سورة الأعراف (7): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الأعراف بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الأعراف مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الأعراف

سُورَةُ الأَعۡرَافِ
الصفحة 167 (آيات من 138 إلى 143)

وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْا۟ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا۟ يَٰمُوسَى ٱجْعَل لَّنَآ إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَٰطِلٌ مَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ وَإِذْ أَنجَيْنَٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوٓءَ ٱلْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ۚ وَفِى ذَٰلِكُم بَلَآءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ۞ وَوَٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَٰهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِى وَلَٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ
167

الاستماع إلى سورة الأعراف

تفسير سورة الأعراف (تفسير ابن كثير: عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

الترجمة الإنجليزية

Wajawazna bibanee israeela albahra faataw AAala qawmin yaAAkufoona AAala asnamin lahum qaloo ya moosa ijAAal lana ilahan kama lahum alihatun qala innakum qawmun tajhaloona

يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى ، عليه السلام ، حين جاوزوا البحر ، وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا ، ( فأتوا ) أي : فمروا ( على قوم يعكفون على أصنام لهم ) قال بعض المفسرين : كانوا من الكنعانيين . وقيل : كانوا من لخم .قال ابن جريج : وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر ، فلهذا أثار ذلك شبهة لهم في عبادتهم العجل بعد ذلك ، فقالوا : ( يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) أي : تجهلون عظمة الله وجلاله ، وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل .

الترجمة الإنجليزية

Inna haolai mutabbarun ma hum feehi wabatilun ma kanoo yaAAmaloona

( إن هؤلاء متبر ما هم فيه ) أي : هالك ( وباطل ما كانوا يعملون )وروى الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله تفسير هذه الآية من حديث محمد بن إسحاق وعقيل ، ومعمر كلهم ، عن الزهري ، عن سنان بن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي : أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، قال : وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ، ويعلقون بها أسلحتهم ، يقال لها : " ذات أنواط " ، قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، قال : فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال : " قلتم والذي نفسي بيده ، كما قال قوم موسى لموسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون )وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الديلي ، عن أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين ، فمررنا بسدرة ، فقلت : يا نبي الله اجعل لنا هذه " ذات أنواط " ، كما للكفار ذات أنواط ، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ، ويعكفون حولها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة [ قال إنكم قوم تجهلون ] ) إنكم تركبون سنن من قبلكم "ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه عن جده مرفوعا

الترجمة الإنجليزية

Qala aghayra Allahi abgheekum ilahan wahuwa faddalakum AAala alAAalameena

يذكرهم موسى ، عليه السلام ، بنعمة الله عليهم ، من إنقاذهم من أسر فرعون وقهره ، وما كانوا فيه من الهوان والذلة ، وما صاروا إليه من العزة والاشتفاء من عدوهم ، والنظر إليه في حال هوانه وهلاكه ، وغرقه ودماره . وقد تقدم تفسيرها في [ سورة ] البقرة .

الترجمة الإنجليزية

Waith anjaynakum min ali firAAawna yasoomoonakum sooa alAAathabi yuqattiloona abnaakum wayastahyoona nisaakum wafee thalikum balaon min rabbikum AAatheemun

يذكرهم موسى عليه السلام نعم الله عليهم من إنقاذهم من أسر فرعون وقهره وما كانوا فيه من الهوان والذلة وما صاروا إليه من العزة والاشتفاء من عدوهم والنظر إليه في حال هوانه وهلاكه وغرقة ودماره وقد تقدم تفسيرها في البقرة.

الترجمة الإنجليزية

WawaAAadna moosa thalatheena laylatan waatmamnaha biAAashrin fatamma meeqatu rabbihi arbaAAeena laylatan waqala moosa liakheehi haroona okhlufnee fee qawmee waaslih wala tattabiAA sabeela almufsideena

يقول تعالى ممتنا على بني إسرائيل ، بما حصل لهم من الهداية ، بتكليمه موسى ، عليه السلام ، وإعطائه التوراة ، وفيها أحكامهم وتفاصيل شرعهم ، فذكر تعالى أنه واعد موسى ثلاثين ليلة .قال المفسرون : فصامها موسى ، عليه السلام ، فلما تم الميقات استاك بلحاء شجرة ، فأمره الله تعالى أن يكمل بعشر أربعين .وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي ؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة ، والعشر عشر ذي الحجة . قاله مجاهد ، ومسروق ، وابن جريج . وروي عن ابن عباس . فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر ، وحصل فيه التكليم لموسى ، عليه السلام ، وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : ( ( 142 ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) [ المائدة : 3 ]فلما تم الميقات عزم موسى على الذهاب إلى الطور ، كما قال تعالى : ( يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ) الآية [ طه : 80 ] ، فحينئذ استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون ، وأوصاه بالإصلاح وعدم الإفساد . وهذا تنبيه وتذكير ، وإلا فهارون ، عليه السلام ، نبي شريف كريم على الله ، له وجاهة وجلالة ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى سائر الأنبياء .

