سورة طه: الآية 22 - واضمم يدك إلى جناحك تخرج...

تفسير الآية 22, سورة طه

وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخْرَىٰ

الترجمة الإنجليزية

Waodmum yadaka ila janahika takhruj baydaa min ghayri sooin ayatan okhra

تفسير الآية 22

قال الله لموسى: خذ الحية، ولا تَخَفْ منها، سوف نعيدها عصًا كما كانت في حالتها الأولى. واضمم يدك إلى جنبك تحت العَضُد تخرج بيضاء كالثلج من غير برص؛ لتكون لك علامة أخرى.

«واضمم يدك» اليمنى بمعنى الكف «إلى جناحك» أي جنبك الأيسر تحت العضد إلى الإبط وأخرجها «تخرج» خلاف ما كانت عليه من الأدمة «بيضاء من غير سوءٍ» أي بَرَص تضيء كشعاع الشمس تغشى البصر «آية أخرى» وهي بيضاء حالان من ضمير تخرج.

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ أي: أدخل يدك في جيبك، وضم عليك عضدك، الذي هو جناح الإنسان تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي: بياضا ساطعا، من غير عيب ولا برص آيَةً أُخْرَى قال الله: فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ

وهذا برهان ثان لموسى ، عليه السلام ، وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه ، كما صرح به في الآية الأخرى ، وهاهنا عبر عن ذلك بقوله : ( واضمم يدك إلى جناحك ) وقال في مكان آخر : ( واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه ) [ القصص : 32 ] .وقال مجاهد : ( واضمم يدك إلى جناحك ) كفه تحت عضده .وذلك أن موسى ، عليه السلام ، كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها ، تخرج تتلألأ كأنها فلقة قمر .وقوله : ( تخرج بيضاء من غير سوء ) أي : من غير برص ولا أذى ، ومن غير شين . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وغيرهم .

ثم وجه- سبحانه- أمرا آخر إلى عبده موسى فقال: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى.والضم: الجمع. يقال: ضم فلان أصابعه إذا جمعها. والجناح، يطلق على العضد وعلى الجنب، وعلى الإبط. وأصله جناح الطائر وسمى بذلك لأنه يجنحه، أى: يميله عند الطيران، ثم توسع فيه فأطلق على العضد وغيره.والمراد باليد هنا: كف يده اليمنى.والسوء: الرديء والقبيح من كل شيء، وكنى به هنا عن البرص لشدة قبحه.والمعنى: واضمم- يا موسى- يدك اليمنى الى عضد يدك اليسرى بأن تجعلها تحته عند الإبط. ثم أخرجها فإنها تخرج بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أى: تخرج منيرة مشرقة واضحة البياض دون أن يعلق بها أى سوء من برص أو مرض أو غيرهما، وإنما يكون بياضها بياضا مشرقا بقدرة الله- تعالى- وإرادته.قال الحسن البصري: أخرجها- والله- كأنها مصباح، فعلم موسى أنه قد لقى ربه- تعالى-.وقوله: تَخْرُجْ بَيْضاءَ ... جواب الأمر وهو قوله: وَاضْمُمْ يَدَكَ.وقوله: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ احتراس لدفع توهم أن يكون بياضها بسبب مرض أو أذى، وهو متعلق بتخرج.وقوله: آيَةً أُخْرى أى: معجزة أخرى غير معجزة العصا التي سبق أن منحناها لك.كما قال- تعالى: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ .

قوله تعالى : ( واضمم يدك إلى جناحك ) أي : إبطك ، قال مجاهد : تحت عضدك ، وجناح الإنسان عضده إلى أصل إبطه . ( تخرج بيضاء ) نيرة مشرقة ، ( من غير سوء ) من غير عيب والسوء هاهنا بمعنى البرص . قال ابن عباس : كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر ، ( آية أخرى ) أي : دلالة أخرى على صدقك سوى العصا .

