سورة سبإ: الآية 37 - وما أموالكم ولا أولادكم بالتي...

تفسير الآية 37, سورة سبإ

وَمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُكُم بِٱلَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰٓ إِلَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَأُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا۟ وَهُمْ فِى ٱلْغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ

الترجمة الإنجليزية

Wama amwalukum wala awladukum biallatee tuqarribukum AAindana zulfa illa man amana waAAamila salihan faolaika lahum jazao alddiAAfi bima AAamiloo wahum fee alghurufati aminoona

تفسير الآية 37

وليست أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا قربى، وترفع درجاتكم، لكن مَن آمن بالله وعمل صالحًا فهؤلاء لهم ثواب الضعف من الحسنات، فالحسنة بعشر أمثالها إلى ما يشاء الله من الزيادة، وهم في أعالي الجنة آمنون من العذاب والموت والأحزان.

«وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى» قربى، أي تقريبا «إلا» لكن «من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاءُ الضعف بما عملوا» أي جزاء العمل: الحسنة مثلا بعشر فأكثر «وهم في الغرفات» من الجنة «آمنون» من الموت وغيره، وفي قراءة الغرفة بمعنى الجمع.

وليست الأموال والأولاد بالتي تقرب إلى الله زلفى وتدني إليه، وإنما الذي يقرب منه زلفى, الإيمان بما جاء به المرسلون, والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان, فأولئك لهم الجزاء عند اللّه تعالى مضاعفا الحسنة بعشر أمثالها, إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة, لا يعلمها إلا اللّه، وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ أي: في المنازل العاليات المرتفعات جدا, ساكنين فيها مطمئنين, آمنون من المكدرات والمنغصات, لما هم فيه من اللذات, وأنواع المشتهيات, وآمنون من الخروج منها والحزن فيها.

ثم قال : ( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ) أي : ليست هذه دليلا على محبتنا لكم ، ولا اعتنائنا بكم .قال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا كثير ، حدثنا جعفر ، حدثنا يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " . [ و ] رواه مسلم وابن ماجه ، من حديث كثير بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، به .ولهذا قال : ( إلا من آمن وعمل صالحا ) أي : إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح ، ( فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ) أي : تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ( وهم في الغرفات آمنون ) أي : في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى ، ومن كل شر يحذر منه .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي ، حدثنا القاسم وعلي بن مسهر ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها " . فقال أعرابي : لمن هي ؟ قال : " لمن طيب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، [ وصلى بالليل والناس نيام ] " .

ثم زاد- سبحانه- هذه القضية توضيحا وتبيينا فقال: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى.الزلفى: مصدر كالقربى، وانتصابه على المصدرية من معنى العامل. أى ليست كثرة أموالكم، ولا كثرة أولادكم بالتي من شأنها أن تقربكم إلينا قربى، لأن هذه الكثرة ليست دليل محبة منا لكم، ولا تكريم منا لكم، وإنما الذي يقربكم منا هو الإيمان والعمل الصالح.كما وضح- سبحانه- هذه الحقيقة في قوله بعد ذلك: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ.أى: ليس الأمر كما زعمتم- أيها المترفون- من أن كثرة الأموال والأولاد ستنجيكم من العذاب، ولكن الحق والصدق أن الذي ينجيكم من ذلك ويقربكم منا، هو الإيمان والعمل الصالح. فهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة لهم عند الله- تعالى- الجزاء الحسن المضاعف، وهم في غرفات الجنات آمنون مطمئنون.قال الشوكانى ما ملخصه: قوله: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً هو استثناء منقطع فيكون محله النصب. أى: لكن من آمن وعمل صالحا.. والإشارة بقوله: فَأُولئِكَ إلى مَنْ والجمع باعتبار المعنى. وهو مبتدأ. وخبره لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ أى: فأولئك يجازيهم الله الضعف، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول. أو فأولئك لهم الجزاء المضاعف فيكون من إضافة الموصوف إلى الصفة.. .ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة المصرين على كفرهم فقال: وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ، أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ.

(وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ) أي : قربى ، قال الأخفش : " قربى " اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا ( إلا من آمن ) يعني : لكن من آمن ( وعمل صالحا ) قال ابن عباس : يريد إيمانه وعمله يقربه مني ( فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ) أي : يضعف الله لهم حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة قرأ يعقوب : " جزاء " منصوبا منونا " الضعف " رفع ، تقديره : فأولئك لهم الضعف جزاء ، وقرأ العامة بالإضافة ( وهم في الغرفات آمنون ) قرأ حمزة : " في الغرفة " على واحده ، وقرأ الآخرون بالجمع لقوله : " لنبوأنهم من الجنة غرفا " ( العنكبوت - 58 ) .

وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى قال مجاهد : أي قربى . والزلفة القربة . وقال الأخفش : أي إزلافا ، وهو اسم المصدر ، فيكون موضع ( قربى ) نصبا كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا . وزعم الفراء أن التي تكون للأموال والأولاد جميعا . وله قول آخر وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج ، يكون المعنى : وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا ، ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، ثم حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه . وأنشد الفراء :نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلفويجوز في غير القرآن : باللتين وباللاتي وباللواتي وباللذين وبالذين ; للأولاد خاصة أي لا تزيدكم الأموال عندنا رفعة ودرجة ، ولا تقربكم تقريبا . إلا من آمن وعمل صالحا قال سعيد بن جبير : المعنى إلا من آمن وعمل صالحا فلن يضره ماله وولده في الدنيا . وروى ليث عن طاوس أنه كان يقول : اللهم ارزقني الإيمان والعمل ، وجنبني المال والولد ، فإني سمعت فيما أوحيت وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا .قلت : قول طاوس فيه نظر ، والمعنى والله أعلم : جنبني المال والولد المطغيين أو اللذين لا خير فيهما ; فأما المال الصالح والولد الصالح للرجل الصالح فنعم هذا ! وقد مضى هذا في ( آل عمران ومريم ، والفرقان ) . و ( من ) في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، أي لكن من آمن وعمل صالحا فإيمانه وعمله يقربانه مني . وزعم الزجاج أنه في موضع نصب بالاستثناء على البدل من الكاف والميم التي في ( تقربكم ) . النحاس : وهذا القول غلط ; لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل ، ولو جاز هذا لجاز : رأيتك زيدا . وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء إلا أن الفراء لا يقول بدل لأنه ليس من لفظ الكوفيين ، ولكن قوله يئول إلى ذلك ، وزعم أن مثله إلا من أتى الله بقلب سليم يكون منصوبا عنده ب ( ينفع ) . وأجاز الفراء أن يكون من في موضع رفع بمعنى : ما هو إلا من آمن ، كذا قال ، ولست أحصل معناه . فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا يعني قوله : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فالضعف الزيادة ، أي لهم جزاء التضعيف ، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول . وقيل : لهم جزاء الأضعاف ، فالضعف في معنى الجمع ، وإضافة الضعف إلى الجزاء كإضافة الشيء إلى نفسه ، نحو : حق اليقين ، وصلاة الأولى . أي لهم الجزاء المضعف ، للواحد عشرة إلى ما يريد الله من الزيادة .