سورة البقرة: الآية 40 - يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي...

تفسير الآية 40, سورة البقرة

يَٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتِىَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا۟ بِعَهْدِىٓ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰىَ فَٱرْهَبُونِ

الترجمة الإنجليزية

Ya banee israeela othkuroo niAAmatiya allatee anAAamtu AAalaykum waawfoo biAAahdee oofi biAAahdikum waiyyaya fairhabooni

تفسير الآية 40

يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثيرة عليكم، واشكروا لي، وأتموا وصيتي لكم: بأن تؤمنوا بكتبي ورسلي جميعًا، وتعملوا بشرائعي. فإن فعلتم ذلك أُتمم لكم ما وعدتكم به من الرحمة في الدنيا، والنجاة في الآخرة. وإيَّايَ -وحدي- فخافوني، واحذروا نقمتي إن نقضتم العهد، وكفرتم بي.

«يا بنى إسرائيل» أولاد يعقوب «اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم» أي على آبائكم من الإنجاء من فرعون وفلق البحر وتظليل الغمام وغير ذلك بأن تشكروها بطاعتي «وأوفوا بعهدي» الذي عهدته إليكم من الإيمان بمحمد «أوف بعهدكم» الذي عهدت إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة «وإياي فارهبون» خافونِ في ترك الوفاء به دون غيري.

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ المراد بإسرائيل: يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فرق بني إسرائيل, الذين بالمدينة وما حولها, ويدخل فيهم من أتى من بعدهم, فأمرهم بأمر عام، فقال: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها، والمراد بذكرها بالقلب اعترافا, وباللسان ثناء, وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه. وَأَوْفُوا بِعَهْدِي وهو ما عهده إليهم من الإيمان به, وبرسله وإقامة شرعه. أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وهو المجازاة على ذلك. والمراد بذلك: ما ذكره الله في قوله: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ [وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي] إلى قوله: فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده, وهو الرهبة منه تعالى, وخشيته وحده, فإن مَنْ خشِيَه أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه.

يقول تعالى آمرا بني إسرائيل بالدخول في الإسلام ، ومتابعة محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام ، ومهيجا لهم بذكر أبيهم إسرائيل ، وهو نبي الله يعقوب ، عليه السلام ، وتقديره : يا بني العبد الصالح المطيع لله كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق ، كما تقول : يا ابن الكريم ، افعل كذا . يا ابن الشجاع ، بارز الأبطال ، يا ابن العالم ، اطلب العلم ، ونحو ذلك .ومن ذلك أيضا قوله تعالى : ( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ) [ الإسراء : 3 ] فإسرائيل هو يعقوب عليه السلام ، بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، قال : حدثني عبد الله بن عباس قال : حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب ؟ . قالوا : اللهم نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اشهد وقال الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس أن إسرائيل كقولك : عبد الله .وقوله تعالى : ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) قال مجاهد : نعمة الله التي أنعم بها عليهم فيما سمى وفيما سوى ذلك ، فجر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون .وقال أبو العالية : نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل ، وأنزل عليهم الكتب .قلت : وهذا كقول موسى عليه السلام لهم : ( يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ المائدة : 20 ] يعني في زمانهم .وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) أي : بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) قال : بعهدي الذي أخذت في أعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم . ( أوف بعهدكم ) أي : أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه ، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من إحداثكم .[ وقال الحسن البصري : هو قوله : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) الآية [ المائدة : 12 ] . وقال آخرون : هو الذي أخذه الله عليهم في التوراة أنه سيبعث من بني إسماعيل نبيا عظيما يطيعه جميع الشعوب ، والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم فمن اتبعه غفر له ذنبه وأدخل الجنة وجعل له أجران . وقد أورد فخر الدين الرازي هاهنا بشارات كثيرة عن الأنبياء عليهم السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم ] .وقال أبو العالية : ( وأوفوا بعهدي ) قال : عهده إلى عباده : دينه الإسلام أن يتبعوه .وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( أوف بعهدكم ) قال : أرض عنكم وأدخلكم الجنة .وكذا قال السدي ، والضحاك ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس .وقوله : ( وإياي فارهبون ) أي : فاخشون ؛ قاله أبو العالية ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة .وقال ابن عباس في قوله تعالى : ( وإياي فارهبون ) أي أنزل بكم ما أنزل بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره .وهذا انتقال من الترغيب إلى الترهيب ، فدعاهم إليه بالرغبة والرهبة ، لعلهم يرجعون إلى الحق واتباع الرسول والاتعاظ بالقرآن وزواجره ، وامتثال أوامره ، وتصديق أخباره ، والله الهادي لمن يشاء إلى صراطه المستقيم

إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام - وفي إضافتهم إلى أبيهم إسرائيل تشريف لهم وتكريم ، وحث لهم على الامتثال لأوامر الله ونواهيه ، فكأنه قيل : يا بني العبد الصالح ، والنبي الكريم ، كونوا مثل أبيكم في الطاعة والعبادة .ويستعمل مثل هذا التعبير في مقام الترغيب والترهيب ، بناء على أن الحسنة في نفسها حسنة وهي من بيت النبوة أحسن ، والسيئة في نفسها سيئة وهي من بيت النبوة أسوأ ، ففي هذا النداء . خير داع لذوي الفطر السليمة منهم إلى الإِقبال على ما يرد بعده من التذكير بالنعمة ، واستعمالها فيما خلقت له .ومعنى ( اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) تنبهوا بعقولكم وقلوبكم لتلك المنافع التي أتتكم على سبيل الإِحسان مني ، وقوموا بحقوقها وأكثروا من الحديث عنها بألسنتكم ، فإن التحدث بنعم الله فيه إغراء بشكرها .والمراد بنعمة : المنعم بها عليهم ، وتجمع على نعم ، وقد وردت في القرآن الكريم بمعنى الجمع كما في قوله تعالى : ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا ) فإن لفظ العدد والإِحصاء قرينة على أن المراد بالنعمة : النعم الكثيرة ، ويبدوا أن المراد بالنعمة في الآية التي معنا كذلك النعم المتعددة حيث إنه لم يقم دليل على أن المراد بها نعمة معهودة ، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع - اعتماداً على القرينة - من أبلغ الأساليب الكلامية .ثم أمرهم - سبحانه - بالوفاء بما عاهدهم عليه ، فقال تعالى : ( وَأَوْفُواْ بعهدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) العهد ما من شأنه أن يراعى ويحفظ ، كاليمين والوصية وغيرهما ، ويضاف إلى المعاهد والمعاهد جميعاً ، يقال : أوفيت بعهدي ، أي بما عاهدت غيري عليه ، وأوفيت بعهدك ، أي بما عاهدتني عليه ، وعهد الله : أوامره ونواهيه ، والوفاء به يتأتى باتباع ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه ، ويندرج فيه كل ما أخذ على بني إسرائيل من التوراة ، من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم متى بعث ، والإِيمان بما جاء به من عند الله وتصديقه فيما يخبر عن ربه .والمعنى : وأوفوا بما عاهدتموني عليه من الإِيمان بي ، والطاعة لي ، والتصديق برسلي ، أوف بما عاهدتكم عليه من التمكين في الأرض في الدنيا والسعادة في الآخرة .ثم أمرهم - سبحانه - بأن يجعلوا خوفهم من خالقهم وحده ، فقال - تعالى - ( وَإِيَّايَ فارهبون ) أي : خافوني ولا تخافوا سواي ، ولتكن قلوبكم عامرة بخشيتي وحدي ، فإن ذلك يعينكم على طاعتي ، ويبعدكم عن معصيتي .وحذف متعلق الرهبة للعموم ، أي ارهبوني في جميع ما تأتون ، وما تذرون ، حتى لا أنزل بكم من النقم مثل ما أنزلت بمن قبلكم من المسخ وغيره ، فالآيات الكريمة قد تضمنت وعداً ووعيداً وترغيباً وترهيباً .

