سورة الأعراف: الآية 86 - ولا تقعدوا بكل صراط توعدون...

تفسير الآية 86, سورة الأعراف

وَلَا تَقْعُدُوا۟ بِكُلِّ صِرَٰطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ وَٱذْكُرُوٓا۟ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَٱنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ

الترجمة الإنجليزية

Wala taqAAudoo bikulli siratin tooAAidoona watasuddoona AAan sabeeli Allahi man amana bihi watabghoonaha AAiwajan waothkuroo ith kuntum qaleelan fakaththarakum waonthuroo kayfa kana AAaqibatu almufsideena

تفسير الآية 86

ولا تقعدوا بكل طريق تتوعدون الناس بالقتل، إن لم يعطوكم أموالهم، وتصدُّون عن سبيل الله القويم من صدَّق به عز وجل، وعمل صالحًا، وتبغون سبيل الله أن تكون معوجة، وتميلونها اتباعًا لأهوائكم، وتنفِّرون الناس عن اتباعها. واذكروا نعمة الله تعالى عليكم إذ كان عددكم قليلا فكثَّركم، فأصبحتم أقوياء عزيزين، وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين في الأرض، وما حلَّ بهم من الهلاك والدمار؟

«ولا تقعدوا بكل صراط» طريق «تُوعدون» تخوفون الناس بأخذ ثيابهم أو المكس منهم «وتصدون» تصرفون «عن سبيل الله» دينه «من آمن به» بتوعدكم إياه بالقتل «وتبغونها» تطلبون الطريق «عوجا» معوجة «واذكروا إذ كنتم قليلا فكثَّركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين» قبلكم بتكذيب رسلهم أي آخر أمرهم من الهلاك.

وَلَا تَقْعُدُوا ْ للناس بِكُلِّ صِرَاطٍ ْ أي: طريق من الطرق التي يكثر سلوكها، تحذرون الناس منها و ْ تُوعَدُونَ ْ من سلكها وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ْ من أراد الاهتداء به وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ْ أي: تبغون سبيل اللّه تكون معوجة، وتميلونها اتباعا لأهوائكم، وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها اللّه لعباده ليسلكوها إلى مرضاته ودار كرامته، ورحمهم بها أعظم رحمة، وتصدون لنصرتها والدعوة إليها والذب عنها، لا أن تكونوا أنتم قطاع طريقها، الصادين الناس عنها، فإن هذا كفر لنعمة اللّه ومحادة للّه، وجعل أقوم الطرق وأعدلها مائلة، وتشنعون على من سلكها. وَاذْكُرُوا ْ نعمة اللّه عليكم إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ْ أي: نماكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل، والصحة، وأنه ما ابتلاكم بوباء أو أمراض من الأمراض المقللة لكم، ولا سلط عليكم عدوا يجتاحكم ولا فرقكم في الأرض، بل أنعم عليكم باجتماعكم، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل. وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ْ فإنكم لا تجدون في جموعهم إلا الشتات، ولا في ربوعهم إلا الوحشة والانبتات ولم يورثوا ذكرا حسنا، بل أتبعوا في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة أشد خزيا وفضيحة.

ينهاهم شعيب ، عليه السلام ، عن قطع الطريق الحسي والمعنوي ، بقوله : ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) أي : توعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم . قال السدي وغيره : كانوا عشارين . وعن ابن عباس [ رضي الله عنه ] ومجاهد وغير واحد : ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) أي : تتوعدون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه . والأول أظهر ; لأنه قال : ( بكل صراط ) وهي الطرق ، وهذا الثاني هو قوله : ( وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا ) أي : وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة . ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ) أي : كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزة لكثرة عددكم ، فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك ، ( وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) أي : من الأمم الخالية والقرون الماضية ، ما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب رسله .وقوله : ( وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا ) أي : قد اختلفتم علي ) فاصبروا ) أي : انتظروا ( حتى يحكم الله بيننا ) أي : يفصل ، ( وهو خير الحاكمين ) فإنه سيجعل العاقبة للمتقين ، والدمار على الكافرين .