الترجمة الإنجليزية

Walamma jaa moosa limeeqatina wakallamahu rabbuhu qala rabbi arinee anthur ilayka qala lan taranee walakini onthur ila aljabali faini istaqarra makanahu fasawfa taranee falamma tajalla rabbuhu liljabali jaAAalahu dakkan wakharra moosa saAAiqan falamma afaqa qala subhanaka tubtu ilayka waana awwalu almumineena

يخبر تعالى عن موسى ، عليه السلام ، أنه لما جاء لميقات الله تعالى ، وحصل له التكليم من الله [ تعالى ] سأل الله تعالى أن ينظر إليه فقال : ( ( 143 ) رب أرني أنظر إليك قال لن تراني )وقد أشكل حرف " لن " هاهنا على كثير من العلماء ; لأنها موضوعة لنفي التأبيد ، فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة . وهذا أضعف الأقوال ; لأنه قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة ، كما سنوردها عند قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة ) [ القيامة : 22 ، 23 ] .وقوله تعالى إخبارا عن الكفار : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين : 15 ]وقيل : إنها لنفي التأبيد في الدنيا ، جمعا بين هذه الآية ، وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة .وقيل : إن هذا الكلام في هذا المقام كالكلام في قوله تعالى : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) وقد تقدم ذلك في الأنعام [ الآية : 103 ] .وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال لموسى ، عليه السلام : " يا موسى ، إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده " ; ولهذا قال تعالى : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا )قال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية : حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي ، حدثنا قرة بن عيسى ، حدثنا الأعمش ، عن رجل ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما تجلى ربه للجبل ، أشار بإصبعه فجعله دكا " وأرانا أبو إسماعيل بإصبعه السبابةهذا الإسناد فيه رجل مبهم لم يسم ، ثم قالحدثني المثنى ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد ، عن ليث ، عن أنس ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) قال : " هكذا بإصبعه - ووضع النبي صلى الله عليه وسلم إصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر - فساخ الجبل "هكذا وقع في هذه الرواية " حماد بن سلمة ، عن ليث ، عن أنس " . والمشهور : " حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس " ، كما قال ابن جرير :حدثني المثنى ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) قال : وضع الإبهام قريبا من طرف خنصره ، قال : فساخ الجبل - قال حميد لثابت : تقول هذا ؟ فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد ، وقال : يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقوله أنس وأنا أكتمه ؟وهكذا رواه الإمام أحمد في مسنده : حدثنا أبو المثنى ، معاذ بن معاذ العنبري ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) قال : قال هكذا - يعني أنه أخرج طرف الخنصر - قال أحمد : أرانا معاذ ، فقال له حميد الطويل : ما تريد إلى هذا يا أبا محمد ؟ قال : فضرب صدره ضربة شديدة وقال : من أنت يا حميد ؟ ! وما أنت يا حميد ؟ ! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فتقول أنت : ما تريد إليه ؟ !وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق ، عن معاذ بن معاذ به . وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن سلمة به ثم قال : هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث حماد .وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طرق ، عن حماد بن سلمة ، به . وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاهورواه أبو محمد الحسن بن محمد الخلال ، عن محمد بن علي بن سويد ، عن أبي القاسم البغوي ، عن هدبة بن خالد ، عن حماد بن سلمة ، فذكره وقال : هذا إسناد صحيح لا علة فيه .وقد رواه داود بن المحبر ، عن شعبة ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعا وهذا ليس بشيء ، لأن داود بن المحبر كذاب ورواه الحافظان أبو القاسم الطبراني وأبو بكر بنحوهوأسنده ابن مردويه من طريقين ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس مرفوعا بنحوه ، وأسنده ابن مردويه من طريق ابن البيلماني ، عن أبيه ، عن ابن عمر مرفوعا ، ولا يصح أيضا .وقال السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قول الله تعالى : ( فلما تجلى ربه للجبل ) قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ( جعله دكا ) قال : ترابا ( وخر موسى صعقا ) قال : مغشيا عليه . رواه ابن جرير .وقال قتادة : ( وخر موسى صعقا ) قال : ميتا .وقال سفيان الثوري : ساخ الجبل في الأرض ، حتى وقع في البحر فهو يذهب معهوقال سنيد ، عن حجاج بن محمد الأعور ، عن أبي بكر الهذلي : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) انقعر فدخل تحت الأرض ، فلا يظهر إلى يوم القيامة .وجاء في بعض الأخبار أنه ساخ في الأرض ، فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة ، رواه ابن مردويه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمر بن شبة ، حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكناني ، حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن معاوية بن عبد الله ، عن الجلد بن أيوب ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما تجلى الله للجبال طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة ، بالمدينة : أحد ، وورقان ، ورضوى . ووقع بمكة : حراء ، وثبير ، وثور " .