سورة سبإ: الآية 5 - والذين سعوا في آياتنا معاجزين...

تفسير الآية 5, سورة سبإ

وَٱلَّذِينَ سَعَوْ فِىٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ

الترجمة الإنجليزية

Waallatheena saAAaw fee ayatina muAAajizeena olaika lahum AAathabun min rijzin aleemin

تفسير الآية 5

والذين سعوا في الصدِّ عن سبيل الله وتكذيب رسله وإبطال آياتنا مشاقين الله مغالبين أمره، أولئك لهم أسوأ العذاب وأشده ألمًا.

«والذين سعوا في» إبطال «آياتنا» القرآن «معجزين» وفي قراءة هنا وفيما يأتي معاجزين، أي مقدرين عجزنا أو مسابقين لنا فيفوتونا لظنهم أن لا بعث ولا عقاب «أولئك لهم عذاب من رجز» سيء العذاب «أليم» مؤلم بالجر والرفع صفة لرجز أو عذاب.

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أي: سعوا فيها كفرا بها, وتعجيزا لمن جاء بها, وتعجيزا لمن أنزلها, كما عجزوه في الإعادة بعد الموت. أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ أي: مؤلم لأبدانهم وقلوبهم.

( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين ) أي : سعوا في الصد عن سبيل الله وتكذيب رسله ، ( أولئك لهم عذاب من رجز أليم ) أي : لينعم السعداء من المؤمنين ، ويعذب الأشقياء من الكافرين ، كما قال : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) [ الحشر : 20 ] ، وقال تعالى : ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) .

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أى: والذين سعوا في إبطال آياتنا، وفي تكذيب رسلنا مُعاجِزِينَ أى مسابقين لنا، لتوهمهم أننا لا نقدر عليهم، وأنهم يستطيعون الإفلات من عقابنا. يقال: عاجز فلان فلانا وأعجزه إذا غالبه وسبقه.أُولئِكَ الذين يفعلون ذلك لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ أى: لهم عذاب من أسوأ أنواع العذاب وأشده ألما وإهانة.وهكذا نرى الآيات الكريمة بعد ثنائها على الله- تعالى- بما هو أهله، وبعد إثباتها لعلمه الذي لا يعزب عنه شيء، وبعد حكايتها لأقوال المشركين وردها عليهم.بعد كل ذلك تصرح بأن الحكمة من إتيان الساعة، مجازاة الذين آمنوا وعملوا الصالحات بما يستحقون من ثواب، ومجازاة الذين كفروا وسعوا في آيات الله بالقدح فيها وصد الناس عنها. بما يستحقون من عقاب.ثم بين- سبحانه- موقف أهل العلم النافع مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه، وموقف الكافرين من ذلك، ورد- سبحانه- على هؤلاء الكافرين بما يثبت ضلالهم وجهلهم، فقال- تعالى-:

( والذين سعوا في آياتنا معاجزين ) يحسبون أنهم يفوتوننا ( أولئك لهم عذاب من رجز أليم ) قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب : " أليم " بالرفع هاهنا وفي الجاثية على نعت العذاب ، وقرأ الآخرون بالخفض على نعت الرجز ، وقال قتادة : الرجز سوء العذاب .

قوله تعالى : والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم .قوله تعالى : والذين سعوا في آياتنا أي في إبطال أدلتنا والتكذيب بآياتنا . ( معاجزين ) مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا ، وأن الله لا يقدر على بعثهم في الآخرة ، وظنوا أنا نهملهم ; فهؤلاء لهم عذاب من رجز أليم ويقال : عاجزه وأعجزه إذا غالبه وسبقه . و ( أليم ) قراءة نافع بالكسر نعتا للرجز ، فإن الرجز هو العذاب ، قال الله تعالى : فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء . وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم عذاب من رجز أليم برفع الميم هنا وفي ( الجاثية ) نعتا للعذاب . وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد بن قيس ومجاهد وأبو عمرو ( معجزين ) مثبطين ; أي ثبطوا الناس عن الإيمان بالمعجزات وآيات القرآن .

