سورة فصلت: الآية 15 - فأما عاد فاستكبروا في الأرض...

تفسير الآية 15, سورة فصلت

فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا يَجْحَدُونَ

الترجمة الإنجليزية

Faamma AAadun faistakbaroo fee alardi bighayri alhaqqi waqaloo man ashaddu minna quwwatan awalam yaraw anna Allaha allathee khalaqahum huwa ashaddu minhum quwwatan wakanoo biayatina yajhadoona

تفسير الآية 15

فأما عاد قوم هود فقد استعلَوا في الأرض على العباد بغير حق، وقالوا في غرور: مَن أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله تعالى الذي خلقهم هو أشدُّ منهم قوة وبطشًا؟ وكانوا بأدلتنا وحججنا يجحدون.

«فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا» لما خوِّفوا بالعذاب «من أشد منا قوة» أي لا أحد، كان واحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل يجعلها حيث يشاء «أولم يروْا» يعلموا «أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوَّة وكانوا بآياتنا» المعجزات «يجحدون».

هذا تفصيل لقصة هاتين الأمتين، عاد، وثمود. فَأَمَّا عَادٌ فكانوا -مع كفرهم باللّه، وجحدهم بآيات اللّه، وكفرهم برسله- مستكبرين في الأرض، قاهرين لمن حولهم من العباد، ظالمين لهم، قد أعجبتهم قوتهم. وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً قال تعالى ردًا عليهم، بما يعرفه كل أحد: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً فلولا خلقه إياهم، لم يوجدوا فلو نظروا إلى هذه الحال نظرًا صحيحًا، لم يغتروا بقوتهم، فعاقبهم اللّه عقوبة، تناسب قوتهم، التي اغتروا بها.

قال الله تعالى : ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض [ بغير الحق ] ) أي : بغوا وعتوا وعصوا ، ( وقالوا من أشد منا قوة ) أي : منوا بشدة تركيبهم وقواهم ، واعتقدوا أنهم يمتنعون به من بأس الله ! ( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) أي : أفما يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة ؟ فإنه العظيم الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها ، وإن بطشه شديد ، كما قال تعالى : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) [ الذاريات : 47 ] ،

ثم فصل- سبحانه- بعد ذلك حال كل فريق منهم، وبين ما نزل به من عذاب مهين فقال: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ...أى. هذا هو قولهم على سبيل الإجمال لرسلهم، وإليك جانبا من حال قوم عاد، ومن أقوالهم الباطلة.إنهم قد استكبروا في الأرض بغير الحق. واغتروا بما بين أيديهم من نعم، وقالوا على سبيل التباهي والتفاخر والتكبر: من أشد منا قوة.وقيد استكبارهم في الأرض بأنه بغير الحق. لبيان واقعهم، حيث كانوا كما وصفهم الله- تعالى- في آيات أخرى متجبرين متعالين على غيرهم، ومن ذلك قوله- تعالى:أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ. وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ.الاستفهام في قوله- تعالى- الذي حكاه عنهم مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً للإنكار والنفي.أى: لا أحد أقوى منا، فنحن في استطاعتنا أن ندفع كل عذاب ينزل بنا، وهذا هو الشعور الكاذب الذي يشعر به الطغاة الجاهلون في كل زمان ومكان.وقد رد الله- تعالى- عليهم وعلى أمثالهم ردا منطقيا حكيما يخرس ألسنتهم فقال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً، وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ.أى: أعموا وصموا عن الحق، ولم يعلموا أن الله- تعالى- الذي أوجدهم من العدم، هو- سبحانه- أشد منهم قوة وبأسا.إنهم لغرورهم وجهالاتهم نسوا كل ذلك، وكانوا بآياتنا الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا يجحدون، ويعاندون وينكرون الحق الذي جاءتهم به رسلهم.

قوله عز وجل : ( ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة ) وذلك أن هودا - عليه السلام - هددهم بالعذاب ، فقالوا : من أشد منا قوة ؟ نحن نقدر على دفع العذاب عنا بفضل قوتنا ، وكانوا ذوي أجسام طوال ، قال الله تعالى ردا عليهم : ( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ) .

قوله تعالى : فأما عاد فاستكبروا في الأرض على عباد الله هود ومن آمن معه بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة اغتروا بأجسامهم حين تهددهم بالعذاب ، وقالوا : نحن نقدر على دفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا . وذلك أنهم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم .وقد مضى في " الأعراف " عن ابن عباس : أن أطولهم كان مائة ذراع وأقصرهم كان ستين ذراعا . فقال الله تعالى ردا عليهم : أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وقدرة ، وإنما يقدر العبد بإقدار الله ، فالله أقدر إذا . وكانوا بآياتنا يجحدون أي بمعجزاتنا يكفرون .