قوله تعالى: يا بني إسرائيل يا أولاد يعقوب.ومعنى اسرائيل: عبد الله، ((وإيل)) هو الله تعالى، وقيل صفوة الله، وقرأ أبو جعفر: إسرائيل بغير همز.اذكروا احفظوا، والذكر: يكون بالقلب ويكون باللسان.وقيل: أراد به الشكر، وذُكِر بلفظ الذكر لأن في الشكر ذكراً وفي الكفران نسياناً، قال الحسن: "ذكر النعمة شكرها".نعمتي أي: نعمي، لفظها واحد ومعناها جمع كقوله تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [34-ابراهيم]التي أنعمت عليكم أي على أجدادكم وأسلافكم.قال قتادة: "هي النعم التي خصت بها بنو إسرائيل: من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه وتظليل الغمام عليهم في التيه، وإنزال المن والسلوى وإنزال التوراة، في نعم كثيرة لا تحصى"، وقال غيره: هي جميع النعم التي لله عز وجل على عباده.وأوفوا بعهدي أي بامتثال أمري.أوف بعهدكم بالقبول والثواب.قال قتادة ومجاهد: "أراد بهذا العهد ما ذكر في سورة المائدة ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ...إلى أن قال: ...لأكفرن عنكم سيئاتكم [12-المائدة] فهذا قوله: أوف بعهدكم".وقال الحسن: "هو قوله: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة [63-البقرة] فهو شريعة التوراة".وقال مقاتل: "هو قوله: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله [83-البقرة]".وقال الكلبي: "عهد الله إلى بني إسرائيل على لسان موسى: إني باعث من بني إسماعيل نبياً أمياً فمن اتبعه وصدق بالنور الذي يأتي به غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين: وهو قوله: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس [187-آل عمران] يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم".وإياي فارهبون فخافوني في نقض العهد.وأثبت يعقوب الياءات المحذوفة في الخط مثل (فارهبوني)، (فاتقوني)، و(اخشوني)، والآخرون يحذفونها على الخط.

قوله تعالى : يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبونقوله تعالى : يا بني إسرائيل نداء مضاف علامة النصب فيه الياء وحذفت منه النون للإضافة . الواحد ابن والأصل فيه بني وقيل : بنو ، فمن قال المحذوف منه واو احتج بقولهم البنوة وهذا لا حجة فيه لأنهم قد قالوا : الفتوة وأصله الياء وقال الزجاج : المحذوف منه عندي ياء كأنه من بنيت ، الأخفش اختار أن يكون المحذوف منه - الواو ؛ لأن حذفها أكثر لثقلها ويقال ابن بين البنوة والتصغير بني . قالالفراء يقال يا بني ويا بني لغتان مثل يا أبت ويا أبت وقرئ بهما وهو مشتق من البناء وهو وضع الشيء على الشيء والابن فرع للأب وهو موضوع عليه .وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام قال أبو الفرج الجوزي ، وليس في الأنبياء من له اسمان غيره إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن له أسماء كثيرة ذكره في كتاب " فهوم الآثار " له .قلت : وقد قيل في المسيح إنه اسم علم لعيسى عليه السلام غير مشتق وقد سماه الله روحا وكلمة ، وكانوا يسمونه أبيل الأبيلين ذكره الجوهري في الصحاح . وذكر البيهقي في " دلائل النبوة " عن الخليل بن أحمد : خمسة من الأنبياء ذوو اسمين محمد وأحمد نبينا صلى الله عليه وسلم وعيسى والمسيح وإسرائيل ويعقوب ويونس وذو النون وإلياس وذو الكفل صلى الله عليهم وسلم .قلت : ذكرنا أن لعيسى أربعة أسماء ، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فله أسماء كثيرة بيانها في مواضعها .وإسرائيل اسم أعجمي ولذلك لم ينصرف ، وهو في موضع خفض بالإضافة وفيه سبع لغات : إسرائيل وهي لغة القرآن وإسرائيل بمدة مهموزة مختلسة حكاها شنبوذ عن ورش وإسراييل بمدة بعد الياء من غير همز وهي قراءة الأعمش وعيسى بن عمر وقرأ الحسن والزهري بغير همز ولا مد وإسرائل بغير ياء بهمزة مكسورة وإسراءل بهمزة مفتوحة وتميم يقولون إسرائين بالنون . ومعنى إسرائيل عبد الله . قال ابن عباس إسرا بالعبرانية هو عبد ، وإيل هو الله وقيل إسرا هو صفوة الله وإيل هو الله وقيل إسرا من الشد فكأن إسرائيل الذي شده الله وأتقن خلقه ذكره المهدوي . وقال السهيلي سمي إسرائيل لأنه أسرى ذات ليلة حين هاجر إلى الله تعالى فسمي إسرائيل أي أسرى إلى الله ونحو هذا ، فيكون بعض الاسم عبرانيا وبعضه موافقا للعرب ، والله أعلم .قوله : اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم الذكر اسم مشترك ، فالذكر بالقلب ضد النسيان والذكر باللسان ضد الإنصات ، وذكرت الشيء بلساني وقلبي ذكرا واجعله منك على ذكر ( بضم الذال ) أي لا تنسه قال الكسائي ما كان بالضمير فهو مضموم الذال وما كان باللسان فهو مكسور الذال . وقال غيره : هما لغتان يقال ذكر وذكر ، ومعناهما واحد ، والذكر ( بفتح الذال ) خلاف الأنثى ، والذكر أيضا الشرف ومنه قوله وإنه لذكر لك ولقومك قال ابن الأنباري والمعنى في الآية اذكروا شكر نعمتي فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة وقيل إنه أراد الذكر بالقلب وهو المطلوب أي لا تغفلوا عن نعمتي التي أنعمت عليكم ولا تناسوها وهو حسن . والنعمة هنا اسم جنس فهي مفردة بمعنى الجمع قال الله تعالى وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها أي نعمه ومن نعمه عليهم أن أنجاهم من آل فرعون وجعل منهم أنبياء وأنزل عليهم الكتب والمن والسلوى وفجر لهم في الحجر الماء إلى ما استودعهم من التوراة التي فيها صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ورسالته والنعم على الآباء نعم على الأبناء لأنهم يشرفون بشرف آبائهم .تنبيه : قال أرباب المعاني ربط سبحانه وتعالى بني إسرائيل بذكر النعمة وأسقطه عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى ذكره فقال : " اذكروني أذكركم " ليكون نظر الأمم من النعمة إلى المنعم ونظر أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المنعم إلى النعمة .قوله تعالى : وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم أمر وجوابه وقرأ الزهري " أوف " ( بفتح الواو وشد الفاء ) للتكثير واختلف في هذا العهد ما هو فقال الحسن عهده قوله خذوا ما آتيناكم بقوة وقوله ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقيل هو قوله وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه وقال الزجاج أوفوا بعهدي الذي عهدت إليكم في التوراة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم أوف بعهدكم بما ضمنت لكم على ذلك إن أوفيتم به فلكم الجنة وقيل أوفوا بعهدي في أداء الفرائض على السنة والإخلاص أوف بقبولها منكم ومجاراتكم عليها وقال بعضهم أوفوا بعهدي في العبادات أوف بعهدكم أي أوصلكم إلى منازل الرعايات وقيل أوفوا بعهدي في حفظ آداب الظواهر أوف بعهدكم بتزيين سرائركم وقيل هو عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى الله عليه وسلم الذي في التوراة وغيره هذا قول الجمهور من العلماء وهو الصحيح وعهده سبحانه وتعالى هو أن يدخلهم الجنة .قلت : وما طلب من هؤلاء من الوفاء بالعهد هو مطلوب منا قال الله تعالى أوفوا بالعقود ، أوفوا بعهد الله ، وهو كثير ووفاؤهم بعهد الله أمارة لوفاء الله تعالى لهم لا علة له بل ذلك تفضل منه عليهمقوله تعالى : وإياي فارهبون أي خافون والرهب والرهب والرهبة الخوف ، ويتضمن الأمر به معنى التهديد ، وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس آية وقرأ ابن أبي إسحاق " فارهبوني " بالياء وكذا " فاتقوني " على الأصل ( وإياي ) منصوب بإضمار فعل ، وكذا الاختيار في الأمر والنهي والاستفهام ، التقدير : وإياي ارهبوا فارهبون ، ويجوز في الكلام وأنا فارهبون على الابتداء والخبر ، وكون فارهبون الخبر على تقدير الحذف ، المعنى وأنا ربكم فارهبون .