ثم انتقل شعيب إلى نهيهم عن رذائل أخرى كانوا متلبسين بها فقال: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ توعدون: من التوعد بمعنى التخويف والتهديد. أى: ولا تقعدوا بكل طريق من الطرق المسلوكة تهددون من آمن بي بالقتل، وتخيفونه بأنواع الأذى، وتلصقون بي وأنا نبيكم التهم التي أنا برىء منها، بأن تقولوا لمن يريد الإيمان برسالتي: إن شعيبا كذاب وإنه يريد أن يفتنكم عن دينكم.وقوله: وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَتَبْغُونَها عِوَجاً أى: وتصرفون عن دين الله وطاعته من آمن به، وتطلبون لطريقه العوج بإلقاء الشبه أو بوصفها بما ينقصها، مع أنها هي الطريق المستقيم الذي هو أبعد ما يكون عن شائبه الاعوجاج.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: صراط الحق واحد وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ فكيف قيل: بكل صراط؟ قلت: صراط الحق واحد، ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة، فكانوا إذا رأوا أحدا يشرع في شيء منها أوعدوه وصدوه فإن قلت: إلام يرجع الضمير في آمَنَ بِهِ؟ قلت: إلى كل صراط، والتقدير: توعدون من آمن به وتصدون عنه. فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير زيادة في تقبيح أمرهم، ودلالة على عظم ما يصدون عنه .وقوله: توعدون. وتصدون، وتبغون هذه الجمل أحوال، أى: لا تقعدوا موعدين وصادين، وباغين، ولم يذكر الموعد به لتذهب النفس فيه كل مذهب، ثم ذكرهم شعيب بنعم الله عليهم فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ أى: اذكروا ذلك الزمن الذي كنتم فيه قليلي العدد فكثركم الله بأن جعلكم موفورى العدد، وكنتم في قلة من الأموال فأفاضها الله بين أيديكم، فمن الواجب عليكم أن تشكروه على هذه النعم، وأن تفردوه بالعبادة والطاعة ثم اتبع هذا التذكير بالنعم بالتخويف من عواقب الإفساد فقال: وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ أى: انظروا نظر تأمل واعتبار كيف كانت عاقبة المفسدين من الأمم الخالية، والقرون الماضية، كقوم لوط وقوم صالح، فسترون أنهم قد دمروا تدميرا بسبب إفسادهم في الأرض، وتكذيبهم لرسلهم فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ لأن سيركم على طريقهم سيؤدي بكم إلى الدمار.

( ولا تقعدوا بكل صراط ) أي : على كل طريق ، ( توعدون ) تهددون ، ( وتصدون عن سبيل الله ) دين الله ، ( من آمن به وتبغونها عوجا ) زيغا ، وقيل : تطلبون الاعوجاج في الدين والعدول عن القصد ، وذلك أنهم كانوا يجلسون على الطريق فيقولون لمن يريد الإيمان بشعيب ، إن شعيبا كذاب فلا يفتننك عن دينك ويتوعدون المؤمنين بالقتل ويخوفونهم ، وقال السدي : كانوا عشارين . ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ) فكثر عددهم ، ( وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) أي : آخر أمر قوم لوط .

قوله تعالى ولا تقعدوا بكل صراط نهاهم عن القعود بالطرق والصد عن الطريق الذي يؤدي إلى طاعة الله ، وكانوا يوعدون العذاب من آمن . واختلف العلماء في معنى قعودهم على الطرق على ثلاثة معان ; قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي : كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه ويقولون : إنه كذاب فلا تذهب إليه ; كما كانت قريش تفعله مع النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا ظاهر الآية . وقال أبو هريرة : هذا نهي عن قطع الطريق ، وأخذ السلب ; وكان ذلك من فعلهم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : رأيت ليلة أسري بي خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا مثل لقوم من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه ثم تلا ولا تقعدوا بكل صراط توعدون الآية . وقد مضى القول في اللصوص والمحاربين ، والحمد لله .وقال السدي أيضا : كانوا عشارين متقبلين . ومثلهم اليوم هؤلاء المكاسون الذين يأخذون ما لا يلزمهم شرعا من الوظائف المالية بالقهر والجبر ; فضمنوا ما لا يجوز ضمان أصله من الزكاة والمواريث والملاهي . والمترتبون في الطرق إلى غير ذلك مما قد كثر في الوجود وعمل به في سائر البلاد . وهو من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها ; فإنه غصب وظلم وعسف على الناس وإذاعة للمنكر وعمل به ودوام عليه وإقرار له ، وأعظمه تضمين الشرع والحكم للقضاء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ! لم يبق من الإسلام إلا رسمه ، ولا من الدين إلا اسمه .يعضد هذا التأويل ما تقدم من النهي في شأن المال في الموازين والأكيال والبخس .قوله تعالى من آمن به الضمير في به يحتمل أن يعود على اسم الله تعالى ، وأن يعود إلى شعيب في قول من رأى القعود على الطريق للصد ، وأن يعود على السبيل . عوجا قال أبو عبيدة والزجاج : كسر العين في المعاني . وفتحها في الأجرام .قوله تعالى واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم أي كثر عددكم ، أو كثركم بالغنى بعد الفقر . أي كنتم فقراء فأغناكم .

