سورة القصص (28): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة القصص بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة القصص مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة القصص

سُورَةُ القَصَصِ
الصفحة 386 (آيات من 6 إلى 13)

وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَحْذَرُونَ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ فَٱلْتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا۟ خَٰطِـِٔينَ وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِۦ لَوْلَآ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِۦ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِۦ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ۞ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰٓ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُۥ لَكُمْ وَهُمْ لَهُۥ نَٰصِحُونَ فَرَدَدْنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
386

الاستماع إلى سورة القصص

تفسير سورة القصص (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Wanumakkina lahum fee alardi wanuriya firAAawna wahamana wajunoodahuma minhum ma kanoo yahtharoona

وقوله- تعالى-: وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أى: ونجعلهم أقوياء راسخى الأقدام في الأرض التي نورثهم إياها، بعد القوم الظالمين.وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما أى: ونطلع فرعون وهامان- وهو وزير فرعون- وجنودهما التابعين لهما مِنْهُمْ أى: من بنى إسرائيل المستضعفين في الأرض ما كانُوا يَحْذَرُونَ أى ما كانوا يحاولون دفعه واتقاءه، فقد كان فرعون وجنده يقتلون الذكور من بنى إسرائيل، خوفا من ظهور غلام منهم يكون هلاك فرعون على يده.قال ابن كثير: أراد فرعون بحوله وقوته، أن ينجو من موسى. فما نفعه ذلك، بل نفذ الله- تعالى- حكمه. بأن يكون إهلاك فرعون على يد موسى، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده- يا فرعون-، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان، إنما منشؤه ومرباه على فراشك وفي دارك ... وهلاكك وهلاك جندك على يديه، لتعلم أن رب السموات العلا، هو القاهر الغالب العظيم، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن .وهكذا تعلن السورة الكريمة في مطلعها، أن ما أراده الله- تعالى- لا بد أن يتم، أمام أعين فرعون وجنده، مهما احتاطوا ومهما احترسوا، وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.ثم فصل- سبحانه- الحديث عن موسى- عليه السلام- فذكر ما ألهمه لأمه عند ولادته. وما قالته امرأة فرعون له عند التقاط آل فرعون لموسى، وما كانت عليه أم موسى من حيرة وقلق، وما قالته لأخته، وكيف رد الله- تعالى- بفضله وكرمه موسى إلى أمه..لنستمع إلى السورة الكريمة، وهي تفصل هذه الأحداث، بأسلوبها البديع المؤثر فتقول:

الترجمة الإنجليزية

Waawhayna ila ommi moosa an ardiAAeehi faitha khifti AAalayhi faalqeehi fee alyammi wala takhafee wala tahzanee inna raddoohu ilayki wajaAAiloohu mina almursaleena

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما قال: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ابتدأ بذكر أوائل نعمه في هذا الباب فقال: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ .والوحى إلى أم موسى، يجوز أن يكون عن طريق الإلهام، كما في قوله- تعالى-:وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ... أو عن طريق المنام، أو عن طريق إرسال ملك أخبرها بذلك.قال الآلوسى: والظاهر أن الإيحاء إليها كان بإرسال ملك، ولا ينافي ذلك الإجماع على عدم نبوتها، لما أن الملائكة- عليهم السلام- قد ترسل إلى غير الأنبياء وتكلمهم.والظاهر- أيضا- أن هذا الإيحاء كان بعد الولادة.. وقيل: كان قبلها ... .وأَنْ في قوله أَنْ أَرْضِعِيهِ مفسرة، لأن الوحى فيه معنى القول دون حروفه.والخوف: حالة نفسية تعترى الإنسان، فتجعله مضطرب المشاعر، لتوقعه حصول أمر يكرهه.والحزن: اكتئاب نفسي يحدث للإنسان من أجل وقوع ما يكرهه، كموت عزيز لديه. أو فقده لشيء يحبه..وفي الكلام حذف يعرف من السياق، والتقدير: وحملت أم موسى به في الوقت الذي كان فرعون يذبح الأبناء، ويستحيى النساء، وأخفت حملها عن غيرها، فلما وضعته أصابها ما أصابها من خوف وفزع على مصير ابنها، وهنا ألهمناها بقدرتنا وإرادتنا. وقذفنا في قلبها أن أرضعيه في خفاء وكتمان فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ من فرعون وحاشيته أن يقتلوه كما قتلوا غيره من أبناء بنى إسرائيل.فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ أى: في البحر والمراد به نهر النيل، وسمى بحرا لاتساعه، وإن كان الغالب إطلاق البحر على المياه غير العذبة.وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي أى: ولا تخافي عليه من حصول مكروه له، ولا تحزني لمفارقته لك، فهو في رعايتنا وحمايتنا، ومن رعاه الله- تعالى- وحماه، فلا خوف عليه ولا حزن.وجملة إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ تعليل للنهى عن الخوف والحزن، وتبشير لها بأن ابنها سيعود إليها، وسيكون من رسل الله- عز وجل-.قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما المراد بالخوفين- في الآية- حتى أوجب أحدهما ونهى عن الآخر؟.قلت: أما الأول، فالخوف عليه من القتل، لأنه كان إذا صاح خافت أن يسمع الجيران صوته، فينموا عليه. وأما الثاني: فالخوف عليه من الغرق ومن الضياع، ومن الوقوع في يد بعض العيون المبثوتة من قبل فرعون في تطلب الولدان.فإن قلت: ما الفرق بين الخوف والحزن؟ قلت: الخوف، غم يلحق الإنسان لشيء متوقع.والحزن: غم يلحقه لشيء وقع، فنهيت عنهما جميعا وأومنت بالوحي إليها، ووعدت بما يسليها، ويطمئن قلبها، ويملؤها غبطة وسرورا، وهو رده إليها. وجعله من المرسلين.. .وهكذا نجد الآية الكريمة قد اشتملت على أبلغ الأساليب وأبدعها، في بيان قدرة الله- تعالى- ورعايته لمن يريد رعايته.قالوا: مدح الأصمعى امرأة لإنشادها شعرا حسنا، فقرأت هذه الآية الكريمة ثم قالت له: أبعد هذه الآية فصاحة، لقد اشتملت على أمرين وهما أَرْضِعِيهِ فَأَلْقِيهِ ونهيين وهما لا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي وخبرين إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وبشارتين في ضمن الخبرين وهما: الرد والجعل المذكوران.

