سورة يس: الآية 21 - اتبعوا من لا يسألكم أجرا...

تفسير الآية 21, سورة يس

ٱتَّبِعُوا۟ مَن لَّا يَسْـَٔلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ

الترجمة الإنجليزية

IttabiAAoo man la yasalukum ajran wahum muhtadoona

تفسير الآية 21

وجاء من مكان بعيد في المدينة رجل مسرع (وذلك حين علم أن أهل القرية هَمُّوا بقتل الرسل أو تعذيبهم)، قال: يا قوم اتبعوا المرسلين إليكم من الله، اتبعوا الذين لا يطلبون منكم أموالا على إبلاغ الرسالة، وهم مهتدون فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده. وفي هذا بيان فضل مَن سعى إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

«اتبعوا» تأكيد للأول «مَن لا يسألكم أجرا» على رسالته «وهم مهتدون» فقيل له: أنت على دينهم.

ثم ذكر تأييدا لما شهد به ودعا إليه، فقال: اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا أي: اتبعوا من نصحكم نصحا يعود إليكم بالخير، وليس [يريد منكم أموالكم ولا أجرا على نصحه لكم وإرشاده إياكم، فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه.بقي] أن يقال: فلعله يدعو ولا يأخذ أجرة، ولكنه ليس على الحق، فدفع هذا الاحتراز بقوله: وَهُمْ مُهْتَدُونَ لأنهم لا يدعون إلا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه، ولا ينهون إلا بما يشهد العقل الصحيح بقبحه.

( اتبعوا من لا يسألكم أجرا ) أي : على إبلاغ الرسالة ، ( وهم مهتدون ) فيما يدعونكم إليه ، من عبادة الله وحده لا شريك له .

ثم أكد هذه الدعوة بقوله: اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ اتبعوا هؤلاء الرسل الذين جاءوا بأمر ربكم إليكم، ليرشدوكم الى الطريق الحق، والحال أنهم في أنفسهم ثابتون على الهدى، راسخون في التمسك بالعقيدة السليمة.

( اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ) قال قتادة : كان حبيب في غار يعبد ربه فلما بلغه خبر الرسل أتاهم فأظهر دينه ، فلما انتهى حبيب إلى الرسل قال لهم : تسألون على هذا أجرا ؟ قالوا : لا ، فأقبل على قومه فقال : " يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون " ، فلما قال ذلك قالوا له : وأنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم ؟ فقال :

اتبعوا من لا يسألكم أجرا أي لو كانوا متهمين لطلبوا منكم المال وهم مهتدون فاهتدوا بهم .

( اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) أي: لا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى، وهم لكم ناصحون، فاتبعوهم تهتدوا بهداهم . وقوله ( وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) يقول: وهم على استقامة من طريق الحق، فاهتدوا أيها القوم بهداهم.

اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وجملة { اتبعوا من لا يسألكم أجراً } مؤكدة لجملة { اتبعوا المرسلين } مع زيادة الإِيماء إلى علة اتّباعهم بلوائح علامات الصدق والنصح على رسالتهم إذ هم يَدْعُون إلى هُدى ولا نفع ينجرّ لهم من ذلك فتمحّضت دعوتهم لقصد هداية المرسَل إليهم ، وهذه كلمة حكمة جامعة ، أي اتبعوا من لا تخسرون معهم شيئاً من دنياكم وتربحون صحة دينكم .وإنما قدم في الصلة عدم سؤال الأجر على الاهتداء لأن القوم كانوا في شك من صدق المرسلين وكان من دواعي تكذيبهم اتّهامهم بأنهم يجرّون لأنفسهم نفعاً من ذلك لأن القوم لما غلب عليهم التعلق بحب المال وصاروا بعداء عن إدراك المقاصد السامية كانوا يَعُدّون كل سعي يلوح على امرىء إنما يسعى به إلى نفعه . فقدم ما يزيل عنهم هذه الاسترابة وليَتهَيّؤوا إلى التأمل فيما يدعونهم إليه ، ولأن هذا من قبيل التخلية بالنسبة للمرسلين والمرسل إليهم ، والتخلية تُقدَّم على التحلية ، فكانت جملة { لا يسألكم أجراً } أهم في صلة الموصول .والأجر يصدق بكل نفع دنيوي يحصل لأحد من عمله فيشمل المال والجاه والرئاسة . فلما نفي عنهم أن يسألوا أجراً فقد نفي عنهم أن يكونوا يرمون من دعوتهم إلى نفع دنيوي يحصل لهم .وبعد ذلك تهيّأ الموقع لجملة { وهُم مهتدون } ، أي وهم متّصفون بالاهتداء إلى ما يأتي بالسعادة الأبدية ، وهم إنما يدعونكم إلى أن تسيروا سِيرتهم فإذا كانوا هم مهتدين فإن ما يدعونكم إليه من الاقتداء بهم دعوة إلى الهدى ، فتضمنت هذه الجملة بموقعها بعد التي قبلها ثناء على المرسلين وعلى ما يدعون إليه وترغيباً في متابعتهم .وأعلم أن هذه الآية قد مثل بها القزويني في «الإِيضاح» و «التلخيص» للإِطناب المسمى بالإِيغال وهو أن يُوتَى بعد تمام المعنى المقصود بكلام آخر يتمّ المعنى بدونه لنكتة ، وقد تبين لك مما فسّرنا به أن قوله : { وهم مهتدون } لم يكن مجرد زيادة بل كان لتوقف الموعظة عليها ، وكان قوله : { من لا يسألكم أجراً } كالتوطئة له . ونعتذر لصاحب «التلخيص» بأن المثال يكفي فيه الفرض والتقدير .وجاءت الجملة الأولى من الصلة فعلية منفية لأن المقصود نفي أن يحدث منهم سؤال أجر فضلاً عن دوامه وثباته ، وجاءت الجملة الثانية اسمية لإِفادة إثبات اهتدائهم ودوامه بحيث لا يخشى من يتبعهم أن يكون في وقت من الأوقات غير مهتد .
الآية 21 - سورة يس: (اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون...)