سورة مريم: الآية 31 - وجعلني مباركا أين ما كنت...

تفسير الآية 31, سورة مريم

وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا

الترجمة الإنجليزية

WajaAAalanee mubarakan ayna ma kuntu waawsanee bialssalati waalzzakati ma dumtu hayyan

تفسير الآية 31

وجعلني عظيم الخير والنفع حيثما وُجِدْتُ، وأوصاني بالمحافظة على الصلاة وإيتاء الزكاة ما بقيت حيًا.

«وجعلني مباركا أينما كنت» أي: نفاعا للناس إخبار بما كتب له «وأوصاني بالصلاة والزكاة» أمرني بهما «ما دمت حيا».

وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ْ أي: في أي: مكان، وأي: زمان، فالبركة جعلها الله فيَّ من تعليم الخير والدعوة إليه، والنهي عن الشر، والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله، فكل من جالسه، أو اجتمع به، نالته بركته، وسعد به مصاحبه. وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ْ أي: أوصاني بالقيام بحقوقه، التي من أعظمها الصلاة، وحقوق عباده، التي أجلها الزكاة، مدة حياتي، أي: فأنا ممتثل لوصية ربي، عامل عليها، منفذ لها

وقوله : ( وجعلني مباركا أين ما كنت ) قال مجاهد ، وعمرو بن قيس ، والثوري : وجعلني معلما للخير . وفي رواية عن مجاهد : نفاعا .وقال ابن جرير : حدثني سليمان بن عبد الجبار ، حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي ، سمعت وهيب بن الورد مولى بني مخزوم قال : لقي عالم عالما هو فوقه في العلم ، فقال له : يرحمك الله ، ما الذي أعلن من عملي ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر; فإنه دين الله الذي بعث به أنبياءه إلى عباده ، وقد أجمع الفقهاء على قول الله : (وجعلني مباركا أين ما كنت ) ، وقيل : ما بركته ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أينما كان .وقوله : ( وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) كقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر : 99 ] .وقال عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك بن أنس في قوله : ( وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) قال : أخبره بما هو كائن من أمره إلى أن يموت ، ما أثبتها لأهل القدر .

وقوله: وَجَعَلَنِي نَبِيًّا أدعو الناس إلى عبادته وحده وَجَعَلَنِي أيضا بجانب نبوتي مُبارَكاً أى: كثير الخير والبركة أَيْنَ ما كُنْتُ أى: حينما حللت جعلني مباركا، فأينما شرطية وجوابها محذوف لدلالة ما قبله عليه.وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ أى: بالمحافظة على أدائهما ما دُمْتُ حَيًّا في هذه الدنيا.

( وجعلني مباركا أين ما كنت ) أي : نفاعا حيث ما توجهت . وقال مجاهد : معلما للخير . وقال عطاء : أدعو إلى الله وإلى توحيده وعبادته . وقيل : مباركا على من تبعني .( وأوصاني بالصلاة والزكاة ) أي : أمرني بهما .فإن قيل : لم يكن لعيسى مال ، فكيف يؤمر بالزكاة؟قيل : معناه بالزكاة لو كان لي مال . وقيل : بالاستكثار من الخير .( ما دمت حيا)

وجعلني مباركا أي ذا بركات ومنافع في الدين والدعاء إليه ومعلما له . التستري : وجعلني آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأرشد الضال ، وأنصر المظلوم ، وأغيث الملهوف .‎وأوصاني بالصلاة والزكاة أي لأؤديهما إذا أدركني التكليف ، وأمكنني أداؤهما ، على القولالأخير الصحيح . ما دمت حيا في موضع نصب على الظرف أي دوام حياتي .

