سورة ق: الآية 6 - أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم...

تفسير الآية 6, سورة ق

أَفَلَمْ يَنظُرُوٓا۟ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَٰهَا وَزَيَّنَّٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ

الترجمة الإنجليزية

Afalam yanthuroo ila alssamai fawqahum kayfa banaynaha wazayyannaha wama laha min furoojin

تفسير الآية 6

أغَفَلوا حين كفروا بالبعث، فلم ينظروا إلى السماء فوقهم، كيف بنيناها مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، وزيناها بالنجوم، وما لها من شقوق وفتوق، فهي سليمة من التفاوت والعيوب؟

«أفلم ينظروا» بعيونهم معتبرين بعقولهم حين أنكروا البعث «إلى السماء» كائنة «فوقهم كيف بنيناها» بلا عمد «وزيناها» بالكواكب «وما لها من فروج» شقوق تعيبها.

لما ذكر تعالى حالة المكذبين، وما ذمهم به، دعاهم إلى النظر في آياته الأفقية، كي يعتبروا، ويستدلوا بها، على ما جعلت أدلة عليه فقال: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ أي: لا يحتاج ذلك النظر إلى كلفة وشد رحل، بل هو في غاية السهولة، فينظرون كَيْفَ بَنَيْنَاهَا قبة مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، مزينة بالنجوم الخنس، والجوار الكنس، التي ضربت من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة، لا ترى فيها عيبًا، ولا فروجًا، ولا خلالًا، ولا إخلالاً.قد جعلها الله سقفًا لأهل الأرض، وأودع فيها من مصالحهم الضرورية ما أودع.

يقول تعالى منبها للعباد على قدرته العظيمة التي أظهر بها ما هو أعظم مما تعجبوا مستبعدين لوقوعه : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ) ؟ أي : بالمصابيح ، ( وما لها من فروج ) . قال مجاهد : يعني من شقوق . وقال غيره : فتوق . وقال غيره : من صدوع . والمعنى متقارب ، كقوله تعالى : ( الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ) [ الملك : 3 ، 4 ] أي : كليل ، أي : عن أن يرى عيبا أو نقصا .

ثم شرعت السورة الكريمة في بيان الأدلة على قدرة الله- تعالى- وعلى أن البعث حق، وعلى أن استبعادهم له إنما هو لون من جهالاتهم وانطماس بصائرهم، فقال- تعالى-:أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ. والاستفهام للإنكار والتعجيب من جهلهم، والهمزة متعلقة بمحذوف، والفاء عاطفة عليه أى: أأعرضوا عن آيات الله في هذا الكون، فلم ينظروا إلى السماء فوقهم. كيف بنيناها هذا البناء العجيب، بأن رفعناها بدون عمد، وزيناها بالكواكب، وحفظناها من أى تصدع أو تشقق أو تفتق. فقوله: فُرُوجٍ جمع فرج، وهو الشق بين الشيئين. والمراد سلامتها من كل عيب وخلل.ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله- تعالى-: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً، ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ .

ثم دلهم على قدرته ، فقال : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها ) بغير عمد ( وزيناها ) بالكواكب ( وما لها من فروج ) شقوق وفتوق وصدوع ، واحدها فرج .

قوله تعالى : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم نظر اعتبار وتفكر ، وأن القادر على إيجادها قادر على الإعادة .كيف بنيناها فرفعناها بلا عمد وزيناها بالنجوم وما لها من فروج جمع فرج وهو الشق ; ومنه قول امرئ القيس :لها ذنب مثل ذيل العروس تسد به فرجها من دبروقال الكسائي : ليس فيها تفاوت ولا اختلاف ولا فتوق .

وقوله ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا ) يقول تعالى ذكره: أفلم ينظر هؤلاء المكذّبون بالبعث بعد الموت المنُكرون قُدرتنا على إحيائهم بعد بلائهم ( إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا ) فسوّيناها سقفا محفوظا, وزيناها بالنجوم ( وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ) يعني: وما لها من صدوع وفُتوق.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال : ثنا أبو عاصم, قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال : ثنا الحسن, قال : ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( مِنْ فُرُوجٍ ) قال: شَقّ.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ) قلت له, يعني ابن زيد: الفروج: الشيء المتبرئ بعضه من بعض, قال: نعم.

أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6(تفريع على قوله : { بل عجبوا أن جاءهم منذر } [ ق : 2 ] إلى قوله : { مريج } [ ق : 5 ] لأن أهمّ ما ذكر من تكذيبهم أنهم كذبوا بالبعث ، وخلق السماوات والنجوم والأرض دالّ على أن إعادة الإنسان بعد العدم في حيّز الإمكان فتلك العوالم وجدت عن عدم وهذا أدلّ عليه قوله تعالى في سورة يس ( 81 ( { أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم }والاستفهام يجوز أن يكون إنكارياً . والنظرُ نظرَ الفكر على نحو قوله تعالى : { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض } [ يونس : 101 ] . ومحل الإنكار هو الحال التي دل عليها { كيفَ بنيناها } ، أي ألم يتدبروا في شواهد الخليقة فتكون الآية في معنى أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق .ويجوز أن يكون الاستفهام تقريرياً ، والنظر المشاهدة ، ومحل التقرير هو فعل { ينظروا } ، أو يكون { كيف } مراد به الحال المشاهدة .هذا وأن التقرير على نفي الشيء المراد الإقرار بإثباته طريقة قرآنية ذكرناها غير مرة ، وبينا أن الغرض منه إفساح المجال للمقرَّر إن كان يروم إنكار ما قُرر عليه ، ثقة من المقرِّر بكسر الراء بأن المقرَّر بالفتح لا يُقدم على الجحود بما قرر عليه لظهوره ، وتقدم عند قوله تعالى : { ألم يروا أنه لا يكلمهم } [ الأعراف : 148 ] ، وقوله : { ألست بربكم كلاهما } في سورة الأعراف ( 172 ( .وهذا الوجه أشدّ في النعي عليهم لاقتضائه أن دلالة المخلوقات المذكورة على إمكان البعث يكفي فيها مجرد النظر بالعين .وفوقهم } حال من السماء . والتقييد بالحال تنديد عليهم لإهمالهم التأمل مع المكنة منه إذ السماء قريبة فوقهم لا يكلفهم النظر فيها إلا رفعَ رؤوسهم .و { كيف } اسم جامد مبْنيّ معناه : حالة ، وأكثر ما يرد في الكلام للسؤال عن الحالة فيكون خبراً قبل ما لا يستغنِي عنه مثل : كيف أنت؟ وحالاً قبل ما يستغنى عنه نحو : كيف جاء؟ ومفعولاً مطلقاً نحو { كيف فعل ربك } [ الفجر : 6 ] ، ومفعولاً به نحو قوله تعالى : { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } [ الإسراء : 21 ] . وهي هنا بدل من { فوقَهم } فتكون حالاً في المعنى . والتقدير : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم هيئة بنينا إياها ، وتكون جملة { بنيناها } مبينة ل { كيف } .وأطلق البناء على خلق العلويات بجامع الارتفاع . والمراد ب { السماء } هنا ما تراه العين من كرة الهواء التي تبدو كالقبة وتسمى الجوّ .والتزيين جعل الشيء زينا ، أي حسناً أي تحسين منظرها للرائي بما يبدو فيها من الشمس نهاراً والقمر والنجوم ليلاً . واقتصر على آية تزيين السماء دون تفصيل ما في الكواكب المزَّينة بها من الآيات لأن التزيين يشترك في إدراكه جميع الذين يشاهدونه وللجمع بين الاستدلال والامتنان بنعمة التمكين من مشاهدة المرائي الحسنة كما قال تعالى{ ولكم فيها جَمال حين تريحون وحين تسرحون } [ النحل : 6 ] في شأن خَلق الأنعام في سورة النحل .ثم يتفاوت الناس في إدراك ما في خلق الكواكب والشمس والقمر ونظامها من دلائل على مقدار تفاوت علومهم وعقولهم . والآية صالحة لإفهام جميع الطبقات .وجملة { وما لها من فروج } عطف على جملتي { كيف بنيْنَاها وزيّناها } فهي حال ثالثة في المعنى .والفروج : جمع فرج ، وهو الخرق ، أي يشاهدونها كأنها كُرة متصلة الأجزاء ليس بين أجزائها تفاوت يبدو كالخَرْق ولا تباعد يفصل بعضها عن بعض فيكون خرقاً في قبتها .وهذا من عجيب الصنع إذ يكون جسم عظيم كجسم كرة الهواء الجوي مصنوعاً كالمفروغ في قالب . وهذا مشاهد لجميع طبقات الناس على تفاوت مداركهم ثم هم يتفاوتون في إدراك ما في هذا الصنع من عجائب التئام كرة الجوّ المحيط بالأرض .ولو كان في أديم ما يسمى بالسماء تخالف من أجزائه لظهرت فيه فروج وانخفاض وارتفاع . ونظير هذه الآية قوله في سورة المُلك { الذي خلق سبع سماوات طباقا إلى قوله هل ترى من فطور } [ الملك : 3 ] .
الآية 6 - سورة ق: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج...)