سورة الحاقة: الآية 18 - يومئذ تعرضون لا تخفى منكم...

تفسير الآية 18, سورة الحاقة

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ

الترجمة الإنجليزية

Yawmaithin tuAAradoona la takhfa minkum khafiyatun

تفسير الآية 18

فإذا نفخ المَلَك في "القرن" نفخة واحدة، وهي النفخة الأولى التي يكون عندها هلاك العالم، ورُفعت الأرض والجبال عن أماكنها فكُسِّرتا، ودُقَّتا دقة واحدة. ففي ذلك الحين قامت القيامة، وانصدعت السماء، فهي يومئذ ضعيفة مسترخية، لا تماسُك فيها ولا صلابة، والملائكة على جوانبها وأطرافها، ويحمل عرش ربك فوقهم يوم القيامة ثمانية من الملائكة العظام. في ذلك اليوم تُعرضون على الله- أيها الناس- للحساب والجزاء، لا يخفى عليه شيء من أسراركم.

«يومئذ تعرضون» للحساب «لا تخفى» بالتاء والياء «منكم خافية» من السرائر.

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ على الله لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ لا من أجسامكم وأجسادكم ولا من أعمالكم [وصفاتكم]، فإن الله تعالى عالم الغيب والشهادة. ويحشر العباد حفاة عراة غرلا، في أرض مستوية، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، فحينئذ يجازيهم بما عملوا، ولهذا ذكر كيفية الجزاء، فقال:

وقوله : أي تعرضون على عالم السر والنجوى الذي لا يخفى عليه شيء من أموركم ، بل هو عالم بالظواهر والسرائر والضمائر ; ولهذا قال : ( لا تخفى منكم خافية )وقد قال ابن أبي الدنيا : أخبرنا إسحاق بن إسماعيل ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، فإنه أخف عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر : ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) .وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا علي بن علي بن رفاعة ، عن الحسن ، عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله " .ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع به ، وقد رواه الترمذي ، عن أبي كريب ، عن وكيع ، عن علي بن علي ، عن الحسن ، عن أبي هريرة‌ به .وقد روى ابن جرير ، عن مجاهد بن موسى ، عن يزيد ، عن سليمان بن حيان ، عن مروان الأصغر ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات : عرضتان ، معاذير وخصومات ، والعرضة الثالثة تطير الصحف في الأيدي . ورواه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة مرسلا مثله .

ثم بين- سبحانه- ما يجرى على الناس في هذا اليوم فقال: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ.والعرض أصله: إظهار الشيء لمن يريد التأمل فيه، أو الحصول عليه، ومنه عرض البائع سلعته على المشترى.وهو هنا كناية عن لازمه وهو المحاسبة.أى: في هذا اليوم تعرضون للحساب والجزاء، لا تخفى منكم خافية، أى تعرضون للحساب، دون أن يخفى منكم أحد على الله- تعالى- أو دون أن تخفى منكم نفس واحدة على خالقها- عز وجل-.قال الجمل: وقوله: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ أى: تسألون وتحاسبون، وعبر عنه بذلك تشبيها له بعرض السلطان العسكر والجند، لينظر في أمرهم فيختار منهم المصلح للتقريب والإكرام، والمفسد للإبعاد والتعذيب .

يومئذ تعرضون ) على الله ( لا تخفى ) قرأ حمزة والكسائي : " لا يخفى " بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء ( منكم خافية ) أي فعلة خافية . قال الكلبي : لا يخفى على الله منكم شيء . قال أبو موسى : يعرض الناس ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فعندها تطاير الصحف فآخذ بيمينه وآخذ بشماله

قوله تعالى : يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافيةقوله تعالى : " يومئذ تعرضون " أي على الله ; دليله : وعرضوا على ربك صفا وليس ذلك عرضا يعلم به ما لم يكن عالما به ، بل معناه الحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة . وروى الحسن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله " . خرجه الترمذي قال : ولا يصح من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة .لا تخفى منكم خافية أي هو عالم بكل شيء من أعمالكم . فخافية على هذا بمعنى خفية ، كانوا يخفونها من أعمالهم ; قاله ابن شجرة . وقيل : لا يخفى عليه إنسان ; أي لا يبقى إنسان لا يحاسب . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : لا يخفى المؤمن من الكافر ولا البر من الفاجر . وقيل : لا تستتر منكم عورة ; كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس حفاة عراة " . وقرأ الكوفيون إلا عاصما : " لا يخفى " بالياء ; لأن تأنيث الخافية غير حقيقي ; نحو قوله تعالى : وأخذ الذين ظلموا الصيحة واختاره أبو عبيد ; لأنه قد حال بين الفعل وبين الاسم المؤنث الجار والمجرور . الباقون بالتاء . واختاره أبو حاتم لتأنيث الخافية .

وقوله : ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) يقول تعالى ذكره: يومئذ أيها الناس تعرضون على ربكم، وقيل: تعرضون ثلاث عرضات.* ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن قزعة الباهليّ، قال: ثنا وكيع بن الجراح، قال: ثنا عليّ بن عليّ الرفاعي، عن الحسن، عن أبي موسي الأشعري، قال: " تُعرض الناس ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير. وأما الثالثة، فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله ".حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سليمان بن حيان، عن مروان الأصغر، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: عرضتان معاذير وخصومات، والعرضة الثالثة تطيرّ الصحف في الأيدي".حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " يُعرضُ الناس ثلاث عرضات يوم القيامة، فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير وجدال، وأما العرضة الثالثة فتطيرّ الصحف في الأيدي".حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه.وقوله: ( لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) يقول جلّ ثناؤه: لا تخفى على الله منكم خافية، لأنه عالم بجميعكم، محيط بكلكم.

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)والخطاب في قوله : { تُعرضون } لجميع الناس بقرينة المقام وما بعد ذلك من التفصيل .والعرض : أصله إمْرار الأشياء على من يريد التأمل منها مثل عرض السلعة على المشتري وعرض الجيش على أميره ، وأطلق هنا كناية عن لازمه وهو المحاسبة معَ جواز إرادة المعنى الصريح .ومعنى { لا تخفى منكم خافية : } لا تخفى على الله ولا على ملائكته .وتأنيث { خافية } لأنه وصف لموصوف مؤنث يقدر بالفَعلة من أفعال العباد ، أو يقدر بنفْس ، أي لا تختبىء من الحساب نفس أي أحد ، ولا يلتبس كافر بمؤمن ، ولا بارٌّ بفاجر .وجملة { يومئذٍ تعرضون } مستأنفة ، أو هي بيان لجملة { فيومئذٍ وقعت الواقعة ، } أو بدل اشتمال منها .و { منكم } صفة ل { خافية } قدمت عليه فتكون حالاً .وتكرير { يومئذٍ } أربعَ مرات لتهويل ذلك اليوم الذي مبدؤه النفخ في الصور ثم يعقبه ما بعده مما ذكر في الجُمل بعده ، فقد جرى ذكر ذلك اليوم خمس مرات لأن { فيومئذٍ وقَعَتْ الواقعة } تكرير ل ( إذا ) من قوله : { فإذا نفخ في الصور } إذ تقدير المضاف إليه في { يومئذٍ } هو مدلول جملة { فإذا نفخ في الصور ، } فقد ذكر زمان النفخ أولاً وتكرر ذكره بعد ذلك أربع مرات .وقرأ الجمهور { لا تخفى } بمثناة فوقية . وقرأه حمزة والكسائي وخلف بالتحتية لأن تأنيث { خافية } غير حقيقي ، مع وقوع الفصل بين الفعل وفاعله .
الآية 18 - سورة الحاقة: (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية...)