القول في تأويل قوله تعالى ذكره: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " يا بني إسرائيل " ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن (16) وكان يعقوب يدعى " إسرائيل "، بمعنى عبد الله وصفوته من خلقه. و " إيل " هو الله، و " إسرا " هو العبد، كما قيل: " جبريل " بمعنى عبد الله. وكما:-798- حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء، عن عُمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس: أن إسرائيل كقولك: عبد الله. (17)799- وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبد الله بن الحارث، قال: " إيل "، الله بالعبرانية. (18)وإنما خاطب الله جل ثناؤه بقوله: " يا بني إسرائيل " أحبارَ اليهود من بني إسرائيل، الذين كانوا بين ظَهرانَيْ مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسبهم جل ذكره إلى يعقوب، كما نسب ذرية آدم إلى آدم، فقال: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [سورة الأعراف: 31] وما أشبه ذلك. وإنما خصّهم بالخطاب في هذه الآية والتي بعدها من الآي التي ذكَّرهم فيها نعمَه -وإن كان قد تقدّم ما أنزل فيهم وفي غيرهم في أول هذه السورة ما قد تقدم- أن الذي احتج به من الحجج والآيات التي فيها أنباء أسلافهم، وأخبارُ أوائلهم، وَقصَصُ الأمور التي هم بعلمها مخصوصون دون غيرهم من سائر الأمم، ليس عند غيرهم من العلم بصحته وحقيقته مثلُ الذي لهم من العلم به، إلا لمن اقتبس علم ذلك منهم. فعرَّفهم بإطلاع محمّد على علمها- مع بعد قومه وعشيرته من معرفتها، وقلة مزاولة محمد صلى الله عليه وسلم درَاسةَ الكتب التي فيها أنباء ذلك (19) - أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يَصلْ إلى علم ذلك إلا بوحي من الله وتنزيلٍ منه ذلك إليه - لأنهم من عِلْم صحة ذلك بمحلّ ليس به من الأمم غيرهم، فلذلك جل ثناؤه خص بقوله: " يا بني إسرائيل " خطابهم كما:-800- حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله: " يا بني إسرائيل "، قال: يا أهل الكتاب، للأحبار من يهود (20) .القول في تأويل قوله: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْقال أبو جعفر: ونعمته التي أنعم بها على بني إسرائيل جلّ ذكره، اصطفاؤه منهم الرسلَ، وإنزاله عليهم الكتب، واستنقاذُه إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضَّرَّاء من فرعون وقومه، إلى التمكين لهم في الأرض، وتفجير عيون الماء من الحجر، وإطعام المنّ والسلوى. فأمر جل ثناؤه أعقابهم أن يكون ما سلَف منه إلى آبائهم على ذُكْر، وأن لا ينسوا صنيعه إلى أسلافهم وآبائهم، فيحلّ بهم من النقم ما أحلّ بمن نسي نعمَه عنده منهم وكفرها، وجحد صنائعه عنده. كما:-801- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " اذكروا نعمتِي التي أنعمتُ عليكم "، أي آلائي عندكم وعند آبائكم، لما كان نجّاهم به من فرعون وقومه (21) .802- وحدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: " اذكروا نعمتي"، قال: نعمتُه أنْ جعل منهم الأنبياء والرسل، وأنزل عليهم الكتب (22) .803- وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم "، يعني نعمتَه التي أنعم على بني إسرائيل، فيما سمى وفيما سوَى ذلك: فجَّر لهم الحجر، وأنزل عليهم المنّ والسلوى، وأنجاهم من عبودية آل فرعون (23) .804- وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد في قوله: " نعمتي التي أنعمت عليكم " قال: نعمه عامة، ولا نعمةَ أفضلُ من الإسلام، والنعم بعدُ تبع لها، وقرأ قول الله يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (24) [سورة الحجرات: 17]وتذكيرُ الله الذين ذكّرهم جل ثناؤه بهذه الآية من نعمه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، نظيرُ تذكير موسى صلوات الله عليه أسلافَهم على عهده، الذي أخبر الله عنه أنه قال لهم، وذلك قوله: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [سورة المائدة: 20].القول في تأويل قوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ (40)قال أبو جعفر: قد تقدم بياننا فيما مضى -عن معنى العهد- من كتابنا هذا (25) ، واختلاف المختلفين في تأويله، والصوابُ عندنا من القول فيه (26) . وهو في هذا الموضع: عهدُ الله ووصيته التي أخذ على بني إسرائيل في التوراة، أن يبيِّنوا للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسولٌ، وأنهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة أنه نبيّ الله، وأن يؤمنوا به وبما جاء به من عند الله." أوف بعهدكم ": وعهدُه إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة، كما قال جل ثناؤه: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [سورة المائدة: 12]، وكما قال: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (27) [سورة الأعراف: 156-157].805- وكما حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وأوفوا بعهدي" الذي أخذتُ في أعناقكم للنبِيّ محمد إذا جاءكم، (28) " أوف بعهدكم "، أي أنجزْ لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه، بوضع ما كان عليكم من الإصْر والأغلال التي كانت في أعْناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم (29) .806- وحدثنا المثنى، قال: حدثنا آدم، قال حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: " أوْفوا بعهدي أوفِ بعهدكم "، قال: عهدُه إلى عباده، دينُ الإسلام أن يتبعوه،" أوف بعهدكم "، يعني الجنة (30) .807- وحدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم ": أما " أوفوا بعهدي"، فما عهدت إليكم في الكتاب. وأما " أوف بعهدكم " فالجنة، عهدتُ إليكم أنكم إن عملتم بطاعتي أدخلتكم الجنة (31) .808- وحدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج في