سورة البقرة: الآية 35 - وقلنا يا آدم اسكن أنت...

تفسير الآية 35, سورة البقرة

وَقُلْنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ

الترجمة الإنجليزية

Waqulna ya adamu oskun anta wazawjuka aljannata wakula minha raghadan haythu shituma wala taqraba hathihi alshshajarata fatakoona mina alththalimeena

تفسير الآية 35

وقال الله: يا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة، وتمتعا بثمارها تمتعًا هنيئًا واسعًا في أي مكان تشاءان فيها، ولا تقربا هذه الشجرة حتى لا تقعا في المعصية، فتصيرا من المتجاوزين أمر الله.

«وقلنا يا آدم اسكن أنت» تأكيد للضمير المستتر ليعطف عليه «وزوجك» حواء بالمد وكان خلقها من ضلعه الأيسر «الجنة وكلا منها» أكلاً «رغداً» واسعا لاحجر فيه «حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة» بالأكل منها وهى الحنطة أو الكرم أو غيرهما «فتكونا» فتصيرا «من الظالمين» العاصين.

لما خلق الله آدم وفضله; أتم نعمته عليه; بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها; ويستأنس بها; وأمرهما بسكنى الجنة; والأكل منها رغدا; أي: واسعا هنيئا، حَيْثُ شِئْتُمَا أي: من أصناف الثمار والفواكه; وقال الله له: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ نوع من أنواع شجر الجنة; الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء [أو لحكمة غير معلومة لنا] فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ دل على أن النهي للتحريم; لأنه رتب عليه الظلم.

يقول الله تعالى إخبارا عما أكرم به آدم : بعد أن أمر الملائكة بالسجود له ، فسجدوا إلا إبليس : إنه أباحه الجنة يسكن منها حيث يشاء ، ويأكل منها ما شاء رغدا ، أي : هنيئا واسعا طيبا .وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ، من حديث محمد بن عيسى الدامغاني ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ميكائيل ، عن ليث ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر : قال : قلت : يا رسول الله ؛ أريت آدم ، أنبيا كان ؟ قال : نعم ، نبيا رسولا كلمه الله قبلا فقال : ( اسكن أنت وزوجك الجنة ) .وقد اختلف في الجنة التي أسكنها آدم ، أهي في السماء أم في الأرض ؟ والأكثرون على الأول [ وحكى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض ] ، وسيأتي تقرير ذلك في سورة الأعراف ، إن شاء الله تعالى ، وسياق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة ، وقد صرح بذلك محمد بن إسحاق ، حيث قال : لما فرغ الله من معاتبة إبليس ، أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها ، فقال : ( يا آدم أنبئهم بأسمائهم ) إلى قوله : ( إنك أنت العليم الحكيم ) قال : ثم ألقيت السنة على آدم - فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم ، عن ابن عباس وغيره - ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ، ولأم مكانه لحما ، وآدم نائم لم يهب من نومه ، حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء ، فسواها امرأة ليسكن إليها . فلما كشف عنه السنة وهب من نومه ، رآها إلى جنبه ، فقال - فيما يزعمون والله أعلم - : لحمي ودمي وروحي . فسكن إليها . فلما زوجه الله ، وجعل له سكنا من نفسه ، قال له قبلا ( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )ويقال : إن خلق حواء كان بعد دخوله الجنة ، كما قال السدي في تفسيره ، ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : أخرج إبليس من الجنة ، وأسكن آدم الجنة ، فكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليه ، فنام نومة فاستيقظ ، وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها : ما أنت ؟ قالت : امرأة . قال : ولم خلقت ؟ قالت : لتسكن إلي . قالت له الملائكة - ينظرون ما بلغ من علمه - : ما اسمها يا آدم ؟ قال : حواء . قالوا : ولم سميت حواء ؟ قال : إنها خلقت من شيء حي . قال الله : ( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما )وأما قوله : ( ولا تقربا هذه الشجرة ) فهو اختبار من الله تعالى وامتحان لآدم . وقد اختلف في هذه الشجرة : ما هي ؟فقال السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس : الشجرة التي نهي عنها آدم - عليه السلام - هي الكرم . وكذا قال سعيد بن جبير ، والسدي ، والشعبي ، وجعدة بن هبيرة ، ومحمد بن قيس .وقال السدي - أيضا - في خبر ذكره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : ( ولا تقربا هذه الشجرة ) هي الكرم . وتزعم يهود أنها الحنطة .وقال ابن جرير وابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي ، حدثنا أبو يحيى الحماني ، حدثنا النضر أبو عمر الخراز ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الشجرة التي نهي عنها آدم - عليه السلام - هي السنبلة .وقال عبد الرزاق : أنبأنا ابن عيينة وابن المبارك ، عن الحسن بن عمارة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : هي السنبلة .وقال محمد بن إسحاق ، عن رجل من أهل العلم ، عن حجاج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : هي البر .وقال ابن جرير : وحدثني المثنى بن إبراهيم ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا القاسم ، حدثنيرجل من بني تميم ، أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم ، والشجرة التي تاب عندها آدم . فكتب إليه أبو الجلد : سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم ، عليه السلام ، وهي السنبلة ، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة .وكذلك فسره الحسن البصري ، ووهب بن منبه ، وعطية العوفي ، وأبو مالك ، ومحارب بن دثار ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى .وقال محمد بن إسحاق ، عن بعض أهل اليمن ، عن وهب بن منبه : أنه كان يقول : هي البر ، ولكن الحبة منها في الجنة ككلى البقر ، ألين من الزبد وأحلى من العسل .وقال سفيان الثوري ، عن حصين ، عن أبي مالك : ( ولا تقربا هذه الشجرة ) قال : النخلة .وقال ابن جرير ، عن مجاهد : ( ولا تقربا هذه الشجرة ) قال : تينة . وبه قال قتادة وابن جريج .وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : كانت الشجرة من أكل منها أحدث ، ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث ، وقال عبد الرزاق : حدثنا عمر بن عبد الرحمن بن مهرب قال : سمعت وهب بن منبه يقول : لما أسكن الله آدم وزوجته الجنة ، ونهاه عن أكل الشجرة ، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها من بعض ، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم ، وهي الثمرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته .فهذه أقوال ستة في تفسير هذه الشجرة .قال الإمام العلامة أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله : والصواب في ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة ، دون سائر أشجارها ، فأكلا منها ، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين ؟ لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة . وقد قيل : كانت شجرة البر . وقيل : كانت شجرة العنب ، وقيل : كانت شجرة التين . وجائز أن تكون واحدة منها ، وذلك علم ، إذا علم ينفع العالم به علمه ، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به ، والله أعلم . [ وكذلك رجح الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره وغيره ، وهو الصواب ] .

وقوله - تعالى - ( وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة ) معطوف على قوله ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ . . . إلخ ) أي : بعد أن أمرنا الملائكة بالسجود لآدم ، قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، فهذه تكرمه أكره الله بها بعد أن أكرمه بكرامة الإِجلال من تلقاء الملائكة .وقوله : ( اسكن ) أمر من السكنى بمعنى اتخاذ المسكن على وجه الاستقرار .والزوج : يطلق على الرجل والمرأة والمراد به هنا حواء ، حيث تقول العرب للمرأة زوج ، ولا تكاد تقول زوجة .والجنة : هي كل بستان ذي شجر متكاثف ، ملتف الأغصان ، يظلل ما تحته ويستره ، من الجن ، وهو ستر الشيء عن الحاسة .وجمهور أهل السنة على أن المراد بها هنا دار الثواب . التي أعدها الله للمؤمنين يوم القيامة ، لأن هذا هو المتبادر إلى الذهن عند الإِطلاق .ويرى جمهور علماء المعتزلة أن المراد بها هنا بستان بمكان مرتفع من الأرض ، خلقه الله لإِسكان آدم وزوجه ، واختلفوا في مكانه ، فقيل بفلسطين . وقيل بغيرها .وقد ساق الإِمام ابن القيم في كتابه ( حادي الأرواح ) أدلة الفريقين دون أن يرجح شيئاً منها .والأحوط والأسلم : الكف عن تعيينها وعن القطع به ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو منصور الماتريدي في التأويلات ، إذ ليس لهذه المسألة تأثير في العقيدة .والمخاطب بالأمر ، بسكنى الجنة آدم وحواء ، ولكن الأسلوب جاء في صيغة الخطاب لآدم وعطفت عليه زوجه ، لأنه هو المقصود بالأمر وزوجه تبع له .ثم بين - سبحانه - أنه قد أباح لهما أن يأكلا من ثمار الجنة أكلا واسعا فقال : ( وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا ) أي كلا من مطاعم الجنة وثمارها أكلا هنيئاً أو واسعاً في أي مكان من الجنة أردتم .يقال : رغد عيش القوم أي : اتسع وطاب ، وأرغد القوم ، أي : اخصبوا وصاروا في رزق واسع .والضمير في قوله ( مِنْهَا ) يعود إلى الجنة ، والمراد بالأكل منها : الأكل من مطاعمها وثمارها ، لأن الجنة تستلزم ثماراً هي المقصودة بالأكل .ثم بين - سبحانه - أنه نهاهم عن الأكل من شجرة معينة فقال : ( وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ الظالمين ) .القرب : الدنو ، والمنهى عنه هو الأكل من ثمار الشجرة ، وتعليق النهي بالقرب منها إذ قال ( وَلاَ تَقْرَبَا ) القصد منه المبالغة في النهي عن الأكل ، إذ في النهي عن القرب من الشيء قطع لوسيلة التلبس سبه ، كما قال تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى ) فنهى عن القرب من الزنا ليقطع الوسيلة إلى ارتكابه وهي القرب منه . وأكد النبي بأن جعل عدم اجتناب الأكل من الشجرة ظلماً فقال : ( فَتَكُونَا مِنَ الظالمين ) وقد ظلما أنفسهما إذ أكلا منها ، فقد ترتب على أكلهما منها أن أخرجا من الجنة التي كانا يعيشان فيها عيشة راضية .وقد تكلم العلماء كثيراً عن اسم هذه الشجرة ونوعها فقيل هي التينة ، وقيل : هي السنبلة ، وقيل هي الكرم . . الخ . إلا أن القرآن لم يذكر نوعها على عادته في عدم التعرض لذكر ما لم يدع المقصود من سوق القصة إلى بيانه .وقد أحسن الإِمام ابن جرير في التعبير عن هذا المعنى فقال : " والصواب في ذلك أن يقال : إن الله - تعالى - نهى آدم وزوجه عن الأكل من شجرة يعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فأكلا منها ، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين ، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة ، وقد قيل : كانت شجرة البر ، وقيل كانت شجرة العنب . وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه ، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به .

