سورة هود: الآية 59 - وتلك عاد ۖ جحدوا بآيات...

تفسير الآية 59, سورة هود

وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا۟ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا۟ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓا۟ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ

الترجمة الإنجليزية

Watilka AAadun jahadoo biayati rabbihim waAAasaw rusulahu waittabaAAoo amra kulli jabbarin AAaneedin

تفسير الآية 59

وتلك عاد كفروا بآيات الله وعصَوا رسله، وأطاعوا أمر كل مستكبر على الله لا يقبل الحق ولا يُذْعن له.

«قيل يا نوح اهبط» انزل من السفينة «بسلام» بسلامة أو بتحية «منا وبركات» خيرات «عليك وعلى أمم ممن معك» في السفينة أي من أولادهم وذريتهم وهم المؤمنون «وأمم» بالرفع ممن معك «سنمتعهم» في الدنيا «ثم يَمَسُّهم منا عذاب أليم» في الآخرة وهم الكفار.

وَتِلْكَ عَادٌ الذين أوقع الله بهم ما أوقع، بظلم منهم لأنهم جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ولهذا قالوا لهود: ما جئتنا ببينة فتبين بهذا أنهم متيقنون لدعوته، وإنما عاندوا وجحدوا وَعَصَوْا رُسُلَهُ لأن من عصى رسولا، فقد عصى جميع المرسلين، لأن دعوتهم واحدة. وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ أي: متسلط على عباد الله بالجبروت، عنيد أي: معاند لآيات الله، فعصوا كل ناصح ومشفق عليهم، واتبعوا كل غاش لهم، يريد إهلاكهم لا جرم أهلكهم الله.

( وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم ) [ أي ] كفروا بها ، وعصوا رسل الله ، وذلك أن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء ، لأنه لا فرق بين أحد منهم في وجوب الإيمان به ، فعاد كفروا بهود ، فنزل كفرهم [ به ] منزلة من كفر بجميع الرسل ، ( واتبعوا أمر كل جبار عنيد ) تركوا اتباع رسولهم الرشيد ، واتبعوا أمر كل جبار عنيد .

واسم الإشارة في قوله- سبحانه- وَتِلْكَ عادٌ ... يعود إلى القبيلة أو إلى آثارهم التي خلفوها من بعدهم. أى: وتلك هي قصة قبيلة عاد مع نبيها هود- عليه السلام- وتلك هي عاقبتها وكانت الإشارة للبعيد تحقيرا لهم، وتهوينا من شأنهم بعد أن انتهوا، وبعدوا عن الأنظار والأفكار، وقد كانوا يقولون: من أشد منا قوة.وقوله: جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ... بيان لجرائمهم التي استحقوا بسببها العذاب الغليظ.والجحد: الإنكار الشديد للحق الواضح.وآيات ربهم: الحجج والبراهين التي جاء بها الأنبياء من ربهم للدلالة على صدقهم.والجبار: هو الشخص المتعالي المتعاظم على الناس، المترفع عن الاستجابة للحق.والعنيد: المعاند الطاغي الذي يعرف الحق ولكنه لا يتبعه.أى: وتلك هي قصة قبيلة عاد مع نبيها، كفروا بآيات ربهم الدالة على صدق أنبيائه، وعصوا رسله الذين جاءوا لهدايتهم، واتبع سفلتهم وعوامهم أمر كل رئيس متجبر متكبر معاند منهم، بدون تفكر أو تدبر.وقال- سبحانه- وَعَصَوْا رُسُلَهُ مع أنهم قد عصوا رسولا واحدا هو هود- عليه السلام-، للإشارة إلى أى معصيتهم لهذا الرسول كأنها معصية للرسل جميعا، لأنهم قد جاءوا برسالة واحدة في جوهرها وهي: عبادة الله- تعالى- وحده، والتقيد بأوامره ونواهيه.والإشارة أيضا إلى ضخامة جرائمهم، وإبراز شناعتها حيث عصوا رسلا لا رسولا.وقد وصفهم- سبحانه- في هذه الآية بثلاث صفات هي أعظم الصفات في القبح والشناعة: أولها: جحودهم لآيات ربهم. وثانيها: عصيانهم لرسله. وثالثها: اتباعهم أمر رؤسائهم الطغاة.

( وتلك عاد ) رده إلى القبيلة ، ( جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله ) يعني : هودا وحده ، ذكره بلفظ الجمع لأن من كذب رسولا كان كمن كذب جميع الرسل ، ( واتبعوا أمر كل جبار عنيد ) أي : واتبع السفلة والسقاط أهل التكبر والعناد ، والجبار : المتكبر ، والعنيد : الذي لا يقبل الحق ، يقال : عند الرجل يعند عنودا إذا أبى أن يقبل الشيء وإن عرفه . قال أبو عبيدة العنيد والعاند والعنود والمعاند : المعارض لك بالخلاف .

