ويسألك - أيها الرسول - قومك عن مصير الجبال يوم القيامة، فقل لهم: يزيلها ربِّي عن أماكنها فيجعلها هباء منبثًا.
«ويسألونك عن الجبال» كيف تكون يوم القيامة «فقل» لهم «ينسفها ربي نسفا» بأن يفتتها كالرمل السائل ثم يطيرها بالرياح.
تفسير الآيات من 105 الى 107 :يخبر تعالى عن أهوال القيامة، وما فيها من الزلازل والقلاقل، فقال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ أي: ماذا يصنع بها يوم القيامة، وهل تبقى بحالها أم لا؟ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا أي: يزيلها ويقلعها من أماكنها فتكون كالعهن وكالرمل، ثم يدكها فيجعلها هباء منبثا، فتضمحل وتتلاشى، ويسويها بالأرض، ويجعل الأرض قاعا صفصفا، مستويا لا يرى فيه أيها الناظر عِوَجًا، هذا من تمام استوائها وَلَا أَمْتًا أي: أودية وأماكن منخفضة، أو مرتفعة فتبرز الأرض، وتتسع للخلائق، ويمدها الله مد الأديم، فيكونون في موقف واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، ولهذا
يقول تعالى : ( ويسألونك عن الجبال ) أي : هل تبقى يوم القيامة أو تزول؟ ( فقل ينسفها ربي نسفا ) أي : يذهبها عن أماكنها ويمحقها ويسيرها تسييرا .
والسائلون عن أحوال الجبال يوم القيامة كفار مكة، روى أنهم قالوا للرسول صلّى الله عليه وسلّم على سبيل الاستهزاء، يا محمد إنك تدعى أن هذه الدنيا تفنى، وأننا نبعث بعد الموت، فأين تكون هذه الجبال، فنزل قوله- تعالى-: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً.وقيل: السائلون هم المؤمنون على سبيل طلب المعرفة والفهم.وقوله: يَنْسِفُها من النسف بمعنى القلع. يقال: نسفت الريح التراب نسفا- من باب ضرب- إذا اقتلعته وفرقته.أى: ويسألك- أيها الرسول الكريم- بعض الناس عن أحوال الجبال يوم القيامة، فقل لهم: ينسفها ربي نسفا، بأن يقلعها من أصولها، ثم يجعلها كالرمل المتناثر، أو كالصوف المنفوش الذي تفرقه الرياح.والفاء في قوله: فَقُلْ للمسارعة إلى إزالة ما في ذهن السائل من توهم أن الجبال قد تبقى يوم القيامة.
قوله عز وجل : ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ) قال ابن عباس : سأل رجل من ثقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ فأنزل الله هذه الآية .والنسف هو القلع ، أي : يقلعها من أصلها ويجعلها هباء منثورا .
قوله تعالى : ويسألونك عن الجبال أي عن حال الجبال يوم القيامة . فقل جاء هذا بفاء وكل سؤال في القرآن قل بغير فاء إلا هذا ، لأن المعنى إن سألوك عن الجبال فقل ، فتضمن الكلام معنى الشرط وقد علم الله أنهم يسألونه عنها ، فأجابهم قبل السؤال ، وتلك أسئلة تقدمت سألوا عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء الجواب عقب السؤال ؛ فلذلك كان بغير فاء ، وهذا سؤال لم يسألوه عنه بعد ؛ فتفهمه .ينسفها يطيرها . نسفا قال ابن الأعرابي وغيره : يقلعها قلعا من أصولها ثم يصيرها رملا يسيل سيلا ، ثم يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا قال : ولا يكون العهن من الصوف إلا المصبوغ ، ثم كالهباء المنثور .
القول في تأويل قوله تعالى : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)يقول تعالى ذكره: ويسألك يا محمد قومك عن الجبال، فقل لهم: يذريها ربي تذرية، ويطيرها بقلعها واستئصالها من أصولها، ودكّ بعضها على بعض، وتصييره إياها هباء منبثا
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105). لما جرى ذكر البعث ووصف ما سينكشف للذين أنكروه من خطئهم في شبهتهم بتعذر إعادة الأجسام بعد تفرق أجزائها ذكرت أيضاً شبهة من شبهاتهم كانوا يسألون بها النبي صلى الله عليه وسلم سؤال تعنت لا سؤال استهداء ، فكانوا يحيلون انقضاء هذا العالم ويقولون : فأيْن تكون هذه الجبال التي نراها . وروي أنّ رجلاً من ثقيف سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وهم أهل جبال لأن موطنهم الطائف وفيه جبل كَرَى . وسواء كان سؤالهم استهزاء أم استرشاداً ، فقد أنبأهم الله بمصير الجبال إبطالاً لشبهتهم وتعليماً للمؤمنين . قال القرطبي : «جاء هنا ( أي قوله { فَقُلْ يَنسِفُهَا } ) بفاء وكل سؤال في القرآن «قل» ( أي كل جواب في لفظ منه مادة سؤال ) بغير فاء إلا هذا ، لأن المعنى إن سألوك عن الجبال فقل ، فتضمن الكلام معنى الشرط ، وقد علم أنّهم يسألونه عنها فأجابهم قبل السؤال . وتلك أسئلة تقدمت سألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فجاء الجواب عقب السؤال ا . ه» .وأكد { ينسفها نسفاً } لإثبات أنه حقيقة لا استعارة . فتقدير الكلام : ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً . . . إلى آخره ، وننسف الجبال نسفاً ، فقل ذلك للذين يسألونك عن الجبال .والنسف : تفريق وإذراء ، وتقدم آنفاً .والقاع : الأرض السهلة .والصفصف : الأرض المستوية التي لا نتوء فيها .