القول في تأويل قوله : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)قال أبو جعفر : يعني بقوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، ولا تجلسوا بكل طريق = وهو " الصراط" = توعدون المؤمنين بالقتل. (18)* * *وكانوا ، فيما ذكر ، يقعدون على طريق من قصد شعيبًا وأراده ليؤمن به، فيتوعَّدونه ويخوِّفونه ، ويقولون: إنه كذاب!* ذكر من قال ذلك:14843-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ( بكل صراط توعدون ) ، قال: كانوا يوعدون مَنْ أتى شعيبًا وغشِيَه فأراد الإسلام.14844-حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، و " الصراط" ، الطريق، يخوِّفون الناس أن يأتوا شعيبًا.14845-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله ) ، قال: كانوا يجلسون في الطريق ، فيخبرون مَنْ أتى عليهم: أن شعيبًا عليه السلام كذاب، فلا يفتنكم عن دينكم.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: ( بكل صراط ) ، قال:طريق=(توعدون) ، بكل سبيل حق. (19)14846-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.14847-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، كانوا يقعدون على كل طريق يوعدون المؤمنين.14848-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن قيس، عن السدي: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، قال: العشَّارُون.حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة أو غيره= شك أبو جعفر الرازي = قال: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسْرِي به على خشبة على الطريق ، لا يمرُّ بها ثوبٌ إلا شقته ، ولا شيء إلا خرقته ، قال: ما هذا يا جبريل ؟ ، قال: هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه! ثم تلا( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون). (20)* * *وهذا الخبر الذي ذكرناه عن أبي هريرة ، يدلّ على أن معناه كان عند أبي هريرة: أن نبي الله شعيبًا إنما نهى قومه بقوله: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، عن قطع الطريق، وأنهم كانوا قُطَّاع الطريق.* * *وقيل: ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) ، ولو قيل في غير القرآن: " لا تقعدوا في كلّ صراط" ، كان جائزًا فصيحًا في الكلام ، وإنما جاز ذلك لأن الطريق ليس بالمكان المعلوم، فجاز ذلك كما جاز أن يقال: " قعد له بمكان كذا، وعلى مكان كذا، وفي مكان كذا ".* * *وقال: ( توعدون ) ، ولم يقل: " تَعِدُون "، لأن العرب كذلك تفعل فيما أبهمت ولم تفصح به من الوعيد. تقول: " أوعدته " بالألف ،" وتقدَّم مني إليه وعيد "، فإذا بينت عما أوعدت وأفصحت به، (21) قالت: " وعدته خيرًا "، و " وعدته شرًّا " ، بغير ألف، كما قال جل ثناؤه: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، [سورة الحج: 72].