سورة يونس: الآية 76 - فلما جاءهم الحق من عندنا...

تفسير الآية 76, سورة يونس

فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوٓا۟ إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ

الترجمة الإنجليزية

Falamma jaahumu alhaqqu min AAindina qaloo inna hatha lasihrun mubeenun

تفسير الآية 76

فلما أتى فرعونَ وقومَه الحقُّ الذي جاء به موسى قالوا: إن الذي جاء به موسى من الآيات إنما هو سحر ظاهر.

«فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إنَّ هذا لسحر مبين» بيّنّ ظاهر.

الذي هو أكبر أنواع الحق وأعظمها، وهو من عند الله الذي خضعت لعظمته الرقاب، وهو رب العالمين، المربي جميع خلقه بالنعم‏.‏فلما جاءهم الحق من عند الله على يد موسى، ردوه فلم يقبلوه، و ‏‏قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ‏‏ لم يكفهم قبحهم الله إعراضهم ولا ردهم إياه، حتى جعلوه أبطل الباطل، وهو السحر‏:‏ الذي حقيقته التمويه، بل جعلوه سحرًا مبينًا، ظاهرًا، وهو الحق المبين‏.

( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين ) كأنهم - قبحهم الله - أقسموا على ذلك ، وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان ، كما قال تعالى : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) [ النمل : 14 ] .

ثم بين- سبحانه- ما تفوهوا به من أباطيل عند ما جاءهم موسى بدعوته فقال: فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ.أى: فلما وصل إليهم الحق الذي جاءهم به موسى- عليه السلام- من عندنا لا من غيرنا قالُوا على سبيل العناد والحقد والغرور إِنَّ هذا الذي جئت به يا موسى لَسِحْرٌ مُبِينٌ أى: لسحر واضح ظاهر لا يحتاج إلى تأمل أو تفكير.والتعبير بقوله جاءَهُمُ يفيد أن الحق قد وصل إليهم بدون تعب منهم، فكان من الواجب عليهم- لو كانوا يعقلون- أن يتقبلوه بسرور واقتناع.وفي قوله مِنْ عِنْدِنا تصوير لشناعة الجريمة التي ارتكبوها في جانب الحق، الذي جاءهم من عند الله- تعالى- لا من عند غيره.والمراد بالحق هنا: الآيات والمعجزات التي جاءهم بها موسى- عليه السلام- لتكون دليلا على صدقه فيما يبلغه عن ربه.وقولهم- كما حكى القرآن عنهم- إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ بالقسم المؤكد: يدل على تبجحهم الذميم، وكذبهم الأثيم، حيث وصفوا الحق الذي لا باطل معه بأنه سحر واضح، وهكذا عند ما تقسو القلوب وتفسق النفوس، تتحول الحقائق في زعمها إلى أكاذيب وأباطيل.

( فلما جاءهم ) يعني : جاء فرعون وقومه ، ( الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين ) .

قوله تعالى فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرونقوله تعالى فلما جاءهم الحق من عندنا يريد فرعون وقومه قالوا إن هذا لسحر مبين حملوا المعجزات على السحر .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا ) ، يعني: فلما جاءهم بيانُ ما دعاهم إليه موسى وهارون، وذلك الحجج التي جاءهم بها، وهي الحق الذي جاءهم من عند الله ، ( قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ ) ، يعنون أنه يبين لمن رآه وعاينه أنه سحر لا حقيقة له (32) .------------------------الهوامش :(32) انظر تفسير " السحر " فيما سلف 13 : 49 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

أي لما رأوا المعجزات التي هي حق ثابت وليست بتخيلات وتمويهات ، وعلموا أن موسى صادق فيما ادّعاه ، تدرجوا من مجرّد الإباء المنبعث عن الاستكبار إلى البهتان المنبعث عن الشعور بالمغلوبية .والحقُّ : يطلق اسماً على ما قابل الباطل وهو العدل الصالح ، ويطلق وصفاً على الثابت الذي لا ريبة فيه ، كما يقال : أنت الصديق الحق . ويُلازم الإفراد لأنه مصدر وصف به . والذي أثبت له المجيء هنا هو الآيات التي أظهرها موسى إعجازاً لهم لقوله قبله : { ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا } [ الأعراف : 103 ] فكان جعل الحق جائياً بتلك الآيات صالحاً لمعنيي الحقّ ، لأنّ تلك الآيات لما كانت ثابتة لا ريبة فيها كانت في ذاتها حقاً فمجيئها حصولُها وظهورها المقصود منه إثبات صدق موسى في رسالته فكان الحق جائياً معها ، فمجيئه ثبوته كقوله تعالى : { وقل جاء الحق وزهق الباطل } [ الإسراء : 81 ] وبهذا يظهر أن لكلمة { الحقّ } هنا من الوقع في الدلالة على تمام المعنى المراد ، ولكلمة { من عندنا } ما ليس لغيرهما في الإيجاز ، وهذا من حدّ الإعجاز .وبهذا تبين أنّ الآية دالة على أن آيات الصدق ظهرت وأنّ المحجوجين أيقنوا بصدق موسى وأنه جاء بالحق .واعتذارهم عن ظهور الآيات بأنها سحر هو اعتذار المغلوب العديم الحجة الذي قهرته الحجة وبهره سلطان الحقّ ، فلم يبق له منتشب من المعارضة المقبولة فهو يهرع إلى انتحال معارضات بمعاذير لا تدخل تحت التمحيص ولا تثبت في محكّ النقد .«ولا بدّ للمغلوب من بارد العذر»وإذ قد اشتهر بين الدّهماء من ذوي الأوهام أنّ السحر يظهر الشيء في صورة ضدّه ، ادّعى هؤلاء أنّ ما ظهر من دلائل صدق موسى هو سحر ظهر به الباطل في صورة الحقّ بتخييل السحر .ومعنى إدّعاء الحقّ سحراً أنّ دلائله من قبيل التخيلات والتمويهات ، فكذلك مدلوله هو مدلول السحر وهو إنشاء تخيل باطل في نفوس المسحورين ، وقد حملهم استشعارهم وَهَنَ معذرتهم على أن أبرزوا دعواهم في صورة الكلام المتثبّت صاحبُه فأكَّدوا الكلام بما دلّ عليه حرف التوكيد ولام الابتداء { إنّ هذا لسحرٌ } ، وزادوا ذلك ترويجاً بأن وصفوا السِّحر بكونه مُبيناً ، أي شديدَ الوضوح . والمبين اسم فاعل من أبان القاصر ، مرادف بَانَ : ظهر .والإشارة بقوله : { إنّ هذا } إلى ما هو مشاهد بينهم حين إظهار المعجزة مثل انقلاب العصا حية ، وخروج اليد بيضاء ، أي أنّ هذا العمل الذي تشاهدونه سحر مبين .
الآية 76 - سورة يونس: (فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين...)