قوله: " وأفوا بعهدي أوف بعهدكم "، قال: ذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا إلى آخر الآية [سورة المائدة: 12]. فهذا عهدُ الله الذي عهد إليهم، وهو عهد الله فينا، فمن أوفى بعهد الله وفَى الله له بعهده (32) .809- وحُدِّثت عن المنجاب، قال: حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم "، يقول: أوفوا بما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره،" أوف بعهدكم "، يقول: أرض عنكم وأدخلكم الجنة (33) .810- وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد في قوله: " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم "، قال: أوفوا بأمري أوفِ بالذي وعدتكم، وقرأ: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ حتى بلغ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [سورة التوبة: 111]، قال: هذا عهده الذي عهده لهم (34) .* * *القول في تأويل قوله تعالى ذكره: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)قال أبو جعفر: وتأويل قوله: " وإياي فارهبون "، وإياي فاخْشَوْا - واتَّقُوا أيها المضيّعون عهدي من بني إسرائيل، والمكذبون رسولي الذي أخذتُ ميثاقكم - فيما أنزلتُ من الكتُب على أنبيائي -أن تؤمنوا به وتتبعوه- أن أُحِلّ بكمْ من عقوبتي، إن لم تنيبوا وتتوبوا إليّ باتباعه والإقرار بما أنزلت إليه، ما أحللتُ بمن خالف أمري وكذّب رُسلي من أسلافكم. كما:-811- حدثني به محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وإيايَ فارهبون "، أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النَّقِمات التي قد عرفتم، من المسخ وغيره. (35)812- وحدثنا المثنى بن إبراهيم، قال: حدثني آدم العسقلاني، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: " وإياي فارهَبُون "، يقول: فاخشَوْن.813- وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " وإياي فارهبون "، يقول: وإياي فاخشون. (36)-------------الهوامش :(16) في المطبوعة : "يا ولد يعقوب . . . " بزيادة النداء" .(17) الخبر : 798- في ابن كثير 1 : : 149 ، والدر المنثور 1 : 63 . وهذا إسناد صحيح . إسماعيل بن رجاء بن ربيعة : ثقة ، أخرج له مسلم في صحيحه . عمير مولى ابن عباس : هو عمير بن عبد الله الهلالي ، مولى أم الفضل ، وقد ينسب إلى ولاء زوجها"العباس" ، كما ورد في إسناد حديث آخر في المسند : 77 ، وقد ينسب إلى ولاء بعض أولادها ، كما في هذا الإسناد . وهو تابعي ثقة ، ترجمه ابن أبي حاتم 3/1/380 ، وأخرج له الشيخان وغيرهما .(18) الأثر : 799- في الدر المنثور 1 : 63 . و"المنهال" : هو ابن عمرو الأسدي . و"عبد الله بن الحارث" : هو الأنصاري البصري أبو الوليد ، وهو تابعي ثقة .(19) قوله : "وقلة مزاولة محمد صلى الله عليه وسلم دراسة الكتب . . . " ، هو كما نقول اليوم في عبارتنا المحدثة : "وعدم مزاولة محمد . . . " . قال الجاحظ في البيان والتبيين 1 : 285 : "واستجار عون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، بمحمد بن مروان بنصيبين ، وتزوج بها امرأة فقال محمد : كيف ترى نصيبين؟ قال : "كثيرة العقارب ، قليلة الأقارب" . يريد بقوله : "قليلة" ، كقول القائل : "فلان قليل الحياء" ، وليس يريد أن هناك حياء وإن قل . يضعون : "قليلا ، في موضع"ليس" . انتهى .قلت : ومنه قول دريد بن الصمة في أخيه :قَلِيلُ التَّشَكِّي للمصيبات, حافظٌمِنَ الْيَوْمِ أعقابَ الأحاديث في غَدِوسيأتي قول الطبري في تفسير قوله تعالى من (سورة البقرة : 88)"فقليلا ما يؤمنون" : (1 : 324 ، بولاق) : "وإنما قيل : فقليلا ما يؤمنون ، وهم بالجميع كافرون ، كما تقول العرب : "قلما رأيت مثل هذا قط" . وقد روى عنها سماعًا منها : "مررت ببلاد قلما تنبت إلا الكراث والبصل" ، يعني ما تنبت غير الكراث والبصل ، وما أشبه ذلك من الكلام الذي ينطق به بوصف الشيء بالقلة ، والمعنى فيه نفي جميعه" ، انتهى .وفي الحديث : "إنه كان يقل اللغو" أي لا يلغو أصلا ، قال ابن الأثير : وهذا اللفظ يستعمل في نفي أصل الشيء (اللسان : قلل) .ولولا زمان فسد فيه اللسان ، وقل الإيمان ، واشتدت بالمتهجمين الجرأة على تفسير الكلمات ، وتصيد الشبهات - ولولا أن يقول قائل فيفتري على الطبري أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدارس كتب أهل الكتاب ، لكنت في غنى عن مثل هذه الإطالة .(20) الأثر 800- في الدر المنثور 1 : 63 ، والشوكاني 1 : 61 بتمامه . وسيأتي تمامه في الأثر التالي .(21) الأثر : 801- من تمام الأثر السالف ، المراجع السالفة ، وابن كثير 1 : 149 .(22) الأثر : 802- في ابن كير 1 : 149 .(23) الأثر : 803- في ابن كثير 1 : 149 وفيه : "وفيما سوى ذلك : أن فجر" ، بالزيادة .(24) الأثر : 804- لم أجده في مكان .(25) انظر ما مضى : 410-415 .(26) في المطبوعة : "قد تقدم بياننا معنى العهد فيما مضى من كتابنا . . . " ، غيروه ليستقيم الكلام على ما ألفوه .(27) في الأصول : " . . . اثنى عشر نقيبًا ، الآية" . و"النبي الأمي ، الآية" . وآثرنا إتمام الآيتين ، كما جرينا عليه فيما سلف ، وفيما سيأتي .(28) في المطبوعة : " . . . للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم . . . " ، وفي المراجع الأخرى .(29) الأثر : 805- من تمام الأثر السالف رقم : 800 ، ورقم 801 ، ومراجعه ما سلف .(30) الأثر : 806- في ابن كثير 1 : 150 .(31) الأثر : 807- في ابن كثير 1 : 150 تضمينًا .(32) الأثر : 808- لم أجده بنصه في مكان .(33) الأثر : 809- في ابن كثير 1 : 150 ، الدر المنثور 1 : 63 ، والشوكاني 1 : 61 .(34) الأثر : 810- لم أجده في مكان .(35) الأثر : 811- من تمام الآثار السالفة الأرقام : 800 ، 801 ، 805 . وابن كثير 1 : 150 من تمام ما سلف في ص 149 . المراجع المذكورة .(36) الأثر : 813- في ابن كثير 1 : 150 .

