سورة يوسف: الآية 16 - وجاءوا أباهم عشاء يبكون...

تفسير الآية 16, سورة يوسف

وَجَآءُوٓ أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ

الترجمة الإنجليزية

Wajaoo abahum AAishaan yabkoona

تفسير الآية 16

وجاء إخوة يوسف إلى أبيهم في وقت العِشاء من أول الليل، يبكون ويظهرون الأسف والجزع.

«وجاءُوا أباهم عِشاءً» وقت المساء «يبكون».

وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ليكون إتيانهم متأخرا عن عادتهم، وبكاؤهم دليلا لهم، وقرينة على صدقهم.

يقول تعالى مخبرا عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعد ما ألقوه في غيابة الجب : أنهم رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون ، ويظهرون الأسف والجزع على يوسف ويتغممون لأبيهم وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا.

فقوله: وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ.والعشاء: وقت غيبوبة الشفق الباقي من بقايا شعاع الشمس، وبدء حلول الظلام والمراد بالبكاء هنا: البكاء المصطنع للتمويه والخداع لأبيهم، حتى يقنعوه- في زعمهم- أنهم لم يقصروا في حق أخيهم.أى: وجاءوا أباهم بعد أن أقبل الليل بظلامه يتباكون، متظاهرين بالحزن والأسى لما حدث ليوسف، وفي الأمثال: «دموع الفاجر بيديه» .

( وجاءوا أباهم عشاء يبكون ) قال أهل المعاني : جاءوا في ظلمة العشاء ليكونوا أجرأ على الاعتذار بالكذب . وروي أن يعقوب عليه السلام سمع صياحهم وعويلهم فخرج وقال : ما لكم يا بني هل أصابكم في غنمكم شيء ؟ قالوا : لا . قال : فما أصابكم وأين يوسف ؟ ! .

قوله تعالى : وجاءوا أباهم عشاء يبكون فيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : وجاءوا أباهم عشاء أي ليلا ، وهو ظرف يكون في موضع الحال ; وإنما جاءوا عشاء ليكونوا أقدر على الاعتذار في الظلمة ، ولذا قيل : لا تطلب الحاجة بالليل ، فإن الحياء في العينين ، ولا تعتذر بالنهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار ; فروي أن يعقوب - عليه السلام - لما سمع بكاءهم قال : ما بكم ؟ أجرى في الغنم شيء ؟ قالوا : لا . قال : فأين يوسف ؟ قالوا : ذهبنا نستبق فأكله الذئب ، فبكى وصاح وقال : أين قميصه ؟ على ما يأتي بيانه إن شاء الله . وقال السدي وابن حبان : إنه لما قالوا أكله الذئب خر مغشيا عليه ، فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك ، ونادوه فلم يجب ; قال وهب : ولقد وضع يهوذا يده على مخارج نفس يعقوب فلم يحس بنفس ، ولم يتحرك له عرق ; فقال لهم يهوذا : ويل لنا من ديان يوم الدين ضيعنا أخانا ، وقتلنا أبانا ، فلم يفق يعقوب إلا ببرد السحر ، فأفاق ورأسه في حجر روبيل ; فقال : يا روبيل ألم أأتمنك على ولدي ؟ ألم أعهد إليك عهدا ؟ فقال : يا أبت كف عني بكاءك أخبرك ; فكف يعقوب بكاءه فقال : يا أبت إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب .الثانية : قال علماؤنا : هذه الآية دليل على أن بكاء المرء لا يدل على صدق مقاله ، لاحتمال أن يكون تصنعا ; فمن الخلق من يقدر على ذلك ، ومنهم من لا يقدر . وقد قيل : إن الدمع المصنوع لا يخفى ; كما قال حكيم :إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى

القول في تأويل قوله تعالى : وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه: وجاء إخوة يوسف أباهم، بعد ما ألقوا يوسف في غيابة الجبّ عشاء يبكون.* * *وقيل: إن معنى قوله: (نستبق) ننتضل من " السباق " (8) كما:-18841- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال: أقبلوا على أبيهم عشاء يبكون ، فلما سمع أصواتهم فزع وقال: ما لكم يا بنيّ؟ هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا ! قال: فما فعل يوسف.----------------------الهوامش:(8) انظر تفسير" الاستباق" فيما سلف 3 : 196 / 10 : 391 .

عطف على جملة { فلما ذهبوا به } [ سورة يوسف : 15 ] عطف جزء القصة .والعشاء : وقت غيبوبة الشفق الباقي من بقايا شعاع الشمس بعد غروبها .والبكاء : خروج الدموع من العينين عند الحزن والأسف والقهر . وتقدم في قوله تعالى : { فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً } [ سورة التوبة : 82 ]. وقد أطلق هنا على البكاء المصطنع وهو التباكي . وإنما اصطنعوا البكاء تمويهاً على أبيهم لئلا يظن بهم أنهم اغتالوا يوسف عليه السّلام ، ولعلّهم كانت لهم مقدرة على البكاء مع عدم وجدان موجبه ، وفي الناس عجائب من التمويه والكيد . ومن الناس من تتأثر أعصابهم بتخيل الشيء ومحاكاته فيعتريهم ما يعتري الناس بالحقيقة .وبعض المتظلمين بالباطل يفعلون ذلك ، وفطنة الحاكم لا تنخدع لمثل هذه الحيل ولا تنوط بها حكماً ، وإنما يناط الحكم بالبينة .جاءت امرأة إلى شريح تخاصم في شيء وكانت مبطلة فجعلت تبكي ، وأظهر شريح عدم الاطمئنان لدعواها ، فقيل له : أما تراها تبكي؟ فقال : قد جاء إخوة يوسف عليه السّلام أباهم عشاء يبكون وهم ظلَمة كَذبَة ، لا ينبغي لأحد أن يقضي إلا بالحق . قال ابن العربي : قال علماؤنا : هذا يدلّ على أن بكاء المرء لا يدل على صدق مقاله لاحتمال أن يكون تصنّعاً . ومن الخلق من لا يقدر على ذلك ومنهم من يقدر .قلت : ومن الأمثال دموع الفاجر بيديه وهذه عبرة في هذه العبرة .
الآية 16 - سورة يوسف: (وجاءوا أباهم عشاء يبكون...)