قوله تعالى: وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وذلك أن آدم لم يكن له في الجنة من يجانسه فنام نومة فخلق الله زوجته حواء من قصيراء من شقه الأيسر، وسميت حواء لأنها خلقت من حي، خلقها الله عز وجل من غير أن أحس به آدم ولا وجد له ألماً، ولو وجد ألماً لما عطف رجل على امرأة قط فلما هب من نومه رآها جالسة عند رأسه (كأحسن ما في) خلق الله فقال لها: من أنتِ؟، قالت: زوجتك خلقني الله لك تسكن إلي وأسكن إليك.وكلا منها رغداً واسعاً كثيراً.حيث شئتما كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما.ولا تقربا هذه الشجرة يعني للأكل، وقال بعض العلماء: وقع النهي على جنس من الشجر.وقال آخرون: على شجرة مخصوصة، واختلفوا في تلك الشجرة.قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومقاتل: "هي السنبلة".وقال ابن مسعود: "هي شجرة العنب".وقال ابن جريج: "شجرة التين".وقال قتادة: "شجرة العلم وفيها من كل شيء".وقال علي رضي الله عنه: "شجرة الكافور".فتكونا فتصيرا.من الظالمين أي: الضارين بأنفسكما بالمعصية.وأصل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه.

قوله تعالى : وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فيه ثلاث عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : وقلنا يا آدم اسكن لا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة ، وبعد إخراجه قال لآدم : اسكن ، أي لازم الإقامة واتخذها مسكنا ، وهو محل السكون . وسكن إليه يسكن سكونا . والسكن : النار ، قال الشاعر :قد قومت بسكن وأدهانوالسكن : كل ما سكن إليه . والسكين معروف سمي به لأنه يسكن حركة المذبوح ، ومنه المسكين لقلة تصرفه وحركته . وسكان السفينة عربي ; لأنه يسكنها عن الاضطراب .الثانية : في قوله تعالى : اسكن - تنبيه على الخروج ; لأن السكنى لا تكون ملكا ، ولهذا قال بعض العارفين : السكنى تكون إلى مدة ثم تنقطع ، فدخولهما في الجنة كان دخول سكنى لا دخول إقامة .قلت : وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقوله الجمهور من العلماء : إن من أسكن رجلا مسكنا له إنه لا يملكه بالسكنى ، وأن له أن يخرجه إذا انقضت مدة الإسكان . وكان الشعبي يقول : إذا قال الرجل داري لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته ، وإذا قال : داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات . ونحو من السكنى العمرى ، إلا أن الخلاف في العمرى أقوى منه في السكنى . وسيأتي الكلام في العمرى في " هود " إن شاء الله تعالى . قال الحربي : سمعت ابن الإعرابي يقول : لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له العمرى والرقبى والإفقار والإخبال والمنحة والعرية والسكنى والإطراق . وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شيء من العطايا إلا المنافع دون الرقاب ، وهو قول الليث بن سعد والقاسم بن محمد ، ويزيد بن قسيط .والعمرى : هو إسكانك الرجل في دار لك مدة عمرك أو عمره . ومثله الرقبى : وهو أن يقول : إن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك ، وهي من المراقبة . والمراقبة : أن يرقب كل واحد منهما موت صاحبه ، ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها ، فأجازها أبو يوسف والشافعي ، وكأنها وصية عندهم . ومنعها مالك والكوفيون ; لأن كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له ، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه . وفي الباب حديثان أيضا بالإجازة والمنع ذكرهما ابن ماجه في سننه : الأول رواه جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها ففي هذا الحديث التسوية بين العمرى والرقبى في الحكم . الثاني رواه ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا رقبى فمن أرقب شيئا فهو له حياته ومماته . قال : والرقبى أن يقول هو للآخر : مني ومنك موتا . فقوله : ( لا رقبى ) نهي يدل على المنع ، وقوله : من أرقب شيئا فهو له يدل على الجواز ، وأخرجهما أيضا النسائي . وذكر عن ابن عباس قال : العمرى والرقبى سواء . وقال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها . فقد صحح الحديث ابن المنذر ، وهو حجة لمن قال بأن العمرى والرقبى سواء . وروي عن علي وبه قال الثوري وأحمد ، وأنها لا ترجع إلى الأول أبدا ، وبه قال إسحاق . وقال طاوس : من أرقب شيئا فهو سبيل الميراث .والإفقار مأخوذ من فقار الظهر . أفقرتك ناقتي : أعرتك فقارها لتركبها . وأفقرك الصيد إذا أمكنك من فقاره حتى ترميه . ومثله الإخبال ، يقال : أخبلت فلانا إذا أعرته ناقة يركبها أو فرسا يغزو عليه ، قال زهير :هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلواوالمنحة : العطية . والمنحة : منحة اللبن . والمنيحة : الناقة أو الشاة يعطيها الرجل آخر يحتلبها ثم يردها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم . رواه أبو أمامة ، أخرجه الترمذي والدارقطني وغيرهما ، وهو صحيح . والإطراق : إعارة الفحل ، استطرق فلان فلانا فحله : إذا طلبه ليضرب في إبله ، فأطرقه إياه ، ويقال : أطرقني فحلك أي أعرني فحلك ليضرب في إبلي . وطرق الفحل الناقة يطرق طروقا أي قعا عليها . وطروقة الفحل : أنثاه ، يقال : ناقة طروقة الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل .الثالثة : قوله تعالى : أنت وزوجك أنت تأكيد للمضمر الذي في الفعل ، ومثله : فاذهب أنت وربك . ولا يجوز اسكن وزوجك ، ولا اذهب وربك ، إلا في ضرورة الشعر ، كما قال :قلت إذ أقبلت وزهر تهادى كنعاج الملا تعسفن رملاف " زهر " معطوف على المضمر في " أقبلت " ولم يؤكد ذلك المضمر . ويجوز في غير القرآن على بعد : قم وزيد .الرابعة : قوله تعالى : وزوجك لغة القرآن " زوج " بغير هاء ، وقد جاء في صحيح مسلم : " زوجة " حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فجاء فقال : يا فلان هذه زوجتي فلانة : فقال يا رسول الله ، من كنت أظن به فلم أكن أظن بك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم . وزوج آدم عليه السلام هي حواء عليها السلام ، وهو أول من سماها بذلك حين خلقت من ضلعه من غير أن يحس آدم عليه السلام بذلك ، ولو ألم بذلك لم يعطف رجل على امرأته ، فلما انتبه قيل له : من هذه ؟ قال : امرأة قيل : وما اسمها ؟ قال : حواء ، قيل : ولم سميت امرأة ؟ قال : لأنها من المرء أخذت ، قيل : ولم سميت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من حي . روي أن الملائكة سألته عن ذلك لتجرب علمه ، وأنهم قالوا له : أتحبها يا آدم ؟ قال : نعم ، قالوا لحواء : أتحبينه يا حواء ؟ قالت : لا ، وفي قلبها أضعاف ما في قلبه من حبه . قالوا : فلو صدقت امرأة في حبها لزوجها لصدقت حواء . وقال ابن مسعود وابن عباس : لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشا ، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصرى من شقه الأيسر ليسكن إليها ويأنس بها ، فلما انتبه رآها فقال : من أنت ؟ قالت : امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي ، وهو معنى قوله تعالى : هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها . قال العلماء : ولهذا كانت المرأة عوجاء ، لأنها خلقت من أعوج وهو الضلع . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المرأة خلقت من ضلع - في رواية : وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه - لن تستقيم لك على طريقة واحدة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها . وقال الشاعر :هي الضلع العوجاء ليست تقيمها ألا إن تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتىأليس عجيبا ضعفها واقتدارهاومن هذا الباب استدل العلماء على ميراث الخنثى المشكل إذا تساوت فيه علامات النساء والرجال في اللحية والثدي والمبال بنقص الأعضاء . فإن نقصت أضلاعه عن أضلاع المرأة أعطي نصيب رجل - روي ذلك عن علي رضي الله عنه - لخلق حواء من أحد أضلاعه ، وسيأتي في المواريث بيان هذا إن شاء الله تعالى .الخامسة : قوله تعالى : الجنة الجنة : البستان ، وقد تقدم القول فيها . ولا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخلد وإنما كان في جنة بأرض عدن . واستدلوا على بدعتهم بأنها لو كانت جنة الخلد لما وصل إليه إبليس ، فإن الله يقول : لا لغو فيها ولا تأثيم وقال لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا وقال : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما . وأنه لا يخرج منها أهلها لقوله : وما هم منها بمخرجين . وأيضا فإن جنة الخلد هي دار القدس ، قدست عن الخطايا والمعاصي تطهيرا لها . وقد لغا فيها إبليس وكذب ، وأخرج منها آدم وحواء بمعصيتهما .