قوله تعالى : وتلك عاد ابتداء وخبر . وحكى الكسائي أن من العرب من لا يصرف " عادا " فيجعله اسما للقبيلة .جحدوا بآيات ربهم أي كذبوا بالمعجزات وأنكروها .وعصوا رسله يعني هودا وحده ; لأنه لم يرسل إليهم من الرسل سواه . ونظيره قوله تعالى : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده ; لأنه لم يكن في عصره رسول سواه ; وإنما جمع هاهنا لأن من كذب رسولا واحدا فقد كفر بجميع الرسل . وقيل : عصوا هودا والرسل قبله ، وكانوا بحيث لو أرسل إليهم ألف رسول لجحدوا الكل .واتبعوا أمر كل جبار عنيد أي اتبع سقاطهم رؤساءهم . والجبار المتكبر . والعنيد الطاغي الذي لا يقبل الحق ولا يذعن له . قال أبو عبيد : العنيد والعنود والعاند والمعاند المعارض بالخلاف ، ومنه قيل للعرق الذي ينفجر بالدم عاند . وقال الراجز :إني كبير لا أطيق العندا

القول في تأويل قوله تعالى : وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين أحللنا بهم نقمتنا وعذابنا ، عادٌ، جحدوا بأدلة الله وحججه، (12) وعصوا رسله الذين أرسلهم إليهم للدعاء إلى توحيده واتباع أمره ، (واتبعوا أمر كل جبار عنيد) ، يعني : كلّ مستكبر على الله، (13) حائد عن الحق ، لا يُذعن له ولا يقبله.* * *يقال منه: " عَنَد عن الحق ، فهو يعنِد عُنُودًا " ، و " الرجل عَاند وعَنُود " . ومن ذلك قيل للعرق الذي ينفجر فلا يرقأ: " عِرْق عاند ": أي ضَارٍ، (14)ومنه قول الراجز: (15)إِنِّي كَبِيرٌ لا أَطِيقُ العُنَّدَا (16)* * *18282- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (واتبعوا أمر كل جبار عنيد)، المشرك.---------------------------الهوامش :(12) انظر تفسير " الجحد " فيما سلف 11 : 334 / 12 : 476 .(13) انظر تفسير " الجبار " فيما سلف 10 : 172 .(14) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 291 ، ففيه زيادة بيان .(15) لم أعرف قائله .(16) مجاز القرآن 1 : 291 ، البطليوسي : 415 ، الجواليقي : 336 ، اللسان ( عند ) ، وسيأتي في التفسير 29 : 97 ( بولاق) ، وغيرها ، وهي أبيات لشواهد الإكفاء ، يقول :إذَا رَحَلْتُ فَاجْعَلُونِي وَسَطَاإِنِّي كَبِيرٌ لاَ أَطِيقُ العُنَّدَاوَلاَ أُطِيقُ البَكرَاتِ الشُّرَّدَا.

الإشارة ب { تِلك } حاضر في الذّهن بسبب ما أجري عليه من الحديث حتى صار كأنّه حاضر في الحسّ والمشاهدة . كقوله تعالى : { تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها } [ الأعراف : 101 ] وكقوله : { أولئك على هدىً من ربّهم } [ البقرة : 5 ] ، وهو أيضاً مثله في أنّ الإتيان به عقب الأخبار الماضية عن المشار إليهم للتنبيه على أنّهم جديرون بما يأتي بعد اسم الإشارة من الخبر لأجل تلك الأوصاف المتقدّمة .وتأنيث اسم الإشارة بتأويل الأمّة .و { عاد } بيان من اسم الإشارة .وجملة { جحدوا } خبر عن اسم الإشارة . وهو وما بعده تمهيد للمعطوف وهو { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة } لزيادة تسجيل التّمهيد بالأجرام السّابقة ، وهو الذي اقتضاه اسم الإشارة كما تقدّم ، لأنّ جميع ذلك من أسباب جمع العذابين لهم .والجحد : الإنكار الشّديد ، مثل إنكار الواقعات والمشاهدات . وهذا يدلّ على أنّ هوداً أتاهم بآيات فأنكروا دلالتها . وعدي { جَحدوا } بالباء مع أنّه متعدّ بنفسه لتأكيد التّعدية ، أو لتضمينه معنى كفروا فيكون بمنزلة ما لو قيل : جحدوا آيات ربّهم وكفروا بها ، كقوله : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } [ النمل : 14 ].وجمع الرسل في قوله : { وعصَوا رُسلَه } وإنّما عَصَوْا رَسولاً واحداً ، وهو هود عليه السّلام لأنّ المراد ذكر إجرامهم فناسب أن يناط الجرم بعصيان جنس الرسل لأن تكذيبهم هوداً لم يكن خاصاً بشخصه لأنهم قالوا له : { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } [ هود : 53 ] ، فكل رسول جاء بأمر ترك عبادة الأصنام فهم مكذبون به . ومثله قوله تعالى : { كذّبت عادٌ المرسلين } [ الشعراء : 123 ].ومعنى اتباع الآمر : طاعة ما يأمرهم به ، فالاتّباع تمثيل للعمل بما يملى على المتبع ، لأنّ الآمر يشبه الهادي للسائر في الطريق ، والممتثلَ يشبه المتبع للسائر .والجبار : المتكبّر . والعنيد : مبالغة في المعاندة . يقال : عند مثلث النون إذا طغى ، ومن كان خلقه التجبّر ، والعنود لا يأمر بخير ولا يدعو إلاّ إلى باطل ، فدلّ اتّباعهم أمر الجبابرة المعاندين على أنّهم أطاعوا دعاة الكفر والضلال والظلم .و { كل } من صيغ العموم ، فإنْ أريد كلّ جبار عنيد من قومهم فالعموم حقيقي ، وإنْ أريد جنس الجبابرة ف { كلّ } مستعملة في الكثرة كقول النابغة :بها كلّ ذَيّال وخنساءَ ترعويومنه قوله تعالى : { يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ } في سورة [ الحج : 27 ].
الآية 59 - سورة هود: (وتلك عاد ۖ جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد...)