الترجمة الإنجليزية

Failtaqatahu alu firAAawna liyakoona lahum AAaduwwan wahazanan inna firAAawna wahamana wajunoodahuma kanoo khatieena

والفاء في قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً.. هي الفصيحة.والالتقاط: وجود الشيء والحصول عليه من غير طلب ولا قصد.والمراد بآل فرعون: جنوده وأتباعه الذين عثروا على التابوت الذي به موسى، وحملوه إلى فرعون. والحزن- بالتحريك، وبضم فسكون- نقيض السرور، وفعله كفرح.يقال: حزنه الأمر وأحزنه. أى: جعله حزينا.واللام في قوله: لِيَكُونَ ... هي لام العاقبة والصيرورة.قال القرطبي: قوله- تعالى-: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً لما كان التقاطهم إياه يؤدى إلى كونه عدوا لهم وحزنا، فاللام في لِيَكُونَ لام العاقبة والصيرورة، لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرة عين، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا، فذكر الحال بالمآل كما في قول الشاعر:وللمنايا تربى كل مرضعة ... ودورنا لخراب الدهر نبنيهاأى: فعاقبة البناء: الخراب، وإن كان في الحال مفروحا به .ويرى بعضهم أن اللام هنا يصح أن تكون للتعليل، بمعنى، أن الله- تعالى- سخر بمشيئته وإرادته فرعون وآله. لالتقاط موسى، ليجعله لهم عدوا وحزنا، فكأنه- سبحانه- يقول: قدرنا عليهم التقاطه بحكمتنا وإرادتنا، ليكون لهم عدوا وحزنا.إلى هذا المعنى أشار الإمام ابن كثير بقوله: قال محمد بن إسحاق وغيره اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك- أى: لم يريدوا بالتقاطه العداوة والحزن-، ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضى ما قالوا. ولكن إذا نظرنا إلى معنى السياق، فإنه تبقى اللام للتعليل، لأن معناه: أن الله- تعالى- قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوا وحزنا، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه .ومع وجاهة الرأيين، إلا أننا نميل إلى الرأى الثاني، لأنه- كما قال الإمام ابن كثير- أبلغ في إبطال حذرهم منه، ولأن قوله- تعالى-: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ يشير إلى أن اللام للتعليل..والمعنى: ونفذت أم موسى ما أوحيناه إليها، فأرضعت ابنها موسى. وألقته في اليم حين خافت عليه القتل، فالتقطه آل فرعون من اليم، ليكون لهم عدوا وحزنا، وليعلموا أن ما أردناه لا بد أن يتم مهما احترسوا واحتاطوا وحذروا، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.وقوله- تعالى-: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ تعليل لما قبله، وخاطِئِينَ أى: مرتكبين للخطيئة التي هي الذنب العظيم، كقوله- تعالى- في قوم نوح- عليه السلام-: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً....وكقوله- سبحانه- في شأن الكافرين بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ. فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ .أى: فعلنا ما فعلنا من جعل موسى عدوا وحزنا لفرعون وآله، لأن فرعون ووزيره هامان، وجنودهما الذين يناصرونهما، كانوا مرتكبين للذنوب العظيمة في كل ما يأتون ويذرون، ومن مظاهر ذلك قتلهم لذكور بنى إسرائيل، وإبقاؤهم لإناثهم.