قالوا : وكيف يجوز على آدم مع مكانه من الله وكمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد والملك الذي لا يبلى ؟ فالجواب : أن الله تعالى عرف الجنة بالألف واللام ، ومن قال : أسأل الله الجنة ، لم يفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد . ولا يستحيل في العقل دخول إبليس الجنة لتغرير آدم ، وقد لقي موسى آدم عليهما السلام فقال له موسى : أنت أشقيت ذريتك وأخرجتهم من الجنة ، فأدخل الألف واللام ليدل على أنها جنة الخلد المعروفة ، فلم ينكر ذلك آدم ، ولو كانت غيرها لرد على موسى ، فلما سكت آدم على ما قرره موسى صح أن الدار التي أخرجهم الله عز وجل منها بخلاف الدار التي أخرجوا إليها . وأما ما احتجوا به من الآي فذلك إنما جعله الله فيها بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة ، ولا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد الله تخليده فيها وقد يخرج منها من قضي عليه بالفناء . وقد أجمع أهل التأويل على أن الملائكة يدخلون الجنة على أهل الجنة ويخرجون منها ، وقد كان مفاتيحها بيد إبليس ثم انتزعت منه بعد المعصية ، وقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ثم خرج منها وأخبر بما فيها وأنها هي جنة الخلد حقا . وأما قولهم : إن الجنة دار القدس وقد طهرها الله تعالى من الخطايا فجهل منهم ، وذلك أن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة وهي الشام ، وأجمع أهل الشرائع على أن الله تعالى قدسها وقد شوهد فيها المعاصي والكفر والكذب ولم يكن تقديسها مما يمنع فيها المعاصي ، وكذلك دار القدس . قال أبو الحسن بن بطال : وقد حكى بعض المشايخ أن أهل السنة مجمعون على أن جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم عليه السلام ، فلا معنى لقول من خالفهم . وقولهم : كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد ، فيعكس عليهم ويقال : كيف يجوز على آدم وهو في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد في دار الفناء ! هذا ما لا يجوز على من له أدنى مسكة من عقل ، فكيف بآدم الذي هو أرجح الخلق عقلا ، على ما قال أبو أمامة على ما يأتي .السادسة : قوله تعالى : وكلا منها رغدا حيث شئتما قراءة الجمهور رغدا بفتح الغين . وقرأ النخعي وابن وثاب بسكونها . والرغد : العيش الدار الهني الذي لا عناء فيه ، قال امرؤ القيس :بينما المرء تراه ناعما يأمن الأحداث في عيش رغدويقال : رغد عيشهم ورغد ( بضم الغين وكسرها ) . وأرغد القوم : أخصبوا وصاروا في رغد من العيش . وهو منصوب على الصفة لمصدر محذوف ، وحيث وحيث وحيث ، وحوث وحوث وحاث ، كلها لغات ، ذكرها النحاس وغيره .السابعة : قوله تعالى : ولا تقربا هذه الشجرة أي لا تقرباها بأكل ; لأن الإباحة فيه وقعت . قال ابن العربي : سمعت الشاشي في مجلس النضر بن شميل يقول : إذا قيل لا تقرب ( بفتح الراء ) كان معناه لا تلبس بالفعل ، وإذا كان ( بضم الراء ) فإن معناه لا تدن منه . وفي الصحاح : قرب الشيء يقرب قربا أي دنا . وقربته ( بالكسر ) أقربه قربانا أي دنوت منه . وقربت أقرب قرابة مثل كتبت أكتب كتابة - إذا سرت إلى الماء وبينك وبينه ليلة ، والاسم القرب . قال الأصمعي : قلت لأعرابي : ما القرب ؟ فقال : سير الليل لورد الغد . وقال ابن عطية : قال بعض الحذاق : إن الله تعالى لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظ يقتضي الأكل وما يدعو إليه العرب وهو القرب . قال ابن عطية : وهذا مثال بين في سد الذرائع . وقال بعض أرباب المعاني : قوله : ولا تقربا إشعار بالوقوع في الخطيئة والخروج من الجنة ، وأن سكناه فيها لا يدوم ، لأن المخلد لا يحظر عليه شيء ولا يؤمر ولا ينهى . والدليل على هذا قوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة فدل على خروجه منها .الثامنة : قوله تعالى : هذه الشجرة الاسم المبهم ينعت بما فيه الألف واللام لا غير ، كقولك : مررت بهذا الرجل وبهذه المرأة وهذه الشجرة . وقرأ ابن محيصن : " هذي الشجرة " بالياء وهو الأصل ، لأن الهاء في هذه بدل من ياء ولذلك انكسر ما قبلها ، وليس في الكلام هاء تأنيث قبلها كسرة سواها ، وذلك لأن أصلها الياء .والشجرة والشجرة والشيرة ، ثلاث لغات وقرئ " الشجرة " بكسر الشين . والشجرة : ما كان على ساق من نبات الأرض . وأرض شجيرة وشجراء أي كثيرة الأشجار ، وواد شجير ، ولا يقال : واد أشجر . وواحد الشجراء شجرة ، ولم يأت من الجمع على هذا المثال إلا أحرف يسيرة : شجرة وشجراء ، وقصبة وقصباء ، وطرفة وطرفاء ، وحلفة وحلفاء . وكان الأصمعي يقول في واحد الحلفاء : حلفة ، بكسر اللام مخالفة لأخواتها . وقال سيبويه : الشجراء واحد وجمع ، وكذلك القصباء والطرفاء والحلفاء . والمشجرة : موضع الأشجار . وأرض مشجرة ، وهذه الأرض أشجر من هذه أي أكثر شجرا ، قاله الجوهري .التاسعة : واختلف أهل التأويل في تعيين هذه الشجرة التي نهي عنها فأكل منها ، فقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وجعدة بن هبيرة : هي الكرم ، ولذلك حرمت علينا الخمر . وقال ابن عباس أيضا وأبو مالك وقتادة : هي السنبلة ، والحبة منها ككلى البقر ، أحلى من العسل وألين من الزبد ، قاله وهب بن منبه . ولما تاب الله على آدم جعلها غذاء لبنيه . وقال ابن جريج عن بعض الصحابة : هي شجرة التين ، وكذا روى سعيد عن قتادة ، ولذلك تعبر في الرؤيا بالندامة لآكلها من أجل ندم آدم عليه السلام على أكلها ، ذكره السهيلي . قال ابن عطية : وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر ، وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها . وقال القشيري أبو نصر : وكان الإمام والدي رحمه الله يقول : يعلم على الجملة أنها كانت شجرة المحنة .العاشرة : واختلفوا كيف أكل منها مع الوعيد المقترن بالقرب وهو قوله تعالى : فتكونا من الظالمين ، فقال قوم أكلا من غير التي أشير إليها فلم يتأولا النهي واقعا على جميع جنسها ، كأن إبليس غره بالأخذ بالظاهر . قال ابن العربي : وهي أول معصية عصي الله بها على هذا القول . قال : " وفيه دليل على أن من حلف ألا يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنث . وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر العلماء قالوا : لا حنث فيه . وقال مالك وأصحابه : إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنث بأكل جنسه ، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيتها الجنس حمل عليه وحنث بأكل غيره ، وعليه حملت قصة آدم عليه السلام فإنه نهي عن شجرة عينت له وأريد بها جنسها ، فحمل القول على اللفظ دون المعنى .وقد اختلف علماؤنا في فرع من هذا ، وهو أنه إذا حلف ألا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزا منها على قولين ، قال في الكتاب : يحنث ; لأنها هكذا تؤكل . وقال ابن المواز : لا شيء عليه ; لأنه لم يأكل حنطة وإنما أكل خبزا فراعى الاسم والصفة . ولو قال في يمينه : لا آكل من هذه الحنطة لحنث بأكل الخبز المعمول منها وفيما اشترى بثمنها من طعام ، وفيما أنبتت خلاف . وقال آخرون : تأولا النهي على الندب . قال ابن العربي : وهذا وإن كان مسألة من أصول الفقه فقد سقط ذلك هاهنا ، لقوله : فتكونا من الظالمين فقرن النهي بالوعيد ، وكذلك قوله سبحانه : فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . وقال ابن المسيب : إنما أكل آدم بعد أن سقته حواء الخمر فسكر وكان في غير عقله . وكذلك قال يزيد بن قسيط ، وكانا يحلفان بالله أنه ما أكل من هذه الشجرة وهو يعقل . قال ابن العربي : وهذا فاسد نقلا وعقلا ، أما النقل فلم يصح بحال ، وقد وصف الله عز وجل خمر الجنة فقال : لا فيها غول . وأما العقل فلأن الأنبياء بعد النبوة معصومون عما يؤدي إلى الإخلال بالفرائض واقتحام الجرائم . قلت : قد استنبط بعض العلماء نبوة آدم عليه السلام قبل إسكانه الجنة من قوله تعالى : فلما أنبأهم بأسمائهم فأمره الله تعالى أن ينبئ الملائكة بما ليس عندهم من علم الله جل وعز . وقيل : أكلها ناسيا ، ومن الممكن أنهما نسيا الوعيد . قلت : وهو الصحيح لإخبار الله تعالى في كتابه بذلك حتما وجزما فقال : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما . ولكن لما كان الأنبياء عليهم السلام يلزمهم من التحفظ والتيقظ لكثرة معارفهم وعلو منازلهم ما لا يلزم غيرهم كان تشاغله عن تذكر النهي تضييعا صار به عاصيا ، أي مخالفا . قال أبو أمامة : لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة وضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم ، وقد قال الله تعالى : ولم نجد له عزما .