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)يقول تعالى ذكره: ( فَأَمَّا عَادٌ ) قوم هود ( فَاسْتَكْبَرُوا ) على ربهم وتجبروا( فِي الأرْضِ ) تكبرا وعتوّا بغير ما أذن الله لهم به ( وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ ) وأعطاهم ما أعطاهم من عظم الخلق, وشدة البطش ( هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) فيحذروا عقابه, ويتقوا سطوته لكفرهم به, وتكذيبهم رسله. يقول: وكانوا بأدلتنا وحججنا عليهم يجحدون.

فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) بعد أن حُكي عن عاد وثمود ما اشترك فيه الأمتان من الكابرة والإصرار على الكفر فصّل هنا بعض ما اختصت به كل أمة منهما من صورة الكفر ، وذكر من ذلك ما له مناسبة لما حلّ بكل أمة منهما من العذاب .والفاء تفريع على جملة { قَالُوا لَو شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائكَةً } [ فصلت : 14 ] المقتضية أنهم رفضوا دعوَة رسوليهم ولم يقبلوا إرشادهما واستدلالهما .و { أَمَّا } حرف شرط وتفصيل ، وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : { فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم } في سورة البقرة ( 26 ) . والمعنى : فأما عاد فمنعهم من قبول الهدى استكبارهم .والاستكبار : المبالغة في الكبر ، أي التعاظم واحتقار الناس ، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل : استجاب ، والتعريف في { الأرْض } للعهد ، أي أرضهم المعهودة . وإنما ذُكر من مساويهم الاستكبار لأن تكبرهم هو الذين صرفهم عن اتباع رسولهم وعن توقع عقاب الله .وقوله : { بِغَيْرِ الحَقِّ } زيادة تشنيع لاستكبارهم ، فإن الاستكبار لا يكون بحق إذ لا مبرر للكبر بوجه من الوجوه لأن جميع الأمور المغريات بالكبر من العلم والمال والسلطان والقوة وغير ذلك لا تُبلغ الإِنسان مبلغ الخلوّ عن النقص وليس للضعيف الناقص حق في الكبر ولذلك كان الكبر من خصائص الله تعالى . وهم قد اغترُّوا بقوة أجسامهم وعزة أمتهم وادعوا أنهم لا يغلبهم أحد ، وهو معنى قولهم : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَةً } فقولهم ذلك هو سبب استكبارهم لأنه أورثهم الاستخفاف بمن عداهم ، فلما جاءهم هود بإنكار ما هم عليه من الشرك والطغيان عظم عليهم ذلك لأنهم اعتادوا العجب بأنفسهم وأحوالهم فكذبوا رسولهم .فلما كان اغترارهم بقوتهم هو باعثَهم على الكفر وكان قولهم : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَةً } دليلاً عليه خصّ بالذكر . وإنما عطف بالواو مع أنه كالبيان لقوله : { فَاسْتَكْبَرُوا في الأرْضضِ بِغَيْرِ الحَقِّ } إشارة إلى استقلاله بكونه مُوجب الإِنكار عليهم ، لأن قولهم ذلك هو بمفرده منكر من القول فذُكر بالعطف على فعل «استكبروا» لأن شأن العطف أن يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، ويعلم أنه باعثهم على الاستكبار بالسياق .وجملة { أوَلَم يَرَوا أنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنْهُم قُوَّةً } جملة معترضة ، والواو اعتراضية . والرؤية علمية ، والاستفهام إنكاري ، والمعنى : إنكار عدم علمهم بأن الله أشد منهم قوة حيث أعرضوا عن رسالة رسول ربهم وعن إنذاره إياهم إعراضَ من لا يكترث بعظمة الله تعالى لأنهم لو حسبوا لذلك حسابه لتوقعوا عذابَه فَلأَقْبلوا على النظر في دلائل صدق رسولهم . وإجراءُ وصف { الَّذِي خَلَقَهُمْ } على اسم الجلالة لما في الصلة من الإِيماء إلى وجه الإِنكار عليهم لجهلهم بأن الله أقوى منهم فإن كونهم مخلوقين معلوم لهم بالضرورة ، فكان العلم به كافياً في الدلالة على أنه أشدّ منهم قوة ، وأنه حقيق بأن يحسبوا لغضبه حسابه فينظروا في أدلة صدق رسوله إليهم .