قوله تعالى : واضمم يدك إلى جناحك يجوز في غير القرآن ضم بفتح الميم وكسرها لالتقاء الساكنين ، والفتح أجود لخفته ، والكسر على الأصل ويجوز الضم على الإتباع . ويد أصلها يدي على فعل ؛ يدل على ذلك أيد . وتصغيرها يدية . والجناح العضد ؛ قاله مجاهد . وقال : ( إلى ) بمعنى تحت . قطرب : إلى جناحك إلى جيبك ؛ ومنه قول الراجز :أضمه للصدر والجناحوقيل : إلى جنبك فعبر عن الجنب بالجناح لأنه مائل في محل الجناح . وقيل إلى عندك . وقال مقاتل إلى بمعنى مع أي مع جناحك . تخرج بيضاء من غير سوء من غير برص نورا ساطعا ، يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر وأشد ضوءا . عن ابن عباس وغيره : فخرجت نورا مخالفة للونه . وبيضاء نصب على الحال ، ولا ينصرف لأن فيها ألفي التأنيث لا يزايلانها فكأن لزومهما علة ثانية ، فلم ينصرف في النكرة ، وخالفتا الهاء لأن الهاء تفارق الاسم . و من غير سوء من صلة بيضاء كما تقول : ابيضت من غير سوء .آية أخرى سوى العصا . فأخرج يده من مدرعة له مصرية لها شعاع مثل شعاع الشمس يغشى البصر . وآية منصوبة على البدل من بيضاء ؛ قاله الأخفش . النحاس : وهو قول حسن . وقال الزجاج : المعنى آتيناك آية أخرى أو نؤتيك ؛ لأنه لما قال : تخرج بيضاء من غير سوء دل على أنه قد آتاه آية أخرى .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)يقول تعالى ذكره: واضمم يا موسى يدك، فضعها تحت عضدك; والجناحان هما اليدان، كذلك رُوي الخبر عن أبي هُريرة وكعب الأحبار، وأما أهل العربية، فإنهم يقولون: هما الجنبان، وكان بعضهم يستشهد لقوله ذلك بقول الراجز:أضُمُّهُ للصَّدْرِ والجَناحِ (13)وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( إِلَى جَنَاحِكَ ) قال: كفه تحت عضده.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.وقوله ( تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) ذكر أن موسى عليه السلام كان رجلا آدم، فأدخل يده في جيبه، ثم أخرجها بيضاء من غير سوء، من غير برص، مثل الثلج، ثم ردّها، فخرجت كما كانت على لونه.حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه.حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، في قوله ( تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) قال: من غير برص.حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) قال: من غير برص.حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله ( بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) قال: من غير برص.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) قال: من غير برص.حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) قال: من غير برص.حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) قال: من غير برص.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرة، عن الحسن في قول الله ( بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) قال: أخرجها الله من غير سوء، من غير برص، فعلم موسى أنه لقي ربه.وقوله ( آيَةً أُخْرَى ) يقول: وهذه علامة ودلالة أخرى غير الآية التي أريناك قبلها من تحويل العصا حية تسعى على حقيقة ما بعثناك به من الرسالة لمن بعثناك إليه، ونصب آية على اتصالها بالفعل، إذ لم يظهر لها ما يرفعها من هذه أو هي .--------------------الهوامش :(13) في ( اللسان : جنح ) : وجناحا الطائر : يداه . وجناح الإنسان يده . ويدا الإنسان : جناحاه . وقال الزجاج : الجناح : العضد ، ويقال : اليد كلها جناح . أه . وجناحا العسكر جانباه ، وجناحا الوادي : مجريان عن يمينه وشماله . أه . ولم أقف على قائل الرجز .

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22) هذه معجزة أخرى عَلمه الله إياها حتى إذا تحدّى فرعون وقومه عمل مثل ذلك أمام السحرة . فهذا تمرين على معجزة ثانية مُتّحِد الغرض مع إلقاء العصا .والجناح : العضد وما تحته إلى الإبط . أطلق عليه ذلك تشبيهاً بجناح الطائر .والضمّ : الإلصاق ، أي ألصق يدك اليمنى التي كنت ممسكاً بها العصا . وكيفية إلصاقها بجناحه أن تباشر جِلدَ جناحه بأن يدخلها في جَيْب قميصه حتى تماس بَشرة جنبه ، كما في آية سورة سليمان : { وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء } [ النّمل : 12 ]. جعل الله تغيّر لون جلد يده مماستها جناحه تشريفاً لأكثر ما يناسب من أجزاء جسمه بالفعل والانفعال .و { بيضَاءَ } حال من ضمير { تَخْرُجُ } ، و { مِنْ غيرِ سُوءٍ } حال من ضمير { بَيْضَاء }.ومعنى { مِنْ غير سُوءٍ } من غير مَرض مثل البَرص والبَهق بأن تصير بيضاء ثم تعود إلى لونها المماثل لونَ بقية بشرته . وانتصب { آيةً } على الحال من ضمير { تَخْرُجُ }.والتعليل في قوله { لِنُريكَ مِن ءاياتنا الكُبْرى } راجع إلى قوله { تَخْرُجُ بَيْضَاءَ } ، فاللام متعلّقة ب { تَخْرُجُ } لأنّه في معنى نجعلها بيضاء فتخرج بيضاء أو نخرجها لك بيضاء . وهذا التعليل راجع إلى تكرير الآية ، أي كررنا الآيات لنريك بعض آياتنا فتعلم قدرتنا على غيرها
الآية 22 - سورة طه: (واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى...)