Kaththaba allatheena min qablihim faatahumu alAAathabu min haythu la yashAAuroona
تفسير الآية 25
كذَّب الذين مِن قبل قومك -أيها الرسول- رسلهم، فجاءهم العذاب من حيث لا يشعرون بمجيئه، فأذاق الله الأمم المكذبة العذاب والهوان في الدنيا، وأعد لهم عذابًا أشد وأشق في الآخرة، لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ما حلَّ بهم؛ بسبب كفرهم وتكذيبهم لاتَّعظوا.
«كذَّب الذين من قبلهم» رسلهم في إتيان العذاب «فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون» من جهة لا تخطر ببالهم.
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم كما كذب هؤلاء، فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ جاءهم في غفلة أول نهار، أو هم قائلون.
وقوله : ( كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) يعني : القرون الماضية المكذبة للرسل ، أهلكهم الله بذنوبهم ، وما كان لهم من الله من واق .
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من أمم الكفر والضلال فَأَتاهُمُ الْعَذابُ المقدر لكل أمة من أمم الكفر.مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أى: من الجهة التي لا تخطر لهم على بال، أن العذاب يأتيهم منها، فيكون وقعه عليهم أشد وأفظع.
( كذب الذين من قبلهم ) من قبل كفار مكة كذبوا الرسل ، ( فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) يعني : وهم آمنون غافلون من العذاب .
قوله تعالى : كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرونتقدم معناه .
وقوله: ( كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: كذب الذين من قبل هؤلاء المشركين من قُريش من الأمم الذين مضوا في الدهور الخالية رسلهم ( فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) يقول: فجاءهم عذاب الله من الموضع الذي لا يشعرون: أي لا يعلمون بمجيئه منه.
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) والفاء في قوله : { فأتاهم العذابُ } دالّة على تسبب التكذيب في إتيان العذاب إليهم فلما ساواهم مشركو العرب في تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم كان سبب حلول العذاب بأولئك موجوداً فيهم فهو منذر بأنهم يحلّ بهم مثل ما حلّ بأولئك .وضمير { مِن قَبْلِهم } عائد على { مَن يتَّقِي بوجهه سُوءَ العَذَابِ } [ الزمر : 24 ] باعتبار أن معنى ( مَن ) جمع . وفي هذا تعريض بإنذار المشركين بعذاب يحلّ بهم في الدنيا وهو عذاب السيف الذي أخزاهم الله به يوم بدر . فالمراد بالعذاب الذي أتى الذين من قبلهم : هو عذاب الدنيا ، لأنه الذي يوصف بالإِتيان من حيث لا يشعرون .و { حيثُ } ظرف مكان ، أي جاء العذابُ الذين من قبلهم من مكان لا يشعرون به؛ فقوم أتاهم من جهة السماء بالصواعق ، وقوم أتاهم من الجو مثل ريح عاد ، قال تعالى : { فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم } [ الأحقاف : 24 ] ، وقوم أتاهم من تحتهم بالزلازل والخسف مثل قوم لوط ، وقوم أتاهم من نبع الماء من الأرض مثل قوم نوح ، وقوم عم عليهم البحر مثل قوم فرعون .وكان العذاب الذي أصاب كفار قريش لم يخطر لهم ببال ، وهو قطع السيوف رقابهم وهم في عزة من قومهم وحرمة عند قبائل العرب ما كانوا يحسبون أيدياً تقطع رقابهم كحال أبي جهل وهو في الغَرغرة يوم بدر حين قال له ابن مسعود : أنت أبَا جهل؟ فقال : «وهل أعمد من رجل قتله قومه» .واستعارة الإِذاقة لإِهانة الخزي تخييلية وهي من تشبيه المعقول بالمحسوس .وعطف عليه { ولعذاب الآخرة أكبر } للاحتراس ، أي أن عذاب الآخرة هو الجزاء ، وأما عذاب الدنيا فقد يصيب الله به بعض الظلمة زيادة خزي لهم .وقوله : { لو كانوا يعلمون } جملة معترضة في آخر الكلام . ومفعول { يَعْلَمُونَ } دل عليه الكلام المتقدم ، أي لو كان هؤلاء يعلمون أن الله أذاق الآخرين الخزي في الدنيا بسبب تكذيبهم الرسل ، وأن الله أعدّ لهم عذاباً في الآخرة هو أشد . وضمير { يَعْلَمُونَ } عائد إلى ما عاد إليه ضمير { قَبْلِهِمْ } . وجواب { لو } محذوف دل عليه التعريض بالوعيد في قوله : { كَذَّبَ الذين من قَبْلِهم } الآية ، تقديره : لو كانوا يعلمون أن ما حلّ بهم سببه تكذيبهم رسلهم كما كذّب هؤلاء محمداً صلى الله عليه وسلمووصف عذاب الآخرة ب { أكبر } بمعنى : أشد فهو أشد كيفية من عذاب الدنيا وأشد كمية لأنه أبدي .