* * *وأما قوله: ( وتصدون عن سبيل الله من آمن به ) ، فإنه يقول: وتردُّون عن طريق الله ، وهو الردُّ عن الإيمان بالله والعمل بطاعته (22) =(من آمن به)، يقول: تردُّون عن طريق الله مَنْ صدق بالله ووحّده=( وتبغونها عوجًا ) ، يقول: وتلتمسون لمن سلك سبيل الله وآمن به وعمل بطاعته (23) =(عوجًا) ، عن القصد والحق ، إلى الزيغ والضلال ، (24) كما:-14849-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( وتصدون عن سبيل الله ) ، قال: أهلها=( وتبغونها عوجًا ) ، تلتمسون لها الزيغ.14850-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.14851-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( وتبغونها عوجًا ) ، قال: تبغون السبيل عن الحق عوجًا.14852-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( وتصدون عن سبيل الله ) ، عن الإسلام= تبغون السبيل=( عوجًا ) ، هلاكًا.* * *وقوله: ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ) ، يذكرهم شعيب نعمة الله عندهم بأن كثّرَ جماعتهم بعد أن كانوا قليلا عددهم، وأنْ رَفعهم من الذلة والخساسة ، يقول لهم: فاشكروا الله الذي أنعم عليكم بذلك ، وأخلصوا له العبادة، واتقوا عقوبته بالطاعة، واحذروا نقمته بترك المعصية ،=(وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) ، يقول: وانظروا ما نزل بمن كان قبلكم من الأمم حين عتوا على ربهم وعصوا رسله، من المَثُلات والنقمات، وكيف وجدوا عقبى عصيانهم إياه؟ (25) ألم يُهلك بعضهم غرقًا بالطوفان ، وبعضهم رجمًا بالحجارة ، وبعضهم بالصيحة؟* * *و " الإفساد " ، في هذا الموضع ، معناه: معصية الله. (26)-------------------الهوامش :(18) انظر تفسير"الصراط" فيما سلف 1: 170- 177 ، ثم فهارس اللغة (سرط).(19) في المطبوعة: حذف"قال: طريق" ، وغير سائر العبارة فكتب: "توعدون كل سبيل حق" ، فأفسد الكلام إفسادًا!! والصواب من المخطوطة.(20) الأثر: 14853- هذا مختصر من أثر طويل ، سيرويه أبو جعفر بهذا الإسناد في تفسير"سورة الإسراء" 15: 6 (بولاق) ، وسيأتي تخريجه هناك.و"أبو جعفر الرازي" و"الربيع بن أنس" ، و"أبو العالية" ، ثقات جميعًا ، ومضوا في مواضع مختلفة.وهذا الخبر ذكره الهيثمي مطولا في مجمع الزوائد 1: 67- 72 وقال: "رواه البزار ورجاله موثقون ، إلا أن الربيع بن أنس قال: عن أبي العالية أو غيره ، فتابعيه مجهول".ولكن نص أبي جعفر هنا وهناك ، يدل على أن أبا جعفر الرازي شك في أنه عن أبي هريرة أو غيره من الصحابة ، فلعل ما في رواية البزار مخالف لما في رواية أبي جعفر الطبري.وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 144 مطولا ، ونسبه إلى البزار ، وأبي يعلي ، وابن جرير ، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة ، وابن أبي حاتم ، وابن عدي ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل.(21) في المخطوطة: (( فإذا نصب عما أوعدت" غير منقوطة ، ولم أحسن توجيه قراءتها ، فتركت ما في المطبوعة على حاله ، إذ كان صوابًا واضحًا. 1 ، وانظر معاني القرآن للفراء 1: 385.(22) انظر تفسير"الصد" فيما سلف ص: 448 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(23) انظر تفسير"بغى" فيما سلف ص: 448 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.(24) انظر تفسير"العوج" فيما سلف 7: 54/ 12: 448.(25) انظر تفسير"العاقبة" فيما سلف 11: 272 ، 273/ 12: 129.(26) انظر تفسير"الإفساد" فيما سلف ص: 556 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك.

