سورة ق: الآية 24 - ألقيا في جهنم كل كفار...

تفسير الآية 24, سورة ق

أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ

الترجمة الإنجليزية

Alqiya fee jahannama kulla kaffarin AAaneedin

تفسير الآية 24

يقول الله للمَلَكين السائق والشهيد بعد أن يفصل بين الخلائق: ألقيا في جهنم كل جاحد أن الله هو الإلهُ الحقُّ، كثيرِ الكفر والتكذيب معاند للحق، منَّاع لأداء ما عليه من الحقوق في ماله، مُعْتدٍ على عباد الله وعلى حدوده، شاكٍّ في وعده ووعيده، الذي أشرك بالله، فعبد معه معبودًا آخر مِن خلقه، فألقياه في عذاب جهنم الشديد.

«ألقيا في جهنم» أي: ألق ألق أو ألقين وبه قرأ الحسن فأبدلت النون ألفا «كلَّ كفار عنيد» معاند للحق.

ويقال لمن استحق النار: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ أي: كثير الكفر والعناد لآيات الله، المكثر من المعاصي، المجترئ على المحارم والمآثم.

فعند ذلك يحكم الله سبحانه تعالى ، في الخليقة بالعدل فيقول : ( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد )وقد اختلف النحاة في قوله : ( ألقيا ) فقال بعضهم : هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتثنية ، كما روي عن الحجاج أنه كان يقول : يا حرسي ، اضربا عنقه ، ومما أنشد ابن جرير على هذه اللغة قول الشاعر :فإن تزجراني - يابن عفان - أنزجر وإن تتركاني أحم عرضا ممنعاوقيل : بل هي نون التأكيد سهلت إلى الألف . وهذا بعيد ; لأن هذا إنما يكون في الوقف ، والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد ، فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب ، فلما أدى الشهيد عليه ، أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم وبئس المصير .( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ) أي : كثير الكفر والتكذيب بالحق ، ( عنيد ) : معاند للحق ، معارض له بالباطل مع علمه بذلك .

ثم يقال بعد ذلك للملكين الموكلين به، أو للسائق والشهيد: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ أى: اقذفا في جنهم باحتقار وغضب كل «كفار» أى: كل مبالغ في الجحود والكفر «عنيد» أى: معاند للحق مع علمه بأنه حق..يقال: عند فلان عن الحق- من باب- قعد فهو عاند وعنيد وعنود، إذا ركب الخلاف والعصيان وأبى أن ينقاد للحق مع علمه بأنه حق، مأخوذ من العند وهو عظم يعرض في الحلق فيحول بين الطعام وبين دخوله إلى الجسم.

( ألقيا في جهنم ) هذا خطاب للواحد بلفظ التثنية على عادة العرب ، تقول : ويحك ويلك ارحلاها وازجراها وخذاها وأطلقاها ، للواحد ، قال الفراء : وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه ، ومنه قولهم في الشعر للواحد : خليلي . وقال الزجاج : هذا أمر للسائق والشهيد ، وقيل : للمتلقيين . ( كل كفار عنيد )عاص معرض عن الحق . قال عكرمة ومجاهد : مجانب للحق معاند لله .

قال ابن زيد في رواية ابن وهب عنه : إنه قرينه من الإنس ، فيقول الله تعالى لقرينه : ألقيا في جهنم قال الخليل والأخفش : هذا كلام العرب الفصيح ، أن تخاطب الواحد بلفظ الاثنين فتقول : " ويلك ارحلاها وازجراها ، وخذاه وأطلقاه " للواحد . قال الفراء : تقول للواحد قوما عنا ، وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه ورفقته في سفره اثنان فجرى كلام الرجل على صاحبيه ، ومنه قولهم للواحد في الشعر : خليلي ، ثم يقول : يا صاح . قال امرؤ القيس : خليلي مرا بي على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب وقال أيضا : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل وقال آخر : فإن تزجراني يابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا وقيل : جاء كذلك لأن القرين يقع للجماعة والاثنين . وقال المازني : قوله : " ألقيا " يدل على ألق ألق . وقال المبرد : هي تثنية على التوكيد ، المعنى ألق ألق ، فناب ألقيا مناب التكرار . ويجوز أن يكون " ألقيا " تثنية على خطاب الحقيقة من قول الله تعالى يخاطب به الملكين . وقيل : هو مخاطبة للسائق والحافظ . وقيل : إن الأصل ألقين بالنون الخفيفة تقلب في الوقف ألفا فحمل الوصل على الوقف .وقرأ الحسن " ألقين " بالنون الخفيفة نحو قوله : وليكونا من الصاغرين وقوله : لنسفعا .كل كفار عنيد أي : معاند ; قاله مجاهد وعكرمة . وقال بعضهم : العنيد المعرض عن الحق ; يقال : عند يعند بالكسر عنودا أي : خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند ، وجمع العنيد عند مثل رغيف ورغف .