قلت : قول أبي أمامة هذا عموم في جميع بني آدم . وقد يحتمل أن يخص من ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان أوفر الناس حلما وعقلا . وقد يحتمل أن يكون المعنى لو أن أحلام بني آدم من غير الأنبياء . والله أعلم .قلت : والقول الأول أيضا حسن ، فظنا أن المراد العين وكان المراد الجنس ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذ ذهبا وحريرا فقال : هذان حرامان على ذكور أمتي . وقال في خبر آخر : هذان مهلكان أمتي . وإنما أراد الجنس لا العين .الحادية عشرة : يقال : إن أول من أكل من الشجرة حواء بإغواء إبليس إياها - على ما يأتي بيانه - وإن أول كلامه كان معها لأنها وسواس المخدة ، وهي أول فتنة دخلت على الرجال من النساء ، فقال : ما منعتما هذه الشجرة إلا أنها شجرة الخلد ، لأنه علم منهما أنهما كانا يحبان الخلد ، فأتاهما من حيث أحبا - " حبك الشيء يعمي ويصم " - فلما قالت حواء لآدم أنكر عليها وذكر العهد ، فألح على حواء وألحت حواء على آدم ، إلى أن قالت : أنا آكل قبلك حتى إن أصابني شيء سلمت أنت ، فأكلت فلم يضرها ، فأتت آدم فقالت : كل فإني قد أكلت فلم يضرني ، فأكل فبدت لهما سوءاتهما وحصلا في حكم الذنب ، لقول الله تعالى : ولا تقربا هذه الشجرة فجمعهما في النهي ، فلذلك لم تنزل بها العقوبة حتى وجد المنهي عنه منهما جميعا ، وخفيت على آدم هذه المسألة ، ولهذا قال بعض العلماء : إن من قال لزوجتيه أو أمتيه : إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان أو حرتان - إن الطلاق والعتق لا يقع بدخول إحداهما . وقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال ، قال ابن القاسم : لا تطلقان ولا تعتقان إلا باجتماعهما في الدخول ، حملا على هذا الأصل وأخذا بمقتضى مطلق اللفظ . وقاله سحنون . وقال ابن القاسم مرة أخرى : تطلقان جميعا وتعتقان جميعا بوجود الدخول من إحداهما ; لأن بعض الحنث حنث ، كما لو حلف ألا يأكل هذين الرغيفين فإنه يحنث بأكل أحدهما بل بأكل لقمة منهما . وقال أشهب : تعتق وتطلق التي دخلت وحدها ; لأن دخول كل واحدة منهما شرط في طلاقها أو عتقها . قال ابن العربي : وهذا بعيد ; لأن بعض الشرط لا يكون شرطا إجماعا .قلت : الصحيح الأول ، وإن النهي إذا كان معلقا على فعلين لا تتحقق المخالفة إلا بهما ; لأنك إذا قلت : لا تدخلا الدار ، فدخل أحدهما ما وجدت المخالفة منهما ; لأن قول الله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة نهي لهما فتكونا من الظالمين جوابه ، فلا يكونا من الظالمين حتى يفعلا ، فلما أكلت لم يصبها شيء ; لأن المنهي عنه ما وجد كاملا . وخفي هذا المعنى على آدم فطمع ونسي هذا الحكم ، وهو معنى قوله تعالى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي وقيل : نسي قوله : إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . والله أعلم .الثانية عشرة : واختلف العلماء في هذا الباب هل وقع من الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها أم لا ؟ بعد اتفاقهم على أنهم معصومون من الكبائر ومن كل رذيلة فيها شين ونقص إجماعا . عند القاضي أبي بكر ، وعند الأستاذ أبي إسحاق أن ذلك مقتضى دليل المعجزة ، وعند المعتزلة أن ذلك مقتضى دليل العقل على أصولهم - ، فقال الطبري وغيره من الفقهاء والمتكلمين والمحدثين : تقع الصغائر منهم . خلافا للرافضة حيث قالوا : إنهم معصومون من جميع ذلك ، واحتجوا بما وقع من ذلك في التنزيل وثبت من تنصلهم من ذلك في الحديث ، وهذا ظاهر لا خفاء فيه . وقال جمهور من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي : إنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر أجمعها ، لأنا أمرنا باتباعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم أمرا مطلقا من غير التزام قرينة ، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم ، إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده من القربة والإباحة أو الحظر أو المعصية ، ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية ، لا سيما على من يرى تقديم الفعل على القول إذا تعارضا من الأصوليين . قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : واختلفوا في الصغائر ، والذي عليه الأكثر أن ذلك غير جائز عليهم ، وصار بعضهم إلى تجويزها ، ولا أصل لهذه المقالة . وقال بعض المتأخرين ممن ذهب إلى القول الأول : الذي ينبغي أن يقال إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها ، وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها وأشفقوا منها وتابوا ، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها وإن قبل ذلك آحادها ، وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم ، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور وعلى جهة الخطأ والنسيان ، أو تأويل دعا إلى ذلك فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات وفي حقهم سيئات ، بالنسبة إلى مناصبهم وعلو أقدارهم ، إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس ، فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة مع علمهم بالأمن والأمان والسلامة . قال : وهذا هو الحق . ولقد أحسن الجنيد حيث قال : حسنات الأبرار سيئات المقربين . فهم - صلوات الله وسلامه عليهم - وإن كان قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم فلم يخل ذلك بمناصبهم ولا قدح في رتبهم ، بل قد تلافاهم واجتباهم وهداهم ومدحهم وزكاهم واختارهم واصطفاهم ، صلوات الله عليهم وسلامه .الثالثة عشرة : قوله تعالى : فتكونا من الظالمين الظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه . والأرض المظلومة : التي لم تحفر قط ثم حفرت . قال النابغة .وقفت فيها أصيلالا أسائلها عيت جوابا وما بالربع من أحد إلا الأواري لأيا ما أبينهاوالنؤي كالحوض بالمظلومة الجلدويسمى ذلك التراب الظليم . قال الشاعر :فأصبح في غبراء بعد إشاحة على العيش مردود عليها ظليمهاوإذا نحر البعير من غير داء به فقد ظلم ، ومنه : . . . ظلامون للجزر .ويقال : سقانا ظليمة طيبة ، إذا سقاهم اللبن قبل إدراكه . وقد ظلم وطبه ، إذا سقى منه قبل أن يروب ويخرج زبده . واللبن مظلوم وظليم . قال :وقائلة ظلمت لكم سقائي وهل يخفى على العكد الظليمورجل ظليم : شديد الظلم . والظلم : الشرك ، قال الله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم .قوله تعالى وكلا منها رغدا حذفت النون من " كلا " لأنه أمر ، وحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ، وحذفها شاذ . قال سيبويه : من العرب من يقول أؤكل ، فيتم . يقال منه : أكلت الطعام أكلا ومأكلا . والأكلة ( بالفتح ) : المرة الواحدة حتى تشبع . والأكلة ( بالضم ) : اللقمة ، تقول : أكلت أكلة واحدة ، أي لقمة ، وهي القرصة أيضا . وهذا الشيء أكلة لك ، أي طعمة لك . والأكل أيضا ما أكل . ويقال : فلان ذو أكل إذا كان ذا حظ من الدنيا ورزق واسع . رغدا نعت لمصدر محذوف ، أي أكلا رغدا . قال ابن كيسان : ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال . وقال مجاهد : رغدا أي لا حساب عليهم . والرغد في اللغة : الكثير الذي لا يعنيك ، ويقال : أرغد القوم ، إذا وقعوا في خصب وسعة . وقد تقدم هذا المعنى . " حيث " مبنية على الضم ; لأنها خالفت أخواتها الظروف في أنها لا تضاف ، فأشبهت قبل وبعد إذا أفردتا فضمت . قال الكسائي : لغة قيس وكنانة الضم ، ولغة تميم الفتح . قال الكسائي : وبنو أسد يخفضونها في موضع الخفض ، وينصبونها في موضع النصب ، قال الله تعالى : سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وتضم وتفتح .ولا تقربا هذه الشجرة الهاء من " هذه " بدل من ياء الأصل ; لأن الأصل هذي . قال النحاس : ولا أعلم في العربية هاء تأنيث مكسورا ما قبلها إلا هاء هذه ومن العرب من يقول : هاتا هند ، ومنهم من يقول : هاتي هند . وحكى سيبويه : هذه هند ، بإسكان الهاء . وحكى الكسائي عن العرب : ولا تقربا هذي الشجرة . وعن شبل بن عباد قال : كان ابن كثير وابن محيصن لا يثبتان الهاء في " هذه " في جميع القرآن . وقراءة الجماعة " رغدا " بفتح الغين . وروي عن ابن وثاب والنخعي أنهما سكنا الغين . وحكى سلمة عن الفراء قال يقال : هذه فعلت وهذي فعلت ، بإثبات ياء بعد الذال . وهذ فعلت ، بكسر الذال من غير إلحاق ياء ولا هاء . وهاتا فعلت . قال هشام ويقال : تا فعلت . وأنشد :خليلي لولا ساكن الدار لم أقم بتا الدار إلا عابر ابن سبيلقال ابن الأنباري : وتا بإسقاط ها بمنزلة ذي بإسقاط ها من هذي ، وبمنزلة ذه بإسقاط ها من هذه . وقد قال الفراء : من قال هذ قامت - لا يسقط ها ; لأن الاسم لا يكون على ذال واحدة .( فتكونا ) عطف على ( تقربا ) فلذلك حذفت النون . وزعم الجرمي أن الفاء هي الناصبة ، وكلاهما جائز .