الترجمة الإنجليزية

Waqalati imraatu firAAawna qurratu AAaynin lee walaka la taqtuloohu AAasa an yanfaAAana aw nattakhithahu waladan wahum la yashAAuroona

وقوله- سبحانه-: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ... بيان لما أنطق الله به امرأة فرعون للدفاع عن موسى- عليه السلام-.قال الجمل: وامرأة فرعون هي: آسيا بنت مزاحم، وكانت من خيار النساء، ومن بنات الأنبياء، وكانت أما للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم .ويكفى في مدحها قوله- تعالى-: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَأى: وقالت امرأة فرعون بعد أن أخرج موسى من التابوت، ورأته بين أيدى فرعون وآله: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ أى: هذا الطفل هو قرة عين لي ولك، أى: هو محل السرور والفرح لعيني ولعينك يا فرعون.فالجملة الكريمة كناية عن السرور به، إذ لفظ قُرَّتُ مأخوذ من القرار بمعنى الاستقرار، وذلك لأن العين إذا رأت ما تحبه، استقر نظرها عليه، وانشغلت به عن غيره.ثم أضافت إلى ذلك قولها لا تَقْتُلُوهُ والخطاب لفرعون وجنده.ثم عللت النهى عن قتله بقولها: عَسى أَنْ يَنْفَعَنا في مستقبل حياتنا، فنجني من ورائه خيرا.أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً لنا، فإن هيئته وصورته تدل على النجابة والجمال واليمن وهكذا شاءت إرادة الله- تعالى-، أن تجعل امرأة فرعون، سببا في إنقاذ موسى من القتل، وفي أن يعيش في بيت فرعون، ليكون له في المستقبل عدوا وحزنا.وقوله- تعالى-: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ جملة حالية، أى: فعلوا ما فعلوا والحال أنهم لا يشعرون أن هلاكهم سيكون على يديه.والظاهر أن هذه الجملة من كلام الله- تعالى-، وليست حكاية لما قالته امرأة فرعون.

الترجمة الإنجليزية

Waasbaha fuadu ommi moosa farighan in kadat latubdee bihi lawla an rabatna AAala qalbiha litakoona mina almumineena

ثم صورت السورة الكريمة تصويرا بديعا مؤثرا، ما كانت عليه أم موسى من لهفة وقلق، بعد أن فارقها ابنها، فقال- تعالى-: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً ... أى: وبعد أن ألقت أم موسى به في اليم، والتقطه آل فرعون، وعلمت بذلك أصبح قلبها وفؤادها خاليا من التفكير في أى شيء في هذه الحياة، إلا في شيء واحد وهو مصير ابنها موسى- عليه السلام-.وفي هذا التعبير ما فيه من الدقة في تصوير حالتها النفسية، حتى لكأنها صارت فاقدة لكل شيء في قلبها سوى أمر ابنها وفلذة كبدها.قال ابن كثير: قوله- تعالى-: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وقتادة.... وغيرهم .وإِنْ في قوله- تعالى-: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، وتبدى بمعنى تظهر، من بدا الشيء يبدو بدوا وبداء إذا ظهر ظهورا واضحا.والضمير في بِهِ يعود إلى موسى- عليه السلام-.أى: وصار فؤاد أم موسى فارغا من كل شيء سوى التفكير في مصيره، وإنها كادت لتصرح للناس بأن الذي التقطه آل فرعون، هو ابنها، وذلك لشدة دهشتها وخوفها عليه من فرعون وجنده.وجواب الشرط في قوله- تعالى-: لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها محذوف دل عليه ما قبله.أى: لولا أن ربطنا على قلبها بقدرتنا وإرادتنا. بأن ثبتناه وقويناه، لأظهرت للناس أن الذي التقطه آل فرعون هو ابنها.وأصل الربط: الشد والتقوية للشيء. ومنه قولهم فلان رابط الجأش، أى: قوى القلب.وقوله- تعالى-: لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ علة لتثبيت قلبها وتقويته، فهو متعلق بقوله:رَبَطْنا.أى: ربطنا على قلبها لتكون من المصدقين بوعد الله- تعالى-، وأنه سيرد إليها ابنها، كي تقر عينها ولا تحزن.