انتقال من موعظة المشركين إلى موعظة الكافرين من أهل الكتاب وبذلك تتم موعظة الفرق المتقدم ذكرها ، لأن فريق المنافقين لا يعدو أن يكونوا من المشركين أو من أهل الكتاب اليهود ، ووُجه الخطاب هنا إلى بني إسرائيل وهم أشهر الأمم المتدينة ذات الكتاب الشهير والشريعة الواسعة ، وذلك لأن هذا القرآن جاء يهدي للتي هي أقوم فكانت هاته السورة التي هي فسطاطه مشتملة على الغرض الذي جاء لأجله ، وقد جاء الوفاء بهذا الغرض على أبدع الأساليب وأكمل وجوه البلاغة فكانت فاتحتها في التنويه بشأن هذا الكتاب وآثار هديه وما يكتسب متبعوه من الفلاح دنيا وأخرى ، وبالتحذير من سوء مغبة من يُعرض عن هديه ويتنكب طريقه ، ووُصف في خلال ذلك أحوال الناس تجاه تلقي هذا الكتاب من مؤمن وكافر ومنافق ، بعد ذلك أقبل على أصناف أولئك بالدعوة إلى المقصود ، وقد انحصر الأصناف الثلاثة من الناس المتلقين لهذا الكتاب بالنسبة لحالهم تجاه الدعوة الإسلامية في صنفين لأنهم إما مشرك أو متدين أي كتابي ، إذ قد اندرج صنف المنافقين في الصنف المتدين لأنهم من اليهود كما قدمناه ، فدعا المشركين إلى عبادته تعالى بقوله : { يأيها الناس اعبدوا ربكم } [ البقرة : 21 ] . فالناس إن كان المراد به المشركين كماهو اصطلاح القرآن غالباً كما تقدم فظاهر ، وإن كان المراد به كل الناس فقوله : { اعبدوا ربكم } يختص بهم لا محالة إذ ليس المؤمنون بداخلين في ذلك ، وذكَّرهم بدلائل الصنعة وهي خلق أصولهم وبأصول نعم الحياة وهي خلق الأرض والسماء وإنزال الماء من السماء لإخراج الثمرات ، وعَجَّب من كفرهم مع ظهور دلائل إثبات الخالق من الحياة والموت ، وذكَّرهم بنعمه عظيمة وهي نعمة تكريم أصلهم وتوبته على أبيهم ، كل ذلك اقتصار على القدر الثابت في فطرتهم إذ لم يكن لديهم من الأصول الدينية ما يُمكن أن يُجعل مرجعاً في المحاورة والمجادلة يقتنعون به ، وخاطبهم في شأن إثبات صدق الرسول خلال ذلك بالدليل الذي تُدركه أذواقهم البلاغية فقال : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } [ البقرة : 23 ] الآيات . ولما قَضى ذلك كلَّه حقَّه أقبل بالخطاب هنا على الصنف الثاني وهم أهل الشرائع والكتاب وخَص من بينهم بني إسرائيل لأنهم أمثل أمة ذات كتاب مشهور في العالم كله وهم الأوْحِدَاء بهذا الوصف من المتكلمين باللغة العربية الساكنين المدينة وما حولها ، وهم أيضاً الذين ظهر منهم العناد والنواء لهذا الدين ، ومن أجل ذلك لم يَدْعُ اليهودَ إلى توحيد ولا اعتراف بالخالق لأنهم موحدون ولكنه دعاهم إلى تذكر نعم الله عليهم وإلى ما كانت تلاقيه أنبياؤهم من مكذبيهم ، ليذكروا أن تلك سنة الله وليرجعوا على أنفسهم بمثل ما كانوا يؤنِّبون به من كذب أنبياءهم وذكرهم ببشارات رسلهم وأنبيائهم بنبي يأتي بعدهم .ولتوجيه الخطاب إليهم طريقة أخرى وهي أنه جَادَلهم بالأدلة الدينية العلمية وإثبات صدق الرسالة بما تعارفوه من أحوال الرسل ، ولم يعرج لهم على إثبات الصدق بدلالة معجزة القرآن إذ لم يكونوا من فُرسان هذا الميدان كما قدمناه في تفسير قوله تعالى : { إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما } [ البقرة : 26 ] فكان خطابهم هنا بالدلائل الدينية وبحجج الشريعة الموسوية ليكون دليلُ صدق الرسول في الاعتبار بحالِه وأنه جاء على وفاق أحوال إخوانه المرسلين السابقين .وقد أفاض القرآن في ذلك وتدرج فيه من درجة إلى أختها بأسلوب بديع في مجادلة المخاطبين وأفاد فيه تعليم المسلمين حتى لا يفوتهم علماءُ بني إسرائيل قال تعالى : { أَوَ لَمْ يَكُنْ لهم آيةً أَنْ يعلَمَه عُلماءُ بني إسرائيل } [ الشعراء : 197 ] فقد كان العلم يومئذ معرفة التشريع ومعرفة أخبار الأنبياء والأمم الماضية وأحوال العَالَمَيْن العلوي والسفلي مع الوصايات الأدبية والمواعظ الأخلاقية ، فبذلك كان اليهود يفوقون العرب ومن أجله كانت العرب تسترشدهم في الشؤون وبه امتاز اليهود على العرب في بلادهم بالفكرة المدنية . وكان عِلم عامة اليهود في هذا الشأن ضعيفاً وإنما انفردت بعلمه علماؤهم وأحبارهم فجاء القرآن في هاته المجادلات معلماً أيضاً للمسلمين وملحقاً لهم بعلماء بني إسرائيل حتى تكون الدرجة العليا لهم لأنهم يضمون هذا العلم إلى علومهم اللسانية ونباهتهم الفكرية فتصبح عامة المسلمين مساوية في العلم لخاصة الإسرائيليين وهذا معنى عظيم من معاني تعميم التعليم والإلحاق في مسابقة التمدين . وبه تنكشف لكم حكمة من حِكَم تعرض القرآن لقصص الأمم وأحوالهم فإن في ذلك مع العبرة تعليماً اصطلاحياً . ولقد نعُدّ هذا من معجزات القرآن وهو أنه شرح من أحوال بني إسرائيل ما لا يعلمه إلا أحبارهم وخاصتهم مع حرصهم على كتمانه الاستئثار به خشية المزاحمة في الجاه والمنافع فجاء القرآن على لسان أبعد الناس عنهم وعن علمهم صادعاً بما لا يعلمه غير خاصتهم فكانت هذه المعجزة للكتابيينَ قائمةً مقام المعجزة البلاغية للأميين . وقد تقدم الإلمام بهذا في المقدمة السابعة . وقد روعيت في هذا الانتقال مسايَرة ترتيب كتب التوراة إذا عقبت كتاب التكوين بكتاب الخروج أي وصف أحوال بني إسرائيل في مدة فرعون ثم بعثة موسى ، وقد اقتصر مما في سفر التكوين على ذكر خلق آدم وإسكانه الأرض لأنه موضع العبرة وانتقل من ذلك إلى أحوال بني إسرائيل لأن فيها عبراً جمة لهم وللأمة .فقوله : { يا بني إسرائيل } خطاب لذرية يعقوب وفي ذريته انحصر سائر الأمة اليهودية ، وقد خاطبهم بهذا الوصف دون أن يقول يا أيها اليهود لكونه هو اسم القبيلة أما اليهود فهو اسم النحلة والديانة ولأن من كان متبعاً دين اليهودية من غير بني إسرائيل كحمير لم يعتد بهم لأنهم تبع لبني إسرائيل فلو آمن بنو إسرائيل بالنبيء صلى الله عليه وسلم لآمن أتباعهم لأن المقلد تبع لمقلده .ولأن هذا الخطاب للتذكير بنعم أنعم الله بها على أسلافهم وكرامات أكرمهم بها فكان لندائهم بعنوان كونهم أبناء يعقوب وأعقابه مزيد مناسبة لذلك ألا ترى أنه لما ذكروا بعنوان التدين بدين موسى ذكروا بوصف الذين هادوا في قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا } [ البقرة : 62 ] الآية كما سيأتي قريباً .