وقوله ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وجعلني نفاعا.* ذكر من قال ذلك:حدثني سليمان بن عبد الرحمن بن حماد الطلحي، قال: ثنا العلاء، عن عائشة امرأة ليث، عن ليث، عن مجاهد ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ) قال: نفاعا.وقال آخرون: كانت بركته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.* ذكر من قال ذلك:حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي، قال: سمعت وُهَيْب ابن ابن الورد مولى بني مخزوم، قال: لقي عالم عالما لما هو فوقه في العلم، قال له: يرحمك الله، ما الذي أعلن من علمي، قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه دين الله الذي بعث به أنبياءه إلى عباده، وقد اجتمع الفقهاء على قول الله: ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) وقيل: ما بركته؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان.وقال آخرون معنى ذلك: جعلني معلم الخير.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سفيان في قوله ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) قال: معلما للخير.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد ، قوله ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) قال: معلمًا للخير حيثما كنت.وقوله ( وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ) يقول: وقضى أن يوصيني بالصلاة والزكاة، يعنى المحافظة على حدود الصلاة وإقامتها على ما فرضها عليّ. وفي الزكاة معنيان: أحدهما: زكاة الأموال أن يؤدّيها. والآخر: تطهير الجسد من دنس الذنوب; فيكون معناه: وأوصاني بترك الذنوب واجتناب المعاصي.وقوله ( مَا دُمْتُ حَيًّا ) يقول: ما كنت حيا في الدنيا موجودا، وهذا يبين عن أن معنى الزكاة في هذا الموضع: تطهير البدن من الذنوب، لأن الذي يوصف به عيسى صلوات الله وسلامه عليه أنه كان لا يدّخر شيئا لغد، فتجب عليه زكاة المال ، إلا أن تكون الزكاة التي كانت فرضت عليه الصدقة بكلّ ما فضل عن قوته، فيكون ذلك وجهًا صحيحًا.

وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) والمبارَك : الذي تُقارن البركةُ أحوالَه في أعماله ومحاورته ونحو ذلك ، لأن المبارك اسم مفعول من باركه ، إذا جعله ذا بركة ، أو من بَارك فيه ، إذا جعل البركة معه .والبركة : الخير واليمن .ذلك أن الله أرسله برحمة لبني إسرائيل ليُحلّ لهم بعض الذي حُرم عليهم وليدعوَهم إلى مكارم الأخلاق بعد أن قست قلوبهم وغيروا من دينهم ، فهذه أعظم بركة تقارنه . ومن بركته أن جعل الله حُلوله في المكان سبباً لخير أهل تلك البقعة من خصبها واهتداء أهلها وتوفيقهم إلى الخير ، ولذلك كان إذا لقيه الجهلة والقُسَاة والمفسدون انقلبوا صالحين وانفتحت قلوبهم للإيمان والحكمة ، ولذلك ترى أكثر الحواريين كانوا من عامة الأميين من صيادين وعشّارين فصاروا دُعاة هدى وفاضت ألسنتهم بالحكمة .وبهذا يظهر أن كونه مباركاً أعم من كونه نبيئاً عموماً وجهياً ، فلم يكن في قوله { وجعلنبي نبيئاً } غُنية عن قوله { وجعلني مُبَاركاً }.والتعميم الذي في قوله { أين مَا كُنتُ } تعميم للأمكنة ، أي لا تقتصر بركته على كونه في الهيكل بالمقدس أو في مجمع أهل بلده ، بل هو حيثما حلّ تحلّ معه البركة .والوصاية : الأمر المؤكد بعمل مستقبل ، أي قدّر وصيتي بالصلاة والزكاة ، أي أن يأمرني بهما أمراً مؤكداً مستمراً ، فاستعمال صيغة المضي في { أوصاني } مثل استعمالها في قوله { ءاتَانِي الكِتَابَ }.والزّكاة : الصدقة . والمراد : أن يصلّي ويزكّي . وهذا أمر خاص به كما أمر نبيئنا صلى الله عليه وسلم بقيام الليل ، وقرينة الخصوص قوله { مَا دُمْتُ حَيّاً } لدلالته على استغراق مدة حياته بإيقاع الصلاة والصدقة ، أي أن يصلي ويتصدّق في أوقات التمكن من ذلك ، أي غير أوقات الدعوة أو الضرورات . فالاستغراق المستفاد من قوله { مَا دُمْتُ حَيّاً } استغراقٌ عرفي مراد به الكثرة؛ وليس المراد الصلاة والصدقة المفروضتين على أمته ، لأن سياق الكلام في أوصاف تميّز بها عيسى عليه السلام ، ولأنه لم يأت بشرع صلاة زائدة على ما شرع في التوراة .
الآية 31 - سورة مريم: (وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا...)