وضمير { هُوَ أشَدُّ مِنْهُم } ضمير فصل ، وهو مفيد تقوية الحكم بمعنى وضوحه ، وإذا كان ذلك الحكم محققاً كان عدم علمهم بمقتضاه أشنع وعذرهم في جهله منتفياً .والقوة حقيقتها : حالة في الجسم يتأتّى بها أن يعمل الأعمال الشاقة ، وتطلق على لازم ذلك من القدرة ووسائل الأعمال ، وقد تقدم بيان إطلاقها في قوله تعالى : { فخذها بقوة } في سورة الأعراف ( 145 ) ، والمراد بها هنا معناها الحقيقي والكنائي والمجازي ، فهو مستعمل في حقيقته تصريحاً وكنايةً ، ومجازِه لما عندهم من وسائل تذليل صعَاب الأمور لقوة أجسامهم وقوة عقولهم . والعرب تضرب المثل بِعَادٍ في أصالة آرائهم فيقولون : أحلام عاد ، قال النابغة: ... أَحلامُ عادٍ وأجسامٌ مطهرةمن المَعَقَّةِ والآفاتتِ والإِثَمِ ... ويقولون في وصف الأشياء التي يقل صنع أمثالها : عاديَّة يقولون : بئر عاديَّة ، وبناءٌ عَاديّ .ولما كانت القوّة تستلزم سعة القدرة أسند القوة إلى الله تعالى بمعنى أن قدرته تعالى لا يستعصي عليها شيء تتعلق به إرادته تعالى ، وهذا المراد هنا في قوله : { أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنهم قُوَّةً } أي هو أوسع قدرة من قدرتهم فإطلاق القوة على قدرة الله تعالى بمعنى كماللِ القدرة ، أي عموم تأثيرها وتعلقها بالممكنات على وفق الإِرادة لا يستعصي على تعلق قدرته شيء ممكنٌ ، وكماللِ غِناه عن التأثّر للغير ، وتقدم عند قوله تعالى : { إن اللَّه قوي شديد العقاب } في سورة الأنفال ( 52 ) .وجملة { أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنهم قُوَّةً } معترضة بين الجمل المتعاطفة ، والواو فيها اعتراضية .وقوله : { وَكَانُوا بئآياتنا يَجْحَدُون } يحتمل أن المراد بالآيات معجزات رسولهم هود فلم يؤمنوا بها وأصروا على العناد ولم يذكر القرآن لهود آيات سوى أنه أنذرهم عذاباً يأتيهم من السماء ، قال تعالى : { فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم } [ الأحقاف : 24 ] فذلك من تكذيبهم بأوائل الآيات .ويحتمل أن المراد بالآيات دلائل الوحدانية التي في دعوة رسولهم وتذكيرُهم بنعم الله عليهم كقوله : { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة } [ الأعراف : 69 ] ، وقوله : { واتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون } [ الشعراء : 132 ، 134 ] .ودل فعل { كانوا } على أن التكذيب بالآيات متأصل فيهم . ودلت صيغة المضارع في قوله : { يَجْحَدُونَ } أن الجحد متكرر فيهم متجدد . ورتب على ذلك وصف عقابهم بأن الله أرسل عليهم ريحاً فأشارت الفاء إلى أن عقابهم كان مسبباً على حالة كفرهم بصفتها فإن باعث كفرهم كان اغترارهم بقوتهم ، فأهلكهم الله بما لا يترقب الناس الهلاك به فإن الناس يقولون للشيء الذي لا يُؤبه به : هو ريح ، ليريهم أن الله شديد القوة وأنه يضع القوة في الشيء الهيّن مثل الريح ليكون عذاباً وخزياً ، أي تحقيراً كما قال : { لنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ في الحياة الدُّنْيَا } ، وأي خزي أشد من أن تتراماهم الريح في الجوّ كالريش ، وأن تلقِيَهم هلكَى على التراب عن بكرة أبيهم فيشاهدهم المارّون بديارهم جثثاً صرعى قد تقلصت جلودهم وبليت أجسامهم كأنهم أعجاز نخل خاوية .