وتوجيه الخطاب إلى جميع بني إسرائيل يشمل علماءهم وعامتهم لأن ما خوطبوا به هو من التذكير بنعمة الله على أسلافهم وبعهد الله لهم . وكذلك نجد خطابهم في الأغراض التي يراد منها التسجيل على جميعهم يكون بنحو { يا أهل الكتاب } [ آل عمران : 64 ] أو بوصف اليهود الذين هادوا أو بوصف النصارى ، فأما إذا كان الغرض التسجيل على علمائهم نجد القرآن يعنونهم بوصف { الذين أوتوا الكتاب } [ النساء : 47 ] أو { الذين آتيناهم الكتاب } [ الأنعام : 20 ] . وقد يستغنى عن ذلك بكون الخبر المسوق مما يناسب علماءهم خاصة مثل قوله تعالى : { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون } [ البقرة : 75 ] . ونحو { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } [ البقرة : 41 ] ونحو { ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } [ البقرة : 42 ] { فويل الذين يكتبون الكتاب بأيديهم } [ البقرة : 79 ] الآية { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } [ البقرة : 89 ] { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله } [ البقرة : 159 ] { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } [ البقرة : 145 ] الآية . فإذا جاء الخطاب بأسلوب شامل لعلمائهم وعامتهم صرف إلى كل طائفة من الطائفتين ما هو لائق بها .وبنون مما أُلحق بجمع المذكر السالم وليس منه لأنه دخل التكسير بحذف لامه وزيادة همزة الوصل في أوله فحقه أن يجمع على أبناء .وقد اختلف في أصل ابن فقيل هو مشتق من بني أي فهو مصدر بمعنى المفعول كالخلق فأصله بني أي مبني لأن أباه بناه وكونه فحذفت لامه للتخفيف وعوض عنها همزة الوصل ففيه مناسبة في معنى الاشتقاق إلا أن الحذف حينئذ على غير قياس لأن الياء لاموجب لحذفها إلا أن يتكلف له بأن الياء تحركت مع سكون ما قبلها فنقلت حركتها للساكن إجراء له مجرى عين الكلمة ثم لما انقلب ألفاً على تلك القاعدة خيف التباسه بفعل بني فحذفت اللام وعوض عنها همزة الوصل . وقيل أصله وأو على وزن بنْو أو بنَو بسكون النون أو بالتحريك فحذفت الواو كما حذفت من نظائره نحو أخ وأب وفي هذا الوجه بعد عن الاشتقاق وبعد عن نظائره لأن نظائره لما حذفت لاماتها لم تعوض عنها همزة الوصل .وإسرائيل لقب يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام قال ابن عباس معناه عبد الله ، لأن إسرا بمعنى عبد وإيل اسم الله أي مركب من كلمتين إسرا و إيل اسم الله تعالى كما يقولون بيت إيل ( اسم لقرية تسمى لوز من أرض كنعان نزلها يعقوب عليه السلام في مهاجره فراراً من أخيه عيسو وبنى فيها مذبحاً ودعا اسمه بيت إيل ) . والذي في كتب اليهود أن سبب تسمية يعقوب إسرائيل أنه لما كان خائفاً في مهاجره من أن يلحقه أخوه عيسو لينتقم منه عرض له في إحدى الليالي شخص فعلم يعقوب أنه ربه ( أي ملك من ملائكة الله ) فأمسكه وصارعه يعقوب كامل الليل إلى طلوع الفجر فقال له أطلقني فقد طلع الفجر فقال له يعقوب : لا أطلقك حتى تباركني فقال له : ما اسمك؟ قال : يعقوب قال له : لا يدعى اسمك يعقوب بعد اليوم بل أنت إسرائيل لأنك جاهدت الله والناس وقدرت . وباركه هناك . فهذا يدل على أن إسرا في هذا الاسم راجع إلى معنى الأسر في الحرب كما هو في العربية فإذا كان هذا من أصل التوراة فهو على تأويل رؤيا رآها يعقوب جعل الله بها له شرفاً أو عرض له ملك كذلك . ثم إن يعقوب له اثنا عشر ابناً وهم المشهورون بالأسباط لأنهم أسباط إسحاق بن إبراهيم وإلى هؤلاء الأسباط يرجع نسب جميع بني إسرائيل وسيأتي ذكر الأسباط في هذه السورة .و { اذكروا } أمر من الذكر وهو أي الذكر بكسر الذال وضمها يطلق على خطور شيء ببال من نسيه ولذلك قيل ، وكيف يذكره من ليس ينساه ، ويطلق على النطق باسم الشيء الخاطر ببال الناس ، ثم أطلق على التصريح بالدالّ مطلقاً لأن الشأن أن أحداً لا ينطق باسم الشيء إلا إذا خطر بباله ، وقد فرق بعض اللغويين بين مكسور الذال ومضمومه فجعل المكسور للساني والمضموم للعقلي ولعلها تفرقة استعمالية مولدة إذ لا يحجر على المستعمل تخصيصه أحد مصدري الفعل الواحد لأحد معاني الفعل عند التعبير فيصير ذلك اصطلاحياً استعمالياً لا وضعاً حتى يكون من المترادف إذ اتحاد الفعل مانع من دعوى ترادف المصدرين فقد قال عمر رضي الله عنه : أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه فسمى النوعين ذكراً . والمقصود هنا الذكر العقلي إذ ليس المراد ذكر النعمة باللسان .والمراد بالنعمة هنا جميع ما أنعم الله به على المخاطبين مباشرة أو بواسطة الإنعام على أسلافهم فإن النعمة على الأسلاف نعمة على الأبناء لأنها سمعة لهم ، وقدوة يقتدون بها ، وبركة تعود عليهم منها ، وصلاح حالهم الحاضر كان بسببها ، وبعض النعم يكون فيما فطر الله عليه الإنسان من فطنة وسلامة ضمير وتلك قد تورث في الأبناء .ولولا تلك النعم لهلك سلفهم أو لساءت حالهم فجاء أبناؤهم في شر حال . فيشمل هذا جميع النعم التي أنعم الله بها عليهم فهو بمنزلة اذكروا نعمي عليكم . وهذا العموم مستفاد من إضافة نعمة إلى ضمير الله تعالى إذ الإضافة تأتي لما تأتي له اللام ولا يستقيم من معاني اللام العهد إذ ليس في الكلام نعمة معينة معهودة ، ولا يستقيم معنى اللام الجنسية ، فتعين أن تكون الإضافة على معنى لام الاستغراق فالعموم حصل من إضافة نعمة إلى المعرفة وقليل من علماء أصول الفقه من يذكرون المفرد المعرف بالإضافة في صيغ العموم ، وقد ذكره الإمام الرازي في «المحصول» في أثناءالاستدلال . وقال ولي الدين : الإضافة عند الإمام أدل على العموم من اللام وقال ابن السبكي في «شرح مختصر ابن الحاجب» : دلالة المفرد المضاف على العموم ما لم يتحقق عهد هو الصحيح نحو قوله تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } [ النور : 63 ] أي كل أمره وقد تأيد قصد عموم النعمة بأن المقام للامتنان والدعوة إلى الإسلام فيناسبه تكثير النعم . والمراد النعم التي أنعم الله بها على أسلافهم وعلى الحاضرين منهم زمن نزول القرآن فإن النعمة على أسلافهم نعمة عليهم وقد تتابعت النعم عليهم إذ بوأهم قرى في بلاد العرب بعد أن سلبت بلادهم فلسطين وجعلهم في بحبوحة من العيش مع الأمن والثروة ومسالمة العرب لهم .