سورة الأعراف: الآية 139 - إن هؤلاء متبر ما هم...

تفسير الآية 139, سورة الأعراف

إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَٰطِلٌ مَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ

الترجمة الإنجليزية

Inna haolai mutabbarun ma hum feehi wabatilun ma kanoo yaAAmaloona

تفسير الآية 139

إن هؤلاء المقيمين على هذه الأصنام مُهْلَك ما هم فيه من الشرك، ومدمَّر وباطل ما كانوا يعملون من عبادتهم لتلك الأصنام، التي لا تدفع عنهم عذاب الله إذا نزل بهم.

«إن هؤلاء مُتَبَّرٌ» هالك «ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون».

ولهذا قال لهم موسى إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لأن دعاءهم إياها باطل، وهي باطلة بنفسها، فالعمل باطل وغايته باطلة.

( إن هؤلاء متبر ما هم فيه ) أي : هالك ( وباطل ما كانوا يعملون )وروى الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله تفسير هذه الآية من حديث محمد بن إسحاق وعقيل ، ومعمر كلهم ، عن الزهري ، عن سنان بن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي : أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، قال : وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ، ويعلقون بها أسلحتهم ، يقال لها : " ذات أنواط " ، قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، قال : فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال : " قلتم والذي نفسي بيده ، كما قال قوم موسى لموسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون )وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الديلي ، عن أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين ، فمررنا بسدرة ، فقلت : يا نبي الله اجعل لنا هذه " ذات أنواط " ، كما للكفار ذات أنواط ، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ، ويعكفون حولها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة [ قال إنكم قوم تجهلون ] ) إنكم تركبون سنن من قبلكم "ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه عن جده مرفوعا

وبعد أن كشف لهم سوء حالهم، وفرط جهالاتهم، بين لهم فساد ما طلبوه في ذاته، وقبح عاقبة من أرادوا تقليدهم، فقال لهم بأسلوب الاستئناف المفيد للتعليل إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.متبر: من التتبير بمعنى الإهلاك أو التكسير والتحطيم يقال: تبره يتبره وتبره أى أهلكه ودمره.أى: إن هؤلاء الذين تبغون تقليدهم في عبادة الأوثان، محكوم على ما هم فيه بالدمار، ومقضي على ما يعملونه من عبادة الأصنام بالاضمحلال والزوال لأن دين التوحيد سيظهر في هذه الديار، وستصير العبادة لله الواحد القهار.وبهذا الرد يكون موسى- عليه السلام- قد كشف لقومه عن سوء ما يطلبون، وصرح لهم بأن مصير ما يبغونه إلى الهلاك والتدمير.قال الإمام الرازي: (والمراد من بطلان عملهم أنه لا يعود عليهم من عبادة ذلك العجل نفع ولا دفع ضرر، وتحقيق القول في هذا الباب أن المقصود من العبادة أن تصير المواظبة على تلك الأعمال سببا لاستحكام ذكر الله تعالى في القلب حتى تصير الروح سعيدة بحصول تلك المعرفة فيها، فإذا اشتغل الإنسان بعبادة غير الله تعلق قلبه بغيره، ويصير ذلك التعلق سببا لإعراض القلب عن ذكره تعالى. وإذا ثبت هذا التحقيق ظهر أن الاشتغال بعبادة غير الله متبر وباطل وضائع. وسعى في تحصيل ضد هذا الشيء ونقيضه، لأنا بينا أن المقصود من العبادة رسوخ معرفة الله- تعالى- في القلب. والاشتغال بعبادة غير الله يزيل معرفته عن القلب، فكان هذا ضد الغرض ونقيضا للمطلوب- والله أعلم-) .

( إن هؤلاء متبر ) مهلك ، ( ما هم فيه ) والتتبير الإهلاك ، ( وباطل ما كانوا يعملون )

قوله تعالى إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملونقوله تعالى إن هؤلاء متبر ما هم فيه أي مهلك ، والتبار : الهلاك . وكل إناء مكسر متبر . وأمر متبر . أي إن العابد والمعبود مهلكان .وباطل أي ذاهب مضمحل ما كانوا يعملون كانوا صلة زائدة .

