوا آمنا برب هارون وموسى».

فوقع الحق وظهر وسطع، وبطل السحر والمكر والكيد، في ذلك المجمع العظيم.

قال : وذكر عن سعيد بن سلام : حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قوله : ( فألقي السحرة سجدا ) قال : رأوا منازلهم تبنى لهم وهم في سجودهم . وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة .

ثم كانت بعد ذلك المفاجأة الكبرى فقد آمن السحرة حين رأوا ما رأوا بعد أن ألقى موسى ما في يمينه، قال- تعالى-: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى.قال الآلوسى: «والفاء في قوله فَأُلْقِيَ ... فصيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح» .أى: فزال الخوف، وألقى موسى ما في يمينه، وصارت حية، وتلقفت حبالهم وعصيهم، وعلم السحرة أن ذلك معجزة، فخروا سجدا لله على وجوههم قائلين آمنا برب هارون وموسى.. .والحق أن التعبير بقوله- تعالى-: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً.. يدل على قوة البرهان الذي عاينوه، حتى لكأنهم أمسكهم إنسان وألقاهم ساجدين بالقوة لعظم المعجزة التي عاينوها، وأطلق- سبحانه- عليهم اسم السحرة في حال سجودهم له- تعالى- وإيمانهم به، نظرا إلى حالهم الماضية.وهكذا النفوس النقية عند ما يتبين لها الحق، لا تلبث أن تفيء إليه، وتستجيب لأهله. قال الكرخي: خروا ساجدين لله لأنهم كانوا في أعلى طبقات السحر، فلما رأوا ما فعله موسى خارجا عن صناعتهم، عرفوا أنه ليس من السحر ألبتة .وقال صاحب الكشاف: «ما أعجب أمرهم، قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود.ثم ألقوا رءوسهم بعد ساعة للشكر والسجود. فما أعظم الفرق بين الإلقاءين» .ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما توعد فرعون به السحرة، وموقفهم من هذا الوعيد فقال- تعالى-:

" فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى "

قوله تعالى فألقي السحرة سجدا لما رأوا من عظيم الأمر وخرق العادة في العصا ؛ فإنها ابتلعت جميع ما احتالوا به من الحبال والعصي ؛ وكانت حمل ثلاثمائة بعير ثم عادت عصا لا يعلم أحد أين ذهبت الحبال والعصي إلا الله تعالى . وقد مضى في ( الأعراف ) هذا المعنى وأمر العصا مستوفى قالوا آمنا برب هارون وموسى أي به ؛ يقال : آمن له وآمن به ؛ ومنه فآمن له لوط وفي الأعراف

القول في تأويل قوله تعالى : فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)وفي هذا الكلام متروك قد استغنى بدلالة ما ترك عليه وهو: فألقى موسى عصاه، فتلقفت ما صنعوا( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) وذكر أن موسى لما ألقى ما في يده تحوّل ثعبانا، فالتقم كلّ ما كانت السحرة ألقته من الحبال والعصي.* ذكر الرواية عمن قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: لما اجتمعوا وألقوا ما في أيديهم من السحر، يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، قال: فتحت فما لها مثل الدحل، ثم وضعت مشفرها على الأرض ورفعت الآخر، ثم استوعبت كل شيء ألقوه من السحر، ثم جاء إليها فقبض عليها، فإذا هي عصا، فخرّ السحرة سجدا(قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) قال: فكان أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون ( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) قال: فكان أول من صلب في جذوع النخل فرعون.حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى فأوحى الله إليه لا تَخَفْ ( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا يَأْفِكُونَ ) فألقى عصاه فأكلت كل حية لهم، فلما رأوا ذلك سجدوا و ( قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ).حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى لما رأى ما ألقوا من الحبال والعصيّ وخيل إليه أنها تسعى، وقال: والله إن كانت لعصيا في أيديهم، ولقد عادت حيات، وما تعدو عصاي هذه، أو كما حدّث نفسه، فأوحى الله إليه أن وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى وفرح موسى فألقى عصاه من يده، فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، وهي حيات في عين فرعون وأعين الناس تسعى، فجعلت تلقفها، تبتلعها حية حية، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت، ووقع السحرة سجدا، قالوا: آمنا برب هارون وموسى، لو كان هذا سحر ما غلبنا.

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) الفاء عاطفة على محذوف يدلّ عليه قوله { وألق ما في يمينك } [ طه : 69 ]. والتقدير : فألقى فتلقفت ما صنعوا ، كقوله تعالى : { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } [ الشعراء : 63 ].والإلقاء : الطرح على الأرض . وأسند الفعل إلى المجهول لأنّهم لا ملقي لهم إلاّ أنفسهم ، فكأنّه قيل : فألقوا أنفسهم سُجّداً ، فإنّ سجودهم كان إعلاناً باعترافهم أنّ موسى مرسل من الله . ويجوز أن يكون سجودهم تعظيماً لله تعالى .ويجوز أن يكون دلالة على تغلب موسى عليهم فسجدوا تعظيماً له .ويجوز أن يريدوا به تعظيم فرعون ، جعلوه مقدمة لقولهم { ءَامَنَّا بِرَبّ هارون وموسى } حذراً من بطشه .وسُجّد : جمع ساجد .وجملة { قَالُوا } يصح أن تَكون في موضع الحال ، أي ألقَوْا قائلين . ويصح أن تكون بدل اشتمال من جملة { فَأُلقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً } فإن سجودهم اشتمل على إيمانهم ، وأن تكون مستأنفة ابتدائية لافتتاح المحاورة بينهم وبين فرعون .وإنما آمنوا بالله حينئذ لأنّهم أيقنوا أن ما جرى على يد موسى ليس من جنس السحر لأنّهم أيمّة السحر فعلموا أنّه آية من عند الله .وتعبيرهم عن الرب بطريق الإضافة إلى هارون وموسى لأن الله لم يكن يعرف بينهم يومئذ إلا بهذه النسبة لأن لهم أرباباً يعبدونها ويعبدها فرعون .
الآية 70 - سورة طه: (فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى...)