سورة ابراهيم: الآية 41 - ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين...

تفسير الآية 41, سورة ابراهيم

رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ

الترجمة الإنجليزية

Rabbana ighfir lee waliwalidayya walilmumineena yawma yaqoomu alhisabu

تفسير الآية 41

ربنا اغفر لي ما وقع مني مما لا يسلم منه البشر واغفر لوالديَّ، (وهذا قبل أن يتبيَّن له أن والده عدو لله) واغفر للمؤمنين جميعًا يوم يقوم الناس للحساب والجزاء.

«ربنا اغفر لي ولوالدي» هذا قبل أن يتبين له عداوتهما لله عز وجل وقيل أسلمت أمه وقرئ والدي مفردا وولدي «وللمؤمنين يوم يقوم» يثبت «الحساب» قال تعالى.

رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ فاستجاب الله له في ذلك كله إلا أن دعاءه لأبيه إنما كان عن موعدة وعده إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه

( ربنا اغفر لي ولوالدي ) وقرأ بعضهم : " ولوالدي " على الإفراد وكان هذا قبل أن يتبرأ من أبيه لما تبين له عداوته لله - عز وجل - ( وللمؤمنين ) أي : كلهم ( يوم يقوم الحساب ) أي : يوم تحاسب عبادك فتجزيهم بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، [ والله أعلم ] .

كما أسألك- يا إلهى- أن تغفر لي ذنوبي، وأن تغفر لوالدي وللمؤمنين، يوم يقوم الناس للحساب، فتجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.وإنما طلب إبراهيم لوالديه المغفرة، قبل أن يتبين له أن والده عدو لله. فلما تبين له ذلك تبرأ منه. قال- تعالى- وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ .أما أمه فقال بعضهم: إنها كانت مؤمنة، وقال آخرون: لعلها توفيت قبل نبوته.وبعد أن حكى- سبحانه- تلك الدعوات الطيبات التي تضرع بها إبراهيم إلى ربه، والتي تضمنت أمهات الفضائل، كسلامة القلب، وطهارة النفس، ورقة العاطفة، وحسن المراقبة، وحب الخير لغيره.بعد كل ذلك حكى- سبحانه- أحوال الظالمين يوم القيامة، وأقوالهم في ذلك اليوم الشديد، ورده- تعالى- عليهم، والأسباب التي أدت إلى خسرانهم ... فقال- تعالى-:

( ربنا اغفر لي ولوالدي ) فإن قيل : كيف استغفر لوالديه وهما غير مؤمنين ؟ قيل : قد قيل إن أمه أسلمت .وقيل : أراد إن أسلما وتابا .وقيل : قال ذلك قبل أن يتبين له أمر أبيه ، وقد بين الله تعالى عذر خليله صلى الله عليه وسلم في استغفاره لأبيه في سورة التوبة .( وللمؤمنين ) أي : اغفر للمؤمنين كلهم ( يوم يقوم الحساب ) أي : يبدو ويظهر . وقيل : أراد يوم يقوم الناس للحساب ، فاكتفى بذكر الحساب لكونه مفهوما .

ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين قيل : استغفر إبراهيم لوالديه قبل أن يثبت عنده أنهما عدوان لله . قال القشيري : ولا يبعد أن تكون أمه مسلمة لأن الله ذكر عذره في استغفاره لأبيه دون أمه . قلت : وعلى هذا قراءة سعيد بن جبير ، رب اغفر لي ولوالدي يعني . أباه . وقيل : استغفر لهما طمعا في إيمانهما . وقيل : استغفر لهما بشرط أن يسلما . وقيل : أراد آدم وحواء . وقد روي أن العبد إذا قال : اللهم اغفر لي ولوالدي وكان أبواه قد ماتا كافرين انصرفت المغفرة إلى آدم وحواء لأنهما والدا الخلق أجمع . وقيل : إنه أراد ولديه إسماعيل وإسحاق . وكان إبراهيم النخعي يقرأ : " ولولدي " يعني ابنيه ، وكذلك قرأ يحيى بن يعمر ذكره الماوردي والنحاس وللمؤمنين قال ابن عباس : من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : للمؤمنين كلهم وهو أظهر .يوم يقوم الحساب أي يوم يقوم الناس للحساب .

وهذا دعاء من إبراهيم صلوات الله عليه لوالديه بالمغفرة ، واستغفار منه لهما. وقد أخبر الله عز ذكره أنه لم يكن اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ .وقد بيَّنا وقت تبرّئه منه فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته.وقوله ( وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) يقول: وللمؤمنين بك ممن تبعني على الدين الذي أنا عليه ، فأطاعك في أمرك ونهيك. وقوله ( يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) يعني: يقوم الناس للحساب ، فاكتفى بذكر الحساب من ذكر الناس ، إذ كان مفهوما معناه.

ثم دعا بالمغفرة لنفسه وللمؤمنين ولوالديه ما تقدم منه ومن المؤمنين قبل نبوءته وما استمر عليه أبُوه بعد دعوته من الشرك ، أما أمه فلعلها توفيت قبل نبوءته . وهذا الدعاء لأبويه قبل أن يتبين له أن أباه عدوّ لله كما في آية سورة براءة .ومعنى { يقوم الحساب } : يثبت . استعير القيام للثبوت تبعاً لتشبيه الحساب بإنسان قائم ، لأن حالة القيام أقوى أحوال الإنسان إذ هو انتصاب للعمل . ومنه قولهم : قامت الحرب على ساق ، إذا قويت واشتدت . وقولهم : ترجلت الشمس ، إذا قوي ضوءها ، وتقدم عند قوله تعالى : { ويقيمون الصلاة } في أول سورة البقرة ( 4 ).
الآية 41 - سورة ابراهيم: (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب...)