وقوله : { ولا تقعدوا بكلّ صراط توعدون } هذا الأصل الثّالث من دعوته وهو النّهي عن التّعرّض للنّاس دون الإيمان ، فإنّه بعد أن أمرهم بالإيمان بالله وما يتطلّبه من الأعمال الصّالحة ، وفي ذلك صلاح أنفسهم ، أي أصلحوا أنفسكم ولا تمنعوا من يَرغب في إصلاح نفسه ذلك أنّهم كانوا يصدّون وفودَ النّاس عن الدّخول إلى المدينة التي كان بها شعيب عليه السّلام لئلا يؤمنوا به . فالمراد بالصّراط الطريق الموصلة إلى لقاء شعيب عليه السّلام .والقعود مستعمل كناية عن لازمه وهو الملازمة والاستقرار ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : { لأقْعُدَنّ لهم صراطك المستقيم } في هذه السّورة ( 16 ).و ( كُلّ ) للعموم وهو عموم عُرفي ، أي كلّ صراط مبلغ إلى القرية أو إلى منزل شعيب عليه السّلام ، ويجوز أن تكون كلمة ( كلّ ) مستعملة في الكثرة كما تقدّم .والباء للإلصاق ، أو هي بمعنى ( في ) كشأنها إذا دخلت على أسماء المنازل . كقول امرىء القيس :بسِقْط اللِّوَى ... البيت .وجملة : { توعدون } حال من ضمير { تقعدوا } والإيعاد : الوعد بالشرّ . والمقصود من الإيعاد الصدّ ، فيكون عطف جملة { وتصدون } عطفَ علّة على معلول ، أو أريد توعدون المصمّمين على اتِّباع الإيمان ، وتصدّون الذين لم يصمّموا فهو عطف عام على خاص .و { من آمن } يتنازعه كلٌ من { توعدون } وتصدّون .والتّعبير بالماضي في قوله : { مَن آمن به } عوضاً عن المضارع ، حيث المراد بمن آمن قاصدُ الإيمان ، فالتعبير عنه بالماضي لتحقيق عزم القاصد على الإيمان فهو لولا أنّهم يصدّونه لكان قد آمن .و { سبيل الله } الدّين لأنّه مِثل الطريق الموصل إلى الله ، أي إلى القرب من مرضاته .ومعنى { تبغونها عوجا } تبغون لسبيل الله عوجاً إذ كانوا يزعمون أن ما يدعو إليه شعيب باطل ، يقال : بغاه بمعنى طلب له ، فأصله بغى له فحذفوا حرف الجر لكثرة الاستعمال أو لتضمين بغى معنى أعطى .والعِوَج بكسر العين عدم الاستقامة في المعاني ، وبفتح العين : عدم استقامة الذات ، والمعنى : تحاولون أن تصفوا دعوة شعيب المستقيمة بأنها باطل وضلال ، كمن يحاول اعوجاج عود مستقيم . وتقدم نظير هذا في هذه السورة في ذكر نداء أصحاب الجنة أصحاب النار .وإنما أَخَّر النهي عن الصد عن سبيل الله ، بعد جملة { ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين } ولم يجعله في نسق الأوامر والنواهي الماضية ثم يعقبه بقوله : { ذلكم خير لكم } لأنه رتّب الكلام على الابتداء بالدعوة إلى التوحيد ، ثم إلى الأعمال الصالحة لمناسبة أن الجميع فيه صلاح المخاطبين ، فاعقبها ببيان أنها خير لهم إن كانوا مؤمنين فاعاد تنبيههم إلى الإيمان وإلى أنه شرط في صلاح الأعمال ، وبمناسبة ذكر الإيمان عاد إلى النهي عن صد الراغبين فيه ، فهذا مثل الترتيب في قول امرىء القيس :كأنّيَ لم اركَبْ جواداً للذّةٍ ... ولم أتبطّنْ كاعباً ذات خلْخالٍولم أسْبَأ الراحَ الكُميتَ ولم أقل ... لخَيْلِي كُري كَرّةً بعد إجفالروى الواحدي في «شرح ديوان المتنبي» أن المتنبي لما أنشد سيف الدولة قوله فيه :وقَفْتَ وما في الموْت شكّ لوَاقِفٍ ... كأنّك في جفن الرّدى وهو نائمتَمُر بك الأبطال كَلْمَي حزينة ... ووجهك وضَّاح وثَغْرُك باسمأنكر عليه سيف الدولة تطبيق عَجُزي البيتين على صدريهما ، وقال له كان ينبغي أن تجعل العجز الثاني عَجُزاً