سورة الروم: الآية 25 - ومن آياته أن تقوم السماء...

تفسير الآية 25, سورة الروم

وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلْأَرْضُ بِأَمْرِهِۦ ۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلْأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ

الترجمة الإنجليزية

Wamin ayatihi an taqooma alssamao waalardu biamrihi thumma itha daAAakum daAAwatan mina alardi itha antum takhrujoona

تفسير الآية 25

ومن آياته الدالة على قدرته قيام السماء والأرض واستقرارهما وثباتهما بأمره، فلم تتزلزلا ولم تسقط السماء على الأرض، ثم إذا دعاكم الله إلى البعث يوم القيامة، إذا أنتم تخرجون من القبور مسرعين.

«ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره» بإرادته من غير عمد «ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض» بأن ينفخ إسرافيل في الصور للبعث من القبور «إذا أنتم تخرجون» منها أحياء فخروجكم منها بدعوة من آياته تعالى.

أي: ومن آياته العظيمة أن قامت السماوات والأرض واستقرتا وثبتتا بأمره فلم تتزلزلا ولم تسقط السماء على الأرض، فقدرته العظيمة التي بها أمسك السماوات والأرض أن تزولا، يقدر بها أنه إذا دعا الخلق دعوة من الأرض إذا هم يخرجون لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ

ثم قال : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) كقوله : ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) [ الحج : 65 ] ، وقوله : ( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ) [ فاطر : 41 ] . وكان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، إذا اجتهد في اليمين يقول : لا والذي تقوم السماء والأرض بأمره ، أي : هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها ، ثم إذا كان يوم القيامة بدلت الأرض غير الأرض والسماوات ، وخرجت الأموات من قبورها أحياء بأمره تعالى ودعائه إياهم; ولهذا قال : ( ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) كما قال تعالى : ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ) [ الإسراء : 52 ] .وقال تعالى : ( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) [ النازعات : 13 ، 14 ] ، وقال : ( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ) [ يس : 53 ] .

ثم ذكر- سبحانه- آية سادسة فقال: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ والمراد بقيامهما: ثباتهما وبقاؤهما بتلك الصورة العجيبة البديعة.أى: ومن آياته- سبحانه- الدالة على كمال قدرته، خلقه للسموات وللأرض، وإبقاؤه لهما على هذه الصورة البديعة، وقيامهما وثباتهما واستمساكهما على تلك الهيئة العجيبة، وذلك كله بإرادته وأمره ومشيئته.قال ابن كثير: وشبيه بذلك قوله- تعالى-: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا. وكان عمر بن الخطاب. رضى الله عنه- إذا اجتهد في اليمين قال: لا، والله الذي تقوم السماء والأرض بأمره، أى: هي قائمة ثابتة بأمره وتسخيره إياها .وقوله- تعالى-: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ بيان لامتثالهم لأمره بدون تقاعس، عند ما يدعوهم الداعي للخروج من قبورهم للبعث والحساب.و «ثم» بعدها كلام محذوف، و «إذا» الأولى شرطية، والثانية فجائية، والداعي هو إسرافيل بأمر الله- تعالى-: وقوله: مِنَ الْأَرْضِ متعلق بقوله دَعاكُمْ.أى: ثم بعد موتكم ووضعكم في قبوركم، إذا دعاكم الداعي دعوة واحدة من الأرض التي أنتم مستقرون فيها، إذا أنتم تخرجون من قبوركم مسرعين بدون تلبث أو توقف، كما يجيب المدعو المطيع دعوة الداعي المطاع.قال صاحب الكشاف: وإنما عطف هذه الجملة على قيام السموات والأرض بثم، بيانا لعظم ما يكون من ذلك الأمر، واقتداره- سبحانه- على مثله وهو أن يقول: يا أهل القبور قوموا، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر، كما قال- تعالى-: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ .وكما في قوله- سبحانه-: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ وكما في قوله- عز وجل-: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ. وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا

(ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) قال ابن مسعود : قامتا على غير عمد بأمره . وقيل : يدوم قيامها بأمره ( ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض ) قال ابن عباس : من القبور ( إذا أنتم تخرجون ) منها ، وأكثر العلماء على أن معنى الآية : ثم إذا دعاكم دعوة إذا أنتم تخرجون من الأرض .

ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره إن في محل رفع كما تقدم ; أي قيامها واستمساكها بقدرته بلا عمد . وقيل : بتدبيره وحكمته ; أي يمسكها بغير عمد لمنافع الخلق . وقيل : بأمره بإذنه ; والمعنى واحد . ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون أي الذي فعل هذه الأشياء قادر على أن يبعثكم من قبوركم ; والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف ولا تلبث ; كما يجيب الداعي المطاع مدعوه ; كما قال القائل :دعوت كليبا باسمه فكأنما دعوت برأس الطود أو هو أسرعيريد برأس الطود : الصدى أو الحجر إذا تدهده . وإنما عطف هذا على قيام السماوات والأرض بثم لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله ، وهو أن يقول : يا أهل القبور قوموا ; فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر ; كما قال تعالى : ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون . وإذا الأولى في قوله تعالى : إذا دعاكم للشرط ، والثانية في قوله تعالى : إذا أنتم للمفاجأة ، وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط . وأجمع القراء على فتح التاء هنا في تخرجون .واختلفوا في التي في ( الأعراف ) فقرأ أهل المدينة : ومنها تخرجون بضم التاء ، وقرأ أهل العراق : بالفتح ، وإليه يميل أبو عبيد . والمعنيان متقاربان ، إلا أن أهل المدينة فرقوا بينهما لنسق الكلام ، فنسق الكلام في التي في ( الأعراف ) بالضم أشبه ; إذ كان الموت ليس من فعلهم ، وكذا الإخراج . والفتح في سورة الروم أشبه بنسق الكلام ; أي إذا دعاكم خرجتم أي أطعتم ; فالفعل بهم أشبه . وهذا الخروج إنما هو عند نفخة إسرافيل النفخة الآخرة ; على ما تقدم ويأتي . وقرئ ( تخرجون ) بضم التاء وفتحها ، ذكره الزمخشري ولم يزد على هذا شيئا ، ولم يذكر ما ذكرناه من الفرق ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)يقول تعالى ذكره: ومن حججه أيها القوم على قُدرته على ما يشاء، قيام السماء والأرض بأمره خضوعا له بالطاعة بغير عمد ترى ( ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) يقول: إذا أنتم تخرجون من الأرض، إذا دعاكم دعوة مستجيبين لدعوته إياكم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ) قامتا بأمره بغير عمد ( ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) قال: دعاهم فخرجوا من الأرض.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إِذَا أنتُمْ تَخْرُجُونَ) يقول: من الأرض.

