سورة ق: الآية 27 - ۞ قال قرينه ربنا ما...

تفسير الآية 27, سورة ق

۞ قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِى ضَلَٰلٍۭ بَعِيدٍ

الترجمة الإنجليزية

Qala qareenuhu rabbana ma atghaytuhu walakin kana fee dalalin baAAeedin

تفسير الآية 27

قال شيطانه الذي كان معه في الدنيا: ربنا ما أضللته، ولكن كان في طريق بعيد عن سبيل الهدى.

«قال قرينه» الشيطان «ربنا ما أطغيته» أضللته «ولكن كان في ضلال بعيد» فدعوته فاستجاب لي، وقال هو أطغاني بدعائه له.

قَالَ قَرِينُهُ الشيطان، متبرئًا منه، حاملاً عليه إثمه: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ لأني لم يكن لي عليه سلطان، ولا حجة ولا برهان، ولكن كان في الضلال البعيد، فهو الذي ضل وأبعد عن الحق باختياره، كما قال في الآية الأخرى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم الآية

( قال قرينه ) : قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغيرهم : هو الشيطان الذي وكل به : ( ربنا ما أطغيته ) أي : يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامة كافرا ، يتبرأ منه شيطانه ، فيقول : ( ربنا ما أطغيته ) أي : ما أضللته ، ( ولكن كان في ضلال بعيد ) أي : بل كان هو في نفسه ضالا قابلا للباطل معاندا للحق . كما أخبر تعالى في الآية الأخرى في قوله : ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ) [ إبراهيم : 22 ] .

قالَ قَرِينُهُ أى: شيطانه الذي كان يزبن له السوء في الدنيا. والجملة مستأنفة لأنها جواب عما يزعمه الكافر يوم القيامة من أن قرينه هو الذي أغواه وحمله على الكفر..أى: قال الشيطان في رده على الكافر: يا ربنا إننى ما أطغيته، ولا أجبرته على الكفر والعصيان وَلكِنْ هو الذي كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ دون أن أكرهه أنا على هذا الضلال أو الكفر.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ، إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ، وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ، ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ .

( قال قرينه ) يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر : ( ربنا ما أطغيته ) ما أضللته وما أغويته ( ولكن كان في ضلال بعيد ) عن الحق ، فيتبرأ عنه شيطانه ، قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل : " قال قرينه " يعني : الملك ، قال سعيد بن جبير : يقول الكافر يا رب إن الملك زاد علي في الكتابة ، فيقول الملك " ربنا ما أطغيته " ، يعني ما زدت عليه وما كتبت إلا ما قال وعمل ، ولكن كان في ضلال بعيد ، طويل لا يرجع عنه إلى الحق .

قال قرينه ربنا ما أطغيته يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر العنيد تبرأ منه وكذبه .ولكن كان في ضلال بعيد عن الحق وكان طاغيا باختياره وإنما دعوته فاستجاب لي . وقرينه هنا هو شيطانه بغير اختلاف ؛ حكاه المهدوي . وحكى الثعلبي قال ابن عباس ومقاتل : قرينه الملك ; وذلك أن الوليد بن المغيرة يقول للملك الذي كان يكتب سيئاته : رب إنه أعجلني ، فيقول الملك : ربنا ما أطغيته أي : ما أعجلته . وقال سعيد بن جبير : يقول الكافر : رب إنه زاد علي في الكتابة ، فيقول الملك : ربنا ما أطغيته أي : ما زدت عليه في الكتابة ; فحينئذ يقول الله تعالى :