القول في تأويل قوله تعالى ذكره: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَقال أبو جعفر: وفي هذه الآية دلالة واضحة على صحة قول من قال: إن إبليس أخرج من الجنة بعد الاستكبار عن السجود لآدم، وأُسكنها آدمُ قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض. ألا تسمعون الله جل ثناؤه يقول: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ . فقد تبين أن إبليس إنما أزلهما عن طاعة الله بعد أن لُعِن وأظهرَ التكبر، لأن سجود الملائكة لآدم كان بعد أن نُفخ فيه الروح، وحينئذ كان امتناع إبليس من السجود له، وعند الامتناع من ذلك حلَّت عليه اللعنة. كما:-708 - حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن عدو الله إبليس أقسم بعزة الله ليُغويَنَّ آدم وذريته وزوجَه، إلا عباده المخلصين منهم، بعد أن لعنه الله، وبعد أن أخرِج من الجنة، وقبل أن يهبط إلى الأرض. وعلَّم الله آدم الأسماء كلها (173) .709 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما فرغ الله من إبليس ومعاتبته، وأبَى إلا المعصية وأوقع عليه اللعنة، ثم أخرجه من الجنة، أقبل على آدمَ وقد علّمه الأسماء كلها، فقال: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ إلى قوله إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (174) .ثم اختلف أهل التأويل في الحال التي خُلقت لآدم زوجته، والوقت الذي جعلت له سكنًا. فقال ابن عباس بما:-710 - حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فأخرِج إبليسُ من الجنة حين لعن، وأسكِن آدم الجنة. فكان يمشي فيها وَحْشًا ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ، وإذا عند رأسه امرأة قاعدةٌ خلقها الله من ضلعه، فسألها: من أنت؟ فقالت: امرأة. قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إليّ. قالت له الملائكة - ينظرون ما بلغ علمه-: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء. قالوا: ولم سُميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حيّ. فقال الله له: " يا آدمُ اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رَغدًا حيث شئتما " (175) .فهذا الخبر يُنبئ أن حواء خُلقت بعد أن سَكن آدمُ الجنةَ، فجعلت له سكنًا.وقال آخرون: بل خُلقت قبل أن يسكن آدم الجنة.* ذكر من قال ذلك:711 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما فرغ الله من مُعاتبة إبليس، أقبل على آدم وقد علّمه الأسماء كلها فقال: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ إلى قوله: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . قال: ثم ألقى السِّنةَ على آدم - فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة، وغيرهم من أهل العلم، عن عبد الله بن عباس وغيره - ثم أخذ ضِلَعًا من أضلاعه من شِقِّه الأيسر، ولأم مكانه لحمًا، وآدم نائم لم يهبَّ من نومته، حتى خلق الله من ضِلَعه تلك زوجته حوّاء، فسوّاها امرأةً ليسكن إليها. فلما كُشِف عنه السِّنة وهبّ من نومته، رآها إلى جنبه، فقال - فيما يزعمون والله أعلم-: لحمي ودمِي وزوجتي، فسكن إليها. فلما زوّجه الله تبارك وتعالى، وَجعل له سكنًا من نفسه، قال له، قبيلا " يا آدم اسكنْ أنتَ وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرةَ فتكونا من الظالمين " (176)قال أبو جعفر: ويقال لامرأة الرجل: زَوْجُه وزَوْجتُه، والزوجة بالهاء أكثر في كلام العرب منها بغير الهاء. والزوج بغير الهاء يقال إنه لغة لأزْد شَنوءة. فأما الزوج الذي لا اختلاف فيه بين العرب، فهو زوجُ المرأة (177) .القول في تأويل قوله: وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَاقال أبو جعفر: أما الرَّغَد، فإنه الواسع من العيش، الهنيء الذي لا يُعنِّي صاحبه. يقال: أرْغد فلان: إذا أصاب واسعًا من العيش الهنيء، كما قال امرؤ القيس بن حُجْر:بَيْنَمَا الْمَرْءُ تَرَاهُ نَاعِمَايَأْمَنُ الأَحْدَاثَ فِي عَيْشٍ رَغَدْ (178)712 - وكما حدثني به موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،" وكلا منها رَغدا "، قال: الرغد، الهنيء. (179)713 - وحدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، في قوله: " رغدًا "، قال: لا حسابَ عليهم.714 - وحدثنا المثنى، قال حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شِبْل، عن ابن أبي نَجيح عن مجاهد مثله.715 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن مجاهد: " وكلا منها رغدًا "، أي لا حسابَ عليهم. (180)716 - وحُدِّثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: " وكلا منها رغدًا حيث شئتما "، قال: الرغد: سَعة المعيشة. (181)فمعنى الآية وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، وكلا من الجنة رزقًا واسعًا هنيئًا من العيش حيث شئتما.717 - كما حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رَغدًا حيث شئتما "، ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق، كتب على آدمَ، كما ابتُلي الخلقُ قبله، أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رَغدا حيث شاء، غيرَ شجرة واحدة نُهي عنها، وقُدِّم إليه فيها، فما زال به البلاء حتى وقع بالذي نُهي عنه. (182)القول في تأويل قوله تعالى: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَقال أبو جعفر: والشجر في كلام العرب: كلّ ما قام على ساق، ومنه قول الله جل ثناؤه: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [سورة الرحمن: 6]، يعني بالنجم ما نَجمَ من الأرض من نَبت، وبالشجر ما استقلّ على ساق.ثم اختلف أهل التأويل في عين الشجرة التي نُهي عن أكل ثمرها آدم، فقال بعضهم: هي السُّنبلة.* ذكر من قال ذلك:718 - حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: حدثنا عبد الحميد الحِمَّاني، عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الشجرة التي نُهي عن أكل ثمرها آدم، هي السنبلة. (183)719 - وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم - وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عُتيبة - جميعًا عن حُصين، عن أبي مالك، في قوله: " ولا تقرَبا هذه الشجرة "، قال: هي السنبلة.720 - وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي -وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري - قالا جميعًا: حدثنا سفيان، عن حصين، عن أبي مالك، مثله. (184)721 - وحدثنا أبو كريب، وابن وكيع، قالا حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطية في قوله: " ولا تقربا هذه الشجرة "، قال: السنبلة. (185)722 - وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، قال : الشجرة التي نُهي عنها آدم، هي السنبلة. (186)723 - وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثني رجل من بني تميم، أن ابن عباس كتب إلى أبي الجَلْد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدمُ، والشجرة التي تاب عندها: فكتب إليه أبو الجلد: " سألتني عن الشجرة التي نُهي عنها آدم، وهي السنبلة، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم، وهي الزيتونة " . (187)724 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن رجل من أهل العلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه كان يقول: الشجرة التي نُهي عنها آدمَ: البُرُّ (188) .725 - وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرَّزَّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، وابن المبارك، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزَوجته، السُّنبلة. (189)726 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل اليمن، عن وهب بن منبه اليماني، أنه كان يقول: هي البُرُّ، ولكن الحبة منها في الجنة ككُلَى البقر، ألين من الزبد وأحلى من العسل. وأهل التوراة يقولون: هي البرّ. (190)727 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة: أنه حُدِّث أنها الشجرةُ التي تحتكُّ بها الملائكة للخُلد.728 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يَمانَ، عن جابر بن يزيد بن رفاعة، عن محارب بنِ دثار، قال: هي السنبلة.729 - وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: هي السنبلة التي جعلها الله رزقًا لولده في الدنيا (191)قال أبو جعفر: وقال آخرون: هي الكرمة.