والريح : تموُّج في الهواء يحدث من تعاكس الحرارة والبرودة ، وتنتقل موجاته كما تنتقل أمواج البحر والريح الذي أصاب عاداً هو الريح الدَّبور ، وهو الذي يهبّ من جهة مغرب الشمس ، سميت دبوراً بفتح الدال وتخفيف الباء لأنها تهبّ من جهة دُبر الكعبة قال النبي صلى الله عليه وسلم { نُصِرتُ بالصبا وأهلكتْ عاد بالدبور } وإنما كانت الريح التي أصابت عاداً بهذه القوة بسبب قوة انضغاط في الهواء غير معتاد فإن الانضغاط يصير الشيء الضعيف قوياً ، كما شوهد في عصرنا أن الأجسام الدقيقة من أجزاء كيمياوية تسمى الذَّرة تصير بالانضغاط قادرة على نسف مدينة كاملة ، وتسمى الطاقة الذَّرية ، وقد نُسف بها جزء عظيم من بلاد اليابان في الحرب العامة .والصرصر : الريح العاصفة التي يكون لها صرصرة ، أي دويّ في هبوبها من شدة سرعة تنقلها . وتضعيف عينه للمبالغة في شدتها بين أفراد نوعها كتضعيف كبكب للمبالغة في كَبّ . وأصله صَرَّ ، أي صاح ، وهو وصف لا يؤنث لفظه لأنه لا يجري إلا على الريح وهي مقدرة التأنيث .والنحسات بفتح النون وسكون الحاء : جمع نَحس بدون تأنيث لأنه مصدر أو اسم مصدر لفعل نَحِس كَعَلِم ، كقوله تعالى : { في يوم نحس مستمر } [ القمر : 19 ] .وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بسكون الحاء . ويجوز كسر الحاء وبه قرأ البقية على أنه صفة مشبهة من ( نَحِس ) إذا أصابه النحْس إصابة سوء أو ضر شديد . وضده البخت في أوهام العامة ، ولا حقيقة للنحس ولا للبخت ولكنهما عارضان للإنسان ، فالنحس يَعرض له من سوء خِلقه مزاجه أو من تفريطه أو من فساد بيئته أو قومِه ، والبخت يعرض من جراء عكس ذلك . وبعض النوعين أمور اتفاقية وربما كان بعضها جزاءً من الله على عمل خيرٍ أو شر من عباده أو في دينه كما حل بعاد وأهل الجاهلية . وعامة الأمم يتوهمون النحس والبخت من نوع الطِّيرَة ومن التشاؤم والتيمّن ، ومنه الزجر والعيافة عند العرب في الجاهلية ومنه تَطَلُّع الحدثَان من طوالع الكواكب والأياممِ عند معظم الأمم الجاهلة أو المختلَّة العقيدة . وكل ذلك أبطله الإسلام ، أي كشف بطلانه ، بما لم يسبقه تعليم من الأديان التي ظهرت قبل الإِسلام .فمعنى وصف الأيام بالنحسات : أنها أيام سوء شديد أصابهم وهو عذاب الريح ، وهي ثمانية أيام كما جاء في قوله تعالى : { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً } [ الحاقة : 7 ] ، فالمراد : أن تلك الأيام بخصوصها كانت نحساً وأن نَحْسها عليهم دون غيرهم من أهل الأرض لأن عاداً هم المقصودون بالعذاب . وليس المراد أن تلك الأيام من كل عام هي أيام نحس على البشر لأن ذلك لا يستقيم لاقتضائه أن تكون جميع الأمم حلّ بها سوء في تلك الأيام .ووُصفت تلك الأيام بأنها { نَّحِسَاتٍ } لأنها لم يحدث فيها إلا السوء لهم من إصابة آلام الهَشْم المحقققِ إفضاؤه إلى الموت ، ومشاهدة الأموات من ذويهم ، وموت أنعامهم ، واقتلاع نخيلهم .وقد اخترع أهل القصص تسمية أيام ثمانية نصفُها آخر شهر ( شُباط ) ونصفها شهر ( آذار ) تكثر فيها الرياح غالباً دَعَوها أيام الحسوم ثم ركبوا على ذلك أنها الموصوفة بحسوم في قوله تعالى في سورة الحاقة ( 7 ) { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً } فزعموا أنها الأيام الموافقة لأيام الريح التي أصابت عاداً ، ثم ركَّبوا على ذلك أنها أيام نحس من كل عام وكَذَبوا على بعض السلف مثل ابن عباس أكاذيب في ذلك وذلك ضغْث على إبالة ، وتفنن في أوهام الضلالة .وجُمع { نّحِسَاتٍ } بالألف والتاء لأنه صفة لجمععِ غير العاقل وهو { أَيَّامٍ } .
الآية 15 - سورة فصلت: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة ۖ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو...)