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27)يقول تعالى ذكره: قال قرين هذا الإنسان الكفار المناع للخير, وهو شيطانه الذي كان موكلا به في الدنيا.كما حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ) قال: قرينه شيطانه.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( قَالَ قَرِينُهُ ) قال: الشيطان قُيِّض له.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ هو المشرك ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ) قال: قرينه الشيطان.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ) قال: قرينه: الشيطان.حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ) قال: قرينه: شيطانه.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ) قال: قرينه من الجنّ: ربنا ما أطغيته, تبرأ منه.وقوله ( رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ) يقول: ما أنا جعلته طاغيا متعدّيا إلى ما ليس له, وإنما يعني بذلك الكفر بالله ( وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ) يقول: ولكن كان في طريق جائر عن سبيل الهدى جورا بعيدا. وإنما أخبر تعالى ذكره هذا الخبر, عن قول قرين الكافر له يوم القيامة, إعلاما منه عباده, تبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة.كما حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ) قال: تبرأ منه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عبد الله بن أبي زياد, قال: ثنا عبد الله بن أبي بكر, قال: ثنا جعفر, قال: سمعت أبا عمران يقول في قوله ( رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ) تبرأ منه.

قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27(حكاية قول القرين بالأسلوب المتبع في حكاية المُقاولات في القرآن وهو أسلوب الفصل دون عطف فعل القول على شيء ، وهو الأسلوب الذي ذكرناه في قوله تعالى : { قالوا أتجعلُ فيها من يُفسد فيها } الآية في سورة البقرة ( 30 ( ، تشعر بأن في المقام كلاماً مطوياً هو كلام صاحب القرين طوي للإيجاز ، ودليله ما تضمنه قول القرين من نفي أن يكون هو أطغى صاحبه إذ قال ربَّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد } . وقد حكي ذلك في سورة ص صريحاً بقوله : { هذا فوج مقتحم معكم لاَ مَرْحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قَدّم لنا هذا فزِده عذاباً ضعفاً في النار } [ ص : 59 61 ] . وتقدير المطوي هنا : أن الكَفَّار العَنيد لما قدم إلى النار أراد التنصل من كُفره وعناده وألقى تبعته على قرينه الذي كان يزيّن له الكفر فقال : هذا القرينُ أطغاني ، فقال قرينه { ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد } . فالقرين هذا هو القرين الذي تقدم ذكره في قوله : { وقال قرينه هذا ما لدي عتيد } [ ق : 23 ] .والطغيان : تجاوز الحدّ في التعاظم والظلم والكفر ، وفعله يائي وواوي ، يقال : طَغِيَ يطغَى كرضِيَ ، وطغَا يطغُو كدعا . فمعنى { ما أطغيته } ما جعلته طاغياً ، أي ما أمرته بالطغيان ولا زينته له . والاستدراك ناشىء عن شدة المقارنة بينه وبين قرينه لا سيما إذا كان المراد بالقرين شيطانه المقيَّض له فإنه قرن به من وقت إدراكه ، فالاستدراك لدفع توهم أن المقارنة بينهما تقتضي أن يكون ما به من الطغيان بتلقين القرين فهو ينفي ذلك عن نفسه ، ولذلك أتبع الاستدراك بجملة { كان في ضلال بعيد } فأخبَر القرين بأن صاحبه ضالُّ من قبلُ فلم يكن اقترانه معه في التقييض أو في الصحبة بزائد إياه إضلالاً ، وهذا نظير ما حكاه الله عن الفريقين في قوله : { إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعُوا } [ البقرة : 166 ] . وفعل { كان } لإفادة أن الضلال ثابت له بالأصالة ملازم لتكوينه .والبعيد : مستعار للبالغ في قوة النوع حدًّا لا يَبلغ إليه إدراك العاقِل بسهولة كما لا يبلغ سيرُ السائر إلى المكان البعيد إلا بمشقةٍ أو بعيد الزمان ، أي قديم أصيل فيكون تأكيدا لمفاد فعل { كان } ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً } في سورة النساء ( 116 ( .والمعنى : أنَّ تمكُّن الضلال منه يدل على أنه ليس فيه بتابع لما يمليه غيره عليه لأن شأن التابع في شيء أن لا يكون مكيناً فيه مثل علم المقلد وعلم النظَّار .
الآية 27 - سورة ق: (۞ قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد...)