* ذكر من قال ذلك:730 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السُّدّيّ، عمن حدثه، عن ابن عباس، قال: هي الكرمة.731 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " ولا تقرَبا هذه الشجرة "، قال: هي الكرمة، وتزعم اليهود أنها الحنطة.732 - وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ، قال: الشجرة هي الكَرْم.733 - وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن الشعبي، عن جعدة بن هُبيرة، قال: هو العِنَب في قوله: " ولا تقربا هذه الشجرة ".734 - وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي، عن خلاد الصفار، عن بَيان، عن الشعبي، عن جعدة بن هُبيرة: " ولا تقرَبا هذه الشجرة "، قال: الكرمُ.735 - وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثني الحسين، قال: حدثنا خالد الواسطي، عن بيان، عن الشعبي، عن جعدة بن هُبيرة: " ولا تقربا هذه الشجرة "، قال: الكرم.736 - وحدثنا ابن حميد، وابن وكيع، قالا حدثنا جرير، عن مغيرة ، عن الشعبي، عن جعدة بن هُبيرة، قال: الشجرة التي نُهي عنها آدم، شجرة الخمر.737 - وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا عباد بن العوام، قال: حدثنا سفيان بن حسين، عن يعلى بن مُسلم، عن سعيد بن جبير، قوله " ولا تقربا هذه الشجرة "، قال: الكرم.738 - وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن السُّدّيّ، قال: العنب.739 - وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: عِنَب (192) .وقال آخرون: هي التِّينة.* ذكر من قال ذلك:740 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جُريج، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: تينة. (193)قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر عباده أن آدم وزوجَه أكلا من الشجرة التي نهاهُما ربُّهما عن الأكل منها، فأتيا الخطيئة التي نهاهما عن إتيانها بأكلهما ما أكلا منها، بعد أن بيّن الله جل ثناؤه لهما عَين الشجرة التي نهاهما عن الأكل منها، وأشار لهما إليها بقوله: " ولا تقربا هذه الشجرة "، ولم يضع الله جل ثناؤه لعباده المخاطَبين بالقرآن، دلالةً على أيّ أشجار الجنة كان نهيُه آدمَ أن يقربها، بنصٍّ عليها باسمها، ولا بدلالة عليها. ولو كان لله في العلم بأيّ ذلك من أيٍّ رضًا، لم يُخل عبادَه من نَصْب دلالة لهم عليها يَصلون بها إلى معرفة عينها، ليطيعوه بعلمهم بها، كما فعل ذلك في كل ما بالعلم به له رضًا.فالصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدمَ وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به. ولا علم عندنا أي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يَضَع لعباده دليلا على ذلك في القرآن، ولا في السنة الصحيحة. فأنَّى يأتي ذلك؟ (194) وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك عِلمٌ، إذا عُلم لم ينفع العالمَ به علمه (195) ، وإن جهله جاهل لم يضرَّه جهلُه به.القول في تأويل قوله تعالى ذكره وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَقال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في تأويل قوله: " ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ".فقال بعض نحويّي الكوفيين: تأويل ذلك: ولا تقربَا هذه الشجرة، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين. فصار الثاني في موضع جواب الجزاء. وجوابُ الجزاء يعمل فيه أوّله، كقولك: إن تَقُم أقُم، فتجزم الثاني بجزم الأول. فكذلك قوله " فتكونا "، لما وقعت الفاء في موضع شرط الأوّل نُصب بها، وصُيرت &; 1-522 &; بمنزلة " كي" في نصبها الأفعال المستقبلة، للزومها الاستقبال. إذ كان أصل الجزاء الاستقبال.وقال بعض نحويّي أهل البصرة: تأويل ذلك: لا يكن منكما قُرْبُ هذه الشجرة فأن تكونا من الظالمين. غير أنه زعم أنّ " أن " غير جائز إظهارها مع " لا "، ولكنها مضمرة لا بد منها، ليصح الكلام بعطف اسم - وهي" أن " - على الاسم. كما غير جائز في قولهم: " عسى أن يفعل "، عسى الفعل. ولا في قولك: " ما كان ليفعل ": ما كان لأن يَفعل.وهذا القولُ الثاني يُفسده إجماعُ جميعهم على تخطئة قول القائل: " سرني تقوم يا هذا "، وهو يريد سرني قيامُك. فكذلك الواجب أن يكون خطأ على هذا المذهب قول القائل: " لا تقم " إذا كان المعنى: لا يكن منك قيام. وفي إجماع جميعهم -على صحة قول القائل: " لا تقم "، وفساد قول القائل: " سرني تقوم " بمعنى سرني قيامك - الدليل الواضح على فسادِ دعوى المدعي أنّ مع " لا " التي في قوله: " ولا تقربا هذه الشجرة "، ضمير " أن " - وصحةِ القول الآخر.وفي قوله " فتكونا من الظالمين "، وجهان من التأويل:أحدهما أن يكون " فتكونا " في نية العطف على قوله " ولا تقربا "، فيكون تأويله حينئذ: ولا تقربا هذه الشجرة ولا تكونا من الظالمين. فيكون " فتكونا " حينئذ في معنى الجزم مجزومًا بما جُزم به " ولا تقربا " ، كما يقول القائل: لا تُكلم عمرا ولا تؤذه، وكما قال امرؤ القيس:فُقُلْتُ لَهُ: صَوِّبْ وَلا تَجْهَدَنَّهُفَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرَى القَطَاةِ فَتَزْلَقِ (196)فجزم " فيذرِك " بما جزم به " لا تجهدنه "، كأنه كرّر النهي.والثاني أن يكون " فتكونا من الظالمين "، بمعنى جواب النهي. فيكون تأويله حينئذ: لا تقربا هذه الشجرة، فإنكما إن قَرَبتماها كنتما من الظالمين. كما تقول: لا تَشتمْ عمرًا فيشتُمك، مجازاةً. فيكون " فتكونا " حينئذ في موضع نَصب، إذْ كان حرفًا عطف على غير شكله، لمّا كان في" ولا تقربا " حرف عامل فيه، ولا يصلح إعادته في" فتكونا "، فنصب على ما قد بينت في أول هذه المسألة.وأما تأويل قوله: " فتكونا من الظالمين "، فإنه يعني به فتكونا من المتعدِّين إلى غير ما أذِن لهم وأبيح لهم فيه، وإنما عَنى بذلك أنكما إن قربتما هذه الشجرة، كنتما على منهاج من تعدَّى حُدودي، وَعصى أمري، واستحلَّ محارمي، لأن الظالمين بعضُهم أولياء بعض، والله وليّ المتقين.وأصل " الظلم " في كلام العرب، وضعُ الشيء في غير موضعه، ومنه قول نابغة بني ذبيان:إِلا أُوَارِيَّ لأيًا مَا أُبَيِّنُهَاوَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ (197)فجعل الأرض مظلومة، لأن الذي حفر فيها النؤى حَفر في غير موضع الحفر، فجعلها مظلومة، لموضع الحفرة منها في غير موضعها. (198) ومن ذلك قول ابن قَميئة في صفة غيث:ظَلَمَ الْبِطَاحَ بِهَا انْهِلالُ حَرِيصَةٍفَصَفَا النِّطَافُ لَهُ بُعَيْدَ الْمُقْلَعِ (199)وظلمه إياه: مجيئه في غير أوانه، وانصبابه في غير مصبِّه. ومنه: ظَلم الرجلُ جَزوره، وهو نحره إياه لغير علة. وذلك عند العرب وَضْع النحر في غير موضعه.وقد يتفرع الظلم في معان يطول بإحصائها الكتاب، وسنبينها في أماكنها إذا أتينا عليها إن شاء الله تعالى. وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء في غير موضعه.------------الهوامش :(173) الخبر : 708- لم أجده في مكان .(174) الأثر : 709- لم أجده في مكان بنصه هذا ، لكنه من صدر الأثر الآتي بعد رقم : 711 .(175) الأثر : 710- في تاريخ الطبري 1 : 52 ، مع اختلاف في بعض اللفظ . وابن كثير 1 : 142 والشوكاني 1 : 56 ، وقوله : "وحشًا" أي ليس معه غيره ، خلوًا . ومكان وحش : خال .(176) الأثر : 711- في تاريخ الطبري 1 : 52 وابن كثير 1 : 141-142 . وقوله"قال له قبيلا" أي عيانًا . وفي حديث أبي ذر (ابن كثير 1 : 141)"قال : قلت يا رسول الله؛ أرأيت آدم؛ أنبيًّا كان؟ قال : نعم نبيًّا رسولا يكلمه الله قبيلا - أي عيانًا" . وجاء هذا الحرف في المطبوعة : "قال له فتلا يا آدم اسكن . . . " وهو خطأ . وفي تاريخ الطبري"قال له قيلا يا آدم . . . " وهو أيضًا خطأ .(177) انظر اختلافهم في ذلك في مادته (زوج) من لسان العرب .(178) لم أجد البيت فيما جمعوا من شعر امرئ القيس .