وقوله ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عليه منه, وهو: يقال ألقيا في جهنم, أو قال تعالى: ألقيا, فأخرج الأمر للقرين, وهو بلفظ واحد مخرج خطاب الاثنين. وفي ذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون القرين بمعنى الاثنين, كالرسول, والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد, والتثنية والجمع, فردّ قوله ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ ) إلى المعنى. والثاني: أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول, وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين, فتقول للرجل ويلك أرجلاها وازجراها, وذكر أنه سَمِعها من العرب; قال: وأنشدني بعضهم:فَقُلْتُ لصَاحِبي لا تَحْبسانابنزعِ أُصُولِهِ واجْتَزَّ شيحا (6)قال: وأنشدني أبو ثروان:فإنْ تَزْجُرانِي يا بْنَ عَفَّان أنزجِرْوَإنْ تَدَعانِي أحْمِ عِرْضا مُمنَعَّا (7)قال: فيروى أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان, وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة, فجرى كلام الواحد على صاحبيه, وقال: ألا ترى الشعراء أكثر قيلا يا صاحبيّ يا خليليّ, وقال امرؤ القَيس:خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي على أُمّ جُنْدَبِنُقَضِّ لُباناتِ الفُؤَادِ المُعَذَّبِ (8)ثم قال:أَلمْ تَرَ أنّي كُلَّما جِئْتُ طارِفاوَجَدْتُ بِها طِيْبات وَإنْ لَّمْ تَطَيَّبِ (9)فرجع إلى الواحد, وأوّل الكلام اثنان; قال: وأنشدني بعضهم:خَلِيلَي قُوما في عَطالَةَ فانْظُرَاأنارٌ تَرَى مِنْ ذِي أبانَيْنِ أَمْ بَرْقا (10)وبعضهم يروي: أنارا نرى.( كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) يعني: كل جاحد وحدانية الله عنيد, وهو العاند عن الحقّ وسبيل الهدى.-------------------الهوامش :(6) البيت لمضرس بن ربعي الفقعسي الأسدي ، وليس ليزيد بن الطثرية كما نسبه الكسائي وثعلب إليه ، وأخذه عنه الجوهري في الصحاح . قاله ياقوت فيما كتبه على الصحاح . وفي روايته : " لحاطبي " في موضع لصاحبي ، وقوله : " لا تحبسانا " ، فإن العرب ربما خاطبت الواحد بلفظ الاثنين ( انظر شرح شواهد الشافية لعبد القادر البغدادي طبع القاهرة ) . وقال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 309 عند قوله تعالى " ألقيا في جهنم " . العرب تأمر الواحد والقوم بما يؤمر به الاثنان ، فيقولان للرجل قوما عنا . وسمعت بعضهم يقول : ويحك ارحلاها وازجراها . وأنشدني بعضهم " فقلت لصاحبي ... البيت " . قال : ويروى : واجدز يريد : واجتز . أ ه .(7) وهذا البيت أيضًا من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 309 ) على ما تقدم في نظيره من أن العرب قد تخاطب القوم والواحد بما تخاطب به الاثنين ، قال بعد أن أنشد البيت : ونرى أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان ، وكذلك الرفقة أدنى ما يكونون ثلاثة ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه . أ ه .وقال في ( اللسان : جزر ) إن العرب ربما خاطبت الواحد بلفظ الاثنين ، كما قال سويد بن كراع العكلي :تقول ابنة العوفي ليلي ألا ترىإلى ابن كراع لا يزال مفزعامخافة هذين الأميرين سهدترقادي وغشتني بياضا مقزعافإن أنتما أحكمتماني فازجراأراهط تؤذي من الناس رضعاوإن تزجراني ... البيت .قال : وهذا يدل على أنه خاطب اثنين : سعيد بن عثمان ، ومن ينوب عنه ، أو يحضر معه . وقوله فإن أنتما أحكمتماني : دليل أيضا على أنه يخاطب اثنين . وقوله : أحكمتماني : أي منعتماني من هجائه . واصله من أحكمت الدابة : إذا جعلت فيها حكمة اللجام وقوله : " وإن تدعاني " أي إن تركتماني حميت عرضي ممن يؤذيني . وإن زجرتماني انزجرت وصبرت . والرضع : جمع راضع ، وهو اللئيم . أ ه . وعلى هذا لا يكون في البيت شاهد للفراء ، ولا للمؤلف .(8) هذا البيت مطلع قصيدة لامرئ القيس قالها في زوجته أم جندب من طيئ ( مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 43 ) والشاهد فيه أن يخاطب خليله ، بلفظ التثنية ، لأنهم كانوا ثلاثة في سفر . وبعد هذا المطلع قوله :فإنكما إن تنظراني ساعةمن الدهر تنفعني لدى أم جندب(9) وهذا البيت هو ثالث البيتين في القصيدة ، وهو لامرئ القيس أيضًا . قال الفراء بعد كلامه الذي سبق في الشاهد الذي قبله : ثم قال : ألم تر ، فرجع إلى الواحد ، وأول كلامه اثنان . قلت : وكلام الفراء بناء على روايته في البيت . وهناك رواية أخرى في قوله " ألم تر " وهي : " ألم تريا " بصيغة الخطاب للمثنى ، وهما رفيقاه ، و شاهد عليها في البيت . وهي رواية الأعلم الشنتمري في شرحه للأشعار الستة ، وأثبتها شارح مختار الشعر الجاهلي .(10) البيت لسويد بن كراع العكلي عن ( التاج : عطل ) وعطالة : جبل لبني تميم وذو وأبانين : أي المكان الذي فيه الجبلان : أبان الأبيض ، وهو لبني جريد من بني فزارة خاصة، والأسود لبني والبة من بني الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد ، ويشركهم فيه فزارة . وبين الجبلين نحو فرسخ ، ووادي الرمة يقطع بينهما . قاله البكري في ( معجم ما استعجم ص 95 ) . وقال الفراء بعد أن روى البيت: بعضهم يرويه : " أنارا ترى " . أ ه . وعلى هذه الرواية الأخيرة لا يكون في البيت شاهد على ما أراده المؤلف من أن العرب تخاطب الواحد بما تخاطب به المثنى . وقوله " من ذى أبانين " هذه رواية الطبري في الأصل ، وهي تختلف عن رواية الفراء في معاني القرآن ( 309 ) وهي : " من نحو بابين " . قال في التاج : وبابين - مثنى - موضع بالبحرين

أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24(انتقال من خطاب النفس إلى خطاب الملكين الموكليْن السائق والشهيد . والكلام مقول قول محذوف . والجملة استئناف ابتدائي انتقال من خطاب فريق إلى خطاب فريق آخر ، وصيغة المثنى في قوله : { ألْقِيا } تجوز أن تكون مستعملة في أصلِها فيكون الخطاب للسائق والشهيد . ويجوز أن تكون مستعملة في خطاب الواحد وهو الملك الموكّل بجهنّم وخُوطب بصيغةِ المثنّى جريْا على طريقة مستعملة في الخطاب جرت على ألسنتهم لأنهم يكثر فيهم أن يرافق السائرَ رفيقان ، وهي طريقة مشهورة ، كما قال امرؤ القيس :قفا نبك من ذكرَى حبيب ومنزل ... وقولهم : يا خليلَيَّ ، ويا صاحبَيّ . والمبرد يرى أن تثنية الفاعل نُزلت منزلة تثنية الفعل لاتحادهما كأنه قيل : ألْققِ ألْققِ للتأكيد . وهذا أمر بأن يُعم الإلقاءُ في جهنم كلّ كفار عنيد ، فيعلم منه كلُّ حاضر في الحشر من هؤلاء أنه مَدفوع به إلى جهنم .والكفَّار : القوي الكفر ، أي الشرك .والعنيد : القوي العناد ، أي المكابرة والمدافعة للحق وهو يعلم أنه مبطل .
الآية 24 - سورة ق: (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد...)