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)يقول تعالى ذكره: أثبت ذلك في الكتاب ليجزي المؤمنين ما وصف وليجزي الذين سعوا في آياتنا معاجزين، يقول: وكي يثيب الذين عملوا في إبطال أدلتنا وحججنا معاونين (2) يحسبون أنهم يسبقوننا بأنفسهم فلا نقدر عليهم (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ) يقول: هؤلاء لهم عذاب من شديد العذاب الأليم، ويعني بالأليم: الموجع.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله ( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) أي: لا يعجزون ( أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ) قال: الرجز: سوء العذاب، الأليم الموجع.حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله ( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) قال: جاهدين ليهبطوها أو يبطلوها، قال: وهم المشركون، وقرأ لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ . ------------------------الهوامش:(2) (في اللسان: عجز): معاجزين: أي: يعاجزون الأنبياء وأولياء الله، أي يقاتلونهم ويمانعونهم، ليصيروهم إلى المعجز عن أمر الله. ويقال: فلان يعاجز عن الحق إلى الباطل، أي يميل إليه ويلجأ.

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)وقوله : { والذين سعوا } عطف على { الذين آمنوا } ، وتقدير الكلام : ليُجزى الذين آمنوا والذين سعوا بما يليق بكل فريق .والمعنى : أن عالم الإِنسان يحتوي على صالحين متفاوت صلاحهم ، وفاسدين متفاوت فسادهم ، وقد انتفع الناس بصلاح الصالحين واستضروا بفساد المفسدين ، وربما عطل هؤلاء منافع أولئك وهذّب أولئك من إفساد هؤلاء وانقضى كل فريق بما عمل لم يلق المحسن جزاءً على إحسانه ولا المفسد جزاء على إفساده ، فكانت حكمة خالق الناس مقتضية إعلامهم بما أراد منهم وتكليفهم أن يسعوا في الأرض صلاحاً ، ومقتضية ادخار جزاء الفريقين كليهما ، فكان من مقتضاها إحضار الفريقين للجزاء على أعمالهم . وإذ قد شوهد أن ذلك لم يحصل في هذه الحياة علمنا أن بعد هذه الحياة حياة أبدية يقارنها الجزاء العادل ، لأن ذلك هو اللائق بحكمة مرشد الحكماء تعالى ، فهذا مما يدل عليه العقل السليم ، وقد أعلَمَنا خالقُ الخلق بذلك على لسان رسوله ورسله صلى الله عليه وسلم فتوافق العقل والنقل ، وبطل الدَّجْل والدَّخْل .وجُعل جزاء الذين آمنوا مغفرة ، أي تجاوزُوا عن آثامهم ، ورزقاً كريماً وهو ما يرزقون من النعيم على اختلاف درجاتهم في النعيم وابتداء مدته فإنهم آيلون إلى المغفرة والرزق الكريم .ووصفَ بالكريم ، أي النفيس في نوعه كما تقدم عند قوله تعالى : { كتاب كريم } في سورة النمل ( 29 ) .وقوبل الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ب { الذين سَعوا في آياتنا } لأن السعي في آيات الله يساوي معنى كفروا بها ، وبذلك يشمل عَمل السيئات وهو سيئة من السيئات ، ألا ترى أنه عبر عنهم بعد ذلك بقوله : { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل } [ سبأ : 7 ] الخ .ومعنى { سعوا في آياتنا } اجتهدوا بالصد عنها ومحاولة إبطالها ، فالسعي مستعار للجد في فعل ما ، وقد تقدم بيانه عند قوله تعالى : { والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم } في سورة الحج ( 51 ) . وآيات الله هنا : القرآن كما يدل عليه قوله بعد :{ الذي أنزل إليك من ربك هو الحق } [ سبأ : 6 ] .و { معاجزين } مبالغة في مُعْجِزين ، وهو تمثيل : شُبِّهت حالهم في مكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بحال من يمشي مشياً سريعاً ليسبق غيره ويعجزه . والعذاب : عذاب جهنم . والرّجز : أسوَأْ العذاب وتقدم في قوله تعالى : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون } في سورة البقرة ( 59 ) . ومِن } بيانية فإن العذاب نفسه رجز .وقرأ الجمهور : { معاجزين } بصيغة المفاعلة تمثيلاً لحال ظنهم النجاة والانفلات من تعذيب الله إياهم بإنكارهم البعث والرسالة بحال من يسابق غيره ويعاجزه ، أي يحاول عجزه عن لحاقه .وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وحده { معجِّزين } بصيغة اسم الفاعل من عجّز بتشديد الجيم ، ومعناه : مثبطين الناس عن اتباع آيات الله ، أو معجزين من آمن بآيات الله بالطعن والجدال .وقرأ الجمهور : { أليمٍ } بالجر صفة ل { رجز } . وقرأه ابن كثير وحفص ويعقوب بالرفع صفة ل { عذاب } ، وهما سواء في المعنى .
الآية 5 - سورة سبإ: (والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم...)