وهذا حديث غريب ، بل منكروقال ابن أبي حاتم : ذكر عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج ، حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا عثمان بن حصين بن علاق ، عن عروة بن رويم قال : كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صما ملسا ، فلما تجلى الله لموسى على الطور دك وتفطرت الجبال فصارت الشقوق والكهوف .وقال الربيع بن أنس : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) وذلك أن الجبل حين كشف الغطاء ورأى النور ، صار مثل دك من الدكاك . وقال بعضهم : ( جعله دكا ) أي : فتته .وقال مجاهد في قوله : ( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) فإنه أكبر منك وأشد خلقا ، ( فلما تجلى ربه للجبل ) فنظر إلى الجبل لا يتمالك ، وأقبل الجبل فدك على أوله ، ورأى موسى ما يصنع الجبل ، فخر صعقا .وقال عكرمة : ( جعله دكا ) قال : نظر الله إلى الجبل ، فصار صحراء ترابا .وقد قرأ بهذه القراءة بعض القراء ، واختارها ابن جرير ، وقد ورد فيها حديث مرفوع ، رواه ابن مردويه .والمعروف أن " الصعق " هو الغشي هاهنا ، كما فسره ابن عباس وغيره ، لا كما فسره قتادة بالموت ، وإن كان ذلك صحيحا في اللغة ، كقوله تعالى : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) [ الزمر : 68 ] فإن هناك قرينة تدل على الموت كما أن هنا قرينة تدل على الغشي ، وهي قوله : ( فلما أفاق ) والإفاقة إنما تكون من غشي .( قال سبحانك ) تنزيها وتعظيما وإجلالا أن يراه أحد من الدنيا إلا مات .وقوله : ( تبت إليك ) قال مجاهد : أن أسألك الرؤية .( وأنا أول المؤمنين ) قال ابن عباس ومجاهد : من بني إسرائيل . واختاره ابن جرير . وفي رواية أخرى عن ابن عباس : ( وأنا أول المؤمنين ) أنه لا يراك أحد . وكذا قال أبو العالية : قد كان قبله مؤمنون ، ولكن يقول : أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة .وهذا قول حسن له اتجاه . وقد ذكر محمد بن جرير في تفسيره هاهنا أثرا طويلا فيه غرائب وعجائب ، عن محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله وكأنه تلقاه من الإسرائيليات والله تعالى أعلم .وقوله : ( وخر موسى صعقا ) فيه أبو سعيد وأبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما حديث أبي سعيد ، فأسنده البخاري في صحيحه هاهنا ، فقال :حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه ، فقال : يا محمد ، إن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم وجهي . قال : " ادعوه " فدعوه ، قال : " لم لطمت وجهه ؟ " قال : يا رسول الله ، إني مررت باليهودي فسمعته يقول : والذي اصطفى موسى على البشر .قال : قلت : وعلى محمد ؟ فأخذتني غضبة فلطمته ، قال : " لا تخيروني من بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " .وقد رواه البخاري في أماكن كثيرة من صحيحه ، ومسلم في أحاديث الأنبياء من صحيحه ، وأبو داود في كتاب " السنة " من سننه من طرق ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني الأنصاري المدني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري ، بهوأما حديث أبي هريرة فقال الإمام أحمد في مسنده :حدثنا أبو كامل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثنا ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : استب رجلان : رجل من المسلمين ، ورجل من اليهود ، فقال المسلم : والذي اصطفى محمدا على العالمين . وقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين ، فغضب المسلم على اليهودي فلطمه ، فأتى اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله فأخبره ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاعترف بذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تخيروني على موسى ; فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فأجد موسى ممسكا بجانب العرش ، فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي ، أم كان ممن استثناه الله ، عز وجل " . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث الزهري ، بهوقد روى الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا ، رحمه الله : أن الذي لطم اليهودي في هذه القضية هو أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ولكن تقدم في الصحيحين أنه رجل من الأنصار ، وهذا هو أصح وأصرح ، والله أعلم .والكلام في قوله ، عليه السلام : " لا تخيروني على موسى " ، كالكلام على قوله : " لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متى " ، قيل : من باب التواضع . وقيل : قبل أن يعلم بذلك . وقيل : نهى أن يفضل بينهم على وجه الغضب والتعصب . وقيل : على وجه القول بمجرد الرأي والتشهي ، والله أعلم .وقوله : " فإن الناس يصعقون يوم القيامة " ، الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة ، يحصل أمر يصعقون منه ، والله أعلم به . وقد يكون ذلك إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء ، وتجلى للخلائق الملك الديان ، كما صعق موسى من تجلي الرب ، عز وجل ، ولهذا قال ، عليه السلام : " فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " ؟وقد روى القاضي عياض في أوائل كتابه " الشفاء " بسنده عن محمد بن محمد بن مرزوق : حدثنا قتادة ، حدثنا الحسن ، عن قتادة ، عن يحيى بن وثاب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما تجلى الله لموسى ، عليه السلام ، كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء ، مسيرة عشرة فراسخ " ثم قال : " ولا يبعد على هذا أن يختص نبيا بما ذكرناه من هذا الباب ، بعد الإسراء والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى .انتهى ما قاله ، وكأنه صحح هذا الحديث ، وفي صحته نظر ، ولا يخلو رجال إسناده من مجاهيل لا يعرفون ، ومثل هذا إنما يقبل من رواية العدل الضابط عن مثله ، حتى ينتهي إلى منتهاه ، والله أعلم .
167