سورة القصص: الآية 9 - وقالت امرأت فرعون قرت عين...

تفسير الآية 9, سورة القصص

وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

الترجمة الإنجليزية

Waqalati imraatu firAAawna qurratu AAaynin lee walaka la taqtuloohu AAasa an yanfaAAana aw nattakhithahu waladan wahum la yashAAuroona

تفسير الآية 9

وقالت امرأة فرعون لفرعون: هذا الطفل سيكون مصدر سرور لي ولك، لا تقتلوه؛ فقد نصيب منه خيرًا أو نتخذه ولدا، وفرعون وآله لا يدركون أن هلاكهم على يديه.

«وقالت امرأة فرعون» وقد هم مع أعوانه بقتله هو «قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً» فأطاعوها «وهو لا يشعرون» بعاقبة أمرهم معه.

فلما التقطه آل فرعون، حنَّن اللّه عليه امرأة فرعون الفاضلة الجليلة المؤمنة " آسية " بنت مزاحم " وَقَالَتِ " هذا الولد قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ أي: أبقه لنا، لِتقرَّ به أعيننا، ونستر به في حياتنا. عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا أي: لا يخلو، إما أن يكون بمنزلة الخدم، الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا، أو نرقيه منزلة أعلى من ذلك، نجعله ولدا لنا، ونكرمه، ونجله.فقدَّر اللّه تعالى، أنه نفع امرأة فرعون، التي قالت تلك المقالة، فإنه لما صار قرة عين لها، وأحبته حبا شديدا، فلم يزل لها بمنزلة الولد الشفيق حتى كبر ونبأه اللّه وأرسله، فبادرت إلى الإسلام والإيمان به، رضي اللّه عنها وأرضاها.قال اللّه تعالى هذه المراجعات [والمقاولات] في شأن موسى: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ما جرى به القلم، ومضى به القدر، من وصوله إلى ما وصل إليه، وهذا من لطفه تعالى، فإنهم لو شعروا، لكان لهم وله، شأن آخر.

وقوله تعالى : ( وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون ) يعني : أن فرعون لما رآه هم بقتله خوفا من أن يكون من بني إسرائيل فجعلت امرأته آسية بنت مزاحم تحاج عنه وتذب دونه ، وتحببه إلى فرعون ، فقالت : ( قرة عين لي ولك ) فقال : أما لك فنعم ، وأما لي فلا . فكان كذلك ، وهداها الله به ، وأهلكه الله على يديه ، وقد تقدم في حديث الفتون في سورة " طه " هذه القصة بطولها ، من رواية ابن عباس مرفوعا عن النسائي وغيره .وقوله " : ( عسى أن ينفعنا ) ، وقد حصل لها ذلك ، وهداها الله به ، وأسكنها الجنة بسببه . وقولها : ( أو نتخذه ولدا ) أي : أرادت أن تتخذه ولدا وتتبناه ، وذلك أنه لم يكن لها ولد منه .وقوله تعالى : ( وهم لا يشعرون ) أي : لا يدرون ما أراد الله منه بالتقاطهم إياه ، من الحكمة العظيمة البالغة ، والحجة القاطعة .