(179) الخبر : 712 - في الدر المنثور 1 : 52 ، والشوكاني 1 : 56 .(180) الآثار : 713 - 715 في الدر المنثور 1 : 52 ، والشوكاني 1 : 56 .(181) الخبر : 716 - في الدر المنثور 1 : 52 والشوكاني 1 : 56 .(182) الأثر : 717 - في الدر المنثور 1 : 53 من غير طريق الطبري . وقوله : "قدم إليه فيها" أي أمر فيها بأمر أن لا يقربها . ويقال : تقدمت إليه بكذا وقدمت إليه بكذا : أي أمرته بكذا .(183) الخبر : 718 - في ابن كثير 1 : 142 ، والدر المنثور 1 : 53 ، والشوكاني 1 : 56 وهو إسناد ضعيف . محمد بن إسماعيل الأحمسي سبق توثيقه : 405 عبد الحميد بن عبد الرحمن ، أبو يحيى الحماني : ثقة ، وثقه ابن معين وغيره ، وأخرج له الشيخان . النضر : هو ابن عبد الرحمن ، أبو عمر الخزاز -بمعجمات - وهو ضعيف جدًّا ، قال البخاري في الكبير 4/2/91 : "منكر الحديث" . وروى ابن أبي حاتم 4/1/475 عن أحمد بن حنبل ، قال : "ليس بشيء ، ضعيف الحديث" ، وروي عن ابن معين أنه قال : "لا يحل لأحد أن يروي عنه" .(184) الأثران : 719 ، 720 - في ابن كثير 1 : 142 ، والدر المنثور 1 : 53 .(185) الأثر : 721 - عطية : هو العوفي . وقد أشار ابن كثير 1 : 142 إلى هذه الرواية عنه .(186) الأثر : 722 - لم أجده في مكان .(187) الخبر : 723 - في ابن كثير 1 : 142 ، وفي الأصول : "أبو الخلد" ، وانظر ما سلف في التعليق على الأثر رقم : 434 . وهذا الإسناد ضعيف ، لجهالة الرجل من بني تميم .(188) الخبر : 724 - ابن كثير 1 : 142 ، والدر المنثور 1 : 52 ، والشوكاني 1 : 56 . والذي في ابن كثير : "عن رجل من أهل العلم ، عن حجاج ، عن مجاهد . . . " .(189) الأثر : 725 - في ابن كثير 1 : 142 .(190) الأثر : 726 - في ابن كثير 1 : 142-143 ، والدر المنثور 1 : 52-53 . ولكن ليس فيهما قوله"وأهل التوراة . . . " .(191) الآثار : 727 - 729 : لم أجدها بلفظها في مكان .(192) الآثار : 730 -739 : مذكورة بلا تعيين في ابن كثير 1 : 142 ، والدر المنثور 1 : 53 والشوكاني 1 : 56 .(193) الخبر : 740 - في ابن كثير 1 : 143 ، والدر المنثور 1 : 53 ، والشوكاني 1 : 56 .(194) في المخطوطة خلاف ما في المطبوعة ، وهذا نصه"ولا علم عندنا بأي ذلك . وقد قيل كانت شجرة البر . . . " ، كأن الناسخ أسقط سطرا فاختل الكلام . وكان في المطبوعة : "فأنى يأتي ذلك من أتى" بزيادة قوله"من أتى" والظاهر أن التحريف قديم ، فإن ابن كثير نقل نص الطبري هذا في تفسيره 1 : 143 فحذف قوله : "فأنى يأتي ذلك" ، وقد استظهرت أن الصواب حذف"من أتى" ، ليكون الاستفهام منصبًّا على كيفية إتيان العلم بهذه الشجرة ، وليس في القرآن عليها دليل ولا في السنة الصحيحة . وأما الجملة كما جاءت في المطبوعة ، فهي فاسدة مفسدة لما أراد الطبري .(195) في المطبوعة : "وذلك إن علمه عالم لم ينفع العالم . . . " ، وأثبت ما في المخطوطة وابن كثير (1 : 143) .(196) ديوانه ، من رواية الأعلم الشنتمري ، القصيدة رقم : 30 ، البيت : 26 . وفي معاني القرآن للفراء 1 : 26 ، ونسبه سيبويه في الكتاب 1 : 452 ، لعمرو بن عمار الطائي ، وسيذكره الطبري في (15 : 164 بولاق) غير منسوب ، ورواية سيبويه"فيدنك من أخرى القطاة" وقوله : "فقلت له" يعني غلامه ، وذكره قبل أبيات . وقوله : "صوب" ، أي خذ الفرس بالقصد في السير وأرفق به ولا تجهده بالعدو الشديد فيصرعك . أذراه عن فرسه : ألقاه وصرعه . والقطاة : مقعد الردف من الفرس . وأخرى القطاة : آخر المقعد . ورواية الشنتمري : "من أعلى القطاة" . وهما سواء .(197) سلف تخريجه وشرحه في هذا الجزء : 183 .(198) في المطبوعة : "لوضع الحفرة منها في غير موضعها" ، وفي المخطوطة أيضًا : "لموضع الحفر فيها في غير موضعها" .(199) جاء أيضًا في تفسيره (2 : 50 بولاق) منسوبًا لعمرو بن قميئة . وصحة نسبته إلى الحادرة الذبياني ، وهو في ديوان الحادرة ، قصيدة : 4 ، البيت رقم : 7 ، وشرح المفضليات : 54 . والبطاح جمع بطحاء وأبطح : وهو بطن الوادي . وأنهل المطر انهلالا : اشتد صوبه ووقعه . والحريصة والحارصة : السحابة التي تحرص مطرتها وجه الأرض ، أي تقشره من شدة وقعها . والنطاف جمع نطفة : وهي الماء القليل يبقى في الدلو وغيره . وقوله : "بعيد المقلع" : أي بعد أن أقلعت هذه السحابة . ورواية المفضليات : "ظلم البطاح له" وقوله : "له" : أي من أجله .

عطف على { قلنا للملائكة اسجدوا } [ البقرة : 34 ] أي بعد أن انقضى ذلك قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة . وهذه تكرمة أكرم الله بها آدم بعد أن أكرمه بكرامة الإجلال من تلقاءِ الملائكة .ونداء آدم قبل تخويله سكنى الجنة نداء تنويه بذكر اسمه بين الملإ الأعلى ، لأن نداءه يسترعي إسماع أهل الملإ الأعلى فيتطلعون لما سيخاطب به ، وينتزع من هذه الآية أن العالم جدير بالإكرام بالعيش الهنيء ، كما أخذ من التي قبلها أنه جدير بالتعظيم .والأمر بقوله : { اسكن } مستعمل في الامتنان بالتمكين والتخويل وليس أمراً له بأن يسعى بنفسه لسكنى الجنة إذ لا قدرة له على ذلك السعي فلا يكلف به .وضمير ( أنت ) واقع لأجل عطف { وزوجك } على الضمير المستتر في { اسكن } وهواستعمال العربية عند عطف اسم ، على ضمير متصل مرفوع المحل لا يكادون يتركونه ، يقصدون بذلك زيادة إيضاح المعطوف فتحصل فائدة تقرير مدلول المعطوف لئلا يكون تابعه المعطوف عليه أبرز منه في الكلام ، فليس الفصل بمثل هذا الضمير مقيداً تأكيداً للنسبة لأن الإتيان بالضمير لازم لا خيرة للمتكلم فيه فلا يكون مقتضى حال ولا يعرف السامع أن المتكلم مريد به تأكيداً ولكنه لا يخلو من حصول تقرير معنى المضمر وهو ما أشار إليه في «الكشاف» بمجموع قوله : وأنت تأكيد للضمير المستكن ليصح العطف عليه .والزوج كل شيء ثان مع شيء آخر بينهما تقارن في حال ما . ويظهر أنه اسم جامد لأن جميع تصاريفه في الكلام ملاحظ فيها معنى كونه ثاني اثنين أو مماثل غيره ، فكل واحد من اثنين مقترنين في حاللٍ ما يسمى زوجاً للآخر قال تعالى : { أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً } [ الشورى : 50 ] أي يجعل لأحد الطفلين زوجاً له أي سواه من غير صنفه ، وقريب من هذا الاستعمال استعمال لفظ شفع .وسميت الأنثى القرينة للرجل بنكاح زوجاً لأنها اقترنت به وصيرته ثانياً ، ويسمى الرجل زوجاً لها لذلك بلا فرق ، فمن ثم لا يقال للمرأة زوجة بهاء تأنيث لأنه اسم وليس بوصفه . وقد لحنوا الفرزدق في قوله :وإن الذي يَسعى ليُفسِد زوجتي ... كساععٍ إلى أُسْد الثرى يستبيلُهاوتسامح الفقهاء في إلحاق علامة التأنيث للزوج إذا أرادوا به امرأة الرجل لقصد نفي الالتباس في تقرير الأحكام في كتبهم في مثل قولهم : القول قول الزوج ، أو القول قول الزوجة وهو صنيع حسن .وفي «صحيح مسلم» عن أنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه يا فلان فجاء فقال له : هذه زوجتي فلانة " الحديث ، فقوله : زوجتي بالتاء فتعين كونه من عبارة راوي الحديث في السند إلى أنس وليست بعبارة النبيء صلى الله عليه وسلموطوى في هذه الآية خلق زوج آدم ، وقد ذكر في آيات أخرى كقوله تعالى : { الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها } [ النساء : 1 ] وسيأتي ذلك في سورة النساء وسورة الأعراف ( 189 ) .ولم يرد اسم زوج آدم في القرآن واسمها عند العرب حواء وورد ذكر اسمها في حديث رواه ابن سعد في «طبقاته» عن خالد بن خداش عن ابن وهب يبلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الناس لآدم وحواء كطف لصاع لن يملأوه " الحديث ( طف المكيال بفتح الطاء وكسرها ما قرب من ملئه ) أي هم لا يبغون الكمال فإن كل كمال من البشر قابل للزيادة . وخالد بن خداش بصري وثقه ابن معين وأبو حاتم وسليمان بن حرب وضعفه ابن المديني . فاسم زوج آدم عند العرب حواء واسمها في العبرانية مضطرب فيه ، ففي سفر التكوين في الإصحاح الثاني أن اسمها امرأة سماها كذلك آدم قال : لأنها من امرىء أخذت . وفي الإصحاح الثالث أن آدم دعا اسم امرأته حواء لأنها أم كل حي . وقال ابن سعد نام آدم فخلقت حواء من ضلعه فاستيقظ ووجدها عنده فقال : أثا أي امرأة بالنبطية ، أي اسمها بالنبطية المرأة كما سماها آدم . وقد تقدم عند قوله تعالى : { وعلم آدم الأسماء } [ البقرة : 31 ] أن آدم دعا نفسه ، إيش ، فلعل أثا محرقة عن إشّا . واسمها بالعبرية ( خمواه ) بالخاء المعجمة وبهاء بعد الألف ويقال أيضاً حيوا بحاء مهملة وألف في آخره فصارت بالعربية حواء وصارت في الطليانية إيا وفي الفرنسية أي . وفي التوراة أن حواء خلقت في الجنة بعد أن أسكن آدم في الجنة وأن الله خلقها لتؤنسه قال تعالى : { وجعل منها زوجها ليسكن إليها } [ الأعراف : 189 ] أي يأنس .