سورة نوح: الآية 16 - وجعل القمر فيهن نورا وجعل...

تفسير الآية 16, سورة نوح

وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجًا

الترجمة الإنجليزية

WajaAAala alqamara feehinna nooran wajaAAala alshshamsa sirajan

تفسير الآية 16

إن تتوبوا وتستغفروا يُنْزِلِ الله عليكم المطر غزيرًا متتابعًا، ويكثرْ أموالكم وأولادكم، ويجعلْ لكم حدائق تَنْعَمون بثمارها وجمالها، ويجعل لكم الأنهار التي تسقون منها زرعكم ومواشيكم. مالكم -أيها القوم- لا تخافون عظمة الله وسلطانه، وقد خلقكم في أطوار متدرجة: نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظامًا ولحمًا؟ ألم تنظروا كيف خلق الله سبع سموات متطابقة بعضها فوق بعض، وجعل القمر في هذه السموات نورًا، وجعل الشمس مصباحًا مضيئًا يستضيء به أهل الأرض؟

«وجعل القمر فيهن» أي في مجموعهن الصادق بالسماء الدنيا «نورا وجعل الشمس سراجا» مصباحا مضيئا وهو أقوي من نور القمر.

وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا لأهل الأرض وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا .ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمته وسعة إحسانه، فالعظيم الرحيم، يستحق أن يعظم ويحب ويعبد ويخاف ويرجى.

( وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ) أي : فاوت بينهما في الاستنارة فجعل كلا منهما أنموذجا على حدة ، ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها ، وقدر القمر منازل وبروجا ، وفاوت نوره ، فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستسر ، ليدل على مضي الشهور والأعوام ، كما قال : ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ) [ يونس : 5 ] .

وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً أى: وجعل- سبحانه- بقدرته القمر في السماء الدنيا نورا للأرض ومن فيها.وإنما قال فِيهِنَّ مع أنه في السماء الدنيا، لأنها محاطة بسائر السموات فما فيها يكون كأنه في الكل. أو لأن كل واحدة منها شفافة، فيرى الكل كأنه سماء واحدة. فساغ أن يقال فيهن.وقوله: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً أى: كالسراج في إضاءتها وتوهجها وإزالة ظلمة الليل، إذ السراج هو المصباح الزاهر نوره، الذي يضيء ما حوله.قال الآلوسى: قوله وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً أى: منورا لوجه الأرض في ظلمة الليل، وجعله فيهن مع أنه في إحداهن- وهي السماء الدنيا-، كما يقال: زيد في بغداد وهو في بقعة منها. والمرجح له الإيجاز والملابسة بالكلية والجزئية، وكونها طباقا شفافة.وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً يزيل الظلمة.. وتنوينه للتعظيم، وفي الكلام تشبيه بليغ، ولكون السراج أعرف وأقرب، جعل مشبها به، ولاعتبار التعدي إلى الغير في مفهومه بخلاف النور، كان أبلغ منه. .وقال بعض العلماء: وفي جعل القمر نورا، إيماء إلى أن ضوء القمر ليس من ذاته. فإن القمر مظلم. وإنما يستضيء بانعكاس أشعة الشمس على ما يستقبلها من وجهه، بحسب اختلاف ذلك الاستقبال من تبعض وتمام، هو أثر ظهوره هلالا.. ثم بدرا.وبعكس ذلك جعلت الشمس سراجا، لأنها ملتهبة، وأنوارها ذاتية فيها، صادرة عنها إلى الأرض وإلى القمر، مثل أنوار السراج تملأ البيت.. .

(وجعل القمر فيهن نورا ) قال الحسن : يعني في السماء الدنيا كما يقال : أتيت بني تميم ، وإنما أتى بعضهم ، وفلان متوار في دور بني فلان وإنما هو في دار واحدة . وقال عبد الله بن عمرو : إن الشمس والقمر وجوههما إلى السماوات ، وضوء الشمس ونور القمر فيهن وأقفيتهما إلى الأرض . ويروى هذا عن ابن عباس .( وجعل الشمس سراجا ) مصباحا مضيئا . ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ) أراد مبدأ خلق آدم خلقه من الأرض والناس ولده ، وقوله : " نباتا " اسم جعل في موضع المصدر أي إنباتا قال الخليل : مجازه : أنبتكم فنبتم نباتا . ( ثم يعيدكم فيها ) بعد الموت ( ويخرجكم ) منها يوم البعث أحياء ( إخراجا ( والله جعل لكم الأرض بساطا ) فرشها وبسطها لكم .