وبهذه الآية استدل من فضل الغنى على الفقر . وقال محمد بن كعب : إن المؤمن إذا كان غنيا تقيا أتاه الله أجره مرتين بهذه الآية . وهم في الغرفات آمنون قراءة العامة جزاء الضعف بالإضافة . وقرأ الزهري ويعقوب ونصر بن عاصم ( جزاء ) منونا منصوبا ( الضعف ) رفعا ; أي فأولئك لهم الضعف جزاء ، على التقديم والتأخير . وجزاء الضعف على أن يجازوا الضعف . و ( جزاء الضعف ) مرفوعان ، ( الضعف ) بدل من ( جزاء ) . وقرأ الجمهور أيضا في الغرفات على الجمع ، وهو اختيار أبي عبيد ; لقوله : لنبوئنهم من الجنة غرفا . الزمخشري : وقرئ في الغرفات بضم الراء وفتحها وسكونها . وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وخلف ( في الغرفة ) على التوحيد ; لقوله تعالى : أولئك يجزون الغرفة . والغرفة قد يراد بها اسم الجمع واسم الجنس . قال ابن عباس : هي غرف من ياقوت وزبرجد ودر . وقد مضى بيان ذلك . ( آمنون ) أي من العذاب والموت والأسقام والأحزان .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)يقول جل ثناؤه: وما أموالكم التي تفتخرون بها أيها القوم على الناس ولا أولادكم الذين تتكبرون بهم، بالتي تقربكم منَّا قربة.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (عِنْدَنَا زُلْفَى) قال: قربى.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ) لا يعتبر الناس بكثرة المال والولد، وإن الكافر قد يعطى المال، وربما حبس عن المؤمن. وقال جل ثناؤه: ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ) ولم يقل باللَّتين، وقد ذكر الأموال والأولاد، وهما نوعان مختلفان، لأنه ذُكر من كل نوع منهما جمع يصلح فيه التي، ولو قال قائل: أراد بذلك أحد النوعين لم يبعد قوله، وكان ذلك كقول الشاعر:نحنُ بِمَا عِندَنا وأنتَ بماعِندكَ رَاضٍ والرأيُ مختَلِفُ (2)ولم يقل راضيان.وقوله (إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك؛ فقال بعضهم: معنى ذلك وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحًا فإنه تقربهم أموالهم وأولادهم بطاعتهم الله في ذلك وأدائهم فيه حقه إلى الله زلفى دون أهل الكفر بالله.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله (إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) قال: لم تضرهم أموالهم ولا أولادهم في الدنيا للمؤمنين، وقرأ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ فالحسنى: الجنة، والزيادة: ما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به، كما حاسب الآخرين، فمن حمل على هذا التأويل نصب بوقوع تقرب عليه، وقد يحتمل أن يكون " من " في موضع رفع، فيكون كأنه قيل: وما هو إلا من آمن وعمل صالحًا.وقوله (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْف) يقول: فهؤلاء لهم من الله على أعمالهم الصالحة الضعف من الثواب، بالواحدة عشر.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا) قال: بأعمالهم الواحد عشر، وفي سبيل الله بالواحد سبعمائة.وقوله (فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) يقول: وهم في غرفات الجنات آمنون من عذاب الله.------------------------الهوامش:(2) البيت لقيس بن الخطيم من قصيدة من المنسرح، كما في معاهد التنصيص شرح شواهد التلخيص. لعبد الرحيم العباسي وقد تقدم الكلام عليه في (10 : 122) مبسوطا. فراجعه ثمة.

وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37)يجوز أن تكون جملة { وما أموالكم } عطفاً على جملة { قل إن ربي يبسط الرزق } [ سبأ : 36 ] الخ فيكون كلاماً موجهاً من جانب الله تعالى إلى الذين قالوا : { نحن أكثر أموالاً وأولاداً } [ سبأ : 35 ] فتكون ضمائر الخطاب موجهة إلى الذين قالوا : { نحن أكثر أموالاً وأولاداً } .ويجوز أن تكون عطفاً على جملة { إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء } [ سبأ : 36 ] ، فيكون مما أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم ويبلغه عن الله تعالى ، ويكون في ضمير { عندنا } التفات ، وضمائر الخطاب تكون عائدة إلى الذين قالوا : { نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين } [ سبأ : 35 ] وفيها وجه ثالث ننبه عليه قريباً .وهو ارتقاء من إبطال الملازمة إلى الاستدلال على أنهم ليسوا بمحل الرضى من الله تعالى على طريقة النقض التفصيلي المسمى بالمناقضة أيضاً في علم المناظرة . وهو مقام الانتقال من المنع إلى الاستدلال على إبطال دعوى الخصم ، فقد أبطلت الآية أن تكون أموالُهم وأولادهم مقربة عند الله تعالى ، وأنه لا يقرّب إلى الله إلا الإِيمان والعمل الصالح .وجيء بالجملة المنفية في صيغة حصر بتعريف المسند إليه والمسند ، لأن هذه الجملة أريد منها نفي قولهم : { نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين } أي لا أنتم ، فكان كلامهم في قوة حصر التقريب إلى الله في كثرة الأموال والأولاد فنُفي ذلك بأسره .وتكرير { لا } النافية بعد العاطف في { ولا أولادكم } لتأكيد تسلط النفي على كلا المذكورْين ليكون كل واحد مقصوداً بنفي كونه مما يقرب إلى الله وملتفتاً إليه .ولما كانت الأموال والأولاد جمعَيْ تكسير عوملا معاملة المفرد المؤنث فجيء بخبرهما اسم موصول المفرد المؤنث على تأويل جماعة الأموال وجماعة الأولاد ولم يلتفت إلى تغلب الأولاد على الأموال فيخبر عنهما معاً ب ( الذين ) ونحوه .وعدل عن أن يقال : بالتي تقربكم إلينا ، إلى { تقربكم عندنا } لأن التقريب هنا مجاز في التشريف والكرامة لا تقريب مكان .والزلفى : اسم للقرب مثل الرُّجعى وهو مفعول مطلق نائب عن المصدر ، أي تقربكم تقريباً ، ونظيره { واللَّه أنبتكم من الأرض نباتاً } [ نوح : 17 ] .وقوله : { إلا من آمن وعمل صالحاً } استثناء منقطع . و { إلا } بمعنى ( لكنْ ) المخففة النون التي هي للاستدراك وما بعدها كلام مستأنف ، وذلك من استعمالات الاستثناء المنقطع؛ فإنه إذا كان ما بعد { إلا } ليس من جنس المستثنى منه كان الاستثناء منقطعاً ، ثم إن كان ما بعد { إلا } مفرداً فإن { إلا } تقدّر بمعنى ( لكنّ ) أخت ( إنّ ) عند أهل الحجاز فينصبون ما بعدها على توهم اسم ( لكنّ ) وتقدر بمعنى ( لكنْ ) المخففة العاطفة عند بني تميم فيتبع الاسم الذي بعدها إعراب الاسم الذي قبلها وذلك ما أشار إليه سيبويه في باب يختار فيه النصب من أبواب الاستثناء .فأما إن كان ما بعد { إلا } جملة اسمية أو فعلية فإن { إلا } تقدر بمعنى ( لكنْ ) المخففة وتجعل الجملة بعدُ استئنافاً ، وذلك في نحو قول العرب : «والله لأفعلن كذا إلا حِلُّ ذلك أن أفعل كذا وكذا» قال سيبويه : «فإن : أَن أفعل كذا ، بمنزلة : إلاّ فِعْل كذا ، وهو مبني على حِلّ ( أي هو خبر له ) . وحِلّ مبتدأ كأنه قال : ولكنْ حِلُّ ذلك أن أفعل كذا وكذا» ا ه .