والأمر بذكر النعمة هنا مراد منه لازمه وهوشكرها ومن أول مراتب الشكر ترك المكابرة في تلقي ما ينسب إلى الله من الرسالة بالنظر في أدلتها ومتابعة ما يأتي به المرسلون . فقوله : { التي أنعمت عليكم } وصف أشير به إلى وجوب شكر النعم لما يؤذن الموصول وصلته من التعليل فهومن باب قوله تعالى : { وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } [ المائدة : 6 ] . ويفيد مع ذلك أمرهم بتفكر النعم التي أنعم بها عليهم لينصرفوا بذلك عن حسد غيرهم فإن تذكير الحسود بما عنده من النعم عظة له وصرف له عن الحسد الناشىء عن الاشتغال بنعم الغير وهذا تعريض بهم أنهم حاسدون للعرب فيما أوتوا من الكتاب والحكمة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وانتقال النبوة من بني إسرائيل إلى العرب وإنما ذكروا بذلك لأن للنفس غفلة عما هو قائم بها وإنما تشتغل بأحوال غيرها لأن الحس هو أصل المعلومات فإذا رأى الحاسد نعم الغير نسي أنه أيضاً في نعمة فإذا أريد صرفه عن الحسد ذكر بنعمه حتى يخف حسده فإن حسدهم هو الذي حال دون تصديقهم به فيكون وزانه وزان قوله تعالى : { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } [ النساء : 54 ] ، وتقديمه على قوله : { وأوفوا بعهدي } من باب تقديم التخلية بالمعجمة على التحلية بالمهملة ويكون افتتاح خطابهم بهذا التذكير تهيئة لنفوسهم إلى تلقي الخطاب بسلامة طوية وإنصاف .وقوله تعالى : { وأوفوا بعهدي } هو فعل مهموز من ( وفى ) المجرد وأصل معنى وفى أتم الأمر تقول وفيته حقه ، ولما كان المجرد متعدياً للمفعول ولم يكن في المهموز زيادة تعدية للتساوي بين قولك وفيته حقه وأوفيته حقه تعينت الزيادة لمجرد المبالغة في التوفية مثل بان وأبان وشغل وأشغل وأما وفّى بالتضعيف فهو أبلغ من أوفى لأن فعل وإن شارك أفعل في معانيه إلا أنه لما كان دالاً على التقضي شيئاً بعد شيء كان أدل على المبالغة لأن شأن الأمر الذي يفعل مدرجاً أن يكون أتقن . وقد أطلق الوفاء على تحقيق الوعد والعهد إطلاقاً شائعاً صيره حقيقة .والعهد تقدم معناه عند قوله تعالى : { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } [ البقرة : 27 ] في هذه السورة .والعهد هنا هو الالتزام للغير بمعاملة التزاماً لا يفرط فيه المعاهد حتى يفسخاه بينهما واستعير العهد المضاف إلى ضمير الجلالة لقبول ما يكلفهم به من الدين واستعمل مجازاً لقبول التكاليف والدخول في الدين واستعير المضاف إلى ضمير المخاطبين للوعد على ذلك بالثواب في الآخرة والنصر في الدنيا فلك أن تجعل كل عهد مجازاً مفرداً استعمل العهد الأول في التكاليف واستعمل العهد الثاني في الوعد بالثواب والنصر واستعمل الإيفاء مع كليهما في تحقيق ما التزم به كلا الجانبين مستعاراً من ملائم المشبه به إلى ملائم المشبه ليفيد ترشيحاً لاستعارته ولك أن تجعل المجموع استعارة تمثيلية بأن شبه الهيئة الحاصلة من قولهم لما أمرهم الله به وأن لا يقصروا في العمل ومن وعد الله إياهم على ذلك بالثواب بهيئة المتعاهدين على التزام كل منهما بعمل للآخر ووفائه بعهده في عدم الإخلال به فاستعير لهذه الهيئة الكلام المشتمل على قوله : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } وهذا أحسن وبه يتبين وجه استعمال لفظ العهد الثاني في قوله تعالى : { أوف بعهدكم } وتقربه المشاكلة .وعلى الوجهين فالعهد في الموضعين مضاف للمفعول وهو ما ذهب إليه صاحب «الكشاف» لأن إضافته إلى المفعول متعينة إذا تعلق به الإيفاء إذ لا يوفي أحد إلا بعهد نفسه فإذا أضيف العهد الذي هو مفعول { أوفوا } إلى غير فاعل الإيفاء تعين أن تكون إضافته للمفعول وبذلك يتم ترشيح المجاز إن كان مفرداً كما أشار له المحقق التفتزاني فإن كان مركباً فأخلق به لأن اللفظ الموضوع للهيئة المشبه بها يضاف بقيد الإيفاء إلى مفعوله لا محالة .ومن لطائف القرآن في اختيار لفظ العهد للاستعارة هنا لتكليف الله تعالى إياهم أن ذلك خطاب لهم باللفظ المعروف عندهم في كتبهم فإن التوراة المنزلة على موسى عليه السلام تلقب عندهم بالعهد لأنها وصايات الله تعالى لهم ولذا عبر عنه في مواضع من القرآن بالميثاق وهذا من طرق الإعجاز العلمي الذي لا يعرفه إلا علماؤهم وهم أشح به منهم في كل شيء بحيث لا يعرف ذلك إلا خاصة أهل الدين فمجيئه على لسان النبيء العربي الأمي دليل على أنه وحي من العلام بالغيوب .والعهد قد أخذ على أسلافهم بواسطة رسلهم وأنبيائهم قال تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه } [ آل عمران : 81 ] الآية وإذ قد كان المخاطبون بالآية قد تلقوا الشريعة من أسلافهم بما فيها من عهد فقد كان العهد لازماً لهم وكان الوفاء متعيناً عليهم لأنهم الذين جاء فيهم الرسول الموعود به .وقوله : { وإياي فارهبون } عطفت الواو جملة { وإياي } على الجمل المتقدمة من قوله : { وأوفوا بعهدي } إلى آخرها على طريقه الانتقال من معنى إلى المعنى المتولد عنه وهي أصل طريقة المنشئين أن يراعوا الترتيب الخارجي في الخبر والإنشاء لأنه الأصل ما لم يطرأ مقتض لتغيير الترتيب الطبيعي ومنه في القرآن قوله : { ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب وجاءه قومه يهرعون إليه } [ هود : 77 ] إلخ ، فإنه لما افتتح خطابهم بالتذكير بالنعمة الباعث على شكر المنعم ومراقبة حقه والمطهر لهم من الحسد فإنه صارف عن الاعتراف بالنعمة كما قدمنا . ثم عطف عليه قوله : { وأوفوا بعهدي } وهو مبدأ المقصود من الأمر بتصديق الرسول الموعود به على ألسنة أنبيائهم . ثم عقب ذلك بقوله : { وإياي فارهبون } فهو تتميم لذلك الأمر السابق بالنهي عما يحول بينهم وبين الإيفاء بالعهد على وجهه وذلك هو صد كبرائهم وأحْبارهم إياهم عن الانتقال عما هم عليه من التمسك بالتوراة فإنهم هم القوم الذين كانوا يقولون لمَلك بلادهم فرعون مصر يوم بعثة موسى { لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا } [ طه : 72 ] فكانوا أحرياء بأن يخاطبوا سادتهم وأحبارهم بمثل ذلك الخطاب عند البعثة المحمدية .فتقديم المفعول هنا متعين للاختصاص ليحصل من الجملة إثبات ونفي واختير من طرق القصر طريق التقديم دون ما وإلا ليكون الحاصل بالمنطوق هو الأمر برهبة الله تعالى ويكون النهي عن رهبة غيره حاصلاً بالمفهوم فإنهم إذا رهبوا الله تعالى حرصوا على الإيفاء بالعهد ولما كانت رهبتهم أحبارهم تمنعهم من الإيفاء بالعهد أدمج النهي عن رهبة غير الله مع الأمر برهبة الله تعالى في صيغة واحدة .وتقديم المفعول مع اشتغال فعله بضميره آكد في إفادة التقديم الحصر من تقديم المفعول على الفعل غير المشتغل بضميره ، فإياي ارهبون آكد من نحو إياي ارهبوا كما أشار إليه صاحب «الكشاف» إذ قال : «وهو من قولك زيداً رهبته وهو أوكد في إفادة الاختصاص من { إياك نعبد } » [ الفاتحة : 1 ] اه . ووجهه عندي أن تقديم المفعول يحتمل الاختصاص ، إلا أن الأصل فيه أن يدل على الاختصاص إلا إذا أقامت القرينة على التقوى فإذا كان مع التقديم اشتغال الفعل بضمير المقدم نحو زيداً ضربته كان الاختصاص أوكد أي كان احتمال التقوى أضعف وذلك لأن إسناد الفعل إلى الضمير بعد إسناده إلى الظاهر المتقدم يفيد التقوى فتعين أن تقديم المفعول للاختصاص دون التقوى إذ التقوى قد حصل بإسناد الفعل أولاً إلى الاسم أو الظاهر المتقدم وثانياً إلى ضمير المتقدم ولهذا لم يقل صاحب «الكشاف» وهو أكثر اختصاصاً ولا أقوى اختصاصاً إذ الاختصاص لا يقبل التقوية بل قال وهو أوكد في إفادة الاختصاص أي إن إفادته الاختصاص أقوى لأن احتمال كون التقديم للتقوى قد صار مع الاشتغال ضعيفاً جداً .