الترجمة الإنجليزية

Waqalat liokhtihi qusseehi fabasurat bihi AAan junubin wahum la yashAAuroona

ثم بين- سبحانه- ما فعلته أم موسى بعد ذلك فقال: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ.. أى لم تسكت أم موسى بعد أن علمت بالتقاط آل فرعون له، بل قالت لأخت موسى قُصِّيهِ أى تتبعى أثره وخبره وما آل إليه أمره. يقال: قص فلان أثر فلان فهو يقصه، إذا تتبعه، ومنه القصص للأخبار المتتبعة.والفاء في قوله- سبحانه-: فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ هي الفصيحة. والجنب:الجانب.أى: فقصت أخت موسى أثره، فأبصرته عن جانب منها، وكأنها لا تريد أن تطلع أحدا على أنها تبحث عن أخيها. وتتبع أثره والجار والمجرور حال من الفاعل، أى: بصرت به مستخفية كائنة عن جنب.قال الآلوسى: عَنْ جُنُبٍ أى عن بعد، وقيل عن شوق إليه.. وقال الكرماني جُنُبٍ صفة لموصوف محذوف، أى عن مكان جنب بعيد وكأنه من الأضداد، فإنه يكون بمعنى القريب- أيضا- كالجار الجنب. وقيل على جانب.. وقيل: النظر عن جنب، أن تنظر الشيء كأنك لا تريده .والتعبير بقوله- تعالى- فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ يشعر بأن أخت موسى أبصرت أخاها إبصارا فيه مخادعة لآل فرعون، حتى لا تجعلهم يشعرون بأنها تبحث عنه.ويشهد لذلك قوله- تعالى-: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أى: وهم- أى آل فرعون- لا يشعرون أنها أخته تبحث عنه وتتبع أخباره.

الترجمة الإنجليزية

Waharramna AAalayhi almaradiAAa min qablu faqalat hal adullukum AAala ahli baytin yakfuloonahu lakum wahum lahu nasihoona

ثم بين- سبحانه- مظهرا من مظاهر حكمته وقدرته وتدبيره لأمر موسى كي يعود إلى أمه، فقال- تعالى-. وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ....والمراد بالتحريم هنا: المنع، والمراضع: جمع مرضع- بضم الميم وكسر الضاد- وهي المرأة التي ترضع.أى: ومنعنا موسى بقدرتنا وحكمتنا من أن يرضع من المرضعات وكان ذلك من قبل أن تعلم بخبره أمه وأخته.قال ابن كثير: قوله- تعالى-: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ أى: تحريما قدريا، وذلك لكرامة الله له، صانه عن أن يرتضع غير ثدي أمه، لأنه- سبحانه- جعل ذلك سببا إلى رجوعه إلى أمه، لترضعه وهي آمنة بعد أن كانت خائفة.. .وقوله- سبحانه-: فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ حكاية لما قالته أخت موسى لفرعون وحاشيته، والاستفهام للتحضيض.أى: وبعد أن بصرت أخت موسى به عن جنب، ورأت رفضه للمراضع، وبحثهم عمن يرضعه، قالت: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ أى: يقومون بتربيته وإرضاعه من أجل راحتكم وراحته، وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ أى: وهم لا يمنعونه ما ينفعه في تربيته وغذائه، ولا يقصرون فيما يعود عليه بالخير والعافية.

الترجمة الإنجليزية

Faradadnahu ila ommihi kay taqarra AAaynuha wala tahzana walitaAAlama anna waAAda Allahi haqqun walakinna aktharahum la yaAAlamoona

وقوله- سبحانه-: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ معطوف على كلام محذوف، والتقدير: فسمعوا منها ما قالت، ودلتهم على أمه، فرددناه إليها، كي يطمئن قلبها وتقر عينها برجوع ولدها إليها، ولا تحزن لفراقه.ولتعلم أن وعد الله- تعالى- حق، أى: أن وعده- سبحانه- لا خلف فيه، بل هو كائن لا محالة.وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أى: ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة حق العلم، ولذا يستعجلون الأمور، دون أن يفطنوا إلى حكمته- سبحانه- في تدبير أمر خلقه.وبذلك نرى هذه الآيات قد صاغت لنا بأبلغ أسلوب، جانبا من حياة موسى- عليه السلام-، ومن رعاية الله- تعالى- له، وهو ما زال في سن الرضاعة.ثم قص علينا- سبحانه- جانبا من حياة موسى- عليه السلام- بعد أن بلغ أشده واستوى، فقال- تعالى-:
386