قال ابن مالك في «شرح التسهيل» : وتقرير الإِخراج في هذا أن تجعل قولهم : إلا حلُّ ذلك ، بمنزلة : لا أرى لهذا العَقد مبطِلاً إلا فِعْلَ كذا . وجعل ابن خروف من هذا القبيل قوله تعالى : { لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه اللَّه العذاب الأكبر } [ الغاشية : 22 24 ] على أن يكون { مَن } مبتدأ و «يعذبه الله» الخبر ودخل الفاء لتضمين المبتدأ معنى الجزاء . وقال أبو يَسعود : إن { إلاّ } في الاستثناء المنقطع يكون ما بعدها كلاماً مستأنفاً ا ه .وعلى هذا فقوله تعالى هنا : { إلا من آمن وعمل صالحاً } تقديره : لكن من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف ، فيكون { مَن } مبتدأ مضمَّناً معنى الشرط و { لهم جزاء الضعف } جملة خبر عن المبتدأ وزيدت الفاء في الخبر لتضمين المبتدأ معنى الشرط .وأسهل من هذا أن نجعل { مَن } شرطية وجملة { فأولئك لهم جزاء الضعف } جواب الشرط ، واقترن بالفاء لأنه جملة اسمية . وهذا تحقيق لمعنى الاستثناء المنقطع وتفسير للآية بدون تكلف ولا تردد في النظم .ويجوز أن تكون جملة { وما أموالكم ولا أولادكم } الخ اعتراضاً بين جملة { قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } [ سبأ : 36 ] وجملة { قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له } [ سبأ : 39 ] وتكون ضمائر الخطاب موجهة إلى جميع الناس المخاطبين بالقرآن من مؤمنين وكافرين . وعليه فيكون قوله : { إلا من آمن وعمل صالحاً } الخ مستثنى من ضمير الخطاب ، أي ما أموالكم بالتي تقربكم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم ، وتكون جملة { فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا } ثناء على الذين آمنوا وعملوا الصالحات .وجيء باسم الإِشارة في الإِخبار عن { من آمن } للتنويه بشأنهم والتنبيه على أنهم جديرون بما يرد بعد اسم الإِشارة من أجل تلك الأوصاف التي تقدمت اسم الإِشارة على ما تقدم في قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] وغيره . ووزان هذا المعنى وزان قوله : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } إلى قوله : { لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات } [ آل عمران : 198 ] الآية .و { الضِعف } المضاعف المكرر فيصدق بالمكرر مرة وأكثر . وفي الحديث " والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعف إلى أضعاف كثيرة " وقد أشار إليه قوله تعالى : { كمثل حبّة أنبتت سبعَ سنابل في كل سنبلة مائةُ حبة واللَّه يضاعف لمن يشاء } [ البقرة : 261 ] .وإضافة { جزاء } إلى { الضعف } إضافة بيانية ، أي الجزاء الذي هو المضاعفة لأعمالهم ، أي لما تستحقه كما تقدم .وكنّي عن التقريب بمضاعفة الجزاء لأن ذلك أمارة كرامة المجزي عند الله ، أي أولئك الذين يقربون زلفى فيجزون جزاء الضعف على أعمالهم لا على وفرة أموالهم وأولادهم ، فالاستدراك ورد على جميع ما أفاده كلام المشركين من الدعوى الباطلة والفخر الكاذب لرفع توهم أن الأموال والأولاد لا تقرب إلى الله بحال ، فإن من أموال المؤمنين صدقات ونفقات ، ومن أولادهم أعواناً على البرّ ومجاهدين وداعين لآبائهم بالمغفرة والرحمة .والباء في قوله : { بما عملوا } تحتمل السببية فتكون دليلاً على ما هو المضاعف وهو ما يناسب السبب من الصالحات كقوله تعالى : { هل جزاء الإِحسان إلا الإِحسان } [ الرحمن : 60 ] ، وتحتمل العوض فيكون «ما عملوا» هو المجازَى عليه كما تقول : جزيته بألف ، فلا تقدير في قوله : { جزاء الضعف } .و { الغرفات } جمع غُرفة . وتقدم في آخر الفرقان وهي البيت المعتلي وهو أجمل منظراً وأشمل مرأى . و { آمنون } خبر ثان يعني تلقي في نفوسهم الأمن من انقطاع ذلك النعيم .وقرأ الجمهور { في الغرفات } بصيغة الجمع ، وقرأ حمزة «في الغُرْفة» بالإِفراد .
الآية 37 - سورة سبإ: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم...)