ولسنا ندعي أن الاشتغال متعين للتخصيص فإنه قد يأتي بلا تخصيص في نحو قوله تعالى : { إنا كل شيء خلقناه بقدر } [ القمر : 49 ] ، وقوله : { أبشراً منا واحداً نتبعه } [ القمر : 24 ] وقول زهير :فكلاً أراهم أصبحوا يعقلونه ... صحيحات مال طالعات بمخرملظهور أن لا معنى للتخصيص في شيء مما ذكرنا غير أن الغالب أن يكون التقديم مع صيغة الاشتغال للتخصيص إذ العرب لا تقدم المفعول غالباً إلا لذلك ولا التفات إلى ما وجه به صاحب «المفتاح» أن احتمال المفعول في الاشتغال التخصيص والتقوي باق على حاله ولكنك إن قدرت الفعل المحذوف متقدماً على المفعول كان التقديم للتقوي وإن قدرته بعد المفعول كان التقديم للتخصيص فإنه بناه على حالة موقع الفعل المقدر مع أن تقدير الفعل اعتبار لا يلاحظه البلغاء ولأنهم ينصبون على موقعه قرينه فتعين أن السامع إنما يعتد بالتقديم المحسوس وبتكرير التعلق وأما الاعتداد بموقع الفعل المقدر فحوالة على غير مشاهد لأن التقدير إن كان بنية المتكلم فلا قبل للسامع بمعرفة نيته ولا يصح أن يكون الخيار في التقدير للسامع .هذا والتقديم إذا اقترن بالفاء كان فيه مبالغة ، لأن الفاء كما في هذه الآية مؤذنة بشرط مقدر ولما كان هذا الشرط لا دليل عليه إلا الفاء تعين تقديره عاماً نحو إن يكن شيء أو مهما يكن شيء كما أشار له صاحب «الكشاف» في قوله تعالى : { وربك فكبر } [ المدثر : 3 ] حيث قال : «ودخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل مهما كان فلا تدع تكبيره» . فالمعنى هنا وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ومهما يكن شيء فإياي ارهبوني ، فلما حذفت جملة الشرط بعد واو العطف بقيت فاء الجواب موالية لواو العطف فزحلقت إلى أثناء الجواب كراهية توالي حرفين فقيل { وإياي فارهبون } بدلاً عن أن يقال فارهبون . والتعليق على الشرط العام يستلزم تحقق وقوع الجواب لأن التعليق الشرطي بمنزلة ربط المسبب بالسبب فإذا كان المعلق عليه أمراً محقق الوقوع لعدم خلو الحدثان عنه تعين تحقق وقوع المعلق ، وهذا مبني على مذهب سيبويه في باب الأمر والنهي يختار فيهما النصب في الاسم الذي يبنى عليه الفعل وذلك مثل قولك زيداً اضربه ومثل ذلك أما زيداً فاقتله فإذا قلت زيد فاضربه لم يستقم أن تحمله على الابتداء ألا ترى أنك لو قلت زيد فمنطلق لم يستقم ، ثم أشار إلى أن الفاء هنا في معنى فاء الجزاء فمن ثم جزم الزمخشري بأن هاته الفاء مهما وجدت في الاشتغال دلت على شرط عام محذوف وإن الفاء كانت داخلة على الاسم فزحلقت على حكم فاء جواب أما الشرطية وأحسب أن مثل هذا التركيب من مبتكر أساليب القرآن ولم أذكر أني عثرت على مثله في كلام العرب .ومما يؤيد ما ذهب إليه صاحب «الكشاف» المبني على كلام سيبويه من اعتبار الفاء مشعرة بشرط مقدر ، أن غالب مواقع هاته الفاء المتقدم معها المفعول على مدخلها أن تقع بعد نهي أو أمر يناقض الأمر والنهي الذي دخلت عليه تلك الفاءُ نحو قوله تعالى : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت } إلى قوله : { بل الله فاعبد } [ الزمر : 65 ، 66 ] وقول الأعشى : «ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا» فكان ما يتقدم هاته الفاء يتولد منه شرط في المعنى وكانت الفاء مؤذنة بذلك الشرط وعلامة عليه فلأجل كونه مدلولاً عليه بدليلين أصله وفرعه كان كالمذكور كأنه قيل لئن أشركت ليحبطن عملك ، وفإن كنت عابداً شيئاً فالله فاعبد ، وكذا في البيت وهذه فائدة لم يفصح عنها السلف فخذها ولا تخف .قال التفتزاني «ونقل عن صاحب «الكشاف» أنه قال : إن في قوله تعالى : { وإياي فارهبون } وجوهاً من التأكيد : تقديم الضمير المنفصل وتأخير المتصل والفاء الموجبة معطوفاً عليه ومعطوفاً تقديره إياي ارهبوا فارهبون أحدهما مقدر والثاني مظهر ، وما في ذلك من تكرار الرهبة ، وما فيه من معنى الشرط بدلالة الفاء كأنه قيل : إن كنتم راهبين شيئاً فارهبون» اه . يريد أن في تقديم الضمير إفادة الاختصاص والاختصاص تأكيد ، قال صاحب «المفتاح» ليس الحصر والتخصيص إلا تأكيداً على تأكيد وأما تأخير الضمير المتصل فلما في إعادة الإسناد من التقوي ، ومراد الزمخشري بقوله معطوفاً عليه ومعطوفاً العطف اللغوي أي معقباً ومعقباً به لا العطف النحوي إذ لا يستقيم هنا ، فتحصل أن في التعبير عن مثل هذا الاختصاص في كلام البلغاء مراتب أربع : مجرد التقديم للمفعول نحو { إياك نعبد } [ الفاتحة : 5 ] . وتقديمه على فعله العامل في ضميره نحو زيداً رهبته ، وتقديمه على فعله مع اقتران الفعل بالفاء نحو { وربك فكبر } [ المدثر : 3 ] وتقديمه على فعله العامل في ضميره مع اقتران الفعل بالفاء نحو { وإياي فارهبون } . فالثانية والثالثة والرابعة أوكد منهما .وحذفت ياء المتكلم بعد نون الوقاية في قوله : { فارهبون } للجمهور من العشرة في الوصل والوقف وأثبتها يعقوب في الوصل والوقف . وجمهور العرب يحذفونها في الوقف دون الوصل وهذيل يحذفونها في الوقف والوصل وأهل الحجاز يثبتونها في الحالين وإنما اتفق الجمهور هنا على حذفها في الوصل مثل الوقف لأن كلمة { فارهبون } كتبت في المصحف الإمام بدون ياء وقرئت كذلك في سُنة القراءة .ووجه ذلك أنها وقعت فاصلةً فاعتبروها كالموقوف عليها قال سيبويه في باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف «وجميع مالا يحذف في الكلام وما يختار فيه أن لا يحذف يحذف في الفواصل والقوافي» . ولأن لغة هذيل تحذفها مطلقاً ، وقراءةُ يعقوب بإثبات الياء في الوصل والوقف جرى على لغة أهل الحجاز ولأنه رواها بالإثبات وهو وجه في العربية ويكون قد تأول كتابتها بدون ياء في المصحف أنه اعتماد على أن القارىء يجريها على روايته ولذلك لو لم تكن ياء المتكلم في كلمة هي فاصلة من الآي لما اتفق الجمهور على حذفها كما في قوله تعالى : { أجيب دعوة الداعي إذا دعان } [ البقرة : 186 ] كما سيأتي .
الآية 40 - سورة البقرة: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون...)