والأمر في { اسكن } أمر إعطاء أي جعل الله آدم هو وزوجه في الجنة . والكنى اتخاذ المكان مقراً لغالب أحوال الإنسان .والجنة قطعة من الأرض فيها الأشجار المثمرة والمياه وهي أحسن مقر للإنسان إذا لفحه حر الشمس ويأكل من ثمره إذا جاع ويشرب من المياه التي يشرب منها الشجر ويروقه منظر ذلك كله ، فالجنة تجمع ما تطمح إليه طبيعة الإنسان من اللذات .وتعريف ( الجنة ) تعريف العهد وهي جنة معهودة لآدم يشاهدها إذا كان التعريف في ( الجنة ) حكاية لما يرادفه فيما خوطب به آدم ، أو أريد بها المعهود لنا إذا كانت حكاية قول الله لنا بالمعنى وذلك جائز في حكاية القول .وقد اختلف علماء الإسلام في تعيين هذه الجنة فالذي ذهب إليه جمهور السلف أنها جنة الخلد التي وعد الله المؤمنين والمصدقين رسله وجزموا بأنها موجودة في العالم العلوي عالم الغيب أي في السماء وأنها أعدها الله لأهل الخير بعد القيامة وهذا الذي تقلده أهل السنة من علماء الكلام وأبو علي الجبائي ، وهو الذي تشهد به ظواهر الآيات والأخبار المروية عن النبيء صلى الله عليه وسلم ولا تَعْدُو أنها ظواهرُ كثيرة لكنها تفيد غلبة الظن وليس لهذه القضية تأثير في العقيدة .وذهب أبو مسلم الأصفهاني محمد بن بَحْر وأبو القاسم البلخي والمعتزلة عدا الجبائي إلى أنها جنة في الأرض خلقها الله لإسكان آدم وزوجه ، ونقل البيضاوي عنهم أنها بستان في فِلسطين أو هو بين فَارس وكِرْمان ، وأحسب أن هذا ناشىء عن تطلبهم تعيين المكان الذي ذكر ما يسمى في التوراة باسم عَدْن .ففي التوراة في الإصحاح الثاني من سفر التكوين «وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عَدْن ليعملها ويحفظها ثم قالت فأخرجه الرب الإله من جنة عدْن ليعمل الأرض التي أخذ منها» وهذا يقتضي أن جنة عدن ليست في الأرض لكن الذي عليه شراح التوراة أن جنة عَدْن في الأرض وهو ظاهر وصف نهر هذه الجنة الذي يسقيها بأنه نهر يخرج من عَدْن فيسقي الجنة ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤُوس اسم الواحد ( قيشون ) وهو المحيط بجميع أرض الحويلة وهم من بني كوش كما في الإصحاح من التكوين واسم النهر الثاني ( جَيحون ) وهو المحيط بجميع أرض كوش ، واسم النهر الثالث ( حِدّا قِلْ ) وهو الجاري شرق أشَور ( دجلة ) . والنهر الرابع الفُرات .ولم أقف على ضبط عَدْن هذه . ورأيت في كتاب عبد الحق الإسلامي السبتي الذي كان يهودياً وأسلم وألف كتاباً في الرد على اليهود سماه «الحُسام المحدود في الرد على اليهود» كتَبه بغِيدِن وضبطه بالعلامات بكسر الغين المعجمة وكسر الدال المهملة ولعل النقطة على حرف العين سهو من الناسخ فذلك هو منشأ قول القائلين أنها بِعَدْن أو بفلسطين أو بين فارس وكرمان ، والذي ألجأهم إلى ذلك أن جنة الثواب دار كمال لا يناسب أن يحصل فيها العصيان وأنها دار خُلد لا يخرج ساكنها ، وهو التجاء بلا ملجىء لأن ذلك من أحوال سكان الجنة لا لتأثير المكان وكلُّه جعل الله تعالى عندما أراده .واحتج أهل السنة بأن أل في ( الجنة ) للعهد الخارجي ولا معهود غيرها ، وإنما تعين كونها للعهد الخارجي لعدم صحة الحمْل على الجنس بأنواعه الثلاثة ، إذ لا معنى للحمل على أنها لام الحقيقة لأنها قد نيط بها فعل السكنى ولا معنى لتعلقه بالحقيقة بخلاف نحو الرجلُ خير من المرأة ، ولا معنى للحمل على العهد الذهني إذ الفرد من الحقيقة هنا مقصود معين لأن الأمر بالإسكان جزاء وإكرام فلا بد أن يكون متعلقاً بجنة معروفة ، ولا معنى للحمل على الاستغراق لظهور ذلك . ولما كان المقصود هو الجزاء تعين أن يكون متعلقاً بأمر معين معهود ولا معهود إلا الجنة المعروفة لا سيما وهو اصطلاح الشرع .وقد يقال يختار أن اللام للعهد ولعل المعهود لآدم هو جنة في الأرض معينة أشير إليها بتعريف العهد ولذلك أختار أنا أن قوله تعالى : { اسكُن أنت وزوجك الجنة } لما كان المقصود منه القصص لنا حكي بالألفاظ المتعارفة لدينا ترجمة لألفاظ اللغة التي خوطب بها آدم أو عن الإلهام الذي ألقي إلى آدم فيكون تعريف ( الجنة ) منظوراً فيه إلى متعارفنا فيكون آدم قد عرف المراد من مسكنه بطريق آخر غير التعريف ويكون قد حُكي لنا ذلك بطريقة التعريف لأن لفظ الجنة المقترن في كلامنا بلام التعريف يدل على عين ما دل عليه الطريق الآخر الذي عَرَف به آدم مراد الله تعالى ، أي قلنا له اسكن البقعة التي تسمونها أنتم اليومَ بالجنة ، والحاصل أن الأظهر أن الجنة التي أُسكنها آدم هي الجنة المعدودة داراً لجزاء المحسنين .ومعنى الأكل من الجنة من ثمرها لأن الجنة تستلزم ثماراً وهي مما يقصد بالأكل ولذلك تجعل ( من ) تبعيضية بتنزيل بعض ما يحويه المكان منزلة بعض لذلك المكان . ويجوز أن تكون ( من ) ابتدائية إشارة إلى أن الأكل المأذون فيه أكل ما تثمره تلك الجنة كقولك هذا الثَّمر من خيبر .والرغَد وصف لموصوف دل عليه السياق أي أَكلاً رغَداً ، والرغَد الهنيء الذي لا عناء فيه ولا تقتير .وقوله : { حيث شئتما } ظرفُ مكان أي من أي مواضع أرَدْتُما الأكل منها ، ولما كانت مشيئتهما لا تنحصر بمواضع استفيد العموم في الإذن بطريق اللزوم ، وفي جعل الأكل من الثمر من أحوال آدم وزوجه بين إنشائها تنبيه على أن الله جعل الاقتيات جبلة للإنسان لا تدوم حياته إلا به .وقوله : { ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } يعني به ولا تأكلا من الشجرة لأن قربانها إنما هو لقصد الأكل منها فالنهي عن القربان أبلغ من النهي عن الأكل لأن القرب من الشيء ينشىءُ داعية وميلاً إليه ففيه الحديث « من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه » وقال ابن العربي سمعتُ الشاشي في مجلس النظر يقول : ( إذا قيل لا تقرب ( بفتح الراء ) كان معناه لا تتلَبس بالفعل ، وإذا قيل بضم الراء كان معناه لا تدن منه ) اه . وهو غريب فإن قَرُب وقَرِب نحو كرم وسمع بمعنى دنا ، فسواء ضممت الراء أو فتحتها في المضارع فالمراد النهي عن الدنو إلا أن الدنو بعضه مجازي وهو التلبس وبعضه حقيقي ولا يكون للمجازي وزن خاص في الأفعال وإلا لصار من المشترك لا من الحقيقة والمجاز ، اللهم إلا أن يكون الاستعمال خص المجازي ببعض التصاريف فتكون تلك الزنة قرينة لفظية للمجاز وذلك حَسن وهو من محاسن فروق استعمال الألفاظ المترادفة في اللغة العربية مثل تخصيص بَعِدَ مكسور العين بالانقطاع التام وبعد مضموم العين بالتنحّي عن المكان ولذلك خص الدعاء بالمكسور في قولهم للمسافر لا تبعَد ، قالت فاطمة بنت الأحجم الخزاعية :إخْوَتِي لا تَبْعَدوا أبدا ... وَبَلى واللَّه قَد بعِدواوفي تعليق النهي بقربان الشجرة إشارة إلى منزع سد الذرائع وهو أصل من أُصول مذهب مالك رحمه الله وفيه تفصيل مقرر في أصول الفقه .والإشارة بهذه إلى شجرة مرئية لآدم وزوجه ، والمراد شجرة من نوعها أو كانت شجرةً وحيدة في الجنة .وقد اختلف أهل القصص في تعيين نوع هذه الشجرة فعن علي وابن مسعود وسعيد بن جبير والسدي أنها الكرمة ، وعن ابن عباس والحسن وجمهور المفسرين أنها الحنطة ، وعن قتادة وابن جريج ونسبه ابن جريج إلى جمع من الصحابة أنها شجرة التين . ووقع في سفر التكوين من التوراة إبهامها وعبر عنها بشجرة معرفة الخير والشر .وقوله : { فتكونا من الظالمين } أي من المعتدين وأشهر معاني الظلم في استعمال العرب هو الاعتداء ، والاعتداء إما اعتداء على نهي الناهي إن كان المقصود من النهي الجزْم بالترك وإما اعتداء على النفس والفضيلة إن كان المقصود من النهي عن الأكل من الشجرة بقاء فضيلة التنعُم لآدم في الجنة ، فعلى الأول الظلم لأنفسهما بارتكاب غضب الله وعقابه وعلى الثاني الظلم لأنفسهما بحرمانها من دوام الكرامة .
الآية 35 - سورة البقرة: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين...)