سورة ق: الآية 33 - من خشي الرحمن بالغيب وجاء...

تفسير الآية 33, سورة ق

مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ

الترجمة الإنجليزية

Man khashiya alrrahmana bialghaybi wajaa biqalbin muneebin

تفسير الآية 33

يقال لهم: هذا الذي كنتم توعدون به - أيها المتقون - لكل تائب مِن ذنوبه، حافظ لكل ما قَرَّبه إلى ربه، من الفرائض والطاعات، مَن خاف الله في الدنيا ولقيه يوم القيامة بقلب تائب من ذنوبه.

«من خشي الرحمن بالغيب» خافه ولم يره «وجاء بقلب منيب» مقبل على طاعته، ويقال للمتقين أيضا.

مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ أي: خافه على وجه المعرفة بربه، والرجاء لرحمته ولازم على خشية الله في حال غيبه أي: مغيبه عن أعين الناس، وهذه هي الخشية الحقيقية، وأما خشيته في حال نظر الناس وحضورهم، فقد تكون رياء وسمعة، فلا تدل على الخشية، وإنما الخشية النافعة، خشية الله في الغيب والشهادة ويحتمل أن المراد بخشية الله بالغيب كالمراد بالإيمان بالغيب وأن هذا مقابل للشهادة حيث يكون الإيمان والخشية ضروريًا لا اختياريًا حيث يعاين العذاب وتأتي آيات الله وهذا هو الظاهر وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ أي: وصفه الإنابة إلى مولاه، وانجذاب دواعيه إلى مراضيه.

( من خشي الرحمن بالغيب ) أي : من خاف الله في سره حيث لا يراه أحد إلا الله . كقوله [ عليه السلام ] ورجل ذكر الله خاليا ، ففاضت عيناه " .( وجاء بقلب منيب ) أي : ولقي الله يوم القيامة بقلب سليم منيب إليه خاضع لديه .

مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ.. أى: من خاف مقام ربه دون أن يراه أو يطلع عليه، والجملة بدل أو عطف بيان من قوله: لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ وقوله: بِالْغَيْبِ متعلق بمحذوف حال من الرحمن، أى: خشيه وهو غائب عنه لا يراه ولا يشاهده.وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ أى: وجاء ربه يوم القيامة بقلب راجع إليه، مخلص في طاعته، مقبل على عبادته..

( من خشي الرحمن بالغيب ) محل " من " جر على نعت الأواب . ومعنى الآية : من خاف الرحمن وأطاعه بالغيب ولم يره . وقال الضحاك والسدي : يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد . قال الحسن : إذا أرخى الستر وأغلق الباب . ( وجاء بقلب منيب ) مخلص مقبل إلى طاعة الله .

قوله تعالى : من خشي الرحمن بالغيب " من " في محل خفض على البدل من قوله : لكل أواب حفيظ أو في موضع الصفة ل " أواب " . ويجوز الرفع على الاستئناف ، والخبر " ادخلوها " على تقدير حذف جواب الشرط والتقدير فيقال لهم : ادخلوها . والخشية بالغيب أن تخافه ولم تره . وقال الضحاك والسدي : يعني في الخلوة حين لا يراه أحد . وقال الحسن : إذا أرخى الستر وأغلق الباب .وجاء بقلب منيب مقبل على الطاعة . وقيل : مخلص . وقال أبو بكر الوراق : علامة المنيب أن يكون عارفا لحرمته ومواليا له ، متواضعا لجلاله تاركا لهوى نفسه . قلت : ويحتمل أن يكون القلب المنيب القلب السليم ; كما قال تعالى : إلا من أتى الله بقلب سليم على ما تقدم ; والله أعلم .

وقوله ( مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ) يقول: من خاف الله في الدنيا من قبل أن يلقاه, فأطاعه, واتبع أمره.وفي ( مَن ) في قوله ( مَنْ خَشِيَ ) وجهان من الإعراب: الخفض على إتباعه كلّ في قوله ( لِكُلِّ أَوَّابٍ ) والرفع على الاستئناف, وهو مراد به الجزاء من خشي الرحمن بالغيب, قيل له ادخل الجنة; فيكون حينئذ قوله ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ جوابا للجزاء أضمر قبله القول, وحمل فعلا للجميع, لأن ( مَن ) قد تكون في مذهب الجميع.وقوله ( وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ) يقول: وجاء الله بقلب تائب من ذنوبه, راجع مما يكرهه الله إلى ما يرضيه.كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ) : أي منيب إلى ربه مُقْبل.

مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33(و { من خشي الرحمن بالغيب } بدل من { كل أوّاب } . والخشية : الخوف . وأطلقت الخشية على أثرها وهو الطاعة .والباء في { بالغيب } بمعنى ( في ( الظرفية لتنزيل الحال منزلة المكان ، أي الحالة الغائبة وهي حالة عدم اطِّلاع أحد عليه ، فإن الخشية في تلك الحالة تدل على صدق الطاعة لله بحيث لا يرجو ثناء أحد ولا عقاب أحد فيتعلق المجرور بالتاء بفعل { خشي } .ولك أن تبقي الباء على بعض معانيها الغالبة وهي الملابسة ونحوها ويكون { الغيب } مصدراً والمجرور حالاً من ضمير { خشي } .ومعنى { وجاء بقلب منيب } أنه حضر يوم الحشر مصاحباً قلبَه المنيب إلى الله ، أي مات موصوفاً بالإنابة ولم يُبطل عمله الصالح في آخر عمره ، وهذا كقوله حكاية عن إبراهيم { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } [ الشعراء : 88 ، 89 ] .وإيثار اسمه { الرحمن } في قوله : { من خشي الرحمن } دون اسم الجلالة للإشارة إلى أن هذا المتقي يخشى الله وهو يعلم أنه رحمان ، ولقصد التعريض بالمشركين الذين أنكروا اسمه الرحمان { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان } [ الفرقان : 60 ] .والمعنى على الذين خَشُوا : خشي صاحب هذا الاسم ، فأنتم لا حَظَّ لكم في الجنة لأنكم تنكرون أن الله رحمان بَلْهَ أن تخْشَوْه .ووصفُ قلب ب { مُّنِيب } على طريقة المجاز العقلي لأن القلب سبب الإنابة لأنه الباعث عليها .
الآية 33 - سورة ق: (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب...)