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)ختمت الآيات بهذه الآية السادسة وهي التي دلت على عظيم القدرة على حفظ نظام المخلوقات العظيمة بعد خلقها؛ فخلقُ السماوات والأرض آيةٌ مستقلة تقدمت ، وبقاء نظامهما على ممر القرون آية أخرى . وموقع العبرة من هاته الآية هو أولها وهو أن تقوم السماء والأرض هذا القيام المتقن بأمر الله دون غيره .فمعنى القيام هنا : البقاء الكامل الذي يشبه بقاء القائم غير المضطجع وغير القاعد من قولهم : قامت السوق ، إذا عظم فيها البيع والشراء . وهذا هو المعبر عنه في قوله تعالى { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا } [ فاطر : 41 ] وقوله { ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه } [ الحج : 65 ] . والأمر المضاف إلى الله هو أمره التكويني وهو مجموع ما وضعه الله من نظام العالم العلوي والسفلي ، ذلك النظامَ الحارس لهما من تطرق الاختلال بإيجاد ذلك النظام . و { بأمره } متعلق بفعل { تقوم ، } والباء للسببية .و { ثم } عاطفة الجملة على الجملة . والمقصود من الجملة المعطوفة الاحتراس عما قد يتوهم من قوله { أن تقوم السماء والأرض بأمره } من أبدية وجود السماوات والأرض ، فأفادت الجملة أن هذا النظام الأرضي يعتوره الاختلال إذا أراد الله انقضاء العالم الأرضي وإحضار الخلق إلى الحشر تسجيلاً على المشركين بإثبات البعث . فمضمون جملة { إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } ليس من تمام هذه الآية السادسة ولكنه تكملة وإدماج موجه إلى منكري البعث .وفي متعلق المجرور في قوله { مِنَ الأرْض } اضطراب؛ فالذي ذهب إليه صاحب «الكشاف» أنه متعلق ب { دعاكم } لأن { دعاكم } لما اشتمل على فاعل ومفعول فالمتعلق بالفعل يجوز أن يكون من شؤون الفاعل ويجوز أن يكون من شؤون المفعول على حسب القرينة ، كما تقول : دعوت فلاناً من أعلى الجبل فنزل إليّ ، أي دعوته وهو في أعلى الجبل . وهذا الاستعمال خلاف الغالب ولكن دلت عليه القرينة مع التفصي من أن يكون المجرور متعلقاً ب { تخرجون } لأن ما بعد حرف المفاجأة لا يعمل فيما قبلها ، على أن في هذا المنع نظراً . ولا يجوز تعليقه ب { دعوة } لعدم اشتمال المصدر على فاعل ومفعول ، وهو وجيه وكفاك بذوق قائله . وأقول : قريب منه قوله تعالى { أولئك يُنادَوْن من مكان بعيد } [ فصلت : 44 ] . و { مِن } لابتداء المكان ، والمجرور ظرف لغو . ويجوز أن يكون المجرور حالاً من ضمير النصب في { دَعَاكم } فهو ظرف مستقر . ويجوز أن يكون { من الأرض } متعلقاً ب { تخرجون } قدم عليه . وهذا ذكر في «مغني اللبيب» أنه حكاه عنهم أبو حاتم في كتاب «الوقف» ، وهذا أحسن وأبعد عن التكلف ، وعليه فتقديم المجرور للاهتمام تعريضاً بخطئهم إذ أحالوا أن يكون لهم خروج من الأرض عن بعد صيرورتهم فيها في قولهم المحكي عنهم بقوله تعالى { وقالوا أإذا ضَلَلْنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد } [ السجدة : 10 ] وقولهم{ أإذا كنّا تُراباً وءاباؤنا أئنّا لمخرجون } [ النمل : 67 ] .وأما قضية تقديم المعمول على { إذا } الفجائية فإذا سلم عدم جوازه فإن التوسع في المجرور والمظروف من حديث البحر ، فمن العجب كيف سدّ باب التوسع فيه صاحب «مغني اللبيب» في الجهة الثانية من الباب الخامس . وجيء بحرف المفاجأة في قوله { إذا أنتم تخرجون } لإفادة سرعة خروجهم إلى الحشر كقوله { فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة } [ النازعات : 13 ، 14 ] و { إذا } الفجائية تقتضي أن يكون ما بعدها مبتدأ . وجيء بخبر المبتدأ جملة فعلية لإفادة التقوّي الحاصل من تحمل الفعل ضمير المبتدأ فكأنه أعيد ذكره كما أشار إليه صاحب «المفتاح» . وجيء بالمضارع لاستحضار الصورة العجيبة في ذلك الخروج كقوله { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } [ يس : 51 ] .
الآية 25 - سورة الروم: (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ۚ ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون...)