وقوله- سبحانه-: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ... بيان لما أنطق الله به امرأة فرعون للدفاع عن موسى- عليه السلام-.قال الجمل: وامرأة فرعون هي: آسيا بنت مزاحم، وكانت من خيار النساء، ومن بنات الأنبياء، وكانت أما للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم .ويكفى في مدحها قوله- تعالى-: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَأى: وقالت امرأة فرعون بعد أن أخرج موسى من التابوت، ورأته بين أيدى فرعون وآله: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ أى: هذا الطفل هو قرة عين لي ولك، أى: هو محل السرور والفرح لعيني ولعينك يا فرعون.فالجملة الكريمة كناية عن السرور به، إذ لفظ قُرَّتُ مأخوذ من القرار بمعنى الاستقرار، وذلك لأن العين إذا رأت ما تحبه، استقر نظرها عليه، وانشغلت به عن غيره.ثم أضافت إلى ذلك قولها لا تَقْتُلُوهُ والخطاب لفرعون وجنده.ثم عللت النهى عن قتله بقولها: عَسى أَنْ يَنْفَعَنا في مستقبل حياتنا، فنجني من ورائه خيرا.أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً لنا، فإن هيئته وصورته تدل على النجابة والجمال واليمن وهكذا شاءت إرادة الله- تعالى-، أن تجعل امرأة فرعون، سببا في إنقاذ موسى من القتل، وفي أن يعيش في بيت فرعون، ليكون له في المستقبل عدوا وحزنا.وقوله- تعالى-: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ جملة حالية، أى: فعلوا ما فعلوا والحال أنهم لا يشعرون أن هلاكهم سيكون على يديه.والظاهر أن هذه الجملة من كلام الله- تعالى-، وليست حكاية لما قالته امرأة فرعون.

قوله تعالى : ( وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك ) قال وهب : لما وضع التابوت بين يدي فرعون فتحوه فوجد فيه موسى فلما نظر إليه قال عبراني من الأعداء فغاظه ذلك ، وقال : كيف أخطأ هذا الغلام الذبح ؟ وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار النساء ومن بنات الأنبياء وكانت أما للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم . قالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه : هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنما أمرت أن يذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكون قرة عين لي وذلك ، ( لا تقتلوه ) وروي أنها قالت له : إنه أتانا من أرض أخرى ليس من بني إسرائيل ( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون ) أن هلاكهم على يديه ، فاستحياه فرعون ، وألقى الله عليه محبته وقال لامرأته : عسى أن ينفعك فأما أنا فلا أريد نفعه . قال وهب قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت آسية : عسى أن ينفعنا لنفعه الله ، ولكنه أبى ؛ للشقاء الذي كتبه الله عليه .