اللأول والعكس وأنت في هذا مِثْل امرىء القيس في قوله :كأنّي لم أركب جواداً للذة ... البيتين ، ووجه الكلام على ما قاله العلماء بالشّعر : أن يكون عجز البيت الأوّل للثّاني وعجز البيت الثّاني للأوّل؛ ليكون ركوب الخيل مع الأمر للخيل بالكَر ، ويكون سباء الخمر مع تبطّن الكاعب ، فقال أبو الطّيّب : «إن صحّ أن الذي استدرك على امرىء القيس هذا أعلَمُ منه بالشّعر فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأتُ أنا ، ومولانا الأميرُ يعلم أنّ الثّوب لا يعرفه البزّاز معرفة الحائك ، لأنّ البزّاز لا يعرف إلاّ جملته ، والحائكَ يعرف جملتَه وتفصيله ، لأنّه أخرجه من الغَزْليَّة إلى الثَّوْبيَّة ، وإنَّما قَرن امرؤ القيس لذة النّساء بلذّة الرّكوب للصّيد وقرن السّماحة في شراء الخمر للأضياف بالشّجاعة في منازلة الأعداء ، وأنا لمّا ذكرت الموت في أوّل البيت أتبعتُه بذكر الردَى لتجانسه ، ولمّا كان وجه المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوساً وعينُه من أن تكون باكية قلتُ : «ووجهك وضّاح وثَغرك باسم» لأجمع بين الأضداد في المعنى .وهو يعني بهذا أن وجوه المناسبة في نظم الكلام تختلف وتتعدّد ، وإنّ بعضاً يكون أرجح من بعض .وذَكَّرَهُم شُعيبٌ عليه السّلام عقب ذلك بتكثير الله إياهم بعد أن كانوا قليلاً ، وهي نعمة عليهم ، إذ صاروا أمّة بعد أن كانوا معشراً .ومعنى تكثير الله إياهم تيسيره أسباب الكثرة لهم بأن قوّى فيهم قوّة التّناسل ، وحفظهم من أسباب المَوتَان ، ويَسَّر لنسلهم اليفاعة حتّى كثُرت مواليدهم وقلّت وفياتُهم ، فصاروا عدداً كثيراً في زمن لا يعهد في مثله مصير أمّة إلى عددهم ، فيُعد منعهم النّاس من الدّخول في دين الله سعياً في تقليل حزب الله ، وذلك كفران لنعمة الله عليهم بأنّ كثَّرهم ، وليقابلوا اعتبار هذه النّعمة باعتبار نقمته تعالى من الذين غضب عليهم ، إذْ استأصلهم بعد أن كانوا كثيراً فذلك من تمايز الأشياء بأضدادها .فلذلك أعقبه بقوله : { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين }. وفي هذا الكلام جمع بين طريقي التّرغيب والتّرهيب .وقليل وصْف يلزم الإفرادَ والتّذكير ، مثل كثير ، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى : { وكأيِّن من نبيء قتل معه ربّيون كثير } في سورة آل عمران ( 146 ).والمراد بالمفسدين } الذين أفسدوا أنفسهم بعقيدة الشّرك وبأعمال الضّلال ، وأفسدوا المجتمع بخالفة الشّرائع ، وأفسدوا النّاس بإمدادهم بالضّلال وصدّهم عن الهدى ، ولذلك لم يؤت : ل { المفسدين } بمتعلِّق لأنّه اعتبر صفة ، وقطع عن مشابهة الفعل ، أي الذين عرفوا بالإفساد . وهذا الخطاب مقصود منه الكافرون من قومه ابتداء ، وفيه تذكير للمؤمنين منهم بنعمة الله ، فإنّها تشملهم وبالاعتبار بمن مضَوا فإنّه ينفعهم ، وفي هذا الكلام تعريض بالوعد للمسلمين وبالتّسلية لهم على ما يلاقونه من مفسدي أهل الشّرك لانطباق حال الفريقين على حال الفريقين من قوم شُعيب عليه السّلام .و ( إذ ) في قوله : { إذْ كنتم قليلاً } اسم زمان ، غيرُ ظرف فهو في محل المفعول به أي اذكروا زمانَ كنتم قليلاً فأعقبه بأن كثّركم في مدّة قريبة .
الآية 86 - سورة الأعراف: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا ۚ واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم...)