سورة مريم: الآية 60 - إلا من تاب وآمن وعمل...

تفسير الآية 60, سورة مريم

إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَأُو۟لَٰٓئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْـًٔا

الترجمة الإنجليزية

Illa man taba waamana waAAamila salihan faolaika yadkhuloona aljannata wala yuthlamoona shayan

تفسير الآية 60

لكن مَن تاب منهم مِن ذنبه وآمن بربه وعمل صالحًا تصديقًا لتوبته، فأولئك يقبل الله توبتهم، ويدخلون الجنة مع المؤمنين ولا يُنقَصون شيئًا من أعمالهم الصالحة.

«إلا» لكن «من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون» ينقصون «شيئا» من ثوابهم.

ثم استثنى تعالى فقال: إِلَّا مَنْ تَابَ عن الشرك والبدع والمعاصي، فأقلع عنها وندم عليها، وعزم عزما جازما أن لا يعاودها، وَآمَنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وَعَمِلَ صَالِحًا وهو العمل الذي شرعه الله على ألسنة رسله، إذا قصد به وجهه، فَأُولَئِكَ الذي جمعوا بين التوبة والإيمان، والعمل الصالح، يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ المشتملة على النعيم المقيم، والعيش السليم، وجوار الرب الكريم، وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا من أعمالهم، بل يجدونها كاملة، موفرة أجورها، مضاعفا عددها.

وقوله : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) ، أي : إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات ، فإن الله يقبل توبته ، ويحسن عاقبته ، ويجعله من ورثة جنة النعيم; ولهذا قال : ( فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا ) وذلك; لأن التوبة تجب ما قبلها ، وفي الحديث الآخر : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ; ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئا ، ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص لهم مما عملوه بعدها; لأن ذلك ذهب هدرا وترك نسيا ، وذهب مجانا ، من كرم الكريم ، وحلم الحليم .وهذا الاستثناء هاهنا كقوله في سورة الفرقان : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) [ الفرقان : 68 - 70 ]

ثم فتح- سبحانه- للتائبين باب الرحمة فقال: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً....أى: هذا العقاب الشديد للمضيعين للصلاة، وللمتبعين للشهوات، لكن من تاب منهم توبة نصوحا، وآمن بالله- تعالى- حق الإيمان، وعمل في دنياه الأعمال الصالحة.فَأُولئِكَ المنعوتون بالتوبة والإيمان والعمل الصالح يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بفضله- تعالى- ورحمته وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً أى: ولا ينقصون من أجور أعمالهم شيئا.

" إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً " .

إِلَّا مَنْ تَابَأي من تضييع الصلاة واتباع الشهوات فرجع إلى طاعة ربهوَآمَنَبهوَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَقرأ أبو جعفر وشيبة وابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب وأبو بكر ( يدخلون ) بفتح الخاء .وفتح الياء الباقونوَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًاأي لا ينقص من أعمالهم الصالحة شيء إلا أنهم يكتب لهم بكل حسنة عشر إلى سبعمائة

يقول تعالى ذكره: فسوف يلقى هؤلاء الخلف السوء الذين وصف صفتهم غيا، إلا الذين تابوا فراجعوا أمر الله، والإيمان به وبرسوله ( وَعَمِلَ صَالِحًا ) يقول: وأطاع الله فيما أمره ونهاه عنه، وأدّى فرائضه، واجتنب محارمه من هلك منهم على كفره ، وإضاعته الصلاة واتباعه الشهوات. وقوله: ( وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) يقول: ولا يُبْخَسون من جزاء أعمالهم شيئا، ولا يجمع بينهم وبين الذين هلكوا من الخلف السوء منهم قبل توبتهم من ضلالهم، وقبل إنابتهم إلى طاعة ربهم في جهنم، ولكنهم يدخلون مدخل أهل الإيمان.

إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) وقرينة ذلك مقابلته في ضدهم بقوله فأُولَئِكَ يدْخُلونَ الجنّة }.وحرف ( سوف ) دال على أن لقاءهم الغيّ متكرر في أزمنة المستقبل مبالغة في وعيدهم وتحذيراً لهم من الإصرار على ذلك .وقوله { فأُولَئِكَ يدْخُلونَ الجنّة } جيء في جانبهم باسم الإشارة إشادة بهم وتنبيهاً لهم للترغيب في توبتهم من الكفر . وجيء بالمُضارع الدّال على الحال للإشارة إلى أنهم لا يُمْطَلُون في الجزاء . والجنّة : عَلَم لدار الثواب والنّعيم . وفيها جنّات كثيرة كما ورد في الحديث : « أَو جَنَّةٌ واحدة هي إنّها لجنان كثيرة »والظلم : هنا بمعنى النقص والإجحاف والمطل . كقوله { كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً في سورة الكهف ( 33 ).وشي : اسم بمعنى ذات أو موجود وليس المراد مصدر الظلم .وذكر شيئاً في سياق النفي يفيد نفي كل فرد من أفراد النقص والإجحاف والإبطاء ، فيعلم انتفاء النقص القوي بالفحوى دفعاً لما عسى أن يخالج نفوسهم من الانكسار بعد الإيمان يظن أنّ سبق الكفر يَحط من حسن مصيرهم .
الآية 60 - سورة مريم: (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا...)