سورة فصلت: الآية 20 - حتى إذا ما جاءوها شهد...

تفسير الآية 20, سورة فصلت

حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ

الترجمة الإنجليزية

Hatta itha ma jaooha shahida AAalayhim samAAuhum waabsaruhum wajulooduhum bima kanoo yaAAmaloona

تفسير الآية 20

ويوم يُحشر أعداء الله إلى نار جهنم، تَرُدُّ زبانية العذاب أولَهم على آخرهم، حتى إذا ما جاؤوا النار، وأنكروا جرائمهم شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون في الدنيا من الذنوب والآثام.

«حتى إذا ما» زائدة «جاءُوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون».

حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا أي: حتى إذا وردوا على النار، وأرادوا الإنكار، أو أنكروا ما عملوه من المعاصي، شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ عموم بعد خصوص. [ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] أي: شهد عليهم كل عضو من أعضائهم، فكل عضو يقول: أنا فعلت كذا وكذا، يوم كذا وكذا. وخص هذه الأعضاء الثلاثة، لأن أكثر الذنوب، إنما تقع بها، أو بسببها.

وقوله : ( حتى إذا ما جاءوها ) أي : وقفوا عليها ، ( شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ) أي : بأعمالهم مما قدموه وأخروه ، لا يكتم منه حرف .

ثم بين- سبحانه- أحوالهم عند ما يعرضون على النار فقال: حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.والمراد بشهادة هذه الأعضاء عليهم: أنها تنطق- بإذن الله- تعالى- وتخبر بما اجترحوه من سيئات، وبما فعلوه من قبائح.قال صاحب الكشاف ما ملخصه: «فإن قلت «ما» في قوله: حَتَّى إِذا ما جاؤُها ما هي؟.قلت: مزيدة للتأكيد، ومعنى التأكيد فيها: أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم، ولا وجه لأن يخلو منها ...فإن قلت: كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق؟.قلت: الله- عز وجل- ينطقها ... بأن يخلق فيها كلاما..وشهادة الجلود بالملامسة للحرام، وما أشبه ذلك مما يفضى إليها من المحرمات. وقيل:المراد بالجلود الجوارح- وقيل: هو كناية عن الفروج..» .

( حتى إذا ما جاءوها ) جاءوا النار ، ( شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ) أي : بشراتهم . ( بما كانوا يعملون ) قال السدي وجماعة : المراد بالجلود الفروج . وقال مقاتل : تنطق جوارحهم بما كتمت الألسن من عملهم .

قوله تعالى : حتى إذا ما جاءوها ما زائدة حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون الجلود يعني بها الجلود أعيانها في قول أكثر المفسرين . وقال السدي وعبيد الله بن أبي جعفر والفراء : أراد بالجلود الفروج ، وأنشد بعض الأدباء لعامر بن جؤية :المرء يسعى للسلا مة والسلامة حسبه أوسالم من قد تثنىجلده وابيض رأسهوقال : جلده كناية عن فرجه .

وقوله: ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ ) يقول: حتى إذا ما جاءوا النار شهد عليهم سمعهم بما كانوا يصغون به في الدنيا إليه, ويسمعون له, وأبصارهم بما كانوا ينظرون إليه في الدنيا( وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ).وقد قيل: عني بالجلود في هذا الموضع: الفروج.* ذكر من قال ذلك.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب القمي, عن الحكم الثقفي, رجل من آل أبي عقيل رفع الحديث, وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا إنما عني فروجهم, ولكن كني عنها.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنا حرملة, أنه سمع عبيد الله بن أبي جعفر, يقول ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ ) قال: جلودهم: الفروج.وهذا القول الذي ذكرناه عمن ذكرنا عنه في معنى الجلود, وإن كان معنى يحتمله التأويل, فليس بالأغلب على معنى الجلود ولا بالأشهر, وغير جائز نقل معنى ذلك المعروف على الشيء الأقرب إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها.

حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) و { حتى } ابتدائية وهي مفيدة لمعنى الغاية فهي حرف انتهاء في المعنى وحرف ابتداء في اللفظ ، أي أن ما بعدها جملة مستأنفة . و { إذا } ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط وهو متعلق بجوابه ، و { ما } زائدة للتوكيد بعد { إذَا } تفيد توكيد معنى { إذَا } من الارتباط بالفعل الذي بعد { إذا } سواء كانت شرطية كما في هذه الآية أم كانت لمجرد الظرفية كقوله تعالى : { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } [ الشورى : 37 ] . ويظهر أن ورود { مَا } بعد { إذا } يقوّي معنى الشرط في { إذا } ، ولعلهُ يكون معنى الشرط حينئذٍ نصاً احتمالاً . وضمير المؤنث الغائب في { جَاءُوهَا } عائد إلى { النَّارِ } ، أي إذا وصلوا إلى جهنم .وجملة { شَهِدَ عَلَيهِم سَمْعُهُم وأبصارهم } الخ يقتضي كلام المفسرين أنها جواب { إذا } ، فاقتضى الارتباط بين شرطها وجوابها وتعليقها بفعل الجواب . واستشعروا أن الشهادة عليهم تكون قبل أن يوجهوا إلى النار ، فقدَّروا فِعلاً محذوفاً تقديره : وسُئلوا عما كانوا يفعلون فأنكروا فشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ، يعني : سألهم خزنة النار .وأحسنُ من ذلك أن نقول : إن جواب { إذا } محذوف للتهويل وحذف مثله كثير في القرآن ، ويكون جملة { شَهِدَ عَلَيهِم سَمْعُهُم } إلى آخرها مستأنفة استئنافاً بيانياً نشأ عن مفاد { حتى } من الغاية لأن السائل يتطلب ماذا حصل بين حشرهم إلى النار وبين حضورهم عند النار فأجيب بأنه { شَهِدَ عَلَيهِم سَمْعُهُم وأبصارهم وَجُلُودُهُم } إلى قوله : { الَّذِي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } ويتضمن ذلك أنهم حوسبوا على أعمالهم وأنكروها فشهدت عليهم جوارحهم وأجسادهم . أو أن يكون جواب { إذا } قوله : { فَإِن يَصْبِرُوا فالنَّارُ مَثْوَىً لَهُم } [ فصلت : 24 ] الخ . وجملة { شَهِدَ عَلَيهِم سَمْعُهُم وأبصارهم } وما عطف عليها معترضة بين الشرط وجوابه . وشهادة جوارحهم وجلودهم عليهم : شهادة تكذيب وافتضاح لأن كون ذلك شهادة يقتضي أنهم لما رأوا النار اعتذروا بإنكار بعض ذنوبهم طمعاً في تخفيف العذاب وإلا فقد علم الله ما كانوا يصنعون وشهدت به الحفظة وقرىء عليهم كتابُهم ، وما أُحضروا للنار إلا وقد تحققت إدانتهم ، فما كانت شهادة جوارحهم إلا زيادة خزي لهم وتحسيراً وتنديماً على سوء اعتقادهم في سعة علم الله .وتخصيص السمع والأبصار والجلود بالشهادة على هؤلاء دون بقية الجوارح لأن للسمع اختصاصاً بتلقي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي آيات القرآن ، فسمعهم يشهد عليهم بأنهم كانوا يصرفونه عن سماع ذلك كما حكى الله عنهم بقوله : { وَفِي ءَاذَانِنَا وَقْرٌ } [ فصلت : 5 ] ، ولأن للأبصار اختصاصاً بمشاهدة دلائل المصنوعات الدالة على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير فذلك دليل وحدانيته في إلهيته ، وشهادة الجلود لأن الجلد يحوي جميع الجسد لتكون شهادة الجلود عليهم شهادة على أنفسها فيظهر استحقاقها للحرق بالنار لبقية الأجساد دون اقتصار على حرق موضع السمع والبصر .ولذلك اقتصروا في توجيه الملامة على جلودهم لأنها حاوية لجميع الحواس والجوارح ، وبهذا يظهر وجه الاقتصار على شهادة السمع والأبصار والجلود هنا بخلاف آية سورة النور ( 24 ) { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } ، لأن آية النور تصف الذين يرمون المحصنات وهم الذين اختلقوا تهمة الإِفك ومشَوا في المجامع يُشيعونها بين الناس ويشيرون بأيديهم إلى من اتهموه إفكاً .وإنما قالوا لجلودهم { لِمَ شَهِدتُمْ عَلَيْنَا } دون أن يقولوه لسمعهم وأبصارهم لأن الجلود مواجهة لهم يتوجهون إليها بالملامة . وإجراء ضمائر السمع والبصر والجلود بصيغتي ضمير جمع العقلاء لأن التحاور معها صيرها بحالة العقلاء يومئذٍ . ومن غريب التفسير قول من زعموا أن الجلود أريد بها الفروج ونسب هذا للسدي والفراء ، وهو تعنت في محمل الآية لا داعي إليه بحال ، وعلى هذا التفسير بنى أحمد الجرجاني في كتاب «كنايات الأدباء» فعدَّ الجلود من الكنايات عن الفُروج وعزاه لأهل التفسير فجازف في التعبير .
الآية 20 - سورة فصلت: (حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون...)