وجعل القمر فيهن نورا أي في سماء الدنيا ; كما يقال : أتاني بنو تميم وأتيت بني تميم والمراد بعضهم ; قاله الأخفش . قال ابن كيسان : إذا كان في إحداهن فهو فيهن . وقال قطرب : فيهن بمعنى معهن ; وقاله الكلبي . أي خلق الشمس والقمر مع خلق السموات والأرض . وقال جلة أهل اللغة في قول امرئ القيس :وهل ينعمن من كان آخر عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال" في " بمعنى مع . النحاس : وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال : جواب النحويين أنه إذا جعله في إحداهن فقد جعله فيهن ; كما تقول : أعطني الثياب المعلمة ، وإن كنت إنما أعلمت أحدها . وجواب آخر أنه يروى أن وجه القمر إلى السماء ، وإذا كان إلى داخلها فهو متصل بالسموات ، ومعنى نورا أي لأهل الأرض ; قاله السدي . وقال عطاء : نورا لأهل السماء والأرض . وقال ابن عباس وابن عمر : وجهه يضيء لأهل الأرض وظهره يضيء لأهل السماء .وجعل الشمس سراجا يعني مصباحا لأهل الأرض ليتوصلوا إلى التصرف لمعايشهم . وفي إضاءتها لأهل السماء القولان الأولان حكاه الماوردي . وحكى القشيري عن ابن عباس أن الشمس وجهها في السموات وقفاها في الأرض . وقيل : على العكس . وقيل لعبد الله بن عمر : ما بال الشمس تقلينا أحيانا وتبرد علينا أحيانا ؟ فقال : إنها في الصيف في السماء الرابعة ، وفي الشتاء في السماء السابعة عند عرش الرحمن ; ولو كانت في السماء الدنيا لما قام لها شيء .

وقوله: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ) يقول: وجعل القمر في السموات السبع نورا(وَجَعَلَ الشَّمْسَ ) فيهن (سِرَاجًا ).وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ) ذكر لنا أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يقول: إن ضوء الشمس والقمر نورهما في السماء، اقرءوا إن شئتم: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا )... إلى آخر الآية.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن الشمس والقمر وجوههما قِبَل السموات، وأقفيتهما قِبَل الأرض، وأنا أقرأ بذلك آية من كتاب الله: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ).حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ) يقول: خلق القمر يوم خلق سبع سموات.وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: إنما قيل (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ) على المجاز، كما يقال: أتيت بني تميم، وإنما أتى بعضهم.

وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)وقوله : { وجعل القمر فيهن نوراً } صالح لاعتبار القمر من السماوات ، أي الكواكب على الاصطلاح القديم المبني على المشاهدة ، لأن ظرفية ( في ) تكون لوقوع المحوي في حاويه مثل الوعاء ، وتكون لوقوع الشيء بين جماعته ، كما في حديث الشفاعة « وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها » ، وقول النميري :تَضوَّعَ مسكاً بطن نَعْمَانَ أنْ مشتْبه زينب في نِسْوَةٍ خَفِرَاتِو { القمر } كائن في السماء المماسة للأرض وهي المسماة بالسماء الدنيا ، والله أعلم بأبعادها .وقوله : { وجعل الشمس سراجاً } هو بتقدير : وجعل الشمس فيهن سراجاً ، والشمس من الكواكب .والإِخبار عن القمر بأنه نور مبالغة في وصفه بالإِنارة بمنزلة الوصف بالمصدر . والقمر ينير ضوؤُه الأرضَ إنارة مفيدة بخلاف غيره من نجوم الليل فإن إنارتها لا تجدي البشر .والسراج : المصباح الزاهر نورُه الذي يوقد بفتيلة في الزيت يُضيء التهابُها المعدَّلُ بمقدار بقاء مادة الزيت تغمرها .والإِخبار به عن الشمس من التشبيه البليغ وهو تشبيه ، والقصد منه تقريب المشبه من إدراك السامع ، فإن السراج كان أقصى ما يستضاء به في الليل وقلّ من العرب من يتخذه وإنما كانوا يرونه في أديرة الرُهبان أو قصور الملوك وأضرابهم ، قال امرؤ القيسيضي سناه أو مصابيح راهبٍ ... أمال الذُّبَال بالسليط المفتلووصفوا قصر غُمْدان بالإِضاءة على الطريق ليلاً .ولم يخبر عن الشمس بالضياء كما في آية سورة يونس ( 5 ) { هو الذي جعل الشمس ضياء } ، والمعنى واحد وهو الإضاءة ، فلعل إيثار السراج هنا لمقاربة تعبير نوح في لغته ، مع ما فيه من الرعاية على الفاصلة ، لأن الفواصل التي قبلها جاءت على حروف صحيحة ولو قيل : ضياء لصارت الفاصلة همزة والهمزة قريبة من حروف العلة فيثقل الوقف عليها .وفي جعل القمر نوراً إيماء إلى أن ضوء القمر ليس من ذاته فإن القمر مظلم وإنما يستضيء بانعكاس أشعة الشمس على ما يستقبلها من وجهه بحسب اختلاف ذلك الاستقبال من تبعُّض وتمام هو أثر ظهوره هلالاً ثم اتساع استنارته إلى أن يصير بدراً ، ثم ارتجاع ذلك ، وفي تلك الأحوال يضيء على الأرض إلى أن يكون المحاق . وبعكس ذلك جعلت الشمس سراجاً لأنها ملتهبة وأنوارها ذاتية فيها صادرة عنها إلى الأرض وإلى القمر مثل أنوار السراج تملأ البيت وتُلمع أوانيَ الفضة ونحوها مما في البيت من الأشياء المقابلة .وقد اجتمع في قوله : وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً } استدلال وامتنان .
الآية 16 - سورة نوح: (وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا...)