القول في تأويل قوله : إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)قال أبو حعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل موسى لقومه من بني إسرائيل. يقول تعالى ذكره: قال لهم موسى: إن هؤلاء العُكوف على هذه الأصنام, الله مُهْلِكٌ ما هم فيه من العمل ومفسده, ومخسرهم فيه، بإثابته إياهم عليه العذاب المهين = " وباطل ما كانوا يعملون "، من عبادتهم إياها، فمضمحلّ، لأنه غير نافعهم عند مجيء أمر الله وحلوله بساحتهم, (9) ولا مدافع عنهم بأسَ الله إذا نزل بهم, ولا منقذهم من عذابه إذا عذبهم في القيامة, فهو في معنى ما لم يكن. (10)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:15059 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل, = حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد = قالا جميعًا، حدثنا أسباط, عن السدي: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه)، يقول: مهلك ما هم فيه.15060 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه)، يقول: خُسْران.15061 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون)، قال: هذا كله واحد كهيئة: " غفور رحيم ", " عفوّ غفور ". قال: والعرب تقول: " إنه البائس لمُتَبَّرٌ", " وإنه البائس لَمُخَسَّرٌ" .----------------------الهوامش :(9) في المطبوعة : (( غير نافع )) ، وأثبت ما في المخطوطة .(10) انظر تفسير (( الباطل )) فيما سلف من فهارس اللغة ( بطل ) .

وجملة { إن هؤلاء متّبرٌ ما همُ فيه } بمعنى التعليل لمضمون جملة { إنكم قوم تجهلون } فلذلك فصلت عنها وقد أكدت وجعلت اسمية لمثل الأغراض التي ذكرت في أختها ، وقد عُرّف المسند إليه بالإشارة لتمييزهم بتلك الحالة التي هم متلبسون بها أكمل تمييز ، وللتنبيه على أنهم أحرياء بما يَرِد بعد اسم الإشارة من الأوصاف وهي كونهم متّبرا أمرهم وباطلاً عملهم ، وقُدم المسند وهو { متَبّر } على المسند إليه وهو { ما هم فيه } ليفيد تخصيصه بالمسند إليه أي : هم المعرضون للتّبار وأنه لا يعدوهم البتة ، وأنه لهم ضربة لازب ، ولا يصح أن يجعل { متَبر } مسنداً إليه لأن المقصود بالإخبار هو ما هم فيه .والمتَبّر : المدمّر ، والتّبَار بفتح التاء الهلاك { ولا تزد الظالمين إلاّ تباراً } [ نوح : 28 ]. يقال نَبَر الشيء كضرب وتعب وقتل وتَبّره تضعيف للتعدية ، أي أهلكه والتتبير مستعار هنا لفساد الحال ، فيبقى اسم المفعول على حقيقته في أنه وصف للموصوف به في زمن الحال .ويجوز أن يكون التتبير مستعاراً لسوء العاقبة ، شبه حالهم المزخرفُ ظاهرهُ بحال الشيء البهيج الآيل إلى الدمار والكَسْر فيكون اسم المفعول مجازاً في الاستقبال ، أي صائِر إلى السوء .و { ما هم فيه } هو حالهم ، وهو عبادة الأصنام وما تقتضيه من الضلالات والسيئات ولذلك اختير في تعريفها طريق الموصولية لأن الصلة تحيط بأحوالهم التي لا يحيط بها المتكلم ولا المخاطبون .والظرفية مجازية مستعارة للملابسة ، تشبيهاً للتلبس باحتواء الظرف على المظروف .والباطل اسم لضد الحق فالإخبار به كالإخبار بالمصدر يفيد مبالغة في بطلانه لأن المقام مقام التوبيخ والمبالغة في الإنكار ، وقد تقدم آنفاً معنى الباطل عند قوله تعالى : { فوقع الحَقُّ وبَطَل ما كانوا يعملون } [ الأعراف : 118 ].وفي تقديم المسند ، وهو { باطل } على المسند إليه وهو { ما كانوا يعملون } ما في نظيره من قوله : { متبر ما هم فيه }.
الآية 139 - سورة الأعراف: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون...)