سورة طه: الآية 43 - اذهبا إلى فرعون إنه طغى...

تفسير الآية 43, سورة طه

ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ

الترجمة الإنجليزية

Ithhaba ila firAAawna innahu tagha

تفسير الآية 43

اذهب - يا موسى - أنت وأخوك هارون بآياتي الدالة على ألوهيتي وكمال قدرتي وصدق رسالتك، ولا تَضْعُفا عن مداومة ذكري. اذهبا معًا إلى فرعون؛ إنه قد جاوز الحد في الكفر والظلم، فقولا له قولا لطيفًا؛ لعله يتذكر أو يخاف ربه.

«اذهبا إلى فرعون إنه طغى» بادعائه الربوبية.

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى أي: جاوز الحد، في كفره وطغيانه، وظلمه وعدوانه.

( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) أي : تمرد وعتا وتجهرم على الله وعصاه .

ثم أرشدهما- سبحانه- إلى الوجهة التي يتوجهان إليها فقال: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى.أى: اذهبا إلى فرعون لتبلغاه دعوتي، ولتأمراه بعبادتي، فإنه قد طغى وتجاوز حدوده، وأفسد في الأرض، وقال لقومه: أنا ربكم الأعلى. وقال لهم- أيضا- ما علمت لكم من إله غيرى.قال الجمل: وقوله: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ جمعهما في صيغة أمر الحاضر مع أن هارون لم يكن حاضرا محل المناجاة بل كان في ذلك الوقت بمصر- للتغليب فغلب الحاضر على غيره، وكذا الحال في صيغة النهى. أى: قوله وَلا تَنِيا روى أنه- تعالى- أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى- عليه السلام- وقيل: سمع بإقباله فتلقاه.. .

( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) قرأ أبو عمرو ، وأهل الحجاز : " لنفسي اذهب " ، و " ذكري اذهبا " ، و " إن قومي اتخذوا " ( الفرقان - 30 ) ، " من بعدي اسمه " ( الصف - 6 ) بفتح الياء فيهن ، ووافقهم أبو بكر : " من بعدي اسمه " ، وقرأ الباقون بإسكانها .

وله : اذهبا إلى فرعون إنه طغىقوله تعالى : اذهبا قال في أول الآية : اذهب أنت وأخوك بآياتي وقال هنا اذهبا فقيل : أمر الله تعالى موسى وهارون في هذه الآية بالنفوذ إلى دعوة فرعون ، وخاطب أولا موسى وحده تشريفا له ؛ ثم كرر للتأكيد . وقيل بين بهذا أنه لا يكفي ذهاب أحدهما . وقيل : الأول أمر بالذهاب إلى كل الناس ، والثاني بالذهاب إلى فرعون .

اذهبا إلى فرعون بها إنه تمرّد في ضلاله وغيه، فأبلغاه رسالاتي ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) يقول: ولا تضعفا في أن تذكراني فيما أمرتكما ونهيتكما، فإن ذكركما إياي يقوي عزائمكما، ويثبت أقدامكما، لأنكما إذا ذكرتماني، ذكرتما منِّي عليكما نِعَما جمَّة، ومننا لا تحصى كثرة ، يقال منه: ونى فلان في هذا الأمر، وعن هذا الأمر: إذا ضعف، وهو يَنِي ونيا كما قال العجاج:فَمَا وَنى مُحَمَّدٌ مُذْ أنْ غفرلَهُ الإلهُ ما مَضَى وَما غَيَرْ (2)وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (ولا تَنِيا) يقول: لا تبطئا.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) يقول: ولا تضعفا في ذكري.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) قال: لا تضعفا.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (تَنِيا) تضعفا.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتَادة، قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) يقول: لا تضعفا في ذكري.حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) قال: لا تضعفا.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا مُعاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) يقول: لا تضعفا.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) قال: الواني: هو الغافل المفرط ذلك الواني.---------------الهوامش:(2) هذان بيتان من مشطور الرجز ( 14، 15 ) من أرجوز للعجاج ( ديوانه طبع ليبسج 1903 ص 15) وألوانا ، كما في ( اللسان : وفى ) الفترة في الأعمال والأمور ، وقد وني يني ونيا وونيا ( على فعول ) . أي ضعف . وتوانى في حاجته قصر . وفي حديث عائشة تصف أباها ، رضي الله عنهما : " سبق إذا ونيتم " : أي قصرت وفترتم .

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) يجوز أن يكون انتقال إلى خطاب موسى وهارون . فيقتضي أن هارون كان حاضراً لهذا الخطاب ، وهو ظاهر قوله بعده { قالا ربنا إننا نخاف >اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } [ طه : 45 ] ، وكان حضور هارون عند موسى بوحي من الله أوحاه إلى هارون في أرض «جاسان» حيث منازل بني إسرائيل من أرض قرب ( طِيبة ). قال في التّوراة في الإصحاح الرابع من سفر الخروج «وقال ( أي الله ) ها هو هارون خارجاً لاستقبالك فتكلمه أيضاً» . وفيه أيضاً «وقال الرب لهارون اذهب إلى البرية لاستقبال موسى فذهب والتقيا في جبل الله» أي جبل حُوريب ، فيكون قد طُوي ما حدث بين تكليم الله تعالى موسى في الوادي عند النار وما بين وصول موسى مع أهله إلى جبل ( حوريب ) في طريقِه إلى أرض مصر ، ويكون قوله { قالا ربنا إننا نخاف } الخ ، جواباً عن قول الله تعالى لهما : { اذهب إلى فرعون الخ . ويكون فصل جملة قالا ربنا إننا نخاف الخ لوقُوعها في أسلوب المحاورة .ويجوز أن تكون جملة اذْهَبَا إلى فِرْعَونَ } بدلاً من جملة { اذْهَب أنتَ وأخوك } [ طه : 42 ] ، فيكون قوله { اذهبا أمراً لموسى بأن يذهب وأن يأمر أخاه بالذهاب معه وهارون غائب ، وهذا أنسب لسياق الجُمل ، وتكون جملة قالا ربنا إننا نخاف مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ، وقد طوي ما بين خطاب الله موسى وما بين حكاية قالا ربنا إننا نخاف الخ . والتقدير : فذهب موسى ولقي أخاه هارون ، وأبلغه أمر الله له بما أمره ، فقالا ربّنا إننا نخاف الخ .وجملة إنَّهُ طغى } تعليل للأمر بأن يذهبا إليه . فعُلم أنه لقصد كفّه عن طغيانه .وفعل { طغى } رسم في المصحف آخره ألفاً مُمالة ، أي بصورة الياء للإشارة إلى أنّه من طَغِي مثل رَضي . ويجوز فيه الواو فيقال : يطغو مثل يدعو .والقول الليّنُ : الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال ، بأن يظهر المتكلّم للمخاطب أنّ له من سداد الرأي ما يتقبّل به الحق ويميّز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله .فشبه الكلام المشتمل على المعاني الحسنة بالشيء الليّننِ .واللين ، حقيقة من صفات الأجسام ، وهو : رطوبة ملمس الجسم وسهولة ليّه ، وضد الليّن الخشونة . ويستعار الليّن لسهولة المعاملة والصفح . وقال عمرو بن كلثوم :فإن قناتنا يا عَمْرو أعيَت ... على الأعداءِ قبلَكَ أن تلينا
الآية 43 - سورة طه: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى...)