قوله تعالى : وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه يروى أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في البحر ، فأمرت بسوقه إليها وفتحه فرأت فيه صبيا صغيرا فرحمته وأحبته ; فقالت لفرعون : قرة عين لي ولك أي هو قرة عين لي ولك ف ( قرة ) خبر ابتداء مضمر ; قاله الكسائي وقال النحاس : وفيه وجه آخر بعيد ذكره أبو إسحاق ; قال : يكون رفعا بالابتداء والخبر ( لا تقتلوه ) وإنما بعد لأنه يصير المعنى أنه معروف بأنه قرة عين وجوازه أن يكون المعنى : إذا كان قرة عين لي ولك فلا تقتلوه . وقيل : تم الكلام عند قوله : ( ولك ) النحاس : والدليل على هذا أن في قراءة عبد الله بن مسعود : ( وقالت امرأة فرعون لا تقتلوه قرة عين لي ولك ) ويجوز النصب بمعنى : لا تقتلوا قرة عين لي ولك . وقالت : لا تقتلوه ، ولم تقل : لا تقتله ، فهي تخاطب فرعون كما يخاطب الجبارون ; وكما يخبرون عن أنفسهم وقيل : قالت : لا تقتلوه فإن الله أتى به من أرض أخرى وليس من بني إسرائيل عسى أن ينفعنا فنصيب منه خيرا أو نتخذه ولدا وكانت لا تلد ، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها ، وكان فرعون لما رأى الرؤيا وقصها على كهنته وعلمائه على ما تقدم - قالوا له إن غلاما من بني إسرائيل يفسد ملكك ; فأخذ بني إسرائيل بذبح الأطفال ، فرأى أنه يقطع نسلهم فعاد يذبح عاما ويستحيي عاما ، فولد هارون في عام الاستحياء ، وولد موسى في عام الذبح .قوله تعالى : وهم لا يشعرون هذا ابتداء كلام من الله تعالى ; أي وهم لا يشعرون أن هلاكهم بسببه وقيل : هو من كلام المرأة ; أي وبنو إسرائيل لا يدرون أنا التقطناه ، ولا يشعرون إلا أنه ولدنا واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون قرة عين لي ولك فقالت فرقة : كان ذلك عند التقاطه التابوت لما أشعرت فرعون به ولما أعلمته سبق إلى فهمه أنه من بني إسرائيل ، وأن ذلك قصد به ليتخلص من الذبح فقال : علي بالذباحين ; فقالت امرأته ما ذكر فقال فرعون : أما لي فلا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له وقال السدي : بل ربته حتى درج فرأى فرعون فيه شهامة وظنه من بني إسرائيل وأخذه في يده ، فمد موسى يده ونتف لحية فرعون فهم حينئذ بذبحه ، وحينئذ خاطبته بهذا ، وجربته له في الياقوتة والجمرة ، فاحترق لسانه وعلق العقدة على ما تقدم في ( طه ) قال الفراء : سمعت محمد بن مروان الذي يقال له السدي يذكر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال : إنما قالت قرة عين لي ولك لا ثم قالت : ( تقتلوه ) قال الفراء : وهو لحن ; قال ابن الأنباري : وإنما حكم عليه باللحن لأنه لو كان كذلك لكان ( تقتلونه ) بالنون ; لأن الفعل المستقبل مرفوع حتى يدخل عليه الناصب أو الجازم ، فالنون فيه علامة الرفع قال الفراء : ويقويك على رده قراءة عبد الله بن مسعود ( وقالت امرأة فرعون لا تقتلوه قرة عين لي ولك ) بتقديم ( لا تقتلوه ) .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9)يقول تعالى ذكره: (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) له هذا(قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) يا فرعون; فقرة عين مرفوعة بمضمر هو هذا, أو هو. وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ) مسألة من امرأة فرعون أن لا يقتله. وذُكِرَ أن المرأة لما قالت هذا القول لفرعون, قال فرعون: أما لك فنعم, وأما لي فلا فكان كذلك.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس, قال: قالت امرأة فرعون: ( قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) قال فرعون: قرّة عين لك, أما لي فلا. قال محمد بن قيس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَوْ قَالَ فِرْعَوْنُ: قُرّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكِ, لَكَانَ لَهُمَا جَمِيعًا ".حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: اتخذه فرعونُ ولدا, ودُعَى على أنه ابن فرعون; فلما تحرّك الغلام أرته أمه آسية صبيا, فبينما هي ترقصهوتلعب به، إذ ناولته فرعون, وقالت: خذه، قرّة عين لي ولك, قال فرعون: هو قرّة عين لكِ, لا لي. قال عبد الله بن عباس: لو أنه قال: وهو لي قرّة عين إذن؛ لآمن به, ولكنه أَبَى.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قالت امرأة فرعون: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) تعني بذلك: موسى.حدثنا العباس بن الوليد, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبح بن يزيد, قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس قال: لما أتت بموسى امرأة فرعونَ فرعونَ قالت: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) قال فرعون: يكون لكِ, فأما لي فلا حاجة لي فيه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ, لَهَدَاهُ اللهُ بِهِ كَمَا هَدَى بِهِ امْرَأَتَهُ, وَلَكِنَّ الله حَرَمَهُ ذَلِكَ".وقوله: ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) ذُكِرَ أن امرأة فرعون قالت هذا القول حين همّ بقتله. قال بعضهم: حين أتَي به يوم التقطه من اليم. وقال بعضهم: يوم نَتَف من لحيته، أو ضربه بعصا كانت في يده.* ذكر من قال: قالت ذلك يوم نتف لحيته:حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: لما أتي فرعون به صبيا أخذه إليه, فأخذ موسى بلحيته فنتفها, قال فرعون: علي بالذباحين, هو هذا! قالت آسية ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) إنما هو صبيّ لا يعقل, وإنما صَنع هذا من صباه.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة (لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) قال: ألقيت عليه رحمتها حين أبصرته.وقوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم: معنى ذلك: وهم لا يشعرون هلاكهم على يده.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: وهم لا يشعرون أن هلكتهم على يديه, وفي زمانه.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني سفيان, عن معمر, عن قَتادة (أوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: إن هلاكهم على يديه.حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعًا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) قال: آل فرعون إنه لهم عدوّ.وقال آخرون: بل معنى ذلك: ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) بما هو كائن من أمرهم وأمره.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: قالت امرأة فرعون آسية: ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) يقول الله: وهم لا يشعرون أي: بما هو كائن بما أراد الله به.وقال آخرون: بل معنى قوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بنو إسرائيل لا يشعرون أنا التقطناه.* ذِكر من قال ذلك.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس ( لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) قال: يقول: لا تدري بنو إسرائيل أنَّا التقطناه.والصواب من القول في ذلك, قول من قال: معنى ذلك: وفرعون وآله لا يشعرون بما هو كائن من هلاكهم على يديه.وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات به؛ لأنه عقِيب قوله: ( وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) وإذا كان ذلك عقبه, فهو بأن يكون بيانا عن القول الذي هو عقبه أحقّ من أن يكون بيانا عن غيره.

وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)يدل الكلام على أن الذين انتشلوه جعلوه بين أيدي فرعون وامرأته فرقت له امرأة فرعون وصرفت فرعون عن قتله بعد أن هم به لأنه علم أن الطفل ليس من أبناء القبط بلون جلوته وملامح وجهه ، وعلم أنه لم يكن حمله النيل من مكان بعيد لظهوره أنه لم يطل مكث تابوته في الماء ولا اضطرابه بكثرة التنقل ، فعلم أن وقعه في التابوت لقصد إنجائه من الذبح . وكان ذلك وقت انتشاله من الماء وإخراجه من التابوت . وكانت امرأة فرعون امرأة ملهمة للخير وقدّر الله نجاة موسى بسببها . وقد قال الله تعالى في شأنها { وضرب الله مثلاً للذين ءامنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجِّني من فرعون وعمله ونجِّني من القوم الظالمين } [ التحريم : 11 ] ، وهي لم تر عداوة موسى لآل فرعون ولا حزنت منه لأنها انقرضت قبل بعثة موسى .و { امرأة فرعون } سميت آسية كما في الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم « كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون » ويفيد قولها ذلك أن فرعون حين رآه استحسنه ثم خالجه الخوف من عاقبة أمره فلذلك أنذرته امرأته بقولها { قرة عين لي ولك لا تقتلوه } .وارتفع { قرة عين } على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هذا الطفل . وحذفه لأنه دل عليه حضوره بين أيديهم وهو على حذف مضاف ، أي هو سبب قرة عين لي ولك .و ( قرة العين ) كناية عن السرور وهي كناية ناشئة عن ضدها وهو سُخْنة العين التي هي أثر البكاء اللازم للأسف والحزن ، فلما كُني عن الحزن بسخنة العين في قولهم في الدعاء بالسوء : أسخن الله عينه . وقول الراجز :أوه أديم عرضه وأسخن ... بعينه بعد هجوع الأعينأتبعوا ذلك بأن كنّوا عن السرور بضد هذه الكناية فقالوا : قرة عين ، وأقر الله عينه ، فحكى القرآن ما في لغة امرأة فرعون من دلالة على معنى المسرّة الحاصلة للنفس ببليغ ما كنّى به العرب عن ذلك وهو { قرة عين } ، ومن لطائفه في الآية أن المسرة المعنية هي مسرة حاصلة من مرأى محاسن الطفل كما قال تعالى { وألقيت عليك محبة مني } [ طه : 39 ] .ويجوز أن يكون قوله { قرة عين } قسماً كما يقال : أيمن الله . فإن العرب يقسمون بذلك ، أي أقسم بما تقرّ به عيني . وفي الحديث الصحيح : أن أبا بكر الصديق استضاف نفراً وتأخر عن وقت عشائهم ثم حضر ، وفيه قصة إلى أن قال الراوي : فجعلوا لا يأكلون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها . فقال أبو بكر لامرأته : يا أخت بني فراس ما هذا؟ فقالت : وقُرّة عيني إنها الآن أكثر من قبل .فتكون امرأة فرعون أقسمت على فرعون بما فيه قرة عينها ، وقرة عينه أن لا يقتل موسى ، ويكون رفع { قرة عينٍ } على الابتداء وخبره محذوفاً ، وهو حذف كثير في نص اليمين مثل : لعمرك . وابتدأت بنفسها في { قرة عين لي } قبل ذكر فرعون إدلالاً عليه لمكانتها عنده أرادت أن تبتدره بذلك حتى لا يصدر عنه الأمر بقتل الطفل .وضمير الجمع في قولها { لا تقتلوه } يجوز أن يراد به فرعون نزّلته منزلة الجماعة على وجه التعظيم كما في قوله { قال رب ارجعون } [ المؤمنون : 99 ] . ويجوز أن يراد به خطاب فرعون داخلاً فيه أهل دولته هامان والكهنة الذين ألقوا في نفس فرعون أن فتى من إسرائيل يفسد عليه مملكته . وهذا أحسن لأن فيه تمهيداً لإجابة سُؤْلها حين أسندت معظم القتل لأهل الدولة وجعلت لفرعون منه حظ الواحد من الجماعة فكأنها تعرّض بأن ذلك ينبغي أن لا يكون عن رأيه فتهوِّن عليه عدوله في هذا الطفل عما تقرر من قتل الأطفال . وقيل { لا تقتلوه } التفات عن خطاب فرعون إلى خطاب الموكّلين بقتل أطفال إسرائيل كقوله { يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك } [ يوسف : 29 ] .فموقع جملة { قرة عين لي ولك } موقع التمهيد والمقدمة للعرض . وموقع جملة { لا تقتلوه } موقع التفريع عن المقدمة ولذلك فصلت عنها .وأما جملة { عسى أن ينفعنا } فهي في موقع العلة لمضمون جملة { لا تقتلوه } فاتصالها بها كاتصال جملة { قرة عين لي ولك } بها ، ولكن نظم الكلام قضى بهذا الترتيب البليغ بأن جعل الوازع الطبيعي عن القتل وهو وازع المحبة هو المقدِّمة لأنه أشدّ تعلقاً بالنفس فهو يشبه المعلوم البديهي . وجعل الوازع العقلي بعد النهي علةً لاحتياجه إلى الفكر ، فتكون مهلة التفكير بعد سماع النهي الممهد بالوازع الطبيعي فلا يخشى جماح السامع من النهي ورفضه إياه .ويتضمن قولها { عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً } إزالة ما خامر نفس فرعون من خشية فساد ملكه على يد فتى إسرائيلي بأن هذا الطفل لا يكون هو المخوف منه لأنه لما انضم في أهلهم وسيكون ربيَّهم فإنه يرجى منه نفعهم وأن يكون لهم كالولد . فأقنعت فرعون بقياس على الأحوال المجربة في علاقة التربية والمعاشرة والتبني والإحسان ، وإن الخير لا يأتي بالشر . ولذلك وقع بعده الاعتراض بقوله تعالى { وهم لا يشعرون } أي وفرعون وقومه لا يعلمون خفي إرادة الله من الانتقام من أمة القبط بسبب موسى . ولعل الله حقق لامرأة فرعون رجاءها فكان موسى قرة عين لها ولزوجها ، فلما هلكا وجاء فرعون آخر بعدهما كان ما قدّره الله من نصر بني إسرائيل .واختير { يشعرون } هنا لأنه من العلم الخفي ، أي لا يعلمون هذا الأمر الخفي .
الآية 9 - سورة القصص: (وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك ۖ لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون...)